وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

اسرائيل و الرئيس عباس و " القنبلة الموقوتة"

نشر بتاريخ: 10/08/2015 ( آخر تحديث: 10/08/2015 الساعة: 15:44 )
اسرائيل و الرئيس عباس و " القنبلة الموقوتة"
الكاتب: سفيان أبو زايدة
تناول الاعلام العبري في الايام الاخيرة بشكل ملحوظ و من اكثر من زاوية اوضاع السلطة الفلسطينية في ظل ما يكتب و ما يقال عن اقتراب انتهاء مرحلة الرئيس عباس سواء بحكم التقدم في السن، وهذه هي طبيعة الحياة، او بسبب الانسداد في الافق السياسي، او بالاحرى التقدير بأن المشروع السياسي القائم على حل الدولتين من خلال المفاوضات فقط و الذي يعتبر الرئيس عباس اول من آمن به قد وصل الى طريق مسدود.

الاهتمام الاسرائيلي على الصعيد الاعلامي نابع من تسريبات لنقاشات على مستوى المؤسسة الامنية بمختلف اذرعها في اسرائيل و التي تحاول ليس فقط اعطاء تقدير موقف للمستوى السياسي كما هو مطلوب منها بل ايضا محاولة التأثير على مجريات الاحداث في مرحلة ما بعد الرئيس عباس. الجدل الداخلي الفلسطيني في الاسابيع و الاشهر الاخيرة حول من سيخلف الرئيس عباس و كيف سيتم اختياره او تعيينه او انتخابة ازداد بعد ان اتخذ الرئيس عباس قراره بأقالة ياسر عبد ربة من أمانة سر اللجنة التنفيذية، وهذا هو المنصب الذي شغله الرئيس عباس قبل ان يصبح رئيسا للمنظمة و السلطة و بقية المناصب الاخرى، و تعيين الدكتور صائب عريقات مكان ياسر عبد ربه مما فسر على ان الرئيس عباس يقدم صائب عريقات على بقية اعضاء اللجنة المركزية و اللجنة التنفيذية للمنظمة.

في اسرائيل ، حيث يتابعون كل صغيرة و كبيرة مم يجري على الساحة الفلسطينية ، سواء من خلال سيطرتهم التكنلوجية على جميع وسائل الاتصال او من خلال اتصالاتهم المباشرة مع قيادات السلطة و المنظمة و التنظيمات ، يدركون ان الامر لم يعد مجرد مناكفات اعلامية او ترف فكري، بل يجب ان يكونوا على جاهزية تامة لما قد يحدث في المستقبل.

لذلك ، و على سبيل المثال ، و بناء على طلب من اعضاء لجنة الخارجية و الامن التابعة للكنيست ، و التي يحق لها استدعاء اي مسؤول امني و توجيه الاسئلة له او الاستفسار منه، تم مناقشة هذا الموضوع كما نشر على لسان الصحفي المشهور في صحيفة معاريف بن كسبيت. و احد الاسئلة التي تم طرحها في النقاش هو كيف يجب على اسرائيل ان تتصرف في حال قرر الرئيس عباس مغادرة الحياة السياسية لهذا السبب او ذاك، سواء كان غدا او بعد عام، ومن هو الشخص الذي سيخلفه و كيف ستتعامل معه اسرائيل ، و الاهم من ذلك كيف على اسرائيل ان تتصرف في حال قرر الاسير القائد مروان البرغوثي ترشيح نفسه من زنزانته في سجن هداريم؟ و ماذا لو فاز مروان البرغوثي في هذه الانتخابات و اصبح رئيسا للسلطة و المنظمة وهو ما زال قابعا في زنزانته و محكوم علية بخمس مؤبدات؟

النقاش الاسرائيلي ليس نوع من الترف الفكري او المناكفة السياسية او جزء من المؤامرة على الرئيس عباس لابتزازة مثلا، بل هو نابع من معلومات و معطيات و فهم عميق لما يجري في الساحة الفلسطينية من حراك سواء كان مرئي او خفي، سواء كان بالهمس او باللمز. طرح هكذا اسئلة على المؤسسة الامنية حيث اعتبروا اقدام مروان البرغوثي على هذه الخطوة بمثابة قنبلة موقوتة ستنفجر في وجه اسرائيل نابع من امرين، الاول هي استطلاعات الرأي التي تجرى في الساحة الفلسطينية سواء من قبل مؤسسات محلية او دولية، و التي تمنح مروان البرغوثي الفرصة الاوفر امام اي مرشح اخر في حال اجراء انتخابات ، و الامر الاخر هو على ما يبدوا نابع من معلومات لديهم ان مروان البرغوثي سيرشح نفسه في اي انتخابات قادمة بغض النظر عن المرشحين الاخرين، و هو نابع من الاعتقاد ان مروان يلوم نفسه لانه سحب ترشحه في الانتخابات الرئاسية التي جرت قبل عشر سنوات ونصف.

ولان المؤسسة الامنية في اسرائيل تتابع تفاصيل التفاصيل، فهم يربطون بين الجدل الدائر حول خليفة الرئيس عباس و بين ما اتخذ من اجراءات بحق المعارضين او المنافسين او الطامحين لهذا المنصب ( او المناصب) . لا يخفي عليهم ان ما حدث مع دحلان من فصل و تنكيل و مع عبد ربه و مع سلام فياض و ما قد يحدث في المستقبل يضعونه في سياق هذا الصراع.

اسرائيل التي تكيل المديح هذة الايام للرئيس عباس على ما يقوم به من دور في منع تدهور الاوضاع في الضفة الغربية، حيث يعتبرونة العامل الاساسي في منع حدوث انتفاضة ثالثة ، سيما بعد العمل الارهابي الذي نفذة المستوطنون بحق عائلة دوابشة ، وعلى الرغم من النجاح في امتصاص حالة الغضب الشعبي و الخروج باقل الخسائر الممكنة ، على الاقل حتى الان، الا انهم يدركون ان كل عوامل التفجير ما زالت متوفرة و ان حالة الاسترخاء و التخدير التي تعيشها الحالة الفلسطينية قد تنفجر في اي لحظة .

ما زال يمثل في ذهن الاسرائيليين كيف انفجر الوضع الفلسطيني دون مقدمات في الانتفاضة الاولى عام ١٩٨٧ على الرغم ان الوضع كان افضل من الان بكثير، و كيف انفجر في عام ٢٠٠٠ على اثر انتهاك شارون لحرمة الاقصى. في التفكير الامني الاسرائيلي لا يعتمدون على حسن النوايا وافضل السيناريوهات، بل يهيئون انفسهم الى اسوء الاحتمالات. و الاحتمال الاسوء لديهم هو ان تنفجر الاوضاع في وجوههم مرة اخرى رغم حرص الرئيس عباس و اصراره على عدم حدوث ذلك مهما كان حجم الاحداث و جرائم المستوطنين.

على اية حال، و بعكس ما يعتقد البعض ، اسرائيل و مهما كان حجم تدخلها و تأثيرها و سيطرتها على مجريات الامور ، فهي لا تستطيع ان تفرض على الفلسطينيين من يمثلهم او من يقودهم في المرحلة القادمة. لا شك ان اسرائيل لديها حساباتها و لديها مصالحها و لديها تقديراتها و لديها امكانياتها التي ستحاول استخدامها بما يخدم مصلحتها، على الرغم من كل ذلك لا تستطيع ان تفرض على الفلسطينيين من يقودهم.

اسرائيل تستطيع ان تحاول التأثير بطرق غير مباشرة على مجريات الامور ، على سبيل المثال ، قد تعيق عملية ترشيح مروان البرغوثي من خلال عزلة عن العالم اذا ما جرت الانتخابات ولكنها لا تستطيع ان تغير نتيجة الانتخابات . اسرائيل تستطيع ان تعيق اجراء الانتخابات او تساهم في تقديمها اذا ارادت ، ولكنها لا تستطيع ان تقرر من سيفوز في هذه الانتخابات.

خلاصة القول هنا ان على الفلسطينيين ان لا يكترثوا كثيرا لما تقوله او تفعله اسرائيل ، لان اجراء الانتخابات و انتخاب رئيس جديد للسلطة و المنظمة هو ليس فقط استحقاق فلسطيني وفقا للقانون، بل هو مصلحة وحاجة فلسطينية للخروج من حالة الضياع و التيه السياسي و الوطني.

الاعلام الاسرائيلي يستطيع ان يقول اي شيء سواء كان مديح او ذم بحق اي مسؤول فلسطيني، في نهاية المطاف اي شخص سيقود الشعب الفلسطيني لن يأتي لا على ظهر دبابة و لا بقرار من جهاز مخابرات بل سيأتي فقط من خلال ارادة فلسطينية خالصة و من خلال صندوق الاقتراع، وكلما كان هذا الامر قريبا كلما بقي الامل في الخروج من هذا النفق او التخلص من هذا الكابوس ممكنا.