وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الاسير محمد علان ... وصلتم متأخرين جدا

نشر بتاريخ: 18/08/2015 ( آخر تحديث: 18/08/2015 الساعة: 12:06 )
الاسير محمد علان ... وصلتم متأخرين جدا
الكاتب: عيسى قراقع
بعد واحد وستين يوما من اضرابي المتواصل عن الطعام ضد اعتقالي الاداري الظالم، وبعد ان جف ندائي ، وتبخر ماء جسدي، وتمزقت عضلاتي وتوقفت انفاسي، وفقدت الوعي عميقا عميقا في الابيض الآتي، وصلتم ايها الناس اليّ متأخرين جدا.

الآن لا اسمع سوى امي، تقف فوق رأسي، تقرأ القرآن، تبحلق بعينين دامعتين، وزفرات من الحسرات العاليات الصارخات، وانا مسجون في غرفة العناية المكثفة في مستشفى برزلاي الاسرائيلي، تتدلى من جسدي الاجهزة، وتدق في دمي وخزات من الوجع الذي لم يعرفه سوى الشهيد في لحظاته الحاسمة.

وصلتم الى غيبوبتي متأخرين كانكم لم تصلوا، ولا ادري هل سافيق يوما ام سأظل مسجى في عالمي الآخر، ارفض الموت ذليلا، وارفض الحياة خانعا عبدا لدولة فاشية حاربتني وقتلتني ، وجندت عليّ حقدها وعنصريتها والف سجان على بوابة قيامتي.

وصلتم ايها الحقوقيون، والمسؤولون والامميون متأخرين، صرت خارج النص والصوت، تقدمت امامكم كثيرا، ووصلت الى حيث ارادت ارادتي وشموخي وكبريائي الانساني، وصلت قبلكم الى ميزان العدالة، وحركت اقوالكم السابقة و اللاحقة، حركت ثقافتكم ومبادئكم وقيمكم من جحورها وتكلسها وعجزها المذهل.

قلت لكم: انا الضحية المليون في الشعب الفلسطيني ، انا المذبوح على يد دولة فوق القانون الدولي وخارج القانون الدولي، انا القادم من خلف السياج والجدران، انا المشبع بالموت حتى فاض عن المألوف والطبيعي، وتوقعاتكم.

قلت لكم: انقذوني الان وغدا، لأن خلفي الآلاف الذين يسقطون في تلك المعسكرات والسجون، وخلفي دم وقهر وحرب تمتد من سجن مجدو حتى نفحة، وخلفي اطفال ونساء ومرضى ونواب ومشلولين وصوت قنابل تمتد من جوفها حتى تطالكم.

وصلتم متأخرين جدا، وليس امامكم الآن سوى ان تقرأوا وصيتي، لأني لم أعد قادرا ان اراكم، ولم اعد قادرا ان اسمعكم، اقرأوا الوصية ربما يستفزكم صوتكم الداخلي، ربما الخوف من القادم، ربما تتفقدوني هنا ولا تغادروا هذه المرة خارج البحر والحدود، وتذهبوا لتجدوني في كل زنزانة وسجن ومركز تحقيق، احملوا عني اقوالي وجثتي، وسيروا بها في كل اتجاه، لتكون راية لنهاية المذبحة والاحتلال.

وصلتم متأخرين، تتجمعون حول سريري الصامت، تشمون رائحة جسدي المحترق ، شهقاتي الداخلية ونظراتي الغائبة، لأقول لكم بصمت المقتول الشهيد: ماذا بعد؟

وصلتم متأخرين، كأني اراكم تغادرون بعد قليل الى اولادكم، وابقى وحيدا في الغياب، وتظل امي واقفة على بوابة المستشفى، تنتظرني حيا او جثة محطمة.

وصلتم متأخرين، رأيتكم قبل ساعات على الشاشات، وفي المؤتمرات والندوات، مشغولين بالخطابات والكلام الكثير، وكانت سمائي جافة سوداء، وسماؤكم صافية بيضاء، كان جسمي ناشفا ومنهكا ، واضلاعي تتحطم شيئا فشيئا، وانتم المعافون السالمون المبلولون بالراحة والغيم هادئين.

وصلتم ايها الناس متأخرين، جسدي لم يعد معي، اهبط رويدا رويدا الى الغموض، نهاري شرشف ابيض، وليلي سعال اسود، كأن القيامة قامت قبلي، ونسيتني على ارض صماء.

انا محمد علان اقبع في مستشفى برزلاي الاسرائيلي اتسلق على حلمي بدمي وخيالي وارادتي ، احاول ان ارى غدي، وكلما وصلت الفجر صدني وجعي وقال لي: انت ناقص من التابوت والشمس.

وصلتم متأخرين، وما عليكم الآن سوى ان ترسلوا الزهور، وتفتحوا ابواب الكنائس للملائكة، اقرأوا سورة القارعة واختموها بسورة الفاتحة، لا اطلب نشيدا جنائزيا، ولا احتاج بعد الآن الى وداع في الفراغ.

انا محمد علان، ارى في جوفي سحاب، وقلبي يدق على اسلاك ربطوني بها، ويدق قلبي اكثر كلما فاض الملح بين الرئتين، واقتربت من بشائر حريتي.

وصلتم متأخرين،
انظروا بعدي وقبلي
علقوني شاهدا على حياتي
كانت هنا ....
واستمرت هناك تجري