الامة العربية تنتظر من يسجل اسمه واسمها في التاريخ

تنتظر الامة العربية بفارغ الصبر من يدخلها في حركة التاريخ، فهي امة في الوقت الحاضر تعاني من الترهل والفوضى وويلات الحروب، الأمر الذي تعجز عن وصفه مئات المجلات والكتب والنشرات الاخبارية وكأننا في القرون الوسطى المظلمة.

اﻻمة العربية اليوم هي اشبه بالسفينة التي تبحر وسط البحر بدون قبطان أو قيادة أو خارطة طريق أو ادارة حكيمة متعلمة.

كل شئ في الوطن العربي فاشل، النظام التعليمي والصحي واﻻجتماعي واﻻقتصادي والسياسي والإعلامي والثقافي، فلو فتحوا الحدود إلى أوروبا لما بقي في الوطن العربي سوى الحكام وزوجاتهم، حتى لربما ستسافر زوجاتهم إلى المتاجر والمولات الأوروبية بحجة التسوق.

القضية التي تؤلم هنا انه يقع بين يدي أحياناً كتب صدرت عام 1925 تتحدث عن مشاكل في الوطن العربي وكأنها مشاكل اليوم على الرغم من مرور 100 عاما وعلى الرغم من الثورات التكنولوجية واﻻتصالية والتقدم العلمي الذي اجتاح العالم.

فمشاكل الوطن العربي التي تحدث عنها محمد عبدة وعلي عبد الرازق وطه حسين وسلامة موسى ومحمد عابد الجابري وعبد الرحمن بدوي وأدونيس هي هي، الاستبداد السياسي والفقر الاقتصادي والمشاكل التعليمية والثقافية.

كل امم اﻻرض تتقدم وتتطور إلى اﻻمام سياسيا واقتصاديا وطبيا واجتماعيا وثقافيا اﻻ اﻻمة العربية، لماذا؟ ﻻ احد يعرف! ولن يستطيع أحد التعرف على الاجابة، لانه ربما لا توجد اجابة.

في المكتبة الأوروبية لا يوجد كتب عن الوطن العربي سوى عن داعش والحركات الإسلاموية المتطرفة، تشتهي ان تجد كتابا يتحدث عن اختراع عربي أو عالم أو فيلسوف عربي، وقد رأيت ذلك بنفسي، ففي مكتبة ألمانية دخلتها وجدت أكثر من عشرة كتب كتبت في الآونة الأخيرة عن " داعش " واخواتها ، لعنة الله على المذكورة وعلى داعميها.

لا اعرف من يدعم الحركات الاصولية المتطرفة مثل تنظيم داعش الارهابي في عالمنا العربي؟
لا اعرف كيف استطاع تنظيم صغير مثل داعش ان يحتل مساحات واسعة من اراضي العراق وسوريا حتى استطاع تكوين "دولة" لوحده؟

لا اعرف من يدعم هذا التنظيم المتطرف لكي يقوم بمئات العمليات الارهابية في طول الوطن العربي وعرضه؟
لا اعرف لماذا تتمدد الحركات المتطرفة في عالمنا العربي وتتكائر كالفطر بينما تضمحل الحركات التنويرية والمدنية والديمقراطية؟
هل يعقل مثلا ان الغرب هو من يقوم بذلك ؟ أوانظمة معينة تستخدم الإسلام السياسي أداة من ادواتها لتنفيذ سياساتها الخارجية؟
هل يمكن ان يكون الإعلام وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي هو السبب الرئيس في تمدد الحركات المتطرفة واشتداد قوتها؟
لماذا سمح الغرب لاكثر من 27 الف متطرف من مختلف الدول الغربية بالقدوم إلى سوريا والعراق للقتال بينما لا يسمح لمتطرف واحد بضرب رصاصة واحدة على الاحتلال الإسرائيلي مثلا؟
لماذا سمحت فرنسا بلد الحريات بسفر أكثر من 473 فرنسيا للقتال في سوريا والعراق من أصل 1800 متشددا وقد عاد منهم 217 مسلحا؟

من يشاهد أو يسمع نشرة اﻻخبار العربية يظن ان الحروب ﻻ تحب ان تغادرنا أو تبعد عنا فهي تلازمنا حتى في مماتنا فكم عملية انتحارية حدثت في العراق في بيت عزاء أو اثناء دفن ميت في صورة غير موجودة حتى في ظلمات القرون الوسطى.

النشرة الاخبارية في التلفزيونات العربية تمتد احيانا لساعات، واحيانا يمل المشاهد من سماع أخبار التفجيرات في كل بقاع الوطن العربي، حتى تظن احيانا انها نشرة مذابح، بينما التلفزيونات الغربية تتطرق في برامجها إلى ما بعد الحداثة والقيم الناتجة عن عصر التنوير والطبيعة ومراقبة الحكومات وملاعب الاطفال والطرق الحديثة لتربية الحيوانات بينما نحن نكتب في التراث.

التلفزيونات العربية لا تكل أو تمل من نقل المذابح في العراق وسوريا واليمن وليبيا ومصر وتونس ولبنان ، فكل قناة تلفزيونية تستفرد بمصطلحاتها وصورها ونصوصها التي تصب في مصالحها ومصالح من يدفع لها، فاذا رغبت ان تعرف ان الجيش النظامي حقق انتصارا كاسحا ففتح القناة الفلانية واذا رغبت ان تعرف ان الحركات المقاومة المجاهدة حققت نصرا كاسحا ففتح قناة تلفزيونية اخرى.

أحيانا، تتسائل هل السبب هو الفكر الديني أو الغرب أو إسرائيل أو فشل الدولة المدنية أو عدم وجود تعليم مؤطر أوالاستبداد السياسي أوعدم التطور اﻻقتصادي أو جينيات الإنسان العربي أو الإعلام أو الطقس أو الكل معا.

انا اؤمن بان كل اﻻسباب التي ذكرت سابقا هي اسباب حقيقية تجعل من الوطن العربي جهنما ولكن اعتقد ان اهم سبب في تردي اوضاعنا هو عدم وجود تعليم حقيقي مؤطر.

في السابق، كنا نقول الاحتلال أو الحكم العثماني وبعدها قلنا اﻻستعمار الغربي ثم قلنا تطبيقنا للفكر الاشتراكي والقومي والوطني ثم قلنا من أمريكا والغرب واليوم ازدادت الحروب والويلات والإﻵم مع الحركات اﻹسلاموية الذي برز العنف والقتل والسلخ في الوطن العربي مع ازدياد عددها وشدة قوتها وسرعة انتشارها.

يبدو أن التخلف كتب على اﻻمة العربية حتى النهاية، فلا يوجد أمل أو بصيص نور أو حتى نهاية قريبة لما يحدث في وطننا العربي.

يخيل للجميع انه يوجد لدينا مدارس ، ويخيل لنا انه يوجد حركات واحزاب سياسية أو يوجد لدينا إعلام أو مفكرين ومثقفين كبار ، لكن اثبت التاريخ انه لا يوجد لدينا أو عندنا ايا مما ذكر.

لكن السؤال الآن، ما العمل؟
أو السؤال بعبارة أخرى:
لماذا تطورت النهضة الاوروبية بينما توقفت / أو فشلت بعض الارهاصات الفكرية في العالم العربي ؟

من اجل البدء في الاجابة على هذا السؤال اود التركيز قبل ذلك على نقطة مهمة للغاية وهي ان العالم العربي يعيش الآن العام الذي سبق عصر الاصلاح الديني الذي قام به المصلح الألماني مارتن لوثر .

وهذا يقودنا إلى النقطة التي انطلق منها مارتن لوثر،
ففي الوقت الذي بدء فيه المصلح مارتن لوثر باشعال ثورته التي استند فيها على مبدء فصل الدين عن الدولة بمعنى انه جسد مفهوم المبدء العلماني، حيث اطاح بعصر الخرافات ، فقد تحولت علاقة الفرد بينه وبين الله مباشرة ، ولم يعد للكنيسة أي حكم أو استغلال ديني على المجتمع الأمر الذي رسخ ما يعرف اليوم باسم دولة المؤسسات والقانون والدستور والحياة المدنية والنظام الشرطي.

حل المشاكل المستعصية في العالم العربي اليوم يكمن في ظهور شخص مصلح يخرجنا من الحقبة التي سبقت هذا التاريخ، لاننا ما زلنا نحبو خلف هذا التاريخ بمعنى ظهور شخص بحجم مارتن لوثر يفصل الدين عن الدولة وفيما بعد يظهر فلاسفة عظماء يضعون الأسس من اجل اقامة دولة الإنسان والمؤسسات والقانون والدستور.

اذن لا بد من قدوم شخص إلى عالمنا العربي يكون بحجم المصلح الكبير مارتن لوثر ويعمل هذا الشخص على بناء دولة المؤسسات الحقيقية القائمة على اهل الخبرة والعلم والمعرفة والفلسفة والنقطة الثانية تقودنا إلى الامر الاهم وهو الانتقال إلى عصر المجتمع المدني و من عصر إيدلوجية ما وراء الميتافيزيقياء إلى عصر" إيدلوجية " المعرفة.

مارتن لوثر هذا الثائر الألماني الذي عرف تمام المعرفة ان التطور لا ياتي بسهولة فقرر الثورة على الكنسية الأوروبية التي كانت تتعامل مع الناس كالعبيد وتطلب منهم باستخفاف ان يدفعوا الاموال اذا ما ارادوا الغفران من الله والدفع لكبار الكهنة الذين جنوا الارباح الكثيرة من خلال تجارتهم بالدين فجاءت توصياته التي وضعها على باب الكنس ان العلاقة بين الله والفرد هي علاقة مباشرة ولا دخل للكهنة والقساوسة فيها.

لقد دفع لوثر ثمن بناء أول اساس للنظام العلماني في التاريخ البشري فقتل اثر انشقاق الكنيسة أكثر من عشرة ملايين ألماني ولكن شاءت الصدف ان تكون شرارة الثورة الفكرية لهذا النظام العلماني الذي وضع اسسه مارتن لوثر في فرنسا بعد أكثر من اربعة عقود وليس في بلده ألمانيا.

هذا حدث في بلاد الغرب، والجميع ينتظر ماذا سيحدث في بلاد العرب، فمن هو المفكر والفيلسوف العظيم الذي تنتظره الامة العربية لكي يسجل اسمه واسمها في التاريخ ؟؟

* رئيس دائرة الإعلام في جامعة بيرزيت