|
لا تستسلموا لليأس: ما زال هناك متسعٌ للرؤية والأمل
نشر بتاريخ: 17/08/2015 ( آخر تحديث: 17/08/2015 الساعة: 12:57 )
الكاتب: د.احمد يوسف
في أغلب الأحيان نكتب، وندبج صفحات الورق بلغة الأدب والقصيد، بما نراه تعبيراً عن حالتنا السياسية وأوجاعنا الاجتماعية، وتوصيفاً مريراً لواقعنا المعاش، وربما خواطر وأنَّات من وحي القلم وزفراته الحرَّى.. بالطبع، لا ننتظر أن يُعلِّق أحد؛ باعتبار أن الكثير من المثقفين - اليوم - لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يُفكرون، وإذا فكروا لا يتدبرون، وإذا تدبروا لا يعملون، وإذا عملوا فالنتيجة - للأسف - محزنة، وأشبه بعطاء حاطب ليلٍ.
تابعت التعليقات على مقالي الأخير، "حماس والأجندة الوطنية: الثابت والمتغير"، والمنشور في صحيفة القدس وعدد من المواقع الإخبارية، وأيضاً على (الفيس بوك)، بتاريخ 10 أغسطس 2015م، فوجدت أن هناك بعض الاستحسان للنقاط العشر التي أوردتها في المقال كمخرج لأزمتنا السياسي، وقد أكرمني الرفيق رباح مهنا؛ عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بعدد من الأسئلة لاستكمال الرؤية والتوضيح، فقدمت له الإجابة، والتي جاءت على الشكل التالي: اولاً) كيف يمكن مواجهة تردد كل من الرئيس أبو مازن وقيادة حركة حماس بالاندفاع نحو إتمام المصالحة ؟ ج1) في الحقيقة، هذا التردد يحتاج إلى موقف شعبي لمواجهته، صحيح قد تحجم عناصر كثيرة من فتح وحماس عن المشاركة، ولكن في الشارع الفلسطيني من الاحتقان ما يدفع لتحريك آلاف الشباب لمطالبة القيادات السياسية بالعمل على إنجاح المصالحة وإنهاء الانقسام أو مغادرة كرسي الحكم، عبر الذهاب للانتخابات التشريعية والتي سيدفع كل منهم الكثير من رصيده في الشارع، والذي لم يعد يتمتع فيه بأكثر من 26% على أحسن تقدير. إن حركة الشارع السلمية، وخاصة من الشباب، هي أفضل أداة لكسر الجمود، وإجبار القيادات السياسية للرضوخ والاستجابة لمطالب الجماهير، مع ضرورة أن يتقدم الأمناء العامون للفصائل والشخصيات الاعتبارية والنخب الفكرية ورؤساء الكتل الطلابية والنقابات المهنية الصفوف، مع تضامن إعلامي، وتغطية وازنة وحيَّة لهذا الحراك. لن تنجح أي أجهزة أمنية مهما بلغت قوتها أن تقمع مطالب شعبية عادلة، تحركها إرادة وطنية فاعلة، وبقيمة أخلاقية عالية، فالحكمة تستدعي التعامل باحترام مع مثل هذه الحركة الاحتجاجية السلمية، وخاصة إذا كانت الفعاليات تجري في الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل متوازنٍ ومتزامن. وكما حدث في التحرك الشبابي في مارس/آذار 2011م، حيث اندفع الشباب من كل الاتجاهات ومن كل الشرائح الحزبية والدينية إلى ساحة الجندي المجهول، مطالبين بإنهاء الانقسام، فكانت الاستجابة الفورية من قبل الرئيس أبو مازن ورئيس الوزراء السابق إسماعيل هنية بالدعوة إلى الحوار والتوقيع على اتفاق المصالحة بالقاهرة. ثانياً) كيف يمكن مواجهة التدخلات السلبية ضد المصالحة من بعض الدول العربية والاقليمية والدولية ؟ ج2) هذه التدخلات سوف يوقفها طرفان؛ فتح وحماس، إذا حدث التراضي بينهما، وبإدراك أن كل الخيارات الأخرى غير المصالحة عواقبها وخيمة.. لذلك، لابدَّ من استمرار الحوار بين الطرفين داخل الوطن المحتل، وخاصة هنا في قطاع غزة، وأن يظهر الموقف الفلسطيني مستقلاً، ثم التحرك لإقناع الأطراف الإقليمية والدولية به. إذا لم يحدث التراضي بيننا، وإذا بقيت تعاملاتنا تجري في ظل غياب الثقة والتوجس فلن نفلح إذاً أبدا، وستظل خطواتنا متعثرة، وبلا قدرة في الوصول إلى هدف. إذا ظل قرارنا يتحكم فيه الفرد مهما بلغت منزلته، وبعيداً عن رأي المؤسسة والإجماع الوطني، فسنظل كفلسطينيين لقمة سائغة لشهوات الآخرين ونزواتهم السياسية. يجب أن يحظى قرارنا الفلسطيني بالاستقلالية، وعلينا البرهنة على ذلك، وهذا لن يتحقق بالآلية القائمة، حيث لا أثر للمؤسسة الوطنية بل هناك ولاءات وتبعية لمحاور إقليمية بالمنطقة. ثالثاً) كيف يمكن أن نُفعّل دور القوى السياسية والمجتمعية غير فتح وحماس للضغط على الطرفين لإنجاز المصالحة؟ ج3) لا بدَّ من دعوة وجوه وطنية مستقلة وحزبية معتدلة ومن منظمات المجتمع المدني لتشكيل حاضنة وطنية ترعى الفعاليات والأنشطة المطالبة باجتماع الصف الفلسطيني وإنهاء الانقسام، وهذه يقع عليها واجب المساهمة في حلِّ بعض القضايا الطارئة والخلافات التي تراكمت بسبب الأحداث المأساوية في يونيه 2007م، مثل ملكية المقرات الحزبية، وجامعة الأقصى، وحق فتح وحماس في التمتع بإحياء المناسبات الوطنية والدينية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، ووضع الضوابط والسياسات للوسائل الإعلامية التي تمنع التحريض من هنا وهناك...الخ رابعاً) كيف يمكن تفعيل الحالة الجماهيرية الواسعة الرافضة للانقسام للضغط على طرفي الانقسام لإنجاز المصالحة ؟ ج) هناك من حالات الغضب والغليان داخل الشارع الفلسطيني ما يبعث على الخوف والقلق من انفلات الأمور. لذلك، فالمطلوب هو تأطير الحالة، وضبط إيقاع ردَّات الفعل، حتى لا يقع ما لا تحمد عقباه. قد لا يختلف اثنان من العقلاء في الشارع الفلسطيني أن الحالة المجتمعية بالغة الحساسية، ونحن نرغب أن يكون الحراك وطنياً وليس حزبياً حتى لا يُساء فهمه، وأن يكون في قطاع غزة كما في الضفة الغربية، وأن تكون الأهداف واضحة جلية، والدعوة لها سلمية مائة في المائة. إننا بحاجة لأن تتحرك الفصائل في إدارة حوارات شعبية موسعة للتوعية بالقضية الوطنية، والتحذير من مخاطر ما هو قائم من تهديدات على مستقبل مشروعنا الوطني، وتوضيح أن المطلوب هو اتفاقنا جميعاً على مبدأ "الشراكة السياسية"، وذلك على أرضية من "التوافق الوطني والقواسم المشتركة"، وأن الوطن فوق أجندات الجميع؛ نحرره معاً ونبنيه معاً، وهذا معناه توظيف جهد الجميع؛ الوطني والديني، جنباً إلى جنب. أما الأستاذ حسن عصفور، الخبير بالشأن الفلسطيني والسياسي المخضرم، فقد كتب مقالاً في موقع (أمد للإعلام)، بعنوان: "ململة شعبية فلسطينية".. لـ"كسر الصندوق"!، بتاريخ 11 أغسطس 2015م، عرض في ثناياه بعض السطور ذات العلاقة بالنقاط العشر، حيث أشار لتلك النقاط، قائلاً: "بعيداً عن "التعصب" أو "التفذلك السياسي"، لو كان هناك من يبحث "حلاً سياسياً" لمأزق المشهد القائم، فما تقدم به د. أحمد يوسف من "نقاط عشر" تشكل عاموداً هاماً لأيِّ حلٍّ بلا خاسر، والكل به منتصر.. نقاط لاختبار ذكاء "أقطاب الانقسام"، ولا نود القول اختبار "وطنيتهم". هل بالإمكان عمل شيء لتحريك الوضع السياسي؟ "في ظل واقع بئيس، يسوده التخبط وغياب الرؤية والتخطيط، وينطبق عليه وصف المقولة النبوية: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"، حيث غدت مشاهدنا "كغثاء السيل"، لا حول لنا ولا قوة، يأتي السؤال حول إمكانية القيام بعمل شيء.!! مما تعلمناه من دروس التاريخ أن هناك أزمات لا يحلها إلا فعل الزمن؛ لأن من صنع المشكلة ليس هو القادر بالضرورة على إيجاد حلٍّ لها، وأخرى يجد لها الحكماء وأهل الرشاد مخارج وانفراجات، والمسألة تكمن في النيَّة والعزيمة وحيوية الإرادة، "إذا صدق العزم وضح السبيل".. ونحن نرصد حالة فلسطينية عنوانها - للأسف - العناد والمكابرة، ومحاولة الاستقواء بالآخرين.. لذلك، لم نتقدم خطوة واحدة تمنحنا قفزة ناجزة للإمام، بل إن ما نشاهده هو أشبه بالمثل القائل: "يقدِّم خطوة ويؤخر أخرى"؛ أي التردد وغياب الحسم. مفيش فايدة.. لأ؛ هناك فائدة!! في الكثير من الجلسات والحوارات داخل أوساط النخبة الفكرية والسياسية والأدبية أحياناً تصدمك الاجابات: "مفيش فايدة"، الله يرحم سعد زغلول قالها من زمان وريَّحنا. هذه الجملة "مفيش فايدة"، قالها الزعيم المصري سعد زغلول قبل قرنٍ من الزمان تقريباً، وقد اختلف الناس في تفسير السياق الحقيقي الذي وردت فيه، ولكن الناس عموماً استطابوا تداولها كمفردة اجتماعية أو سياسية تعبر عن حالة الاحباط واليأس والقنوط. ونحن - للأسف - نلجأ لترديدها كلما وجدنا الأبواب مؤصدة في وجوهنا، وأخفقنا أن نجد سبيلاً لحل أزمتنا القائمة، والمأزق الذي انتهت إليه أحوالنا؛ ورغم إيماني العميق بأن "كل مشكلة ولها حلَّال"، إلا أنني دائم الرد على كل من سألني عن واقع الحال بالقول: (ليس لها من دون الله كاشفة). بالطبع، لن نُسلِّم لليأس ولن نستسلم لما هو قائمٌ من عذابات، بل سنظل نخبط في الجدار، إما فتحنا ثغرة للنور أو متنا على وجه الجدار، لا يأس تدركه معاولنا ولا نخشى انكسار.. هذا حالنا إلى أن يأتي أمر الله، ويتحقق الانتصار. وحول السؤال، ففي سير التاريخ إجابة.. في تاريخنا المعاصر، هناك شواهد لصرعات اشتعلت بين قوى التحرر في الوطن العربي، مثل الجزائر في الخمسينيات، وأيضاً لأزمات وقعت لبعض حركات التحرر في بيئات غربية كإيرلندا، ودول أفريقية مثل جنوب أفريقيا، مشابهة في وقائعها وانشطاراتها السياسية لحالتنا لفلسطينية، حيث انقسمت القوى السياسية في تلك البلاد على نفسها ووقع الاحتراب بينها، وفي نهاية المطاف وجدت الحكمة طريقها لإصلاح ذات البين ونبذ الخلاف، وتوحيد الرؤية والهدف لبلوغ الغايات. وقد شاهدنا ذلك في الجزائر عندما انعقد مؤتمر الصومال في عام 1956م، ليضع حدَّاً للخلافات التي كانت قائمة بين فصائل وقوى المقاومة الوطنية بمختلف اتجاهاتها الفكرية والدينية، وليعمل الجميع تحت راية جبهة التحرير الوطني الجزائرية، بهدف تحقيق الاستقلال عن فرنسا، وهذا ما أنجزته الجبهة عبر نضالات استمرت لست سنوات، شارك الجميع في صنع ملاحمها وصور البطولة والمجد فيها، كان الشعار الذي ردده الكل الوطني والإسلامي هناك "وعقدنا العزم أن تحيا الجزائر"، وكان العلم الواحد الذي مثَّل الجميع، وكانت البندقية الواحدة التي استهدفت رصاصاتها جند الاحتلال الفرنسي، وكان أن تحقق حلم الثائرين: "الجزائر للجزائريين". وفي إيرلندا، حيث قاتل الجيش الجمهوري (IRA) الاحتلال البريطاني لسنوات طويلة، ثم سنحت الفرصة؛ لأن تضع الحرب أوزارها، وأن يتحقق الاستقلال في العشرينيات. وفي تلك اللحظة الحاسمة من تاريخ الصراع، اختلف رفقاء السلاح مع زعيمهم مايكل كولنز، حيث جاءهم بالتسوية السياسية التي تمنحهم الاستقلال، وإعلان الجمهورية في عشرين مقاطعة من بين الستة والعشرين.. احتدم الخلاف والقتل بينهم، وانتهى باغتيال زعيمهم، ليعودوا بعد عدة عقود للتصالح من جديد، وتوقيع اتفاق "الجمعة المجيدة -Good Friday " مع بريطانيا، وها هم بقيادة جيري آدم وحزب "الشين فين" يكملون مسيرة قائدهم الذين أوقعوا به وقتلوه. وإذا أخذنا جنوب أفريقيا مثلاً آخر، وكيف أنهكتها الصراعات القبلية والعرقية التي استغلها المستوطنون البيض (الأفريكانوز) لكسر شوكتهم الوطنية، وإبقائهم في حالة من الذلة والمسكنة، وقطع الطريق أمام توحدهم، وإمكانية تعزيز قدرتهم، ولمِّ شملهم.. ظلَّ الحال حيث أوهى كلٌّ من المتقاتلين قرنه، إلى أن جاء نلسون مانديلا وجمع الصف، وأخذ بأيديهم عبر نضالات طويلة لحقهم في تقرير المصير، والذهاب للانتخابات، وانتزاع حقوقهم عبر عملية نضالية سلمية، أوصلتهم إلى سدَّة الحكم والتحرر من التبعية ونظام الأبارتهايد. حتى أمريكا لم تسلم صفحات تاريخها من صراعات داخلية، ولولا حكمة الرئيس إبراهام لنكولن وصبره وجلده، لما انطفأت جذوة المواجهات الدامية بين الشمال والجنوب حول قضية إلغاء العبودية ومنح الحرية للسود. في القراءة التاريخية، هناك - دائماً - إشارات لمن صنعوا التاريخ ودبجوا صفحات المجد لشعوبهم، وهناك ألقاب للبطولة يحملها أولئك الذين تركوا بصمة أو صنعوا أثراً خلفهم. في تاريخنا الفلسطيني هناك ياسر عرفات (أبو عمار)، الرئيس القريب إلى قلوب الغالبية العظمى من الفلسطينيين، وهناك الشيخ الشهيد أحمد ياسين، وهناك آخرون نعتز بجهادهم وتضحياتهم من قيادات وكوادر العمل الوطني والإسلامي. هؤلاء هم تاجٌ على رؤوسنا جميعاً، تستحضرهم الذاكرة ونأتي على ذكرهم، في لحظات تاريخية صعبة، كتلك التي نعيشها، ونتحسر على فقدانهم، حيث عزَّ النصير والحكيم، والقائد الذي نسميه "رجلٌ بأمة". ختاماً: ما زال في القوس رميَّة منذ "حديث الدردشات" الذي ورد على لساني في شهر إبريل الماضي، والذي أثار الكثير من اللغط والنقاشات حوله في وسائل الإعلام، وتعرضت بسببه لانتقادات ظالمة من أطراف محسوبة على جهة "الخِّل الوفيِّ"، وأيضاً من بعض الموتورين في الساحة الفلسطينية، حيث تبين لكل ذي عينيين - الآن - أن هناك لقاءات وتحركات كانت تجري مع العديد من الشخصيات الغربية الاعتبارية مع قيادة الحركة في الخارج، وذلك بهدف التوصل لتهدئة تسمح بإلزام الطرف الإسرائيلي بما تمَّ التوقيع عليه في القاهرة من تفاهمات، والتي أنهت الحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة. الذين وجهوا لي سهام النقد - آنذاك - وطالبوا بفصلي من الحركة، لم نسمع لأحدٍّ منهم - اليوم - ركزا؛ فلا حس ولا خبر.!! من خلال قراءتي للحالة السياسية، ومتابعتي لواقع ما يحدث - اليوم - خلف الكواليس، يمكن القول بأن اللقاءات التي جرت في العاصمة القطرية الدوحة مع رئيس المكتب السياسي الأخ خالد مشعل وقيادة الحركة هناك، وخاصة مع توني بلير؛ المبعوث السابق للرباعية الدولية، تعكس حالة الواقعية السياسية، وهي صورة من النضج السياسي للحركة في علاقاتها الدولية، وقوة استشعار متقدمة لما يتوجب عمله من أجل قطاع غزة، الذي يتعرض لحملة تهميش ممنهجة تهدف إلى كسر إرادته، وإضعاف صموده في وجه المحتل الغاصب. إن هذه التحركات التي جرت - مؤخراً - في الدوحة توشك أن تؤتي أكلها، وأن تتمخض عن "اتفاق ذي أبعاد إنسانية"، يمنحنا الوقت لمعالجة أوجاع حرب عام 2014م وتداعياتها الكارثية على المجتمع في قطاع غزة، حيث ارتفع منسوب البطالة بين الشباب إلى أكثر من 60%، وتأتي تهديدات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) بتقليص خدماتها للفلسطينيين لتفاقم الوضع، وهي أشبه بتوجيه ضربة قاتلة في خاصرة أهل قطاع غزة. وإذا أضفنا إلى ما سبق ما عليه القطاع من مشاكل مزمنة في بنيته التحتية، حيث النقص في الكهرباء وفي المياه الصالحة للشرب، وفي مشكلات النفايات والصرف الصحي، والعجز في ميزانيات التعليم والصحة، وتعاظم حالات الفقر والعوز بين الناس، وتراجع خدمات المؤسسات الإغاثية...الخ يتبين لنا أهمية التحرك الذي تقوم به حركة حماس، حيث المطلوب - اليوم - وبشكل عاجل البحث عن مخرج يشكل إضاءة في نهاية النفق، وهذه الحوارات في الدوحة هي بلا شك "جهد المضطر" في هذا الاتجاه. إن هذا الاتفاق - حال توقيعه - سيعجِّل في إنجاز الكثير من مشاريع إعادة الإعمار، التي اتخذت قطر وتركيا على عاتقيهما - مشكورتين - القيام ببعضٍ منها، وكذلك سيمهد الطريق، ويعطينا الوقت الكافي لإصلاح "ذات البين" في الحالة السياسية الفلسطينية، وتثبيت ما توافقنا عليه في "اتفاق مخيم الشاطئ" في 23 إبريل 2014م، وأيضاً الإسهام في إعادة ترميم الحكومة القائمة أو استبدالها بحكومة وحدة وطنية تشارك فيها كل الأوزان الفصائلية . لا شك بأن تجاهل رام الله الكامل لقطاع غزة، وتتعاظم أشكال المعاناة والاستنزاف التي يعيشها أهلنا في القطاع، بسبب واقع العزلة والحصار الظالم المفروض منذ أكثر من ثمان سنوات، كان هو الدافع وراء تحرك حركة حماس بمفردها، وتجاوبها مع الجهود الدولية التي جاءت بفكرة "التنمية مقابل الأمن"، باعتبار أن ذلك هو واجب الضرورة الوطنية والإنسانية، الذي يفرض عليها أن تتحرك لفكِّ الطوق والتخفيف من حالة الاختناق القاتل. إن ما يجري الحديث عنه في وسائل الإعلام هو في حقيقته ليس اتفاقاً سياسياً، إنما هو "استراحة محارب" تحتاجها الدول والشعوب والحركات من حينٍ لآخر، وخاصة قطاع غزة بعد ثلاثة حروب دامية، أهلكت الحرث والنسل، برغم صور البطولة وملاحم المجد التي سطرتها المقاومة في تصديها للعدوان وجيش الاحتلال، فهذه الاستراحة هي لمعالجة ما خلفته إسرائيل؛ الدولة المارقة، من دمار جراء سياسة "الأرض المحروقة"، التي اعتمدها جيشها في عدوانه الهمجي على الأحياء السكنية في القطاع. إن التصريحات التي صدرت عن حركة حماس توحي مؤشراتها بأن تقدماً ما قد حصل في المحادثات التي جرت في الأيام الماضية، والكل بانتظار ما ستتمخض عنه الجولة القادمة، وما تحمله من "كلمة الفصل". ومن الجدير ذكره، أن الموقف العربي يبدو داعماً لمثل هذه التحركات، واعتراض السلطة في رام الله ليس بالأساس على مسائل جوهرية فيما يجري مناقشته، وإنما لأنها خارج سياق التفاصيل. بالتأكيد، إذا تحقق التوافق بين "الكل الوطني والإسلامي" على هذا الاتفاق الإنساني، فإن السلطة الوطنية الفلسطينية ممثلة بالرئيس (أبو مازن)، وجمهورية مصر العربية؛ راعية معظم اتفاقاتنا الوطنية، ستكونان هما من يشهد على العقد، ويوقع على الاتفاق. إن هذا الاتفاق إذا تمَّ، وتوافق عليه الجميع، فسيكون هو الخطوة التي نعزز من خلالها موقفنا الوطني، بتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام بالشكل الذي نتطلع إليه، وسيكون أيضاً دفعة للتحرك وقطع الشك باليقين، وتثبيت ما كنا - وما زلنا - نردده، أنه "لا دولة في غزة، ولا دولة بدون غزة". قولوا آمين.. ملاحظة: إذا نجح الاتفاق، خيرٌ وبركة، وإذا كان الأمر غير ذلك، فإن "كل واحد في حاله، ويا دار ما دخلك شر"، كما اعتدنا القول في أمثالنا الشعبية. |