وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

إسماعيل أبو شنب بذكرى استشهاده: الإسلامي المتميز صاحب المواقف الوطنية

نشر بتاريخ: 22/08/2015 ( آخر تحديث: 22/08/2015 الساعة: 12:59 )
إسماعيل أبو شنب بذكرى استشهاده: الإسلامي المتميز صاحب المواقف الوطنية
الكاتب: د.احمد يوسف
إسماعيل أبو شنب في ذكرى استشهاده: الإسلامي المتميز؛ صاحب المواقف الوطنية، والابتسامة الواعدة
في 21 أغسطس 2003م كان استشهاد المهندس إسماعيل أبو شنب (أبو الحسن)؛ أحد أهم القيادات التاريخية في حركة حماس، والذي استهدفته الطائرات الإسرائيلية بصواريخها المدمرة، بينما كان منهمكاً في إحدى أبرز مهماته الوطنية، الهادفة إلى نزع فتيل الاقتتال الداخلي، وإصلاح ذات البين بين بعض الفصائل الوطنية والجهادية، وقد علَّق – آنذاك - رئيس الوزراء السابق إسماعيل هنية على الحادث بالقول: "إن عملية تصفية القائد إسماعيل أبو شنب كانت قراراً استراتيجياً، سعت إسرائيل من خلاله إلى تغيير قواعد اللعبة، والقضاء المبرم على الهدنة، وحتى على تلك التفاهمات التي كانت تنسج خيوطها مع قيادات في السلطة الفلسطينية".
لقد كنت في زيارة عائلية لشقيقي بمدينة ميامي في ولاية فلوريدا الأمريكية، عندما سمعنا بخبر اغتيال الأخ (أبو الحسن) من على شاشة قناة الجزيرة.. أتذكر أنه في اليوم الذي سبق اغتياله، أنه قد انتابني إحساس مقلق وهاجس غريب تجاهه، وكنت أود الاتصال به وتحذيره، حتى يتخذ الاحتياطات اللازمة لسلامته بعد تهديدات شارون للفلسطينيين، وذلك على إثر العملية الاستشهادية بالقدس، ولكن – للأسف - فقد كنت بعيداً عن واشنطن حيث مقر إقامتي، ولم يكن رقم هاتفه معي، الأمر الذي حال دون اتصالي به.
كنت قبل ساعات من اغتياله قد تابعت تصريحاته على إحدى القنوات الفضائية، محذراً من انسياق السلطة ورضوخها للتهديدات الإسرائيلية بالعمل على ضرب حركة حماس وتجريدها من سلاحها.
على إثر حديثه ذلك اليوم، بدأت وشقيقي نتذكر الأيام التي كان فيها المهندس إسماعيل أبو شنب معنا في الولايات المتحدة، حيث كُنا نقيم جميعاً في مدينة "فورت كولنز" بولاية كولورادوا للدراسة في الجامعة هناك.
لم أكن أصدّق أن الأخ العزيز والصديق الوفيِّ (أبو الحسن) الذي عشت عمري قريباً منه كلّ تلك السنوات في قطاع غزة ومصر وأمريكا سيأتيه الأجل بهذه السرعة المفاجئة، وفي وقت سريان الهدنة التي عمل المهندس جاهداً على إنجاحها طوال الأسابيع التي سبقت اغتياله، حفاظاً على وحدة الصف الفلسطيني، وفي خطوة لدعم حكومة السيد محمود عباس (أبو مازن) وتمكينها للوفاء بالتزاماتها تجاه المشروع الأمريكي للسلام، والمسمى بـ"خارطة الطريق".
كان أبو الحسن (رحمه الله) إسلاميًا مخضرماً، عرف حركة الإخوان المسلمين منذ أن كان طالباً في الثانوية العامة بمعسكر الشاطئ بغزة، وقد سمحت له سنوات الدراسة في جمهورية مصر العربية أن يلتقي بقيادات تاريخية وكوادر نضالية من حركة الإخوان المسلمين هناك.
كنت قد تحدثت له في الأسابيع التي سبقت اغتياله، لشكره على جهوده وسعة أفقه في تفهم ضغوط الواقع الدولي، وتفويت الفرصة على شارون ومحاولاته البائسة للنيل من تماسك الموقف الفلسطيني، وجرِّ فصائل المقاومة والسلطة إلى أتون حرب أهلية قد تطال ويلاتها القوى الفلسطينية كافة، خاصة إذا انفلت الأمر من عقاله، وأخذ السلاح والرصاص طريقه إلى صدور الفلسطينيين وقلوبهم.
كان أبو الحسن (رحمه الله) صمام أمان على الساحة الفلسطينية، لما يتمتع به من أخلاقيات عالية ومهارات إدارية متميزة، ووعي سياسي ملحوظ، وصداقة للإخوة في مختلف الفصائل الفلسطينية، وكانت له كذلك حظوة ومكانة عالية لدى الشيخ الشهيد أحمد ياسين (رحمه الله)؛ مؤسس حماس والأب الروحي للحركة الإسلامية في فلسطين، وربما كانت مرجعية هذه العلاقة الوطيدة بالشيخ أحمد ياسين تعود إلى سنوات البدايات الأولى للعمل الإسلامي في قطاع غزة، حيث كان الأخ إسماعيل يقيم في نفس مخيم الشاطئ الشمالي الذي يقيم فيه الشيخ أحمد، وقد عملا معاً لسنوات عديدة هناك، قبل أن ينتقل الشيخ أحمد إلى حي الصبرا في سكن قريب من مركز نشاطه بالمجمع الإسلامي.
بقي الأخ إسماعيل (أبو الحسن) بعد عودته من مصر حاملاً شهادته الجامعية الأولي في الهندسة المدنية، ليعمل في بلدية غزة، ويشارك في تأسيس وإدارة الجمعية الإسلامية. انتقل - بعد ذلك - للعمل كمحاضر في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، ثم تمكن من شراء قطعة أرض في حي الشيخ رضوان، المجاور لحي النصر (حي الشهداء) وكلاهما بمدينة غزة، حيث بنى عليها بيتاً لعائلته، التي كانت تعيش في بيت متواضع داخل مخيم الشاطئ.
كان الشهيد إسماعيل (أبو الحسن) يميل في معظم نشاطاته لتجنب الأضواء، فيما كان أبرز ما يعرفه عنه الناس هو نشاطه في إدارة الجمعية الإسلامية، ونشاطه الدعوي الهادئ في المسجد الشمالي (مسجد أحمد ياسين)، بالإضافة الي كونه مهندساً ناجحاً يسهل التعامل معه والثقة به.. وفيما ظلت مهاراته الحركية وقدراته في التخطيط وقيادة العمل الإسلامي بعيدة عن أعين سلطات الاحتلال.
السفر للدراسة في الولايات المتحدة
عندما جاء المهندس إسماعيل أبو شنب إلى أمريكا في أوائل الثمانينيات، كان هناك العديد من الطلاب العرب والمسلمين يقيمون في ولاية كولورادوا، حيث تتواجد الكثير من الجامعات والمعاهد العلمية المتخصصة في مجالات الهندسة والتقنيات الصناعية، وكانت مدينة "فورت كولينز" معروفة بجامعتها الشهيرة "Colorado State University"، وكان يوجد في هذه الجامعة طلاب دراسات عليا من العراق وليبيا والسعودية على شكل بعثات تعليمية، إضافة إلى جنسيات أخرى مصرية وفلسطينية وسودانية وأردنية، ولكن بأعداد أقل.. كان من السهل على التجمع الطلابي في المدينة والجامعة أن يتعرف إلى المهندس إسماعيل لكثرة تردده على المسجد للصلاة، وعمله على تسهيل وإنجاز مهمات التحاق الطلاب الجدد بالجامعة بحكم أقدميته هناك.. لم يطل الوقت حتى اختاره الطلاب ليكون رئيساً للمركز الإسلامي، وإماماً للمسجد التابع له.. فالرجل إذا جلست معه لا تملك إلا أن تحبه وتسمع له، فهو مثقف واسع الاطلاع دينياً وسياسياً، متواضع شديد الأدب، وصاحب حكمة وخُلق حسن، كما أنه كان سمحاً بشوشًا لا تغادر الابتسامة وجهه.
لقد شهدت سنوات الثمانينيات على الساحة الأمريكية صراعات سياسية وتنظيمية بين مختلف التجمعات الطلابية، وفي إطار هذه الأجواء المحمومة من العلاقات المتوترة بين الطلاب ظهر المهندس إسماعيل أبو شنب ليكون رجل المرحلة بينهم، وكانت مساهماته ملحوظة في التوفيق بين تناقضاتهم وجمع صفوفهم، والحفاظ على عافية طاقاتهم الحركية، وتوظيفها لما يخدم مشروع الدعوة الإسلامية من ناحية، ومواجهة النشاط الصهيوني بالجامعة من ناحية أخرى.
لقد كان المهندس إسماعيل أبو شنب (رحمه الله) بمثابة السلسلة التي ترابطت بها كل حلقات الطيف الفكري الإسلامي والقومي، لتشكل تجمعاً تتجسد بداخله قدرات فعل واستثمار للطاقات في مواجهة التحديات، التي كان يعيشها التجمع الطلابي داخل الجامعة، ولها امتدادات تمس قضايا أمتنا العربية والإسلامية.
إن كل الطلاب الذين عرفوه في تلك المدينة الصغيرة والجميلة (فورت كولينز)، ويتوزعون - الآن - على خارطة الوطن العربي والإسلامي، يتذكرون ذلك الشاب الذي كان بينهم "نعم الأخ والصديق"، وكان لهم بمثابة القاضي العادل، الذي يحكم بينهم، ويتناول حلَّ خلافاتهم برجاحة عقل واتزان.. لن تغيب عن هؤلاء الطلاب تلك الابتسامة الهادئة، التي كانت تُهوِّن عليهم غلواء الشحناء والتباغض، الذي كان يستعر – أحياناً - بينهم.. لن ينسى هؤلاء كيف كان يعيش لهم، ويسعى دائماً للتيسير عليهم إذا اشتدت هموم الدراسة وشؤون الجامعة.. لقد سبقنا إلى هناك، وكانت لديه الكثير من الدراية والخبرة، وكُنّا نلجأ إليه نطلب مشورته ونستهدي بمعرفته واجتهاداته.
لن تغيب عن ذاكرة تلك الأيام كل البصمات والمعالم للشاب الذي عاش حياته من أجل إخوانه، وسمعة أهله ووطنه، وكان لهم جميعاً الرمز والعنوان في التضحية والايمان.
العودة إلى غزة من جديد
بعد حصوله على شهادة الماجستير في الهندسة المدنية، عاد المهندس إسماعيل أبو شنب إلى عمله في جامعة النجاح، ومن ثمَّ إلى غزة مرة أخرى ليعمل محاضراً بالجامعة الإسلامية، ويسهم في تطوير هذا الصرح الأكاديمي الرائد في القطاع، ويعاود من جديد ممارسة نشاطه المجتمعي البارز في نقابة المهندسين الفلسطينيين، حيث كان - رحمه الله - يتمتع بشعبية واسعة بين الجميع؛ من إسلاميين وعلمانيين.
لقد نجح في انتخابات النقابة بدعم أصواتٍ من خارج دائرته الإسلامية، لاعتبارات تتعلق بالكفاءة والاعتدال، ومحبة الناس واحترامهم لشخصه، وتقديرهم البالغ والمتميز له.
الانتفاضة الأولى: تجليات التخطيط والهندسة
مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية (انتفاضة الحجارة) في الثامن من ديسمبر 1987م، كان أبو الحسن أحد أبرز رموزها، بحكم قربه من الشيخ أحمد ياسين، وكان بخبرته وتجاوبه، والحكمة التي اتسم بها، من أكثر من يلجأ إليهم الشيخ (رحمه الله) طلباً للمشورة والرأي. فيما يمكن القول بأن الفضل يرجع إلي الشهيد في تطوير الخطاب السياسي لحركة حماس، فهو يمثل عنصر التهدئة والتواصل مع الفصائل الفلسطينية الأخرى.
كان الأخ إسماعيل (أبو الحسن) بحق هو رجل الحوار والعقلانية السياسية، وكان من أشد المعارضين لأيِّ صراع أو مواجهات داخلية يمكن أن تنشب على الساحة الفلسطينية، وهو مهندس سياسة "الاقتتال الداخلي خط أحمر، لا يمكننا - تحت أي ظرف كان - أن نتخطاه". كان أبو الحسن (رحمه الله) يحظى بتقدير واحترام قيادات الفصائل الوطنية والإسلامية، وكان رهانه - دائماً - على ضرورة استمرار تماسك الصف الفلسطيني وتعزيز جبهته الداخلية؛ باعتبارهما الضمانة الوحيدة لمغالبة المشروع الاستيطاني الصهيوني وهزيمته. لقد كان أبو الحسن دائم التحذير من مغبة تصدع هذه الجبهة أو شرذمتها، حيث العدو الصهيوني يتربص بنا الدوائر، وينتظر مثل هذه الفرصة للإجهاز علينا جميعاً، إما في مَقاتل جانبية أو عبر ترحيل جماعي.. ولذلك، كان رحمه الله دائب الحركة للتخفيف من أجواء التوتر وحالات الاحتقان، التي كانت تطرأ بين الفصائل، وكانت لديه قدرة كبيرة على "نزع فتيل الأزمة في اللحظات الحرجة"، وخاصة إذا ما استعرت الخلافات وقرقعة السلاح على الساحة الفلسطينية بين الفصائل الوطنية والإسلامية.. لقد منحه رصيده النضالي وهيبته في الشارع الفلسطيني المكانة والاحترام، الأمر الذي جعله بحق الشخص القادر على حلِّ المشكلات (Troubleshooter)، وكانت هذه الفضيلة أو "الهبة الربانية" خصلة بارزة فيه، يعرفها القاصي والداني، وخاصة ممن عملوا إلى جانبه أو تعاملوا معه على أرض الوطن.
لقد شغل الشهيد القائد (أبو الحسن) عدة مواقع قيادية؛ سياسية وإعلامية، خلال سنوات الانتفاضة الأولى، وتسلم مسؤولية قيادة حركة حماس بعد اعتقال الشيخ أحمد ياسين، فيما سجلت الانتفاضة الفلسطينية الكثير من إبداعات المقاومة الشعبية والجهادية في عهده، والتي على إثرها تمَّ اعتقاله، وأدخل السجن الاسرائيلي لعدة سنوات، فيما عرف بـ"الضربة الثانية" للحركة في مايو 1989م، والتي استهدفت اعتقال حوالي ألف من قيادات وكوادر حركة حماس، إثر عمليات الاختطاف الشهيرة لبعض الجنود الإسرائيليين.
لقد عملت معه عندما كان مسئولاً للدائرة السياسية في عام 1988م، وكان نِعم القائد الذي يسهر على راحة إخوانه، يأتي إليهم ويشعرهم بالقرب منه، وفي قيادته كان واحداً منهم، لا ترى منه نفخة المسئول، ولا عنجهية المنتفش الأوداج الذي أصابته لوثة المنصب، وذلك بالتعامي عن رؤية إخوانه، فضلاً عن إظهار الاحترام والتقدير لهم.
رحمك الله يا أبا الحسن؛ رجلٌ ولا كل الرجال.. ولا غرو أن يأتي ذكرك في موسوعة الويكيبيديا بهذه الكلمات التي هي مفخرة – بحق - لسيرتك وسجل أعمالك: "إن المهندس إسماعيل أبو شنب هو من القلائل الذين جمعوا بين العمل السياسي والنقابي والأكاديمي، وتفوّق في هذه المجالات بشكلٍ كان ملفتاً للنظر، كما كان اجتماعياً محبوباً في أوساط الفلسطينيين الذين بكوه بحرقة بعد إعلان استشهاده."
انتفاضة الأقصى: التضحية والاستشهاد
برز اسم المهندس إسماعيل أبو شنب كأحد أبرز القادة السياسيين لحركة حماس، والمتحدث الرسمي باسمها في وسائل الإعلام الغربية والعربية، نظراً لقدرته على الحديث باللغة الإنجليزية، فغالباً ما كان يدلي بالتصريحات للصحف والمجلات ووكالات الأنباء الأجنبية، ويعتبر الأخ (أبو الحسن) بما له من كاريزما برجل العلاقات العامة في الحركة، الذي طالما رحب بالوفود الأجنبية، والتي كانت تتوافد على مقار حركة حماس في غزة لإجراء حوارات مع قياداتها، بهدف التعرّف إلى فكر الحركة ونضالاتها.
لقد كنا نشعر بالسعادة عندما نشاهده يظهر على وسائل الإعلام الأمريكية متحدثاً باللغة الانجليزية، وابتسامة الواثق تطل برشاقة على وجهه، كنا ندرك بأنه الصوت الذي يجعلنا نطمئن لقدرة رجال الحركة على المضي قدماً بالمسيرة، خطاب حكيم بعيداً عن لغة الحناجر وتسعير الحروب.. كان خطابه المهذب يعيننا في عملنا الإعلامي، ويمنحنا القدرة على التحرك والتعريف بحركة حماس؛ باعتبارها حركة تحرر وطني برؤية إسلامية. كان التركيز في معظم لقاءاته المتلفزة على التنديد بالاحتلال، والدفاع عن حق شعبنا في المقاومة، كما أقرت بذلك القوانين الدولية، والتعاليم الدينية، والأعراف الإنسانية.
لقد روى لي أحد المراسلين العاملين في طاقم شبكة (CNN)، أن المهندس إسماعيل أبو شنب كان هو مقصد الصحفيين الأجانب، وكانوا يجدون عنده الراحة والابتسامة وحسن الخطاب، وكان هو الشخص الذي يفضلون الالتقاء به.. وقد ذكر لي أن وفداً من العاملين بالشبكة كان في زيارة لقطاع غزة، وكانوا يجرون تحقيقاً متلفزاً في المنطقة القريبة من موقع الانفجار، حيث هرعوا مسرعين لتغطية الحدث، وعندما علموا بأن من تمَّ اغتياله هو المهندس إسماعيل أبو شنب، أصابهم الحزن الشديد، بل إن بعضهم بكى عليه، وخاصة أولئك الذين سبق لهم اللقاء به، وإجراء حوارات معه.
أبو شنب: هندسة السياسة والحوار
خلال جلسات الحوار التي تمت بين الفصائل في عام 2002م، حول ما يسمى بـ"وثيقة آب"، لتحقيق توافق وإجماع فلسطيني بين الكل الوطني - الإسلامي، كان إسماعيل أبو شنب أحد الذين أسهموا في صياغتها والدفاع عنه، باعتباره كان ممثلاً لحركة حماس في لجنة المتابعة الخاصة بالانتفاضة، والتي كانت تضم شخصيات من القوي الوطنية والاسلامية وبعض المستقلين، وهو أيضاً كان ممثلاً للحركة في لجنة صياغة الوثيقة، وقد شهد له الجميع بما بذله من جهد مع القيادي في فتح أبو علي شاهين في مساعي التوصل لحالة إجماع والتوقيع على الاتفاق، إلا أن الجهود - لاعتبارات خارجة عن إرادته - لم تكلل بالنجاح.
وعندما شكل السيد محمود عباس (أبو مازن) الحكومة في أبريل 2003م، حرصت حركة حماس - وبجهد متميز للمهندس إسماعيل أبو شنب - في إعطاء تلك الحكومة كل الفرص للنجاح عبر القبول بالتهدئة، وذلك أملاً بتحقيق مساعيها المعلقة على "خارطة الطريق"، وبهدف سد باب الذرائع والاتهامات التي توجهها إسرائيل للسلطة، بأنها لم تقم بواجبها لمنع عنف الفصائل ضد الاحتلال، وكان آخرها - آنذاك - قبول حركة حماس بالهدنة، إرضاءً لأطراف فلسطينية وعربية ودولية، وجدت أن المصلحة الفلسطينية تقتضي إعلان الهدنة، ومنح عربة التسوية فرصة التحرك على هدي "خارطة الطريق" الأمريكية، وضمان وصول العربة إلى غايتها بتحقيق السلام، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة عام 2005م، كما كانت تبشر بذلك اتفاقية أوسلو، وخارطة الطريق الأمريكية..!!
ولكن، وكما كان متوقعاً، فإن "إسرائيل" لم تلتزم، وواصلت مسلسل الخروقات والتعديات على الممتلكات والأرواح الفلسطينية، كما أنها لم توقف سياسة المداهمات والاعتقالات للشباب الفلسطيني تحت شتى الذرائع والاتهامات.
لقد كان الشهيد (أبو الحسن) يسير على نهج الشيخ الشهيد أحمد ياسين، بالعمل دائماً على تجنب الصدام مع إخوة الوطن وشركاء القضية.. نعم؛ قد نختلف، ولكن يجمعنا الحوار، إذ ليس لنا إلا إن نعمل معاً، مهما تباعدت الرؤية وتباينت الأفكار.
لقد مضى أبو الحسن إلى ربه شهيداً، ولكنه ترك خلفه جيلاً من الشباب؛ "قوي البأس جبارٌ عنيد"، كتب الله على يديه تحرير قطاع غزة من الاحتلال في سبتمبر 2005م، والفوز في الانتخابات التشريعية في يناير 2006م وتشكيل الحكومة العاشرة، ثمَّ حكومة الوحدة الوطنية الحادية عشر. واليوم، تقف جموع القسَّام التي سهر على تأسيسها مع عددٍ من إخوانه، تحمي ثغور الوطن، بعد أن مرَّغت أنف الاحتلال في التراب، خلال حروب ثلاثة لم يُكتب فيها لعدونا الانتصار، بل كان حظه منها الخزي والعار.
وشهادة للتاريخ، وبعد الأحداث الدامية التي وقعت في يونيه 2007م، قال البعض: لو كان (أبو الحسن) بيننا لما وصلت الفتنة إلى الحدِّ الذي استباح به البعض دماء البعض الآخر.
رحم الله المهندس إسماعيل أبو شنب (أبو الحسن) رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته.