وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

لماذا تتعطل المصالحة؟

نشر بتاريخ: 02/08/2015 ( آخر تحديث: 02/08/2015 الساعة: 02:53 )
لماذا تتعطل المصالحة؟

لماذا تتعطل المصالحة؟
وهل نحن بحاجة الى مصالحة أم توافق؟
الأستاذ الدكتور:ذياب عيوش
بروفيسور في علم الاجتماع
عضو المجلس الثوري لحركة فتح

لقد علّمنا علمُ الاجتماع أن العلاقة بين التنظيمات الاجتماعية والسياسية وداخل كل منها لا تسير دائما حسب نمط معيّن بالضرورة ، وإنما تأخذ شكل عمليات متنوعة مثل التعاون، والتنافس، والصراع، والتوافق، والتمثيل Assimilation. ولما كان مجتمعنا الفلسطيني في مقدمة المجتمعات التي فرضت عليها الظروف أن تجرّب هذه الأشكال جميعها عبر تاريخه الطويل، فان أخطر ما يواجهه شعبنا حاليا هو استمرار الصراع الداخلي ، وتعثّر "المصالحة" الفلسطينية – الفلسطينية وغياب روح التوافق لدى صنّاع القرار لأسباب لا يعرف حقيقتها الكاملة سوى الله وحده، ثم عدد قليل من المطّلعين على بواطن الأمور، مما يقتضي الإجابة عن السؤالين ومعالجتهما بكل شجاعة ، حتى لا يبقى شعبنا فريسة يتمتّع بالتهامها الآكلون.وهذان السؤالان هما: لماذا تتعطل المصالحة؟ وهل نحن بحاجة إلى " مصالحة" أم "توافق"؟


وحتى لا نُطيل الحديث عن معضلة تعثّر " المصالحة" كل هذه السنين ، نود التأكيد على أن الأقدر والأحوج الى انهاء حالة الانقسام البغيض هو نحن شعب فلسطين؛ نحن نملك مفتاح الحل، ونملك القدرة على تسويقه وفرضه غير منقوص، حين نعتمد المناهج المناسبة والأدوات الملائمة لها ،وحين نمتلك حُسن التدبير ، وصدق النوايا، والوعي الكافي لإدراك الخطر الذي يتهددنا جميعنا إذا ما بقينا نلهو بهذا الملف، ولم نرفض القرصنة الداخلية، والوصاية الخارجية، علينا كشعب واحد له خصوصيته، وظروفه، وآلامه التي لم يجرّبها غيره من الشعوب المعاصرة.


وبكل صراحة وموضوعية ، أرى ان المحاولات المتكررة "للمصالحة" ، وما صاحبها من جهود خيّرة في أكثر من عاصمة عربية، وما نتج عنها من اتفاقيات وقعتها الأطراف الفلسطينية المتصارعة برعاية الأشقاء العرب،قد تعطلت لثلاثة أسباب رئيسة :
السبب الأول، هو التمسّك ، من الباطن، بالمواقف والمفاهيم المتباينة، وسعي كل من الطرفين المتصارعين( أو المتنازعين) الى جر الطرف الآخر الى مساره وقناعاته، دون الالتفات الى قناعة الآخر أو حتى تحسس بعض الجدوى في مواقفه، ودون جعل التوافق سيد الموقف الذي نعمل جميعنا من أجل الوصول إليه كوسيلة وطنية رئيسة للتحرر والعودة وبناء الدولة الحقيقية على الأرض العربية الفلسطينية بعاصمتها القدس.وهذا يعني أن كل طرف يتشبث بفلسفة البعد الواحد، على الرغم من وجود تجارب وطنية، وعربية، و عالمية، أكّدت على أن فلسفة "البُعد الواحد" لا تحقق ما تحققه فلسفة "الأبعاد المتعددة" من نجاحات، وعلى الرغم مما يمتلئ فيه تراثنا الأدبي والديني من تأكيد على أهمية الوحدة أمام الأعداء والطامعين.


أما السبب الثاني، فهو الرفض الذاتي للمصالحة، في الظاهر أو الباطن، خوفا من تأثيراتها السلبية على مصالح بعض أقطاب هذا الطرف أو ذاك وعلى علاقاته بالآخرين . وهذا يعني التنكّر لتعددية الرأي والموقف، وعدم قبول المشاركة الفاعلة والمتوازنة لكل الأطياف الفلسطينية في تحمّل مسؤولية العمل المشترك من أجل التحرر وبناء الدولة المستقلة، وعدم قبول فكرة المعارضة مهما كانت شريفة، نتيجة لعقلية " اما الكل أو لا شيء".


ولعل السبب الثالث لتعطّل المصالحة بعد العام 2007 ،هو الرضوخ لقوى لا تريد لنا الوحدة وتغلق المسارب المؤدية اليها باستمرار، وفي مقدمتها سلطة الاحتلال،والولايات المتحدة، وحلفاؤها المعروفون على الصعيد العربي والدولي، ثم المنتفعون من ذلك على الصعيد الداخلي والوطني ،الذين لا يفكّرون بغير مصالحهم الذاتية. ولكل منهم أسبابه الخاصّة التي تتقاطع أحيانا وتفترق أحيانا أخرى.


لهذه الأسباب وغيرها نرى أن البديل الوطني المنطقي للمصالحة ولتكريم الشهداء على دوابشه، وليث الخالدي، ومحمد المصري وغيرهم من شهداء الوطن والحرية هو " التوافق"، الذي يستند إلى الوثيقة الموقعة عام ألف وتسعمائة وتسعين والتي سبقت جميع الوثائق والاتفاقات الأخرى بين فتح وحماس،وشكّلت أساسا جوهريا حفظ لكل فريق فلسطيني شخصيته، وأفكاره، وأهدافه، وأساليبه، واجتهاداته النضالية ، وأسّس لتفاهم وطني شامل إبان الانتفاضة الأولى المباركة، عندما كان شعبنا يناضل نضالا حقيقيا مشرّفا، مليئا بالأمل والتحدي، وبعيدا عن المناصب والأنانية والمصالح الشخصية والحزبية، وعندما كان كل منا يحافظ على أمن أخيه وسلامته في وجه الاحتلال كما يُحافظ على نفسه. ونعتقد أن وثيقة التسعين التي انبثقت من رحم الانتفاضة الأولى المباركة و التي صدرت عن مناضلي فتح وحماس معا بتاريخ 21/ 9/ 1990 الموافق 2 ربيع الأول 1411هجرية،هي "أم الوثائق" التي ينبغي أن نحذو حذوها، لأنها كانت وثيقة وطنية خالصة سبقت غيرها من الوثائق، وتوافق عليها أكبر فصيلين مقاومين للاحتلال آنذاك ، وباركها تنظيم الجهاد الاسلامي، وفصائل القيادة الوطنية الموحدة، دون استثناء.


ولما كان ايماننا بالله ، ثم ايماننا الراسخ بحقوقنا الوطنية وبوحدة شعبنا ،من أهم أسباب النصر،فإننا ندعو إلى العودة إلى وثيقة التسعين والاستئناس بها كأساس للتوافق من جديد، فهي التي لعبت دورا رئيسا في توجيه نضالنا، وتوحيد شعبنا ، وضبطت نضالنا الثوري الجماعي في مواجهة الاحتلال، وهي ليست بعيدة عن وثيقة الأسرى الأبطال التي توافقت عليها الفصائل من وراء القضبان . ومن أهم ما جاء في وثيقة التسعين بين حركتي "فتح" و "حماس":
1 – الايمان أن الاختلاف في الرأي أمر طبيعي وظاهرة صحية، فلكل فصيل أو فرد اجتهاده الفكري والسياسي ولا يجوز أن يكون سببا في الفرقة وحدوث المشاكل،أو مصادرة الرأي.
2 – اعتبار الحوار البنّاء وسيلة لفض المنازعات التي قد تحدث ولأجل ذلك تقرر تشكيل لجنة تنسيق مركزية ولجان فرعية في المناطق للاصلاح وتطويق الأحداث قبل تفاقمها.
3 – انهاء المشاكل العالقة واعتبارها منتهية وفتح صفحة جديدة للمستقبل.
4 – احترام عقيدة الأمة وشعائرها ومشاعرها وعدم السماح لأي كان بالتطاول عليها، والدعوة الى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
5 – حشد طاقات شعبنا الفلسطيني كلها وتوجيهها ضد العدو ومصالحه وعملائه والتعاون والتنسيق في ذلك.
6 - المحافظة على طاقات شعبنا المجاهد وممتلكاته وأعراضه وحمايتها من كل يد عابثة ورفض أسلوب جباية الأموال تحت أي مبرر.
7 – العمل على صيانة المؤسسات الوطنية وحمايتها وفتح أبوبها أمام جميع أبناء الشعب دون تمييز، واحترام قوانينها،واعتماد الكفاءة العلمية عند التوظيف، والعدل في ذلك بين الأطراف جميعها.
8 – لكل فصيل الحق وفي أي مكان من وطننا العزيز في أداء فعالياته كاملة دون تعرّض أي فصيل آخر له.
9 – عدم التراشق بالاتهامات ولكل فصيل الحق في التحقق من صدق أفراده.


ان مبدأ التوافق يعني قبول الآخر كما هو، و السعي معا إلى تحقيق هدف استراتيجي موحّد ، دون إهمال إمكانية العمل التكتيكي المشترك أحيانا ،اذا ما لزم الأمر في حالات نضالية معينة. وهذا المنهج التوافقي، البديل لمنهج التصالح المتعثّر ،هو الذي لا ينتقص فيه أي طرف من قناعات الطرف الآخر طالما توافقا على خطة وطنية استراتيجية شاملة تشكل قاسما مشتركا لشعبنا ، فيحملها شبابنا وهو فخور بحملها من أجل التحرير.


ان المناضلين الحقيقيين هم الذين يأخذون بمبدئي الشورى والثقة المتبادلة، وهم الذين يقدمون دماءهم وأرواحهم فداء للوطن ويلتقون دائما مهما تنوّعت شعاراتهم وانتماءاتهم. هكذا فعلت الفصائل الوطنية والاسلامية في نضالها المشترك ضد سلطة الاحتلال قبل اتفاقات أوسلو ، فهكذا فعل ثوار الجزائر سابقا ضد الاحتلال الفرنسي، وهكذا أيضا فعل مناهضوا التمييز العنصري السابق في جنوب افريقيا.فهذا هو طريق المناضلين الحقيقيين دائما وفي كل العصور.فهل أدركنا ما نحن فيه من مخاطر، وهل من سبيل الى توافق يحفظ ماء الوجه للجميع ولا يصادر فكرا لفرد أو لفصيل مُقاوم، لتنتهي مهزلة الاعتقالات الداخلية لأبناء شعبنا من بين صفوفنا بحجج أمنية واهية ، ونتحد حتى لا يكسرنا أحد؟