وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

حدث في مثل هذا اليوم:الأردن يجبر اسرائيل على اطلاق سراح الياسين

نشر بتاريخ: 01/10/2015 ( آخر تحديث: 01/10/2015 الساعة: 11:23 )
حدث في مثل هذا اليوم:الأردن يجبر اسرائيل على اطلاق سراح الياسين
الكاتب: عبد الناصر فروانة
إما أن تكتب في ذكرى ولادته، وإما أن تخط بضع كلمات رثاء في ذكرى رحيله أو استشهاده، لكنني اليوم أكتب في ذكرى تحرره من السجون الإسرائيلية والتي هي بمثابة مقابر للأحياء.
وبالتأكيد فان الكتابة عن الشهداء أمر عظيم، والأعظم أن تكتب عن شهداء فلسطينيين كانوا عظماءً في حياتهم، وبعد مماتهم، وبغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية وتوجهاتهم الفكرية والسياسية.
ولكن ومما لا شك فيه فان الأمر صعب حينما يكون الحديث عن إنسان عظيم في حياته وبعد رحيله، عن قعيد أرعب الاحتلال وأعوانه في حياته، وأيقظ أمة وأشعل غضبها باستشهاده.

عن إنسان حمل هموم شعبه وقضيته ومقاومته، وعن أسير سابق أدرك معنى الأسر ومعاناة الأسرى، فكان مناصراً قوياً لهم وداعماً لحريتهم ومسانداً قوياً لقضيتهم العادلة. وإنه لأمر صعب حينما تبحث في قاموس اللغة العربية عما يليق به من كلمات لتكتب عنه بضعة سطور، إنه الشهيد / أحمد ياسين .
ولأنه كذلك فإنني ارتأيت أن أكتب بإيجاز وخطوط عامة عن الشهيد في الذكرى الثامنة عشر لتحرره من السجون الإسرائيلية عبر صفقة أبرمت ما بين الحكومتين الأردنية والإسرائيلية في مثل هذا اليوم من عام 1997.

ولد الشهيد " أحمد إسماعيل ياسين " في 28 يونيو/ حزيران من عام 1936 في قرية الجورة، قضاء المجدل على بعد عشرين كم شمال قطاع غزة، وتوفى والده ولم يكن قد تجاوز الخمس سنوات من عمره، وبقىّ فيها حتى "النكبة" عام 1948، ليلجأ على أثرها مع أسرته إلى قطاع غزة وكان يبلغ من العمر آنذاك 12 عاما. وفي السادسة عشرة من عمره وأثناء لعبه مع أقرانه أصيب بكسر في فقرات العنق أدت إلى إصابته بالشلل، ليعيش بقية عمره رهين الشلل الجسدي.

وبالرغم من صعوبة وضعه الصحي وضعف جسده فإنه لم ييأس، فانتصر على الشلل الجسدي ليفجر طاقاته في الدراسة، فواصل دراسته وأنهى الثانوية العامة بنجاح عام 1958، ونجح في الحصول على فرصة عمل رغم الاعتراض عليه في البداية بسبب حالته الصحية، ليعمل مدرساً، ويبدأ مرحلة جديدة في التدريس.

وخلال مزاولته لمهنة التدريس، مارس النشاط السياسي، وظهر في أكثر من مناسبة، وكان يتمتع بشخصية قوية، كما وأجاد عدة أدوار وأظهر قدرات خطابية وتنظيمية ملموسة، فبدأ نجمه يلمع في غزة بين المهتمين بالسياسة.

وبعد هزيمة عام 1967، واحتلال إسرائيل لباقي الأراضي الفلسطينية، وبعض الأراضي العربية، استمر الشيخ أحمد ياسين في إثارة مشاعر المصلين وتحريضهم على مقاومة المحتل من فوق منبر مسجد العباس الذي كان يخطب فيه، ومن ثم أسس المجمع الإسلامي في غزة وعمل رئيساً له.

ومن ثم برز له نشاط دعوي متميز ولافت، مما أزعج سلطات الاحتلال، فقررت عام 1983 اعتقاله، لتبدأ حكايته مع الأسر وليُزج به في سجونها سيئة الصيت والسمعة، وتعرض لصنوف مختلفة من التعذيب دون مراعاة لوضعه الصحي واحتياجاته الخاصة..

ووجهت إليه تهمة تشكيل تنظيم عسكري وحيازة أسلحة وأصدرت بحقه حكما بالسجن 13 عاما، لكنها عادت وأطلقت سراحه رغما عنها وقبل انقضاء المدة في إطار عملية تبادل الأسرى الشهيرة عام 1985 بين سلطات الاحتلال الإسرائيلي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين "القيادة العامة".وبعد تحرره مارس نشاطه كالمعتاد، بل زادت وتيرته، ومع اندلاع انتفاضة الحجارة عام 1987 أسس مع مجموعة من قادة العمل الإسلامي في قطاع غزة في الرابع عشر من ديسمبر عام 1987 تنظيم إسلامي جديد لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي بغية تحرير فلسطين أطلقوا عليه اسم "حركة المقاومة الإسلامية" ، المعروفة اختصاراً باسم "حماس"، ومنذ ذلك الوقت والشيخ الياسين يعتبر الزعيم الروحي للحركة.

ومع تصاعد أعمال الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في التاسع من كانون أول/ديسمبر عام 198، واتساع رقعتها، وتزايد شعبية "حركة حماس" ونفوذها وحضورها الميداني آنذاك، وارتفاع في عدد عمليات قتل الجنود الإسرائيليين واغتيال العملاء، التي أعلنت "حماس" مسؤوليتها عن تنفيذها، قامت سلطات الاحتلال باقتحام بيته في الثامن عشر من مايو/ أيار 1989 واعتقاله مع المئات من أعضاء حركة حماس، ومارست بحقه أبشع أنواع التعذيب والتنكيل، ووضعته لفترات طويلة في زنازين العزل الانفرادي بظروف قاسية جداً، وبرفقة أخوة ورفاق ينتمون لتنظيمات أخرى.

وفي السادس عشر من أكتوبر/تشرين الأول عام 1991 أصدرت إحدى المحاكم العسكرية الإسرائيلية حكماً بسجنه مدى الحياة إضافة إلى 15 عاما أخرى، بتهم لها علاقة بتأسيس حركة حماس وجهازها العسكري "كتائب الشهيد عز الدين القسام" ، وبمقاومة الاحتلال والتحريض على اختطاف وقتل جنود إسرائيليين.

وأثناء وجوده في السجن لعب دورا محورياً في تقريب وجهات النظر وإزالة الخلافات الفصائلية وتعزيز الوحدة الوطنية في مواجهة إدارة السجون وقمع السجان، فشكل على الدوام رمزاً للحركة الوطنية الأسيرة ووحدتها.

وفي مثل هذا اليوم الأول من أكتوبر عام 1997 جرت صفقة تبادل بين المملكة الأردنية الهاشمية و الحكومة الإسرائيلية حملت الرقم (29) في تاريخ صفقات التبادل منذ العام 1948 ما بين إسرائيل من جانب، والحكومات العربية والفصائل الفلسطينية والعربية من جانب آخر.

صفقة تبادل جديدة أجبرت بموجبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على إطلاق سراح الشيخ "أحمد ياسين" بعد اعتقال دام أكثر من ثماني سنوات، وتوجه للأردن قبل أن يعود لغزة، ومكث فيها فترة وجيزة زاره خلالها الشهيد أبو عمار وأكد له على أهمية الوحدة الوطنية.

وبالمقابل أطلقت الحكومة الأردنية سراح اثنين من عملاء الموساد الإسرائيلي الذين اعتقلتهما قوات الأمن الأردنية عقب محاولتهما الفاشلة لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس "خالد مشعل" في العاصمة الأردنية "عمان". وذلك بعدما تأكدت من اطلاق سراح الشيخ أحمد ياسين.

فعادت للياسين حريته، وعاد هو لنشاطه، وتميز بعطائه وحضوره الدائم، وكثّف نشاطه في مجال الإصلاح الاجتماعي سعياً منه على تماسك النسيج الاجتماعي الفلسطيني وترسيخ الوحدة الوطنية، وكانت تربطه علاقة قوية بالرئيس الراحل الشهيد أبو عمار، وكذلك مع كافة قيادات الفصائل الوطنية والإسلامية، ليكّون شخصية متكاملة سكنت قلوب الجميع على اختلاف آرائها ومواقفها وانتماءاتها السياسية والحزبية.

ومع اندلاع انتفاضة الأقصى، أدركت سلطات الاحتلال مكانة "الياسين" وخطورته وتأثيره، فاعتقدت واهمة أن باغتياله ورحيله يمكن أن تغتال المقاومة وتغيب ذكراه وحضوره ، فأقدمت فجر يوم الإثنين الموافق 22مارس2004 وأثناء عودته من المسجد بعد انتهائه من آداء صلاة الفجر باستهدافه وهو على كرسيه المتحرك بثلاثة صواريخ أطلقت من مروحية اسرائيلية، لينال الشهادة التي تمناها طوال حياته، بعد سنوات طويلة قضاها في الجهاد والدفاع عن فلسطين الوطن والهوية.

رحل الياسين وأبو عمار وأبو علي مصطفى والشقاقي وأبو جهاد، وقافلة طويلة من القادة العظام الذين قضوا دفاعا عن الوطن والقضية.
قادة عاشوا ورحلوا وهم يحملون شعار الوحدة الوطنية طريقاً للحرية والاستقلال، فلننهي الانقسام ولنطوي صفحته السوداء، ولنعيد للشعب وحدته وللنسيج الاجتماعي الفلسطيني تماسكه، ولنجسد الوحدة الوطنية عملاً بوصية الشهداء ووفاء لدمائهم الزكية.