وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الحاجة الى التغيير الجذري في نظام التعليم في بلادنا؟

نشر بتاريخ: 09/08/2015 ( آخر تحديث: 09/08/2015 الساعة: 12:36 )
الحاجة الى التغيير الجذري في نظام التعليم في بلادنا؟
الكاتب: عقل أبو قرع
مع دخول التعديل الوزاري الجديد حيز التنفيذ، والذي شمل تغييرا في الاشخاص او في الاسماء، ومن ضمن ذلك التغيير في قمة الهرم في وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي في بلادنا، دعنا نـأمل ان يؤدي ذلك التغيير، الى التغيير في السياسات وفي الخطط والتطلعلت والاهداف، والاهم التغيير في الرؤيا لوزارة مهمة واساسية، مثل وزارة التربية والتعليم العالي، ونحن نعرف ان الامكانيات محدودة وربما التطلعات والامال مقيدة، ونعرف ان الاولويات في ظل ظروفنا الحالية، ربما تتمحور في الابقاء على الحد الادنى من الاوضاع الحالية، من حيث توفير المدارس او الغرف الدراسية، اوتوفير الظروف المعيشية للمعلمين، اوالظروف الصحية والبيئية التي تتيح الحد الادنى للطلبة لكي يتعلموا

ولكن نعرف ان التغيير، ايا كان نوعة، يبدأ بشكل بطئ وخجول وحذر وبخوف، ولكن يبدأ التغيير بتصميم وبنوع من الحزم، والتغيير في تطلعات واهداف التعليم العام والعالي في بلادنا، يحتاج الى تبني استراتيجيات ومعايير جديدة، ربما يحتاج الى البدء بالشعور بها الى سنوات عديدة او اكثر، ولكن لا يحتاج البدء في العمل عليها، وفي ارساء اسسها الكثير من الوقت، ولكن يحتاج الى الارادة وروح عمل الفريق الواحد والى الاقتناع والتعاون.

والاهم يحتاج التغيير، الى التواصل المستمر والواضح، مع مختلف القطاعات التي لها علاقة بالتغيير في التعليم العام والعالي في بلادنا، من اساتذة وموظفين وادرايين، ومن اولياء امور الطلبة، ومن طلبة ومن وسائل اعلام، ومع الجهات الرسمية وغير الرسمية التي لها علاقة ما بالتعليم، من اجل ان تصل رسالة التغيير او البدء في التغيير بشكل واضح، ومنذ البداية، بعيدا عن النقاشات والجدال وحتى المهاترات التي حدثت في الماضي، حين كان يتم الاعلان عن التغيير، سواء فيما يتعلق بالتعليم العام ومخرجة النهائي، اي امتحان التوجيهي، او فيما يتعلق بالتعليم العالي، اوالاكاديمي وما يشملة من تخصصات اصبح لا جدوى لها، او التعليم التقني او التكنولوجي، او ربط التعليم بشكل عام في بلادنا، بما نحتاج الية، وما نفتقر الية وما يؤدي في المحصلة، وكما تقوم او تعمل علية دول العالم، الى الىتنمية والابداع والتقدم والعمل والانجاز؟

ونعرف انة بعد اقل من شهر من الان، سوف يتوجة مئات الالاف من الطلبة الى المدارس، ومنهم الالاف من الطلبة الجدد، الذين ربما سوف يتكدسون في غرف صغيرة وفي ظروف صعبة معقدة، في المدن والقرى الفلسطينية في الضفة، وبالطبع فأن الامر هو اكثر تعقيدا في غزة، وكذلك سوف يتوجة عشرات الالاف من الطلبة القدامى والجدد الى الجامعات والمعاهد والكليات، سواء لبدء او لمتابعة الدراسة، والكل يحذوة الامل بأن ينال تعليم عال يؤهلة لبناء مستقبل مهني جيد، ورغم قتامة سوق العمل الفلسطيني لخريجي الجامعات، ووصول نسب البطالة الى حوالي 80% في بعض المجالات او التخصصات، الا ان الاقبال ما زال موجودا، وحتى على هذه التخصصات، وما زالت الجامعات تتنافس لاستقطاب الطلبة في برامج قديمة قائمة او حتى نفس البرامج تحت اسماء جديدة، وحتى ان بعض الجامعات قامت بتخفيض المعلات لجذب المزيد من الطلبة، وفي نفس الوقت ما زالت ترتفع النداءات او المطالبات من اجل اصلاح او ملائمة التعليم العام والعالي الفلسطيني لحاجات المجتمع الفلسطيني، وهذه النداءات تكون هي نفسها قد تمت في العام الماضي او في العام الذي سبقة، وهي نفسها التي تتكرر، مع التغير في قمة الهرم في وزارة التربية والتعليم العالي الفلسطيني؟

والتعليم بشكل عام، وبالاخص التعليم العالي الفلسطيني، كان ويبقى محل فخر المجتمع الفلسطيني في كل مكان وتبذل العائلة الفلسطينية الكثير من الجهد والمال، في سبيل تعليم أبنائها وحتى بدون النظر كثيرا إلى النتائج، وفي نفس الوقت، فلا يمكن لاحد ان يجادل، بأن التعليم العام والعالي، يعاني من مشاكل عديدة، ويحتاج الى إصلاح ا والى إعادة تسيير الدفة بشكل يحقق الهدف الأساسي منة، الا وهو المساهمة في تطوير وبناء وتنمية المجتمع الذي يتواجد فية؟

وفي الجانب الايجابي، فهناك المدارس والجامعات فلسطينية، التي خرجت كفاءات أبدعت في فلسطين وفي العديد من البلدان العربية وفي العالم، وهناك افاق عديدة لبناء مجتمع فلسطيني وربطة مع التعليم العالي ببرامجه ونوعيته، وهناك القطاع الخاص الذي ولكي يتطور بحاجة الى أبحاث ودراسات، ومحور ذلك هو التعليم العالي والذي يرتبط بشكل مباشر بالتعليم العام، وهناك الحاجة الى تطويرالتعليم التقني والمهني والتكنولوجي، الذي يصب عمليا في خدمة المجتمع، وكل ذلك يحتاج الى هيئة فاعلة قوية، مؤثرة ومخلصة ومهما كان الاسم لكي تضع التعليم العالي في فلسطين، وفي ظل الوزارة، بالاتجاة الصحيح، اسوة بالاخرين وقبل المزيد من التشتت والضياع والازدياد المتواصل في نسب العابرين لامتحان التوجيهي، او للخريجين من الجامعات وبالتالي التصاعد في نسب البطالة وتبعاتها.

وحسب الاحصائيات والارقام الحالية المتوفرة، تصل نسبة البطالة، الى معدلات اكثر عند الخريجيين الجامعيين، وقد تصل الى حوالي 80% عند الخريجين الجدد، في بعض التخصصات، وبالاضافة الى ذلك، ومع العلم ان نسبة الطالبات الخريجات في معظم الجامعات الفلسطينية تتجاوز نسبة ال 65 %، او تصل الى حوالي الثلثين من مجموع الطلبة، الا ان نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل في بلادنا، ما زالت لا تتعدى نسبة ال 15% فقط، وهذا الوضع هو وضع مأساوي بكل معنى الكلمة، مأساوي للخريجين وللاستثمار فيهم، ومأساوي للوزارات المعنية بالتعليم العالي والتخطيط والعمل والاقتصاد وما الى ذلك، وكذلك وضع مأساوي للمجتمع وللاقتصاد الذي يعتمد من اجل النمو والتنمية على هذه الاجيال التمعلمة والمتدربة، والتي قد لا تتردد في مغادرتة الى الخارج، في حال توفر فرصة ما؟

ومع الحديث عن نسب البطالة الحالية، وحسب الخبراء والمختصين، وللحفاظ على هذه النسبة الحالية، اي نسبة حوالي ال 27%، فأننا نحتاج الى ايجاد حوالي 600 الف وظيفة خلال العشر سنوات القادمة، اي بمعدل حوالي 60 الف فرصة عمل سنويا، وأننا نحتاج الى نمو اقتصادي اجمالي سنوي يقدر بحوالي 7% من الناتج المحلي الاجمالي، وهذه نسبة مرتفعة بكل المقاييس والمعطيات، وبمعنى اخر، فأن عدم تحقيق نسبة النمو السنوية، يعني ان نسبة العاطلين عن العمل، او نسبة البطالة سوف تزداد، وبشكل مضطرد، وما لذلك من تبعات مختلفة، وبالاخص ان عشرات الالاف من الخريجين، او الشباب، الذين يطمحون ببناء مستقبل ومجتمع؟

ورغم اننا نملك نسبة لا تكاد تذكر من الامية وبالاخص عند الاجيال الجديدة، اي ان الجميع يتوجة الى المدارس والتعليم، ورغم اننا نملك مؤسسات تعليم عال وبكل الانواع، ولكن من الواجب الاعتراف، اننا لم نواكب التقدم النوعي في التعليم العام والعالي الذي حصل ويحصل في العالم، من حيث التركيز اكثر على الاولويات والاحتياجات، التي تتغير بسرعة، ومن حيث الابتعاد عن التلقين والحفظ وانهاء المقرر، ومن حيث ادراك اهمية الابحاث، وتطبيقات الابحاث في المجتمع، وبالتالي العلاقة مع القطاع العام و الخاص، ومع المجتمع المدني، والسؤال الاهم والاكبر والذي يدور في تفكير كل فلسطيني او فلسطينية تدخل التعليم العام ومن ثم التعليم العالي هو هل ما الذي سوف يكتسبة خلال سنوات التعليم، والذي سوف يؤهلة، سواء من خلال المهارات التي اكتسبها، او من خلال المعرفة والخبرة، للحصول على عمل يتماشى مع واقع سوق العمل الفلسطيني، او يتلائم مع متطلبات سوق العمل في بلادنا، او مع حاجات المجتمع الحالية او المستقبلية؟

وهذا ربما يفسر ابتعاد جامعاتنا، عن لوائح تصنيفات الجامعات في العالم، التي تقوم بها مؤسسات دولية، بالاعتماد على معايير عديدة، ومن اهمها البحث العلمي، والبحث المرتبط بحاجات الناس والمجتمع، وهذا ما تقوم بة مؤسسات التعليم العالي في العالم، حيث ان ارساء عقلية او ثقافة البحث العلمي في المدارس، ومن ثم البحث العلمي نفسة في الجامعات، يعتبر من الاهداف الاساسية لجامعات عريقة في العالم، وليس فقط التعليم او تخريج الطلبة، ومعروف ان هناك معايير عديدة يتم استخدامها من اجل تحديد مستوى الجامعات في العالم، منها البيئة الاكاديمية، ومستوى الابحاث، ومدى استخدام او الاستعانة بالابحاث من قبل الاخرين، ورغم الحديث الكثير عن هذا الجانب، اي البحث العلمي في جامعاتنا، ورغم تشكيل مجلس البحث العلمي، الا ترسيخ بيئة او ثقافة للبحث العلمي عندنا لم تتم بعد، من حيث الاحترام والاتجاة نحوة ، وبحيث تكون هذه القاعدة مستدامة، لا تتغير بتغير الاشخاص او بتغير السياسات؟
وفي ظل هذا الوضع القاتم، وبالتالي، الحاجة الى العمل من اجل ايجاد بدائل جذرية، وحلول بعيدة المدى، لازمة التعليم العم ومن ثم العالي في بلادنا، يبرز التعليم المهني او التقني او التكنولوجي، او التعليم غير الجامعي او غير الاكاديمي، كـأحد البدائل المستدامة، ذلك التعليم، الذي تستثمر فية الدول المتقدمة الجزء الاكبر من الميزانية والوقت والاعداد، والذي يقبل علية الكثير في هذه الدول، ورغم الحديث الكثير عنة في بلادنا، الا ان القليل قد تم من اجل تشجيع الاقبال علية، او من اجل خلق الفرص والامكانيات، من اجل تشجيع الطلبة للتوجة نحوة، ومن ثم ربطة وبشكل استراتيجي وبعيد المدى، سواء من حيث الكم اوالنوع مع احتياجات المجتمع والبلد، وبالتالي الحد من البطالة وتداعياتها.

وللاقبال على التعليم المهني كجزء من فلسفة الوزارة والمجتمع، فأن هذا يتطلب البدء بالتغيير الان، من حيث السياسات وقوانين وانظمة من اجل زيادة الاقبال على هذا التعليم، وهذة القوانين من المفترض ان تحدد الاسس ومن ثم الحوافز من اجل التوجة الى هذا التعليم، وهذا يتطلب ايجاد تخصصات متقدمة ومحترمة وتساهم في تقدم المجتمع كما ساهمت في تقدم مجتمعات اخرى وليس فقط تخصصات اعتاد الناس عليها كالميكانيك والنجارة وغيرهما، وهذا يتطلب كذلك توفير الامكانيات من مختبرات ومشاغل وكوادر بشرية، وهذا يتطلب زيادة الوعي عند الناس لتغيير نظرتهم الى التعليم المهني، وكأنة درجة ثانية ، وهذا يتطلب الشراكة الاستراتيجية مع القطاع الخاص الذي لا يتقدم كما يتم في المجتمعات الاخرى بدون الاعتماد على مخرجات هذا التعليم.

وبعيدا عن التعليم الاكاديمي التقليدي المتعارف علية، وتعمل الدول والمجتمعات على مؤامة التعليم وبأنواعة مع احتياجات المجتمع والبلاد والمواطن، ومنذ البداية اي من المدرسة، ولذا يوجد هناك التعليم الصحي، والتعليم الزراعي والصناعي، وكذلك التعليم البيئي، الذي من المفترض ان يركز على البيئة المحلية للبلد والناس، ويعمل على تحديد الاولويات ومن ثم يهدف الى ايجاد الحلول او توفير الوسائل الكفيلة بمنع حدوث هذه المشاكل، وبالتالي يحافظ على البيئة والمصادر الطبيعية من ارض ومياة وهواء وغذاء حيث هناك خصوصية للبيئة الفلسطينية، من مياة ومن ارض ومن تربة صالحة للزراعة ومن وحيز، هي مصادر محدودة، والمساحة الجغرافية ضيقة، وكثافة البشر في تلك البقعة مرتفعة وربما من اعلى النسب في العالم وخاصة في قطاع غزة.

وفي ظل فلسفة وواقع التعليم العالي الحالي، فأننا لم، ويبدو اننا لن ننجح في المدى القريب، في نسج العلاقة التشاركية المستدامة مع القطاع الخاص، بحيث تكون هذه العلاقة، قائمة على الفائدة المتبادلة والمساهمة مشتركة، حيث ان القطاع الخاص ومن اجل ان ينمو ويتقدم وينافس يجب ان يتجه الى الأبحاث والدراسات وتطوير المنتجات وتسويقها، وكل ذلك يعتمد على مستوى الاستثمار في الابحاث في مؤسسات التعليم العالي، ومدى استغلال نتائجها، ومدى ملائمة النتائج لاحتاجات المواطن والبلد وبالطبع لطموحات القطاع الخاص، وتعتبر الشركات التي تعتمد على الابتكارات والتجديد من انجح الشركات، حيث تعتبر الابحاث سر بقاؤها لكي تنافس في عالم شديد المنافسة، وفي الوقت الحاضر، هناك العديد من الشركات العملاقة التي وصلت الى ما وصلت الية بفعل الابحاث والابتكارات؟

ورغم ان الامال ليست كبيرة، بأحداث التغيير او بالبدء في التغيير في فلسفة واهداف وتطلعات التعليم في بلادنا، وبالاخص في الظروف والقيود الحالية، الا ان التغيير، ومهما كان نوعة، سواء في الاشخاص وما يمكن ان يحملونة من افكار ومن تطلعات، او في الظروف او في البيئة العامة، ليمنح نوعا من الفرصة، من اجل الحديث وبشكل جدي عن التغيير الواجب ومنذ فترة، في التعليم العام والعالي عندنا، وحتى وفي احسن الاحوال البدء بالنقاش الجدي والواضح والمسؤول حول هذا التغيير؟