وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

لن تكون انتفاضة ثالثة ،،، ولكن ؟

نشر بتاريخ: 19/08/2015 ( آخر تحديث: 19/08/2015 الساعة: 15:00 )
لن تكون انتفاضة ثالثة ،،، ولكن ؟
الكاتب: عصام بكر
بالرغم من اتساع نطاق الاعتداءات اليومية التي تشهدها الاراضي الفلسطينية منذ "حادثة " اختطاف واحراق الطفل ابو خضير حيا ، وحتى احراق عائلة دوابشة في دوما وما بينهما من عمليات قتل شبه يومي سواء على ايدي جنود الاحتلال على الحواجز العسكرية او من قبل المستوطنين الذراع الضارب للاحتلال في الضفة الغربية عبرمهاجمة القرى والبلدات الفلسطينية وترويع السكان ، استهداف المزروعات ، والاشجار، المساجد ، والكنائس وكل ما يمكن ان تصل اليه ايديهم الاثمة ، بالرغم من كل ذلك وما يدور من حديث عن امكانية اندلاع انتفاضة ثالثة التي امام المشهد الدامي لا تحتاج الى شرارة لان شرارتها امام كل هذه الممارسات تبدو طبيعية وهي توفر بيئة منطقية تماما لانتاج رد الفعل المضاد " الانتفاضة " لكن بالرغم من كل ذلك وامام بشاعة ما يجري وما قد يجري مع قادم الايام والاسابيع من "تدفيع الثمن" وما تخطط له من اعتداءات ربما تصل لتنفيذ مجازر، وهي عمليات نتاج فعل منظم تحكمه ايديولوجيا وتوجه خطواته تربية حاقدة يلقى الدعم والغطاء السياسي والمالي من اقطاب الحكومة والمستوى الرسمي الذي يوفر الدفيئة والحاضنة الطبيعية لصناعة هذه الثقافة التي تقوم على العنصرية والكراهية ، 

على الرغم من ذلك كله وبشاعة مشهد احراق الطفل الرضيع دوابشة وعمليات القتل بدم بارد التي تتم يوميا على الحواجز التي اصبحت مصائد للموت اليومي المتربص بالشباب الفلسطيني بذريعة محاولة الطعن او غيرها وهي وجدت لممارسة كل اشكال القهر والاذلال اليومي ، وشل الحياة ، وامتهان الكرامة جنود يتلذذون في اشباع شهوة الحقد الاعمى بممارسات يندى لها جبين الانسانية لا تندلع الانتفاضة !!! ولا تبدو في الافق ملامح انتفاضة بمعناها الشمولي الواسع ، وبالتاكيد هناك اسباب كثيرة لذلك مع الابقاء على امكانية اندلاعها عبر هبات هنا وهناك ، واردة كما حدث مثلا خلال العدوان الاخيرعلى قطاع غزة ، 

لكن الانتفاضة بوصفها فعل جمعي واعي عشوائي يشارك فيه قطاعات وشرائح الشعب شبابا ونساء وعمالا وفلاحين طلبة وكهول ومن كل الاعمار والاجيال والمناطق في القرى والمخيمات والمدن كما يعود للاذهان مشهد الانتفاضة الاولى العام 1987 بهذا الشكل النموذج الذي ابهر العالم وهو يرى جموع الشعب الفلسطيني تخرج لتقول كفى احتلال هذا النموذج قد يكون من الصعوبة اعادة استنساخه في ظل المتغيرات التي مرت بها القضية الوطنية ، صعوبة الوصول لهذا النموذج تتمثل ببساطة ان الناس لم يعد بمقدورها ان " تستخدم " وان تتحرك اتوماتيكيا دون قيادة ودون هدف وبرنامج متفق عليه ، وامام حالة الانقسام الداخلي السياسي والجغرافي ، واجندة كل طرف وكل فريق ، وفقدان ان لم نقل انعدام الثقة بالهياكل القائمة اليوم لا يمكن الشروع في هذا الفعل الثوري الكفاحي المنتظر ، ومع غياب الروافع التي تمثلها قوى العمل الوطني كركيزة لتحريك الفئات الشعبية وقيادة العمل للخلاص من الاحتلال ، واتساع التباينات والبرامج والمنطلقات وحجم وثقل المرحلة السابقة التي غيرت واثرت كثيرا ولم تكف طوالها المحاولات لادخال الشعب الفلسطيني الى حظيرة البحث عن قوته اليومي لقمة العيش مع اتساع دائرة البطالة ، ونسب الفقر ومع غياب الاطار القيادي الجامع لهذه القوى ، في الممارسة الميدانية والعمل الشعبي المقاوم ، وتفتيت الاذرع الجماهيرية للعمل من طلبة ، وعمال ، ومرأة ونقابات واتحادات التي اصبحت اجسام نخبوية بعضوية محدودة وقوة تاثيرها لا تكاد تذكر مع انقسام بعضها ، وغياب وتغيب بعضها الاخر ومع تراجع السقف السياسي والاهداف ، وعدم وضوح الرؤية وتخبط البعض وفشل اقناع الشارع بطريق المقاومة وفشل تحقيق الاهادف الوطنية عبر طاولة المفاوضات ايضا التي استغلها الاحتلال غطاء لمصادرة الاراضي وهدم البيوت وتقويض الامكانية الفعلية لقيام دولة مستقلة على اراضي 67 ، هذا التلعثم والارتباك في المشهد السياسي على مدار السنوات الماضية اثقل الناس وغير الكثير من المفاهيم لدى جيل باكمله ، ربما مع فقدان البوصلة جيل تعرض لتخريب مباشر للقيم والانتماء وضرب المباديء ليحل محلها النزعات الفردية والانا العليا ، والتنافس السلبي مع العزوف عن المشاركات ذات الطابع الوطني والسياسي والذهاب نحو الهروب والهجرة ، وهي كلها لم تكن بالصدفة وليست وليدة اللحظة بل تم العمل عليها عبر سنوات بمنهجية واضحة ومحددة .

تجربة من عاش الانتفاضة الاولى والجيل الذي نشأ على ايقاع هذه التجربة الفريدة في الوعي السياسي الفلسطيني ومن عاش وعايش ايضا انتفاضة الاقصى العام 2000 والارهاصات والمعاني التي حملتها هاتين التجربتين في الوعي والعقل لدى الجيل الساحق من الشباب الفلسطيني يستطيع ان يرى بوضوح البون الشاسع بعيدا عن التنظير والجمل الثورية البراقة ، الاختلافات والاهتزازات التي حصلت في المشهد وفي الممارسة اليومية ، فقدان الركيزة للعمل واهتزازها وذوبان ما حولها يقود الى جملة من التغيرات بدأت تعبيراتها بالظهور ليس من وقت قريب بعض المجموعات الشبابية لشبان وشابات لم يعد بمقدورهم السكوت عما يجري وفي نفس الوقت لا يريدون العمل تحت مظلة القوى السياسية او بعضها رغم انها اي تلك المجموعات لم تخلق حالة متواصلة منظمة وقوية ولكن كان لها تاثيرات وقدرة على الحشد والتجمع ، واختيار العناوين واستخدمت وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها لاسماع صوتها مع عدم القناعة ايضا بان هذه هي الوصفة المثلى للعلاج ، 

فالازمة اكثرعمقا ومركبة اكثر من ظهور حراك شبابي او اية مسميات اخرى عرضية او قد تكون موجهة ولكن لم يكتب لها الاستمرار محاولة الحل بهذا الشكل الذي يرفض التعاطي مع الموجود بل وانكار التاريخ ايضا احيانا ، وليس من السهولة ان ظهور حراكا شبابيا او اية مسميات اخرى محاولات لم يكتب لها النجاح ، محاولات اخرى جرت لولادة حركات سياسية او تشكيل احزاب سياسية جديدة او تحالفات او تيارات مختلفة جميعها او معظمها ايضا تعثرت ولم تجد طريقها للنجاح وهي ولدت اساسا في اطار السعي لبناء تيار ديمقراطي لشخصيات غادرت احزاب يسارية غالبا وقادها الحس احيانا لبناء هياكل تجمعها او اطر اصطدمت هي الاخرى بصخرة القصور والنزعات الفردية واختلاف الفهم للدور والهوية والفكر

تلك المظاهر بمجملها انعكاس لازمات اعمق ولم تكن صدفة بل جاءت على خلفية ضعف القوى القائمة وتراجع مصداقيتها ، وفقدانها الجاذبية منفردة او مجتمعة ، فالتاريخ الطويل لمنظمة التحرير وقوة حضورها الثوري والوطني وما مثلته من حالة نضالية في اعادة انبعاث الهوية الوطنية ردا على النكبة ، والتي خاض الشعب الفلسطيني معارك في الدفاع عن وحدانية تمثيلها واستقلال قرارها وبالرغم من كل ما طرأ عليها في السنوات الماضية من تراجع دور مؤسساتها الا انها ما زالت الملجأ الوحيد ، والخيمة التي نستظل بظلها والمرجعية التي نعود اليها وقت الشدائد وفي المنعطفات ، المنظمة بكل تاريخها غدت النافذة الوحيدة المتبقية كائتلاف جبهوي عريض للعمل من اجل استرجاع كل الصورة المشرقة ومعالجة كل المظاهر السلبية ، تحتاج الى جهود لاخراجها من الحالة التي وصلت اليها لاعادة البناء وليس الترميم ، التغيرات الشكلية للحفاظ على " الشرعية " مهمة لكن الاهم هو اعادة الروح ، الصلة مع الناس الحاضنة الجماهيرية الاوسع واعادة التوازن لا بالتجديف عكس التيار ولا الانسياق والتطاير لان كلاهما خطير كارثي ومدمر لكل ما تحقق .

ولو عدنا لمحاولة قراءة المشهد امام سؤال الانتفاضة واندلاعها فان ما يجري من عمليات فردية لشبان راعهم مشهد الحرق والقتل وما يجري من استيطان وعدوان مفتوح يومي ، هذه المبادرات الفردية باشكال عديدة الدعس او الطعن او غيرها وان كانت تعبيرا عن حالة غضب طبيعي لدى شبان او افراد هنا وهناك ، وربما بعضها جرى بمحض الصدفة وبدون تخطيط الا انها سلوك ينبغي دراسته بشكل جدي اكثر باعتباره ايضا بداية الخروج العملي من عباءة القوى القائمة والذهاب لفعل او افعال عشوائية وذات طابع فردي في ظل غياب الفعل من الهياكل القائمة والناس تنتظر الموقف والتوجيه والعمل ولم ترى سوى بيانات او ادانات ليس الا ، حالة من الاحتقان الكبير في الشارع وغضب يعتمل في صدور المهمشين والمسحوقين مع الافتقاد لبوصلة التوجيه امام اتساع نطاق الاعتداءات اليومية وحرب الاحتلال المفتوحة على البيوت والمزارع والقرى والارياف .

المجلس الوطني الفلسطيني المنتظر قد يرسم معالم الطريق اذا صحت الدعوة لعقده الشهرالمقبل ، واذا ما احسن التقاط اللحظة بوعي ومسؤولية لما يدور ، اجراءات عاجلة لا تحتمل التاخير لتجديد الدماء واعادة بناء ما تهدم ، للتخلص من حالة التكلس والرتابة ، انجاز المصالحة والاتفاق على انتخابات تشريعية ورئاسية في وقت قريب ، قبل ذلك وبالتوازي معه العمل لبناء جبهة وطنية للمقاومة الشعبية ، واستكمال بناء لجان الحراسة الوطنية بمشاركة الجميع ، والتصدي للمستوطنين الذين يعيثون فسادا وخرابا وينشرون الرعب في القرى والبلدات ، علينا ان ننطلق من فهم واحد وواضح وجامع ان لا مجال وليس ثمة أي امكانية للتعايش مع هذا الاحتلال ، الكل الفلسطيني في تناقض تام بينه وبين بقاء الاحتلال فوق ارضنا بكل تعبيرات واشكال وجوده ، ليس من امكانية للرهان على اعادة الزمن للوراء والبحث عن حلول جزئية تدمر المشروع الوطني برمته وتعيدنا الى نكبة من جديد ، الملفات صعبة والمهمة شائكة هذا صحيح - ولكن قد تكون قارب النجاة الوحيد امامنا ان نجعل من انعقاد المجلس الوطني مجلس تأسيسي لمرحلة جديدة ومهمات واضحة لمجابهة التحديات بما فيها اعادة تعريف وظيفة السلطة والتحرر من التزاماتها تطبيقا لقرارات المجلس المركزي في دورته الاخيرة ، استعادة روح العمل الجمعي والوطني ، واعادة الاعتبار للمنظمة التي هتفنا بوحدانية تمثيلها عقود وسنوات وبناء واعادة اللحمة لها على اسس كفاحية ديمقراطية بمشاركة الجميع ، عندها تصبح الانتفاضة الشعبية العارمة ببرنامجها الناظم واهدافها السياسية الواضحة المتفق عليها ، بقيادة ميدانية اصيلة وفاعلة تحكمها روح العمل الجمعي ومغادرة التفرد والاستفراد تصبح حينها الطريق مفتوحة على كل الخيارات وتصبح النتاج الطبيعي لشعب يتوق للخلاص من الاحتلال وهو مصمم على نيل حريته مرة واحدة وللابد يصبح المستقبل اكثر وضوحا ونكون على مقربة من الحلم حلم اجياله الموقنة اساسا بحتمية الخلاص ، بنقل الرسالة لجيل يتطلع لتطوير نظام حياته وتحقيق هدفه بناء العقل والقيم و التعلم من الماضي واستخلاص العبر مما جرى والتبصر بما هو قادم لمواجهة الصعاب والتحديات بعيدا عن الانغلاق ، الرهان على جيل يصنع المستقبل الذي يريد - في بحر التناقض والمتغيرات لنزرع دائما بذور الامل والرهان على جيل الشباب ليس بالرهان الخاسر رغم صعوبة الطريق فهم الامل وهم وقود العطاء اذا ما حانت لحظة الحقيقة .