|
الوضع الفلسطيني المأزوم لا يحل بمناقشات واجتماعات عقيمة
نشر بتاريخ: 18/08/2015 ( آخر تحديث: 18/08/2015 الساعة: 15:13 )
الكاتب: محمد خضر قرش
منذ فترة ليست بالقليلة تدور في الأوساط السياسية والحزبية والصالونات والندوات والمؤتمرات نقاشات بعضها حاد جدا حول مصير الوضع الفلسطيني المأزوم والمعقد الذي بلغناه،وما هي السبل الممكنة والمعقولة والأدوات والوسائل المتاحة والمقدور عليها التي يمكن أن تخرجنا من هذا الوضع المأزوم وغير السويَ الذي نعيش فيه منذ العودة إلى الوطن عام 1994على وجه التحديد.
وإذا كان الحوار مطلوبا والنقاش ضروريا بين مكونات المجتمع الفلسطيني وقواه السياسية إلا أن أهميته وجدواه وفوائده تكمن بتقبل الأفكار والآراء والملاحظات للوصول إلى برنامج وخطة عمل لوضع الحلول وتنفيذها من أجل مغادرة النقاش العقيم وحركة المراوحة في المكان التي مضى على ممارستنا إياها لأكثر من عقدين من الزمن. لقد بات يتوجب الاتفاق على برنامج وطني للنهوض أو الصعود من قاع التراجع كشرط ضروري لإنهاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال.وقد انعقدت لقاءات واجتماعات عديدة للمجلسين الوطني والمركزي الفلسطيني وعشرات الاجتماعات للجنة التنفيذية عدا عن مئات الاجتماعات الفصائلية والحزبية لتنسيق المواقف وبعضها لغرض الاندماج والتوحيد. إلا أن أيا منها لم يعط نتائج إيجابية يلمسها ويشعر بها المواطن الفلسطيني لتقوية وتصليب قدرته على مواجهة مخططات الاحتلال.بل على العكس من ذلك فقد أعطت نتائج سلبية ولم تفلح كل المناشدات والدعوات والمطالبات والرغبات الجماهيرية الواسعة بوضع حد للتدهور الذي نعيشه. وعلينا أن نقول هنا وبشيء من الصراحة أن الكثير مما نحن فيه من تفكك وتشتت وانقسام وفساد وتدهور المنظومة الاجتماعية الفلسطينية ليس مرده الاحتلال فحسب.نعم هو يعمل ويخطط ويشتغل عليها ليلا ونهارا، وهذه هي مصالحه وأهدافه بل وخططه لنبقى هكذا ندور في حلقة مفرغة من النقاشات العقيمة والعبثية وغير المجدية. فالانقسام الحاد الذي وقع وشقَ الوطن الصغير جدا إلى شطرين ومن يدري لعله يكون بداية لدولتين أو كونفدرالية تم بقرار فلسطيني. وفشل المفاوضات مع المحتل وتوسع الاستيطان وتهويد القدس وإخفاق برامج الحكومات الاقتصادية والاجتماعية المتعاقبة بالإضافة إلى انتشار الفساد السياسي والمالي واحتكار إدارة الحكم في جناحي الوطن من الحركتين الأكبر والإصرار على الرأي وعدم تقديم المختلسين الكبار إلى المحاكم وعدم الالتفات إلى ما يقوله الأخر على الرغم من انه قد يكون صحيحا ومناسبا، فكل هذه وغيرها كثير لا يمكن تحميلها للاحتلال البغيض فقط. فعلى سبيل المثال من الذي يمنع دون انعقاد الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل دورها الذي تم الاتفاق والتوقيع عليه في القاهرة؟ ومن الذي يحول دون محاسبة الفاسدين ومحاكمتهم؟ ومن الذي يعطل إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمحلية؟ ومن الذي يعترض أو يتجاهل وضع الرجل المناسب في المكان المناسب؟ ومن الذي يجهض عمليا بناء دولة فلسطين على أساس المساواة والعدل دون النظر إلى الدين والجنس والانتماء الفكري؟ومن الذي يعمل على تكرس المصالحات والحلول العشائرية والتركيز عليها لتكون بديلا عن سيادة القانون وجعلها المرجع الأكثر رواجا واستخداما؟ ومن الذي يوقف التداول المنتظم في إدارة المؤسسات الاقتصادية والمهنية للسلطة الوطنية ومنظمة التحرير؟ ومن الذي لا يقيم وزنا لانعقاد جلسات المجلس التشريعي ويغيبه عن القيام بدوره الرقابي وتشريع القوانين مما تسبب بأضرار كبيرة للمنظومة القضائية الفلسطينية ككل؟ ومن الذي منع أو حال دون عرض نتائج تقرير غولدستون المتعلق بالجدار على مجلس الأمن الدولي؟ ومن الذي يرفض دعم ومساندة المقدسيين بالثبات والتمسك بمدينتهم بصفتها عاصمة لدولة فلسطين ؟ ومن الذي لا يوافق على دعم وتمكين ومساندة أسر الشهداء والأسرى وتأمين مستقبل لذويهم وعائلاتهم يتناسب مع تضحيات آباءهم وأولادهم؟ومن الذي يؤجل إعادة بحث العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية ومن ضمنها موضوع التنسيق الأمني؟ فكل القضايا أنفة الذكر لا يستطيع الاحتلال أن يوقفها ويحول دون تنفيذها.هو فقط يستطيع أن يعطل أو يؤخر ليس أكثر من ذلك. فما دام الأمر هكذا فلماذا نؤجل ولا نضع كل المواضيع المنوه عنها قيد التنفيذ ونطبقها؟ وعلى ضوء ما تقدم فأن كل الاجتماعات والمناقشات التي تتم على كافة المستويات والأطر القيادية الرسمية والفصائلية بما فيها المؤتمرات والندوات وورش العمل تعتبر عبثية وعقيمة وبلا معنى إذا لم يكن الهدف أو الغرض منها تحسين وتطوير الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والمعيشي الفلسطيني ومحاربة الفساد والمفسدين والمختلسين ؟هناك جهات غير مرئية ونياتها غير سليمة بل وعدائية، ترغب بان يبقى الوضع الفلسطيني على ما هو عليه ،لكي تعطي للاحتلال الفرصة لمواصلة مصادرته الأرض وإقامة المستوطنات وتهويد القدس ونشر الفساد على نطاق واسع لكون الأخير الوجه الآخر للاحتلال وأداته الرئيسة ويده الطولى والفعَالة في مد عمره وبقاءه محتلا للتراب الوطني الفلسطيني. مستغلا أبشع استغلال الحالة الفلسطينية المهترئة والوضع العربي المفكك والمتناحر والضعيف. فعبر لقاءات جمعتني بعدد من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في الأسبوع الماضي لمعرفة ماذا يعملون أو يفكرون في هذه الفترة وما هي خططهم للخروج من المأزق الذي كان لهم دور ملموس في بلوغنا إليه ، تأكد لي أن هناك فجوة كبيرة بين الشارع وقياداته .فهم حتى تاريخه لا يملكون رؤيا أو خطط للخروج من حالة التدهور التي نعيشها. وحينما قلت لهم ولماذا تجتمعون إذن وماذا تناقشون ، وجدت أن كل واحد منهم يحيل المسؤولية إلى الآخرين ويبرأ نفسه وحزبه وفصيله. حتى اختيار الوزراء كما قال رئيس الوزراء ذات مرة في مقابلة أجريت معه على الهواء: بان الأسماء فرضت عليه فرضا بحكم علاقة هذا أو هذه بهذا الشخص أو ذاك. فمعايير وأسس الاختيار غير موجودة ليس فيما يتعلق بالوزراء بل وبرؤساء المؤسسات والمحافظين والسفراء بما فيهم المؤسسات المهنية والحساسة الاقتصادية والمالية والمصرفية. ولا يتوقف الأمر عند ما سبق، بل يتعداه إلى موضوع إصدار القوانين بقرارات وبداية لتسريب رسائل ومعلومات وكتب هامة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، تكشف عن كيفية إدارة أمور الدولة واتخاذ القرارات فيها. إن كل ما سبق يؤشر إلى أن وضعنا بات في غاية الخطورة ليس على مستقبلنا نحن بل – وهذا الأهم - على مستقبل الأجيال القادمة وقضيتنا الوطنية. مما يتطلب اتخاذ قرارات جادة ووضع حد للتسيب والانفلاش والفساد وإنهاء الأوضاع الشاذة التي تراكمت في العقدين الأخيرين تحديدا.لقد بات تجديد أو تأكيد الشرعية لكل الهيئات القيادية الفلسطينية وفي المقدمة منها منظمة التحرير ولجنتها التنفيذية ومجلسيها الوطني والمركزي والسلطة الوطنية ومجلسها التشريعي أمر لا مناص أو مهرب منه،خاصة ونحن أمام مرحلة قادمة في غاية التعقيد والتشابك والتقاطع بين الدول الإقليمية والدولية .وهذا يتطلب الرجوع إلى الشعب لانتخاب هيئات قيادية جديدة لم يعد مقبولا وطنيا وشعبيا ودوليا الاستمرار بالوضع الحالي.فتجديد الثقة الشعبية بالمؤسسات القيادية الفلسطينية وخاصة منظمة التحرير باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد لشعبنا بات أمرا ملحا وضروريا ولا يمكن تجاهله.وكلمة أخيرة نقولها في هذا السياق لبعض الحركات التي ترفض المشاركة في إعادة بناء منظمة التحرير وإجراء الانتخابات وتجديد الثقة الشعبية أو تعطيلها بحجج مختلفة، أنها ستخسر كثيرا وستفقد تأثيرها في الشارع الفلسطيني إذا استمرت في تعنتها وعنادها. |