وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

دلالات خطاب الرئيس والمطلوب وطنيا ...

نشر بتاريخ: 02/10/2015 ( آخر تحديث: 02/10/2015 الساعة: 12:13 )
دلالات خطاب الرئيس والمطلوب وطنيا ...
الكاتب: يونس العموري
لا شك أن خطاب الرئيس أبو مازن تضمن مواقف مهمة في أكثر من اتجاه ، كما أنه مفاجئا فيما يتعلق بالمفاوضات ودولة فلسطين تحت الاحتلال، وحماية دولية، وإتفاقيات أوسلو والالتزام بها، ومسؤوليات الاحتلال، ومما لا شك فيه ان ابو مازن قد لجأ الى اسلوب ابقاء الباب مواربا على إمكانية أن يتحرك المجتمع الدولي من أجل إنقاذ الموقف، وكأنه يريد ان يقول للمجتمع الدولي عموما عليكم ان تتحملوا مسؤولياتكم وامامكم الفرصة التاريخية قبل ان تتدهور الاوضاع في الاراضي الفلسطينية المحتلة.

ان خطاب ابو مازن قد جاء واضحا حيث استخدم الحد الاقصى المسموح - القسوة الدبلوماسية - في توضيح الموقف الفلسطيني .. ومن كان ينتظر اكثر من ذلك فليس مكانها منصة الامم المتحدة .. كما ان الخطاب كان شاملا ... ووضع المجتمع الدولي امام مسئولياته والتحرك قبل فوات الاوان .. مطالبا بحماية دولية حيث الادراك الفعلي لردة الفعل الاسرائيلية في حال تنفيذ ما جاء في الاعلان بان الطرف الفلسطيني لن يستمر في الالتزام بالاتفاقيات من طرف واحد، وهنا لابد من الانتباه ان الاعلان قد اوضح بشكل جلي ان الوضع القانوني للاراضي الفلسطينية المحتلة وفي ظل التحرر من قيود الاتفاقات الموقعة مع الجانب الاسرائيلي قد اصبحت اراضي دولة فلسطين المحتلة، وهو الامر الذي يعني تغير كامل مع التعاطي السياسي الفلسطيني مع وقائع المرحلة الراهنة.

رسميا ووفقا لإعلان الرئيس تنتهي اتفاقية اوسلو .. واتفاقية اوسلو هي شهادة ميلاد السلطة .. وبالتالي الوضع السياسي والقانوني للاراضي الفلسطينية المحتلة الأن هي دولة فلسطين تحت الاحتلال .. وبناء على ذلك فان كل مؤسسات السلطة قانوينا تصبح لاغية .. ويحل مكانها مؤسسات دولة فلسطين ... غير المعترف بها من كيان الاحتلال ... والاهم ان الاعلان طالب بحماية دولية بشكل رسمي .. ولابد من الادراك ايضا ... ان التحرر من اتفاقية اوسلو يعني التحرر من كل القيود الآمنية والتحرر من اتفاقية باريس الاقتصادية ايضا ...

وبذلك يكون الاعلان قد فرض ويفرض على القيادة الفلسطينية المباشرة الفورية باتخاذ الخطوات العملية لتجسيد هذا الاعلان على ارض الواقع، بمعنى لابد من اعادة الاعتبار لمؤسسات الدولة الفلسطينة وهي ذاتها مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وقد اشار ابو مازن بشكل واضح ومباشر لقرار برلمان الشعب الفلسطيني ( برلمان الدولة، المجلس المركزي ) وهذا له دلالة عملية بأن الاستناد الى قرار مؤسسات منظمة التحرير، الا انه وحتى يكون للاعلان معناه الحقيقي اذن لابد من ان يكون لهذا الاعلان اقدام قادرة على السير على ارض الواقع حيث المطلوب
• الإعلان الحاسم عن موت اتفاقية أوسلو، وسحب الاعتراف بدولة الاحتلال وهو الامر الذي يفترض بالمؤسسات الفلسطينية الرسمية اتخاذه .
• وقف التنسيق الأمني بشكل مباشر والاعلان الصريح والواضح.
• فتح حالة الاشتباك مع كيان الاحتلال.
• التطبيق الفوري لبنود المصالحة، والبدء باجتماع الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير، وتشكيل حكومة دولة فلسطين (حكومة وحدة وطنية) .

لا شك ان الواقع الراهن فلسطينيا يتطلب التعاطي الجدي والعملي بمستجدات المرحلة حيث ان المسألة الفلسطينية قد دخلت بمنعطف جديد وخطير في ظل المعطيات الراهنة والمتمثلة بخطوة القيادة الفلسطينية الجديدة بالتحرر والتحلل من الاتفاقيات الموقعة مع الجانب الاسرائيلي، حيث تغيير قواعد اللعبة السياسية على المسرح التسووي وفي ظل تواصل الفعل الانقسامي وشرذمة الوقائع الداخلية للبيت الفلسطيني لابد من وضع النقاط فوق حروف المرحلة.

ومن الطبيعي ان الحركة الوطنية الفلسطينية مدعوة لأن تحدد طبيعة تناقضاتها ما بين اقطابها وتشكيلاتها في ظل مرحلة التحرر الوطني ومقاومة الاحتلال على طريق انجاز المشروع الوطني التحرري، حيث يكون الحرص دائما بصرف النظر عن طبيعة الاختلافات والنزاعات ما بين اطر وفصائل وقوى الحركة الوطنية على ابقاء درجة التناقضات هذه ثانوية من خلال العمل على انجاز المشاريع السياسية ووضع البرامج المشتركة التي من خلالها يكون التعايش العمومي في الإطار الوطني الجامع، وغالبا ما تكون هذه البرامج توافقية وذات طابع ثوري براغماتي يخدم المصلحة الوطنية العليا، بل ان الحركة الوطنية وبالنظر الى مصالح جماهيرها ومسارها التحرري النضالي تعمل وباستمرار على ردم حجم الفجوات ما بين تكويناتها الفكرية والسياسية وحتى الأيدلوجية من منطلق رسم خارطة التناقضات بدقة والتي تحدد مسار العمل النضالي التحرري برمته ليصبح هناك ما يمكن ان نسميه التناقض الأساسي وذاك الرئيسي والثانوي والثانوي جدا، والذي من الممكن التعايش معه بشكل طبيعي كونه من سمات المجتمعات والتجمعات البشرية عموما، اما ان يتحول التناقض الثانوي الى تناقض رئيسي وفي بعض الأحيان الى أساسي قذاك انما يعكس خلل في الفعل الوطني على الساحة بشكلها العام ....

لاشك ان الساحة الفلسطينية الداخلية اليوم قد باتت مخربشة ومتناقضة واساسيات بل وابجديات العمل والفعل الوطني التحرري، حيث ان استمرار الحالة الإنقسامية وتطورها وتعزيز تجربة الإقتتال الداخلي والتنظير لها تارة سياسيا ومرة قانونيا، إنما يشكل حالة من حالات العبثية والعدمية في اهدار الجهود الوطنية والشعبية لتتحول بالتالي القوى الجماهيرية والشعبية وفصائل العمل الوطني التحرري الى حالات شعبوية عديمة التأثير والجدوى على الساحة المحلية وبالتالي الإقليمية والدولية.

ان الحالة الجديدة التي يدور الجدل عليها هذه الأيام تتمثل بقانونية او عدم قانونية التعامل مع الاطر القيادية الفلسطينية والمتمثلة بمؤسسة الرئاسة او المجلس التشريعي على اعتبار ان انتهاء الولاية القانونية لتلك المؤسسات وكأن الأزمة الفلسطينية الداخلية تتثمل بالتفسيرات القانونية لمنظومة القوانين التي تحكم علاقات الفصائل والقوى بعضها ببعض، مع العلم ان الكل متفق ومتوافق على التفسيرات القانونية ومتوافق ايضا على النظم الحاكمة لواقع الحياة السياسية، والكل يحتكم لهذه القوانين والنظم بالرغم من ان هذه القوانين والتفسيرات القانونية لا تستوي بالمطلق والحالة الفلسطينية والتي لا نعلم حتى اللحظة ماهية التوصيف الفعلي لها، بمعنى هل ما زالت الحالة الفلسطينية وبتفسير الكل الوطني، وحتى بتوصيف فصائل منظمة التحرير الفلسطينية الموالية منها والمعارضة، هو توصيف لمرحلة التحرر الوطني ام توصيف تنطبق عليه مواصفات العمل السياسي الحزبي على اساس السلطة والدولة...؟ ومما يزيد الارباك والارتباك الراهن هو اعلان الرئيس ابو مازن الجديد بانهاء الالتزام بالاتفاقات الموقعة الذي يعني بوضوح انتهاء هياكل السلطة واحلال هياكل الدولة تحت الاحتلال مكانها وبتصوري هذا يشكل تحدي جديد امام مكونات الحركة الوطنية عموما، فهل هي قادرة على التعاطي وتداعيات هذه المرحلة واعلانها الجديد العريض غير القابل للتفسير او الـتأويل ..؟؟

ومن المعلوم بهذا السياق ان هذين المفهومين والتوصيفين متضاربين ولا يمكن التقاءهما بذات الوقت .... وعلى الكل الوطني ان يحسم هذا الجدل الغوغائي وبالتالي ومن خلال هذا الحسم يكون التوصيف الفعلي لطبيعة المرحلة ليُصار حينها الى اعادة رسم خارطة التناقضات وقوانينها ، وما تفرضه تداعيات العملية النضالية الكفاحية ذاتها اذا ما كان الحسم بإتجاه التوصيف الأدق للمرحلة والتي تعني اننا ما زلنا نعيش مرحلة التحرر الوطني.
واذا ما أُعتبرت المرحلة مرحلة سلطوية بإمتياز على طريق بناء الدولة وتعزيز سلطتها، فلابد على من يتعامل وهذا المفهوم ان يحدد بالضبط منطلقات وتداعيات العملية السياسية هذه وبالتالي عليه ايضا ان يحدد خارطة التناقضات للدولة او السلطة العتيدة وان يتعاطى بمنطق الدولة ومنظومة قوانينها ...

بالنهاية ان الاعلان الفلسطيني الرسمي الجديد يشكل تحديا جديدا امام القيادة الفلسطينية عموما وهنا لابد من البناء على هذا الاعلان، وعدم تفريغ هذا الاعلان من مضامينه ومحاولة اغراق الاعلان بالتحليل والتأويل على لسان البعض الذي يحاول ان يرسل برسائل ذات مضامين مشبوهة باكثر من اتجاه، كأن يقول احدهم ان الاعلان الفلسطيني لا يتضمن ان شيء جديد، او انه لا يعني التحلل من الاتفاقيات، او ان يستمر بالتعاطي بقوانين ووقائع الاتفاقيات، ان هذا البعض السياسي ممن يحتلون مناصب رسمية بالاطار القيادي الفلسطيني ان يقفوا عند مسؤولياتهم وان يكفوا عن الحديث الفارغ المضمون، ولابد من توجيه بوصلة العمل والفعل الفلسطيني من الأن وصاعدا الى اعادة ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي ولعل الخطوة المقبلة المنتظرة تتمثل بضرورة عقد جسلة المجلس الوطني الفلسطيني المؤجلة، واستصدار القرارات التي تتناسب وحجم الاعلان وطبيعة المرحلة.