|
عوج بن عناق (أبو العماليق)
نشر بتاريخ: 09/08/2015 ( آخر تحديث: 09/08/2015 الساعة: 14:33 )
الكاتب: المتوكل طه
ولدت ُ على سفحِ الماءِ
مع الأشجارِ، وكان القمرُ الطفلُ يلاعبني قربَ العينِ ، وينْعفُ في وجهي الفضّةَ ، فأعودُ .. وثوبي يومضُ بحليبِ الليلِ .. وكنت أطاولُ أغصانَ السّروِ، فيقول أبي :انظرْ للجذْرِ المغروسِ ، ومن ثم ّ ارفع ْ هامتَك كما أنتَ ! وكنتُ ألاحِظهُ يتأمّلُ عَمَّتَهُ النخلةَ ، إذ يسَّاقطُ منها الرُّطب ُ جَنيّاً عند بلوغِ الزلْزَلةِ .. وكان صموتاً ؛لا يتكلمُ أو يتعلّمُ .. لكنّي أدركت ُ بأنّ الشيخَ شبيهٌ بالجبلِ الرّاسخِ، ويردّ بأشجارٍ يزرعها - حيث يكونُ - على الوسواسِ الخنّاسِ ، ويطعم ُ مَوقِدَهُ ما شاءَ من الأضلاعِ ليبقى للناسِ نداءً.. -لا يسألُ مَنْ يأتيهِ، ولا يسألهُ الضيف ُ - فدربُ التّيهِ ..إلى الأقباس . فَرَدْتُ ردائي ، وجعلتُ سراجي مشتعلاً، وأطَلْتُ التحديقَ بهذي الأرضِ، وأيقنتُ بأنّ الغاباتِ هي الأوتادُ لهذي الرَّخوةِ ، حتى لا يُرْهِقُها الجَدْبُ وليس تميدُ ، فكان القَصْدُ إلى النبراس. ولاعبتُ الذّئبَ بخيطِ قَصيدٍ راودني ، إذْ عَقَصتْ قلبي امرأةٌ بجديلتها ، فقصدتُ البدْرَ المُلتاعَ، فصادفني الذئبُ ، ولمّا سمعَ الإيقاعَ المجروحَ بكى.. ومضى .. فاقترب الشاطئُ ، أعطاني وردَتَهُ المبلولةَ بالنّور، وجاء البحر ُ وأهداني لؤلؤةَ الأعماقِ - بكاملِ زينتها - فَوَهَبْتُ له صوتي ، فامتزجا شَهداً في أعْرافِ الخيلِ ، وضوءاً حُرّاً للأفراس. ودَبَّغَني الجَمْرُ الشَجَريُّ فوزَّعْتُ قميصيَ في البلدانِ ، وأسْرَجتُ الرّحلةَ، كان حداءُ الخَبَبِ أنيسي .. والشقراءُ ،عباءةُ جدّي ، تتهدّلُ مثل الأعذاقِ على كتفي .. ووصايا أُمّي لم تبرح أُذني .. وصَبا الأمواجِ أمامي.. لم أرَ كثبانَ الرّملِ وريحَ القيْظِ وأفعى الصّبارِ أو العوسجَ ، كان الفردوس ُ، على مَهَلٍ ، يتشكّل بين يديّ، وكان الصقرُ الأبيضُ يهجسُ بالخَفَقانِ على فَوْحِ اللّمّةِ والجُلاّس. وناديتُ الماءَ ، فجاءَ .. مددتُ يدي للحوتِلأرفعَهُ في الشمسِ، فطالعني الجانُ المحبوسُ ، بأمْرِ المَنْسَأةِ ، وكان حزيناً، إذ هجرته الحورُ الزرقاءُ، فأعْمَلْتُ الفاسَ فَشَقّ المجدافُ الطينَ وراقَصَ نورَسَهُ الميّاس! ضممتُ القطعَ الرَيّانةَ في جسرٍ محمولٍ فوق الغيمِ، وكان الموقدُ أكبرَ من عتَماتِ الضّبعِ ، وروحي مُطهَمةٌ بالهالِ وقهوةِ أعمامي الحُرّاس. وريمُ اللوزِ يلاعبُ ساحرةَ الكحْلِ ويربضُ في ثوبِ الإيناس. دفعتُ القَصْعةَ للأهلِ، وأرْهَصْتُ بسورِ القلعةِ ذي الأبواب ِ السبعةِ، فاكتملتْ أركانُ البلدةِ والمتراس . وصاحبني الجندلُ والآسُ وزّهرُ الليمونِ ، وكنت ُ المرويَّ لأطفئَ نارَ الّلاهوب بكلِّ بيوتِ الخوصِ ، وحيث ينام الظبيُ، وتصحو الدبَكاتِ على وَقْعِ الأرغولِ ورَجْعِ الجَفْرةِ والإحساسِ . قديماً ؛ منذ الغارِ المنحوتِ، إلى الطوفانِ .. ونحنُ مقاصدَ أهلِ اللهِ على مدّ الساحلِ والصّوفِ العابقِ بالمِحْماس .. ومنذُ الغَمْرِ الأوّلِ؛ يومَ شهدتُ زواجَ النخلةِ ، وانصب ّ الشّهدُ على القنديلِ ، وجِيءَ بكلّ ملائكة ِ العيدِ، وهبّ العشّاقُ إلى العشّاقِ، وفاض اللونُ على الكرّاسِ وبيتي يحفلُ بالأعراسِ... ولكنْ! ما يُقْلِقُ نَومي ، ويقضّ حريرَ الغفوةِ في الأرماس.. بأنَّ الأرضَ وراءَ الرّيحِ ، وغابت في القدسِ الأقداس . |