|
صبرا وشاتيلا مجزرة والجزار بلا عقاب - بقلم عصام الحلبي
نشر بتاريخ: 16/09/2005 ( آخر تحديث: 16/09/2005 الساعة: 20:44 )
بقلم عصام الحلبي - معا - تمضي السنون مسرعة , تحمل بين ثناياها مااوقعته يد البشرية من أعمال خيرة أوشريرة, تدون كلها وتسجل وتوثق في سجلات البشرية ة , و هناك من الاعمال الاجرامية البشرية التي لايمكن أن تمحا من الذاكرة .ومجزرة صبرا وشاتيلا من هذه الاعمال الاجرامية التي تضاف الى سجل " اسرائيل " و" شارون " الاجرامي , والذ ي نجد مشاهد ه ودلالاته في كل يوم في عيون أطفال ونساء وكهول نجوا من المجزرة , يرون تفاصيلها الرهيبة وقلبهم تقطر دما وفي عيونهم تغص الدمعات على الاولاد والاباء والامهات والاخوة والاخوات والجيران والاصدقاء.
23عاما مضت على حدوث مجزرة صبرا وشاتيلا, مجزرة يندى لها التاريخ البشرى وستبقى وصمة عار على جبين المجتمع الاممي ومؤسساته التي تعهدت انذاك بحماية المخيمات الفلسطينية بعد أن غادرها رجال المقاومة الفلسطينية , تاركين خلفهم عائلاتهم من الاطفال والنساء والشيوخ العزل ,. صبرا وشاتيلا المجزرة التي ذهب ضحيتها اكثر من " 3000" ضحية من النساء والشيوخ والاطفال, الذين قتلوا وذبحوا وقطعوا بالسكاكيين والبلطات والفؤوس , مجزرة نفذها فاشيون لبنانيون وبمؤازرة ودعم وتغطية ومساندة اسرائلية, فشارون وجنودة كانوا يحتلون العاصمة اللبنانية بيروت التي تمركزت في المدينة الرياضية ومنطقة السفارة الكويتية وبير حسن وهذه المناطق جميعها تشكل الطوق الجغرافي لمخيم صبرا وشاتيلا . في مثل هذ ه المواقف والكتابات لايمكن للحرف أن يدون الوحشية بمضمونها وحجمها , فكل الحروف والكلمات تقف عاجزة عن وصف هول واجرام ونازية ماحصل في مخيم صبرا وشاتيلا , وفي هذا المقام لابد من ترك شهود العيان الناجون من المجزرة يرسمون حجم المعاناة بكلماتهم الخارجة من القلب والفكر المقطر بالآسى من هول الجريمة والفاجعة . تقول أم غازي يونس ماضي إحدى الناجيات من المذبحة "اقتحموا المخيم الساعة الخامسة والنصف يوم 16 سبتمبر، كان القتل يتم بالفؤوس والسكاكين، وكانوا يدفنون الناس أحياء بالجرافات، هربنا نركض حفاة ، وقد ذبحوا زوجي وثلاثة أبناء لي في المجزرة، فقد قتلوا زوجي في غرفة النوم وذبحوا أحد الأولاد، وحرقوا آخر بعد أن بتروا ساقيه، والولد الثالث وجدته مبقور البطن، كما قتلوا صهري أيضا". تروي أم محمود جارة أم غازي ما شهدته قائلة " رأيتهم يذبحون فتاة وهي حامل مع زوجها وابنة خالتي خرجت من المنزل فأمسكوا بها وذبحوها في الشارع ثم ذبحوا ولدها الصغير الذي كان في حضنها". وتقول سنية قاسم بشير "قتل زوجي وابني في المجزرة، وأفظع المشاهد التي شاهدتها كان منظر جارتنا الحاجة منيرة عمرو، فقد قتلوها بعدما ذبحوا طفلها الرضيع أمام عينيها البالغ من العمر أربعة شهور". علي خليل عفانة طفل في الثامنة يقول سمعنا صوت انفجار كبير وتلاه صوت امرأة وفجأة اقتحموا منزلنا، واندفعوا كالذئاب يفتشون الغرف، صاحت أمي تستنجد فأمطروها بالرصاص، مد أبى يده يبحث عن شيء يدافع به عن نفسه،لكن رصاصهم كان أسرع، لم أقو على الصراخ فقد انهالوا علي طعنا بالسكاكين والبلطات, لا أدري ماذا جرى بعد ذلك، لكني وجدت نفسي في المستشفى وتروي امرأة من مخيم صبرا ما جرى فتقول "كنا وزوجي وطفلي نهم بالنوم ليلة 15 سبتمبر بعدما انتهينا من ترتيب الأغراض التي خربها القصف، وكنا نعيش حالة من الاطمئنان لأن الجيش اللبناني - حسب ظنها- يطوق المخيم، لكن الهول كان قد اقترب إذ دخل عشرات الجنود والمقاتلين يطلقون النار ويفجرون المنازل، فخرجنا نستطلع الأمر ولما رأينا ما رأينا حاولنا الهرب لكنهم استوقفونا ، ودفعوا زوجي وأبى وأخي وأداروا ظهورهم إلى الحائط وأجبروهم على رفع أيديهم، ثم أمطروهم بوابل من الرصاص فسقطوا شهداء، ولما صرخنا أنا وأمي شدونا من شعورنا باتجاه حفرة عميقة أحدثها صاروخ، لكن أوامر صدرت لهم بالحضور إلى مكان آخر فتركونا دون أن يطلقوا علينا النار ثم هربنا". وروت امرأة كيف دخلوا بيتها وعندها طفل من الجيران فانهالوا عليه بالفأس فشقوا رأسه قسمين وتقول "لما صرخت أوثقوني بحبل كان بحوزتهم ورموني أرضا ثم تناوب ثلاثة منهم على اغتصابي، وتركوني في حالة غيبوبة لم استفق إلا في سيارة إسعاف الدفاع المدني". كان بعض رجال الميليشيات من الكتائب والقوات اللبنانية يسحقون الفلسطينيين بالسيارات العسكرية حتى الموت،وكانوا يرسمون الصليب على جثث القتلى، وقد قام مصور تلفزيون دانمركي يدعى بترسون بتصوير عدد من الشاحنات المحملة بالنساء الأطفال المسنين المتجهة إلى جهة مجهولة. في صبرا وشاتيلا تم قتل الناس دون تمييز، كما تم اغتصاب عدد كبير من النساء، هناك العديد من الناس رفع الأعلام البيضاء كناية عن الاستسلام خصوصا الأطفال والنساء غير أنهم كانوا من الضحايا الأوائل في المذبحة، بما في ذلك أكثر من خمسين امرأة ذهبن للتعبير عن الاستسلام وأنه ليس هناك مسلحون بالمخيم فتقلوهن جميعا. لم يسلم مستشفى عكا من بطش القتلة فقد هاجموه صباح الجمعة الساعة 11.30 صباحا حيث تمت عمليات قتل للأطباء والمرضى، ممرضة فلسطينية تدعى انتصار إسماعيل 19 عاما تم اغتصابها عشر مرات ثم قتلت وعثر على جثتها بعد ذلك مشوهة، وقد قتلوا العديد من المرضى والجرحى وبعض العاملين والسكان الذي لجئوا إلى المستشفى، ثم أجبروا أربعين مريضا على الصعود في الشاحنات ولم يعثر على أي منهم فيما بعد، وذبحوا الطبيب علي عثمان، والطبيبة سامية الخطيب داخل المستشفى، وأفرغوا رصاصات في رأس طفل جريح يرقد في السرير عمره 14 عاما ويدعى موفق أسعد. رووا" روبرتو سورو "مراسل مجلة التايم الأمريكية في بيروت ما رآه بعد دخوله المخيمات فيقول "لم يكن هناك سوى أكوام الخراب والجثث، حيث الجثث مكومة فوق بعضها من الأطفال والنساء والرجال ، بعضهم قد أصاب الرصاص رأسه ، وبعضهم قد ذبح من عنقه ، وبعضهم مربوطة أيديهم إلى الخلف ، وبعضهم أيديهم مربوطة إلى أرجلهم، بعض أجزاء الرؤوس قد تطايرت، جثة امرأة تضم طفلها إلى صدرها وقد قتلتهما رصاصة واحدة، وقد تمت إزاحة الجثث من مكان إلى آخر بالبلدوزرات الصهيونية ، ووقفت امرأة على جثة ممزقة وصرخت "زوجي ! يا رب من سيساعدني من بعده ؟ كل أولادي قتلوا ! زوجي ذبحوه ! ماذا سأفعل ؟ يا رب يا رب!". وفي تقرير لمراسل الواشنطن بوست يقول عن مشاهداته "بيوت بكاملها هدمتها البلدوزرات وحولتها إلى ركام جثث مكدسة فوق بعضها أشبه بالدمى، وفوق الجثث تشير الثقوب التي تظهر في الجدران إلى أنهم أعدموا رميا بالرصاص . في شارع مسدود صغير عثرنا على فتاتين، الأولى عمرها حوالي 11 عاما والثانية عدة أشهر ! ! ! كانتا ترقدان على الأرض وسيقانهما مشدودة وفي رأس كل منهما ثقب صغير، وعلى بعد خطوات من هناك وعلى حائط بيت يحمل رقمين 442- 424 أطلقوا النار على 8 رجال . كل شارع مهما كان صغيرا يخبر عن قصته، في أحد الشوارع تتراكم 16 جثة فوق بعضها بعضا في أوضاع غريبة، وبالقرب منها تتمدد امرأة في الأربعين من عمرها بين نهديها رصاصة، وبالقرب من دكان صغير سقط رجل عجوز يبلغ السبعين من العمر ويده ممدودة في حركة استعطاف، ورأسه المعفر بالتراب يتطلع ناحية امرأة ظلت تحت الركام ! ! ". ويقول حسين رعد 46 عاما "إن الإرهابيين قاموا بقطع الرؤوس وضرب الرقاب "بالساطور" وكانوا يدوسون الجثث بأقدامهم، وقد رأيت بعيني قتل خمسة أشخاص أحدهم بالساطور ناهيك عن الشتائم والإهانات، وكانوا يذبحون الأطفال والنساء بلا تمييز". وقال "إن السكان بدؤوا بالهروب من جهة القوات المتعددة الجنسية والتي لم تقم بحمايتهم خصوصا في منطقة الحمرا". أما محمود هاشم 28 عاما، وهو من شهود المذبحة كان عمره آنذاك يقارب الـ15 عاما "كنت نائما مع أصحاب لي يوم الجمعة ليلا في المخيم وبحدود الساعة 11 ليلا سمعنا إطلاق نار ظنناه عاديا، ونمنا حتى الصباح حيث صحونا لنجد المخيم خاليا إلا من القطط والكلاب، وخرجنا نتفقد الأحوال، حتى اقتربنا من "مدرسة الجليل" حيث وجدنا كومة من الجثث فوق بعضها البعض، فلم نتمالك أعصابنا ، وقررنا الخروج من المخيم عن طريق تدعى الأستديو" ووصلت إلى حي الفاكهاني حيث يقيم أهلي بعدما دمر بيتنا في مخيم صبرا وشاتيلا جراء القصف الصهيوني في أوائل الاجتياح، وسمعت هناك بخبر المذبحة"، ويضيف "التقيت صحفيا بريطانيا طلب مني أن أصحبه إلى مدخل المخيم صباح السبت 17/9/1982 ليسجل أحداث المذبحة بكاميرته، فوافقت وعندما وصلنا إلى الجهة الغربية من المخيم فوجئنا بكومة من الجثث بالقرب من مكان الدوخي، وقد ضرب صاحب الدكان ببلطة في رأسه، وكان إلى جانبه شاب صغير، والباقون من كبار السن، وتابعنا المسير حتى وصلنا إلى مفرق الحرج حيث شاهد 9 جثث تحت شاحنة، وكانت أيدي بعضهم مربوطة، فيما اخترق الرصاص سطح حائط مجاور، ويدل المنظر على عملية إعدام جماعي لهؤلاء، على بعد عشرة أمتار من هذا المشهد المذهل، وجدنا امرأة مسنة تحمل بطاقة هوية لبنانية، ويبدو أنها كانت تحاول إقناعهم بأنها لبنانية وليست فلسطينية، وعلى بعد عشرين مترا أخرى وجدنا عددا من الأحصنة مقتولة، وبينها جثة رجل مقطوع الرأس، تبين فيما بعد أنها جثة عمي عبد الهادي هاشم 49 عاما، وبعد أن تابعنا المسير اصطدمنا بست جثث مربوطة بجنازير بعضها ببعض، وكانت رؤوس اثنين منهم مجوفة فيما يبدو أنها ضربت ببلطة أو فأس على الرأس، ونظرا للهول والذهول الذي أصابنا قررنا العودة من حيث أتينا، وكان الصحفي البريطاني قد التقط عشرات الصور لهذه المشاهد، وخلال ذلك سمعنا حركة قريبة منا فاضطرب الصحفي وسارع لقيادة الدراجة النارية وأنا معه إلى خارج المخيم، وقد أطلقت علينا زخات من الرصاص فزاد من سرعة انطلاقه". ويستعيد شاهد العيان شريط ذكرياته داخل المخيم فيقول "رأينا الجثث مكومة في زاوية إلى اليمين وعلى بعد خمسين ياردة فقط من مدخل مخيم شاتيلا، كان هناك أكثر من اثنتي عشرة جثة لشبان صغار التفت أرجلهم وأيديهم بعضها حول بعض، وهم يعانون آلام الموت، وكان كل منهم مصابا برصاصة أطلقت نحو صدغه فاخترقت مخـه، وبدت على الجانب الأيسر من رقاب بعضهم ندوب قرمزية أو سوداء، رأينا طفلة لا تتجاوز الثالثة من عمرها ملقاة على الطريق وكأنها دمية مطروحة، وقد تلوث ثوبها الأبيض بالوحل والدم والتراب، وكانت قد أصيبت برصاصة قد طيرت مؤخرة رأسها واخترقت دماغها، كانت الأسر قد أوت إلى فراشها في غرف النوم عندما اقتحم المسلحون المخيم، فقد رأيت جثثا ممددة على الأرض أو متكومة تحت الكراسي، وبدا أنه جرى اغتصاب كثير من النساء حيث كانت ملابسهن مبعثرة على الأرض، شاهدت أما تضم طفلها وقد اخترقت رأس كل منهما رصاصة ، نساء عاريات قيدت أيديهن وأرجلهن خلف ظهورهن، رضيع مهشم الرأس يسبح في بركة من الدم وإلى جانبه رضاعة الحليب. على طاولة الكوي بالقرب من أحد البيوت قطعوا أعضاء طفل رضيع وصفوها بعناية على شكل دائرة ووضعوا الرأس في الوسط. في صبرا وشاتيلا يسود الانطباع أن القتلة استهدفوا وأمعنوا في قتل الأطفال بنوع خاص". بعد انسحاب الإرهابيين هام الناجون من المذبحة على وجوههم بحثا عن أقاربهم الذين طالهم الذبح بين أكوام الجثث أو تحت الأنقاض، وكانوا لا يزالون تحت كابوس المجزرة التي عاشوها. عائلات أبيدت وحوامل بقرت بطونهن وأطفال تطايرت رؤوسهم .."رأيت عشرات الجثث أمام الملجأ القريب من بيتنا. ظننت في البداية أن القصف قضى عليهم. بدأ القصف بعد مقتل بشير الجميل، كنا في المخيم خائفين من قدوم الكتائب والانتقام منا، لم ننم تلك الليلة وكان الحذر يلف المخيم". هذا ما رواه ماهر مرعي - أحد الناجين من مجزرة صبرا وشاتيلا - وهو يصف ما حدث ليلة السادس عشر من أيلول 1982، قال :" رأيت الجثث، أمام الملجأ مربوطة بالحبال لكني لم أفهم، عدت إلى البيت لأخبر عائلتي، لم يخطر في بالنا أنها مجزرة، فنحن لم نسمع إطلاق رصاص، أذكر أني رأيت كواتم صوت مرمية قرب الجثث هنا وهناك، ولكني لم أدرك سبب وجودها إلا بعد انتهاء المجزرة. كواتم الصوت "تتفندق" بعد وقت قصير من استخدامها، ولذا يرمونها. بقينا في البيت ولم نهرب حتى بعد أن أحسسنا أن شيئا مريبا يحدث في المخيم. رفض والدي المغادرة بسبب جارة أتت للمبيت عندنا، وكانت أول مرة تدخل بيتنا. زوجها خرج مع المقاتلين على متن إحدى البواخر ولم يكن لديها أحد، فقال أبي لا يجوز أن نتركها ونرحل. كان اسمها ليلى. كانت الجثث التي رأيتها أمام الملجأ لرجال فقط. ظننا أنا ووالدي أن الملجأ كان مكتظا فخرج الرجال ليفسحوا المجال للنساء والأطفال بالمبيت وأخذ راحتهم، فماتوا بالقصف. كنت ذاهبا يومها لإحضار صديقة لنا - كانت تعمل مع والدي - تبيت في الملجأ. كانت تدعى ميسر. لم يكن لها أحد هي الأخرى. كان أهلها في صور وأراد أبي أن أحضرها لتبيت عندنا. قتلت في المجزرة مع النساء والأطفال. رأيت جثتها في ما بعد في كاراج أبو جمال الذي كان الكتائبيون يضعون فيه عشرات الجثث، بل المئات. كان المشهد لا يوصف !!! عندما دخل الصهاينة إلى بيروت الغربية كنا نعتقد أن أقصى ما قد يفعلونه بنا هو الاعتقال وتدمير بيوتنا، كما فعلوا في صور وصيدا وباقي الأراضي التي احتلوها. أذكر أني ذهبت صباح يوم المجزرة - وكان يوم الخميس في 16 أيلول - مع مجموعة كبيرة من النساء والأطفال لإحضار الخبز من منطقة الأوزاعي سيرا على الأقدام (كان عمري 14 عاما). كنا "مقطوعين" من الخبز وليس لدينا ما نأكله. رفض أصحاب الأفران يومها أن يبيعونا، كان الخبز متوفرا ويبيعونه إلى اللبنانيين فقط مع أنه كان متوفرا بكثرة. عدنا إلى المخيم فلم نستطع الدخول، إذ كانت الطرقات المؤدية إلى المخيم جميعها مقطوعة، وكان الصهاينة يقنصون من السفارة الكويتية باتجاه مدخل المخيم الجنوبي. عند تقاطع هذا المدخل وبئر حسن، كان هنالك قسطل مياه مكسور، وكان أهالي المخيم يعبئون منه الماء رغم القنص. رأيت عند قسطل المياه صهيونيا من أصل يمني يقتل فتاتين فلسطينيتين، لأنهما وبختا فلسطينيا أرشد الصهيوني إلى الطريق التي هرب منها أحد الذين يطاردونهم، هكذا قالت أم الفتاتين التي كانت معهما وهربت عند بدء إطلاق الرصاص. حاول أهل المخيم سحب الفتاتين فقتل رجلان وهما يحملان جثتيهما، - قنصهما الصهاينة من السفارة - ثم ما لبث أهل المخيم أن سحبوهما بالحبال. يومها رأيت آرييل شارون في هليكوبتر أمام السفارة، أحسست أنه قائد صهيوني كبير، لم أكن أعرف من هو إلا بعد أن رأيته على شاشات التلفزيون بعد انتشار أخبار المجزرة. تمكنا بعد ذلك من العودة إلى المخيم في المساء كانت القذائف المضيئة تملأ سماء المخيم، هنا، بدأ صوت ماهر يرتجف عندما أخذ يخبرني ما حصل في بيتهم تلك الليلة - أي الخميس وهو أول يوم في المجزرة. قال ماهر:"عندما أخبرت والدي عن الجثث، طلب منا أن نلزم الهدوء وألا نصدر أي صوت، تتألف عائلتنا من 12 شخصا، ستة صبيان وأربع بنات وأبي وأمي. كان أخواي محمد وأحمد خارج البيت وهما أكبر مني سنا. الباقون كانوا في البيت وكانت جارتنا ليلى عندنا. قرابة الفجر، صعد أخي إلى السطح مع ليلى كي تطمئن على بيتها. كان النعاس قد غلبنا أنا وأبي - إذ بقينا ساهرين ننصت إلى ما يجري في الخارج ونسكت أختي الصغيرة التي كانت تبكي من وقت لآخر. لم نشعر بصعود ليلى وأختي إلا عندما نزلا. كانتا خائفتين فقد رآهما المسلحون. ما هي إلا لحظات حتى بدأنا نسمع طرقا عنيفا على الباب. عندما فتحنا لهم أخذوا يشتموننا وأخرجونا من البيت ووضعونا صفا أمام الحائط يريدون قتلنا. أرادوا إبعاد ليلى إذ ظنوا أنها لبنانية لأنها شقراء، وأبعدوا أختي الصغيرة معها لأنها شقراء هي الأخرى وظنوا أنها ابنة ليلى ! رفضت ليلى تركنا، وأخذت أختي تصرخ وتمد يديها إلى أمي تريد "الذهاب" معها، كان عمرها أقل من سنتين وكانت ما تزال تحبو، في تلك اللحظة، كان هناك شاب من بيت المقداد يطاردهم ويطلق عليهم النار ويختبئ، كان اسمه يوسف، لمحته تلك الليلة عدة مرات، اعتقد أنهم ظنوا في تلك اللحظة أن الضجة صادرة عنه، لذا أدخلونا إلى البيت وهم يكيلون لنا الشتائم، طلبوا من والدي بطاقة هويته، وما إن أدار ظهره ليحضرها حتى انهال الرصاص علينا جميعا كالمطر لم أعرف كيف وصلت إلى المرحاض واختبأت فيه وفي طريقي إلى المرحاض وجدت أخي الأصغر إسماعيل فأخذته معي وأقفلت فمه. رأيت من طرف باب المرحاض كل عائلتي مرمية على الأرض، ما عدا أختي الصغيرة. كانت تصرخ وتحبو باتجاه أمي وأختي وما إن وصلت بينهما حتى أطلقوا على رأسها الرصاص فتطاير دماغها وماتت. إسماعيل وأنا لم نتحرك. لزمنا الصمت فترة. لم أعد أستطيع التنفس، فحاولت بلع ريقي لاستعادة تنفسي وكنت مترددا في فعل ذلك. إذ كنت - عادة - أصدر صوتا عندما أبلع ريقي وخفت أن يسمعوا الصوت ويأتوا لقتلي. وبالفعل، عندما فعلت كان صوت البلع مسموعا من شدة السكون الذي سطر على البيت لكنهم لم يسمعوني، فقد خرجوا بعد ان نفذوا جريمتهم. كان كل شيء ساكنا، امسكت الباب كي لا يتحرك لانه كان يصر - في العادة - صريرا. خفت أن يسمعوه فيعودوا ورحت أحركه ببطء شديد. كما اعتقدت أنهم ربما لاحظوا غيابي وأنهم سيعودون لقتلي. لذا انتظرت بعض الوقت، وعندما تيقنت من خروجهم وعدم عودتهم خرجت من المرحاض وأبقيت إسماعيل فيه. بدأت أتفقد عائلتي. والدتي تظاهرت بداية بالموت وكذلك أختاي نهاد وسعاد، ظنا منهما أني كتائبي. ولكن، والدي وباقي أخوتي "الخمسة" وليلى كانوا جميعا أمواتها، كانت أمي مصابة بعدة طلقات وكذلك نهاد وسعاد. أمي ونهاد تمكنتا من الهروب معي وإسماعيل، بينما سعاد لم تستطع لأن الطلقات أصابت حوضها وشلت. تركناها وخرجنا لإحضار الإسعاف - يا لسذاجتنا- ولم نكن نعرف ماذا ينتظرنا في الخارج، الذين دخلوا إلى بيتنا كانوا خليطا من القوات اللبنانية وقوات سعد حداد، إذ كان بينهم مسلمون ولا يوجد مسلمون إلا مع سعد حداد. عرفنا أنهم مسلمون من مناداتهم لبعضهم. كان بينهم من يدعى عباس وآخر يدعى محمود. بعد خروجنا من البيت تهنا عن بعضنا البعض. بقيت أنا وإسماعيل معا، وأخذوا يلاحقوننا من مكان لآخر. أخذت أنبه الناس لما يجري، فكثيرون كانوا ما يزالون في بيوتهم، يشربون الشاي ولا يدرون بشيء. اختبأنا في مخزن طحين ثم ما لبثوا أن اكتشفوا أمرنا فهربنا مجددا. اطلقوا الرصاص علينا، هربت وعلق اسماعيل ولم يجرؤ على عبور الشارع كان في الثامنة من عمره، عدت اليه وامسكت بيده وهربنا معا. ثم ما لبثنا أن وجدنا جمعا حاشدا من النساء والأطفال كانوا يجرونهم إلى المدينة الرياضية حيث يتمركز الصهاينة فانضممنا إليهم". نهاد أخت ماهر كانت في الخامسة عشرة من عمرها في ذلك الوقت. الآن هي متزوجة ولديها ستة أطفال، قالت إنها كانت تحمل أختها الصغيرة على يدها عندما بدأ المسلحون بإطلاق النار"لا أعرف كيف سقطت من يدي، أصيبت بطلقة في رأسها وأنا أيضا وقعت على الأرض. أخذت أختي تحبو - وتفرفر - باتجاه أمي وهي تصرخ ماما.. ماما.. أطلقوا الرصاص على رأسها فسكتت على الفور. جارتنا ليلى كانت حاملا. عندما أصيبت بدأ الماء يتدفق من بطنها، وماتت. تظاهرت بالموت، وبعد خروجهم بقليل - لا أدري بكم من الوقت - بدأت أتفقد الجميع. فهمست لي أمي : ارتمي وتظاهري بالموت قد يعودون. أجبتها لا آبه، فليعودوا ! عندها خرج ماهر - وإسماعيل في ما بعد. كنت أظنهما ميتين. ما إن رأيت ماهر ارتميت على الأرض، فقال : لا تخافي أنا ماهر. عندها اطمأننت أنا ووالدتي، وقمنا لحمل أختي سعاد ومساعدتها على النهوض فلم نستطع. لقد كانت مشلولة. طلبت من ماهر وإسماعيل أن يهربا إلى خارج المخيم وأن يركضا بأقصى سرعة حتى لو أضعنا بعضنا. لم يكن معنا مال، إذ أخذوا كل مالنا. كان لدينا عشرون ألف ليرة خبأناها في "كيس حفاضات" أختي الصغيرة، رغم أني تظاهرت أنه مجرد كيس حفاضات! كان المسلحون يتكلمون بالعربية، لكن البعض منهم لم يتكلم على الإطلاق، كانوا شقرا، وعينوهم زرقاء، عندما هربنا، أضعنا ماهر وإسماعيل وبقيت مع أمي على أمل أن نذهب إلى مستشفى غزة لإحضار إسعاف إلى سعاد. أخذنا نتنقل من بيت إلى آخر ونحن ننزف. كثيرون لم يصدقوا في البداية أن مجزرة تحدث في المخيم، إلا عندما رأونا مصابين والدم يغطينا. وصلنا إلى مستشفى غزة فوجدنا أخواي الكبيرين أحمد ومحمد هناك أمام المستشفى. كانت الناس تتجمع عند مدخل المستشفى. كانوا يصرخون والرعب يسيطر عليهم. كان الصراخ رهيبا، كأنه يوم القيامة، تركنا المستشفى بعد أن نزعوا منا الرصاصات وهربنا إلى منطقة رمل الظريف. أمي تعبت كثيرا من انتفاخ صدرها بالحليب، فأختي الصغيرة كانت ما تزال ترضع قبل أن تقتل، ومع موتها بدأت أمي تعيش حالة الفطام ! كان فطاما نفسيا وجسديا لم تستطع تحمله فمرضت كثيرا". سألتها عن أختها سعاد التي بقيت في البيت، قالت إنهم عادوا إلى البيت وضربوها "بجالون المياه" وأطلقوا عليها النار مجددا ! "بعد الحادثة، لم نعد نتكلم مع بعضنا عما جرى. كنا نخاف على بعضنا من الكلام. لذا، لم أسأل سعاد شيئا ! ! ". عندما أذهب أحيانا لأنام عند والدتي، أذهب إلى بيتها في الروشة - الذي تسكنه كمهجرة منذ المجزرة. لا أحب أن أنام في بيتها في المخيم، - حيث جرت المجزرة لأني عندما أذهب إلى هناك لا أنام أبدا. قليلا ما تأتي أمي إلى بيت المخيم. بل هي لا تهدأ في مكان منذ حادثة المجزرة، وتتنقل باستمرار بين بيوت الأقارب والأصدقاء. لم نعد كما كنا أبدا. تصوري أننا عدنا وفقدنا أخي إسماعيل في حرب إقليم التفاح". توقفت المجزرة السبت في 18 أيلول، مئات الجثث في الشوارع والأزقة. أطفال مرميون على الطرقات. نساء وفتيات تعرضن للاغتصاب منهن من بقين على قيد الحياة، ومنهن من قضين عاريات في أسرتهن أو على الطرقات أو مربوطات إلى أعمدة الكهرباء ! ! رجال قطعت أعضاؤهم الجنسية ووضعت في أفواههم، مسنون لم ترأف بهم شيخوختهم ولم يعطهم المجرمون فرصة أن يرحلوا عن هذا العالم بسلام، من نجا منهم من شارون وعصاباته الصهيونية في العام 1948 او في العام 1967 قضى اليوم وبسلاح وسكين اسرائلية صهيونية شارونية نازية وأن لم يعتمر المنفذ القبعة الصهيونية فالمخطط والآمر والمخطط هو شارون المجرم , وامحاولة لاخفاء جزء من معالم الجريمة قامت الجرافات الاسرائلية بجرف الجثث ووضعها في حفر ومقابر جماعية , ولكن الحقيقة ساطعة كعين الشمس ولابد لها من الظهور مهما حاول الجلاد اخفاء جرائمه ومجازره . شهود العيان منذ المجزرة والى اليوم يكررون شهاداتهم امام العالم وعبر وسائل اعلامه المتعددة, والمجرم ما زال حرا طليقا بدون عقاب ..... |