وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

ما لم تفهمه اسرائيل من رشق الحجارة

نشر بتاريخ: 30/09/2015 ( آخر تحديث: 30/09/2015 الساعة: 10:32 )
ما لم تفهمه اسرائيل من رشق الحجارة
الكاتب: عصام بكر
اسرائيل التي تظهر وكأنها تقف على قدم واحدة لمكافحة رشق الحجارة المتواصل بصورة ما على جنود الاحتلال والمستوطنين في القدس وانحاء الضفة الغربية ، وتتخذ سلسلة من الاجراءات التي تسميها رادعة من بينها سن القوانين والتشريعات لتحقيق عملية الردع كما تحاول وصفها ، وكذلك تشديد الاوامر العسكرية والتي تعكس بمجملها حالة من الهستيريا الحقيقية التي تسود اوساط الحكومة والمستوى السياسي ، واذا ما تتبعنا بسرعة مجموعة من هذه القرارات التي تأتي كما يحاولون الترويج لها في اطار محاولة الحد من رشق الحجارة ومنها العقوبات بالحبس المنزلي للقصر والفتية كما يحدث بشكل جلي في مدينة القدس المحتلة مؤخرا ، او فرض الغرامات المالية العالية حيث يتم التشديد على معاقبة الاهالي ، او الاعتقالات التي طالت مئات الاطفال دون الثامنة عشرة عاما ، وصولا الى اقصى تلك العقوبات عبر تشريع استخدام السلاح الحي ونشر القناصة وهي سياسة يقودها بشكل مباشر رئيس حكومة الاحتلال نيتنياهو شخصيا ويقف مباشرة خلف تلك المساعي مع اركان الحكومة لايهام الجميع ان القرارات السابقة بخصوص ملقي الحجارة كانت مختلفة ، واصبحت اليوم مغايرة وفي الحقيقة فان اوامر اطلاق النار بحجة تعرض حياة الجنود " للخطر " وان هذه القرارات جرى استحداثها وصدرت بناء على تطورات ميدانية مع ازدياد حوادث رشق الحجارة " والاخلال بالنظام العام " وبالتالي فأن الجنود من "حقهم " الدفاع عن انفسهم امام اتساع هذه الظاهرة والخطورة التي يتعرضون لها يوميا مع تكرار حوادث القاء الحجارة والزجاجات الحارقة .

المصادقة على هذه القرارات والقوانين لا يعني البتة انها لم تكن سارية ومعمول بها من قبل بل تأتي توكيد لنهج طويل جرب من قبل وهو يطبق بشكل رسمي من قبل الجنود المنتشرين في الاراضي الفلسطينية ، ربما بعضها لم يكن معلن لمقتضيات داخلية ومورست في الخفاء على مستوى قيادات وضباط في الجيش والان تخرج للنور واعطي الضوء الاخضر لممارستها بغلاف رسمي وقانوني وفق ادعاءات يتم اقراراها ووجهت التعليمات لضباط جيش الاحتلال والشرطة " لتقدير " الموقف وتحديد درجة الخطورة واعطاء الاوامر بناء على ذلك والتي " الخطورة "غالبا ما ستكون عالية مما يستوجب الرد على راشقي الحجارة بكل قوة الامر الذي يعني بصراحة ان المزيد من الارواح والضحايا سيسقطون بفعل هذه القرارات القديمة الجديدة وهي بكل الاحوال لا تشكل مفاجئة بالنسبة للفلسطينين بل هي الاوامر اليومية التي اعتاد الشعب الفلسطيني عليها ضمن الوضع المعاش ولا حاجة لكل هذه الجلبة لالباسها اللباس القانوني لان الوقائع اليومية تعريها وتكشف عرييها وهي نافذة وتوضع موضع التطبيق اليومي على المدنيين العزل والابرياء الذين تتم تصفيتهم دون أي سبب بشكل متكرر خصوصا خلال الفترة القريبة الماضية .

فالحجارة التي استخدمت في الانتفاضة الاولى العام 1987 على نحو واسع وشكلت مفاجئة كبيرة للعالم في ذلك الوقت لشعب يقبع تحت الاحتلال منذ عشرون عاما على احتلال اراضي 1967 انذاك كان الرد عليها سياسة تكسير العظام التي انتهجها اسحق رابين في ذلك الوقت ، وصدرت التعليمات مباشرة من المستوى السياسي للجيش لاخماد لهيب تلك الانتفاضة بالقوة وبكل الوسائل المتاحة واستخدمت في هذه التعليمات عبارات تتضمن نصا " الرد بحزم " على ملقي الحجارة ، فيما ذهبت مصادر عسكرية بعد نقاشات مطولة الى اعتبار وتصنيف الحجر بانه قد يسبب القتل ويلحق الاذى والضرر وصدرت منذ ذلك الوقت تعليمات واضحة لقادة المناطق في جيش الاحتلال وحتى لضباط الدوريات لقتل الشبان عندما تتعرض حياة الجنود " للخطر" ، كما تضمنت تلك التعليمات حينها قرارات واضحة لايقاع عقوبة السجن لمدد تصل لسنوات طويلة وجرى اعتقال ومحاكمة المئات من الشبان خلال الانتفاضة بتهم القاء الحجارة او الزجاجات الحارقة ، او محاولة الطعن اوغيرها من التهم وتراوحت الاحكام حينها بتهم فعاليات الانتفاضة ما بين 6 اشهر و15 عاما وتشمل لائحة الاتهام فيما تشمل القاء الحجارة ، لكن ذلك لم يردع رغم قسوة تلك المحاكمات ملقي الحجارة ، بل اتسعت واخذت طابعا شموليا واسعا قادتها المجموعات الضاربة وتشكيلات اللجان الشعبية واذرعها الميدانية المختلفة ، ولم تحد تلك الاحكام من حالة الاصرار والتحدي لدى الشبان على مواصلة الفعل الانتفاضي وقطع طرق المستوطنات امام المستوطنين الذين عاشوا حالة ذعر دائمة ومتواصلة ، واصبحت شوارع الاراضي الفلسطينية في الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة مدن رعب بالنسبة لهم حيث شلت حركتهم ، واقتصرت تحركاتهم على مرافقة وحراسة الجيش لهم .

واليوم وبعد ما يقارب 35عاما تغيرت الصورة كليا بعد استعار حمى الاستيطان وسياسات هدم البيوت ومصادرة الاراضي عبر تخطيط ممنهج يهدف لتفريغ الارض من سكانها ، وزيادة اعداد المستوطنين في الاراضي الفلسطينية ، واصبحوا هم الذراع الضارب والامامي وقوة الفعل نيابة وبمشاركة الجيش ضمن تقاسم الادوار ضد السكان الفلسطينين والشواهد على ذلك كثيرة فمن حركة غوش ايمونيم الى حركة كاهانا وموليدت وتسوميت والجمعيات الدينية المتطرفة في القدس وصولا الى عصابات "دفع الثمن" باعتبارها الامتداد الطبيعي لحاضنة الارهاب في هذه الحركات المتطرفة ببعديها القومي والديني بحيث اصبحت الضفة الغربية في زمن "السلام " والتسوية والمفاوضات المباشرة وغير المباشرة اشبة بساحة مستباحة لترويع الناس وتحويل حياتهم الى جحيم حقيقي في اطار السعي لتثبيت الوقائع على الارض ، ومنجما لتنمية الكراهية والحقد والتطرف ، المستوطنات المرعبة التي اقيمت دون وجه حق وزرعت بشكل منافي للقانون الدولي هي ذاتها المدارس التي تنشر العنصرية وتمارس القتل للسكان الفلسطينين العزل في القرى التي حولها الجدار العنصري لجيوب معزولة في بحر المستوطنات الواسع ، واصبح الفضاء " الرحب " للفلسطيني لا يتجاوز 2 كيلو متر ضمن مناطق كانت تسمى " A" وضاقت سبل الحياة امام الشعب الفلسطيني بعد خنق مقومات تلك الحياة الاساسية من زراعة وصحة وتعليم ومرافق الحياة المدنية والبنية التحية وصولا الى وضع اصبح من المستحيل احتمال استمراره كما هو امام مسلسل تهويد القدس ليل نهار ، فالمقدسات الاسلامية والمسيحية وخصوصا المسجد الاقصى المبارك تتعرض لخطر الطمس والمحو فيما تطلق ايدي غلاة التطرف والاستيطان للدخول لساحاته ووضع اليد على البيوت والعقارات فيها من الشيخ جراح والمكبر وسلوان والبلدة القديمة كل القدس في مرمى القتل اليومي ، وتغير الاسماء للاحياء والشوارع فيها ، والتاريخ يشطب ويمحى ويسدل الستار على صفحاته التي كنا نعرفها ، وبالمقابل تصبح جريمة تستحق القتل ان يلقي احد الفتية حجرا على جندي يقف ويده على الزناد ليحصد روح ضحية اخرى بدون ذنب سوى ما قد تسول له نفسه بوجود خطر على حياته ولا يستغرق الامر سوى ثواني قليلة حتى يسقط شهيد جديد ، او ضمن نفس التوجه قيام مستوطن جاء ليستولي على بيت لعائلة يمتد تاريخ وجودها فيه الى ما قبل قيام "اسرائيل" بسنوات طويلة ويصبح التناقض مع تعبيرات وجود هذا الاحتلال خطأ فادح ، ويصبح الصلف والعنجية وغطرسة القوة هو السند والمتن وتقلب الحقيقة رأسا على عقب بان يتم تجريم المقاومة ووصمها بالارهاب .بينما يصبح المعتدي الاثم صاحب حق في الدفاع عن النفس .

في حقيقة الامر يقع عدد كبير بل معظم المحللين الاسرائيليين في ذات الخطأ في حسابهم للموقف وقراءة ما يجري الخطأ ذاته عندما اصروا على تحليل الوضع ذات مرة ابان الانتفاضة الاولى حين تجندوا وما زالوا للدفاع عن نفس طقوس الخطايا الفادحة لدولة استنفرت كل امكانياتها لاخضاع شعب كامل على مدار نصف قرن من الاحتلال والتنكيل وفشلت ، فهم لا يريدون ان يروا الصورة من هذه النقطة ويتجاهلوها بقصد في معظم الاحيان ، ما لا تريد اسرائيل فهمه ان الحجر ليس اداة قتالية او سلاحا ولا تكمن خطورته في الضرر الذي قد يلحقه بمن يصيبه جسديا عندما يصيب جندي مذعور في حارات القدس العتيقة او بلعين او النبي صالح ، الخطورة هي فيما يشكله هذا الحجر في الحالة الجمعية للحس المعنوي للشعب الواقع تحت الاحتلال كتعبير عن حالة رفض للاحتلال ، فالحجر عبر التاريخ القديم والحديث هو شكل رمزي لحاله عدم قبول المحتل ، الفلسطيني حمل الحجر ويحمله ليقول ان هذا الاحتلال القائم فوق ارضنا هو ليس حالة طبيعية مرحب بها في المشهد اليومي لحياتنا بل هو تناقض مع امتداد شعبنا الوطني والجغرافي والحياتي أي الحجر رسالة اكثر منه سلاح يظهر صورة الشعب المقهور الواقع تحت الظلم والقمع الذي يعيش ويلات الاحتلال وتتعرض بيوته للحرق واطفاله الرضع النيام في فراشهم يحرقون احياء ولسان حاله يوجه خطابه ويعلن موقفه للعالم لكي يرى الصورة هذا ما فعلته الانتفاضة الاولى ، بينما اسرائيل دولة الاحتلال القائمة على فرضية الاستعلاء والتي تأخذها العزة بالاثم وترى نفسها فوق كل القوانين البعيدة عن المحاسبة او المسائلة تمضي في غييها في ازهاق ارواح البشر ولا تريد ان تفهم ان كل اجراءات بطشها وجيشها واسلحتها لم تستطيع ومن الصعب ان تنجح في وقف رشق الحجارة او منع شاب او فتا فلسطينيا بيده حجر ان يرشق به دورية للاحتلال او مربكة لاحد المستوطنين ، الحجارة لن تتوقف - فمثلما لم تستطع كل الاجراءات اخضاع الناس من قبل ولم تفرض عليهم قبول الامر الواقع والتماشي مع القوانين والقرارات التي تصدرها دولة الاحتلال وترسمها عقول محدودة التفكير لا تريد ان ترى الواقع مسكونة على رفض وجود الاخر وتمتلئ بعقدة التفوق والغرور حيث يتعدى الموقف الرافض للاحتلال الحالة الفلسطينية ليشكل مطلبا دوليا لمعظم شعوب ودول العالم ، والمشهد الذي ينبغي ان تدركه دولة الاحتلال ان اسرائيل النووية ترتعد من حجر تمسكه يد طفل في القدس او كفر قدوم هو مشهد يستحق التأمل واعادة النظر ، والتحلي بالشجاعة على استخلاص العبر بشكل جدي من اجل معالجة السبب الحقيقي وهو الاحتلال وانهاء وجوده عن الارض الفلسطينية عندها فقط يمكن للحجارة ان تتوقف .

الدرس المؤلم ضمن المرحلة المقبلة سيكون اقسى واكثر دموية للاسف مع هذه القوانين التي تتكشف عنها ازمة خانقة عميقة تعيشها دولة الاحتلال بكل دوائرها واركانها سيكون ضحايا جدد بدون ذنب ، وبدون سبب عمليات الاعدام الميداني سنراها تتكرر كما حدث في الخليل مع الفتاة هديل الهشلمون او ضياء قبلها تصفية لشبان عزل لمجرد الشبة او بدونها فتكفي ضغطة على الزناد من احد الجنود المتحفز لانجاز مهمته المزود والمحمي اكثر بقانون لازهاق روح جديدة على احد الحواجز ، لكن العبرة ان النتيجة واحدة في كل الاحوال لن تتوقف الحجارة وستبقى سواعد الجيل الجديد تحملها رفضا لوجود الاحتلال فهي تقبض عليها من ارض ترفض الدخيل ولا تستكين لمحتل على مدى التاريخ الارض حبلى بحجارة والسواعد تعشق الارض في حكاية عشق لا تنتهي بمجرد موت هنا او قتل هناك اليوم الحجر مثلما كان من قبل عاد يحتل رونقه كرمز لرفض الاحتلال نمسكة لا للقتل - وانما للقول ارحلوا عنا واتركوا لنا مساحة للعيش بكرامة وحرية ، دعونا نتنفس ما بقي من هواء نقي لم تلوثوه بقنابل غازكم ومياهكم العادمة ، دعونا نعيش في وطننا في فضاء نمنحه لاطفالنا بعيدا عن الخوف من الحرق بنيران حقدكم ، الحجر اليوم عاد يرسم خارطة الطريق للحرية متى تفهمون !! وكم ضحية تحتاجون لكي تفهموا؟ ان فهمتم اصلا !!