|
بهدوء... ما معنى المسؤولية؟وكيف تتجلى عند الحديث والفعل؟
نشر بتاريخ: 11/10/2015 ( آخر تحديث: 11/10/2015 الساعة: 10:41 )
الكاتب: تحسين يقين
كل كلمة تقال لها استحقاقات وتجليات، فهل نحن مدركون لما نقول؟ وأظن ومعي آخرون وأخريات أن ذلك يعني الأخلاق.
بهدوء، رغم ما في المكان والزمان من اضطراب؛ فالطبيب حتى ولو علت أصوات أهل المصاب، مشغول بهدوء لإنجاز العملية الجراحية. وبهدوء كنا نستخرج الدلو بواسطة "العلاقة" حتى لا يقع مرة أخرى ونحن ننتشله من الماء. وبهدوء نستخرج القشة من العين، وبهدوء نحلّ النزاعات والمشاكل، وبهدوء نرقب أطفالنا وهم نائمون، وبهدوء نوقظهم. كنت فتى حين قرأت رواية الكاتب الراحل إحسان عبد القدوس "في بيتنا رجل" والتي تحولت إلى فيلم، حيث قرأنا ما كتبه النقاد والكتاب، حول مقصد الكاتب بأن العمل المادي العسكري يجب أن يكون هدفه السياسي واضحا؛ والمفروض أن يسعى الفعل لتحقيق الهدف. بعد ذلك ببضع سنين انطلقت الانتفاضة الأولى، وكنا على أبواب العشرين، فشهدنا وشاهدنا، وراقبنا وتعلمنا، بما يناسب تلك المرحلة العمرية، وأول درس تعلمناه كان كسر دائرة الخوف! ثم لتمر 13 عاما لتبدأ الانتفاضة الثانية التي حاولت تغيير قواعد اللعب السياسي، حيث صرت ثلاثينيا، وها نحن على أبواب فعل جديد، وأنا على أبوب الخمسين من العمر، نحتار في توصيفه وتسميته والحكم عليه وكيفية الاندماج فيه. ولكن ما ندركه ونشعر به ليس بعيدا عما سبق، فمن وجهة النظر العملية- والاستراتيجية، لا بد من السعي لتحقيق هدف سياسي. والمواطنون/ات من أعمار مختلفة، لهم تجارب وخبرات متعددة، تختلف وتتفق، لكنها جميعا تتفق على الهدف في التحرر والاستقلال. ولعل أتساءل هنا عن ليس بداية الفعل، بل عن فترة استمراره ونتيجته. فهل توقفت الانتفاضة الأولى عام 1993؟ أو قبل ذلك؟ وهل توقفت الانتفاضة الثانية عام 2014 أو بعد ذلك؟ ولعلّ التساؤل أيضا: هل انطلقت "الهبة" في تشرين أول 2015 أو قبل ذلك بعام وبضع أشهر، باختيار القدس مكانها ومركزها؟ لماذا سألت تلك الأسئلة؟ الجواب بسؤال: هل أن المقاومة الشعبية للشعوب التي تعيش تحت الاحتلال، لها زمن محدد؟ وهل المفروض مثلا أن تكون شاملة لمدة سنوات؟ الشعور والفكر هنا متلازمان بمسؤولية وطنية وإنسانية؛ فالمهم ونحن نبلور الفعل السياسي كشعب وقيادة: - أن نكون معا. - وأن نجنّب شعبنا أذى الاحتلال. - وأن نحافظ على منجزاتنا وممتلكاتنا العامة والخاصة. - وألا نسمح للانفلات الأمني بالعودة من جديد. - ألا نمنح الاحتلال قطف ثمار فعلنا؛ من خلال ألا نمنحه توظيف الحدث لغاياته وأهدافه. - و أشياء أخرى يمكن إضافتها. اختيار المكان والزمان أمر استراتيجي، ونحن أدرى من غيرنا في هذا الاختيار؛ واختيار الأداة والأسلوب؛ فقد قيل أن الجراحين العرب القدامى كانوا إبداعيين في صناعة الأدوات الخاصة لإجراء الجراحة، وأنه كانوا متفوقين في منظور صناعاتهم الطبية عن المعاصرين، كيف؟ الجواب أنهم كانوا يصنعون أدوات خاصة لكل عضو في الجسم يراد إجراء عملية جراحية له، في حين أن تعامل المحدثين مع الجسد أكثر قسوة. تراث جميل! فهل سنقتدي بهذه الطريقة ونحن نتعامل مع روح القضية الفلسطينية وجسدها؟ أرواحنا وأجسادنا أمانة في أعناقنا ولا قبل أن تكون في أيدي آخرين. نحن نرقب الحدث لحظيا وأيادينا على قلوبنا، من حقنا أن نخاف على أنفسنا وأهلنا وشعبنا، كل طفل هو طفلنا، كل مدرسة هي مدرستنا، كل أرض هي أرضنا، تلك المسؤولية الإنسانية التي تميزنا كبشر، فما بالك بمواطنين/ات تحت الاحتلال! إن "كسر دائرة الخوف" تكون أيضا في اختيار الأفضل، فليس الخوف هو فقط من سلطة الاحتلال ببطشها، بل الخوف أيضا من أنفسنا حينما لا نكون صريحين/ات في تخاطبنا الداخلي: - لماذا لا نرفع صوتنا رجلا ونساء، آباء وأمهات بضرورة تجنيب الأطفال خطر المواجهات؟ - لماذا لا نرفض أي فعل تخريبي لشوارع نمرّ عليها نحن؟ - لماذا لا ننبه ونحذر من منح الاحتلال مبررات إغلاق الطرق الرئيسية وتحويلنا للطرق الجبلية الصعبة؟ - لماذا لا نشهد اتفاقا تصالحيا حقيقيا؟ - لماذا نقبل مزاودة جزء من أبناء وبنات شعبنا؟ - لماذا لا نقاوم العابثين الذي يستغلون الحدث لتحقيق مصالحهم الخاصة؟ صراعنا مع الاحتلال طويل، ولا يجوز حرق سفننا، فنحن بحاجة لها، ونحن أحق بها، بل وبالمزيد منها، فكل ظرف له مقتضيات التعامل معه، ومن الطبيعي لمن عمل في بناء الجدران الاستنادية الجبلية ألا يكبّر قفته! "اللي بكبر قفته ما بحملهاش"، هكذا تعلمنا من خبرة شعبنا، لذلك فإنه إذا كان للناشطين كلاميا أن يعبروا عن أفكارهم؛ فمن حقنا أن يكون لنا رأي، وعلينا أن نكون صريحين ونقول: إذا وجدتم/ن طريق النضال الافتراضي سهلا، فإنه ليس كذلك على الحقيقة. ماذا يمكننا معا أن نفعل؟ يمكننا الكثير، فقط لنفكر فيما يأتي ولنضيف عليه: - يمكننا أن نحمي أنفسنا من خلال أن نكون معا، فقد قيل أن الذئب لا يأكل إلا من الغنم القاصية. - الكثرة تغلب الشجاعة، ولكن من خلال التفكير الإبداعي، مثل: تواجد الأسر مجتمعة آباء وأمهات وأطفال في مناطق معينة، قرب الجدار، أو في المسجد الأقصى، بحيث يحضرون معهم طعامهم وكتبهم المدرسية، ليقضوا ساعات من النهار معا ينتجون فيه ما يستطيعون، رفضا للاحتلال، بحيث يكون استفزاز قوات الاحتلال بعدم استفزازها، فنرهقها بالتواجد دون أن نمنحها الفرصة لعمل شيء؛ فيصبح مشهدهم عبثيا، فنربكهم ونشككهم في فعلهم. - تنقية وتنظيف جسدنا الفلسطيني من الطابور الخامس، من خلال طرق غير عنيفة، بحيث يتم تحويلهم لمواطنين صالحين منتمين لشعبهم/ن. وبذلك نكسر أدوات الاحتلال التي يعتمد عليها. - ألا نستنزف طاقاتنا فنضعف، فنصبح في وضع سياسي واقتصادي أسوأ مما نحن فيه الآن. - تعميق فهمنا الوطني لفلسفة البقاء. - التواصل مع شعبنا في أماكن تواجده، بتوظيف ظروفهم وفرصهم لخدمة قضيتنا العادلة. - ترشيد تكنولوجيا المعلومات، وتوجيه مستخدميها كي يكون الاستخدام ذكيا، مسؤولا، محترما للآراء الأخرى، ومراعيا للجوانب الأمنية. كنا أطفالا ففتيانا فشبابا فكهولا على مدار عقود الاحتلال، ألا يحسن بنا أن نستفيد من خبراتنا؟ وألا نلدغ من الجحر مرات؟ ألا يستحق أبناؤنا وبناتنا أن نراكم ما عندهم من خبرات، حتى لا يكونوا منقطعين عن خبرات ماضينا، فنجنبهم البدء من جديد بأخطاء قديمة؟ فقط لنفكر ونشعر، ونتأمل ونمضي في وجودنا، الذي يشكل بحد ذاته الفعل المقاوم الأول! |