|
دفاعاً عن حرية الإعلام ..
نشر بتاريخ: 12/10/2015 ( آخر تحديث: 12/10/2015 الساعة: 10:48 )
الكاتب: شمس شناعة
لا يمكن لمن اتخذ في حياته مساراً أو منهجاً للفعل أن يغيره تحت أي ظرف من الظروف، إلا إذا كان بمثابة "عملة رخيصة" يتم تداولها في أسواق المال وبورصات شراء الذمم، والحقيقة أن قناعة المرء بقيمة ما، هي تعبير عن تكوينه الفكري ونمط سلوكه في مواجهة مختلف التحديات، وهذه هي قناعتنا تجاه مبدأ حرية الرأي والتعبير من جهة، وحرية الإعلام كقيمة لا تتجزأ تحت أي ظرف من الظروف.
يعيش الوطن في هذه الأيام مواجهة من نوع خاص، مفردتها الكبرى هي القدس، بكل ما تعنيه للمؤمنين والأحرار والوطنيين، وخصوصيتها تنبع من أنها بلا رداء حزبي ولا راية فصائلية ولا حالة مبنية على ردات فعل، بقدر ما إنها صحوة شابة لتغيير واقع لا ينبغي له أن يستمر، وبالتالي يصبح نقل الكلمة الفلسطينية في هذه الظروف بمثابة ساحة مواجهة إضافية، لا مجال فيها لترديد كلمة "تطبيع"، التي تعد بمثابة افتئات على الحقيقة ولوي لعنقها لمصلحة من يعتبرون أنفسهم قيّمون على أخلاق الناس وسلوكهم، فإطلالة الصحفي الفلسطيني على الشاشة الإسرائيلية، وبرغم أنها شاشة "العدو"، إلا أنها سبيل إلى نقل وجهة النظر الفلسطينية إلى الرأي العام في إسرائيل، وهو بالمناسبة رأي عام ليس كله مستوطناً ولا كله مؤيدٍ للاحتلال وسياساته الاستيطانية. يتساءل المرء كثيراً عن "حالة الانفصام" التي تصيب بعض إعلاميينا وبعض مثقفينا، ففي حين أنهم يعتبرون قنوات مثل "الجزيرة" و"العربية" بمثابة قنوات رائدة في الإعلام العربي، إلا أنهم لا يذهبون إلى اعتبار ظهور الساسة والصحفيين والعسكريين والمحللين الإسرائيليين نوع من أنواع "التطبيع"، بينما يحرمون ذلك على المحللين الفلسطينيين، وبتقديرنا أن ذهاب البعض إلى المطالبة بوضع المحللين والصحفيين الفلسطينيين الذين يذهبون لنقل وجهة النظر الفلسطينية على القنوات الإسرائيلية في "قائمة سوداء" هو نوع من المزايدة الرخيصة، فهؤلاء لا يذهبون لإرضاء وجهة النظر الإسرائيلية ولا يقدمون تحليلات تروق للحكومة الإسرائيلية، بل إنهم يظهرون على قنوات تبين استطلاعات الرأي أن 80% من الإسرائيليين يتابعونها يومياً، ومن الضروري نقل الصورة بعين فلسطينية إلى جانب الصورة التي يرسمها قادة إسرائيل في أذهان جمهورهم. من يتفلسفون اليوم، ويظهرون بثياب القديسين على مواقعنا الإخبارية، وصفحات شبكات التواصل الاجتماعي، هم أنفسهم يقرون اليوم أن مصدرنا الوحيد لمعرفة أخبار انتفاضتنا الأولى عام 1987 وأخبار شهدائنا وأسرانا وجرحانا كانت القنوات الأولى والثانية في التلفزيون الإسرائيلي، ورغم أن إسرائيل دولة محتلة، إلا أن إعلامها لم يمانع في ظهور محمد الدرة عام 2000 على شاشته أو ظهور فارس عودة أو غيرهم من شهدائنا الأبرار، ولم يمنعهم من عرض جرائم الاحتلال على مدى الوقت، وقد يخرج علينا الآن من يردد أن إعلام العدو موجه ومضلل وانتهازي، ولو وافقناه الرأي فلم لا يكون إعلامنا كذلك، أم أننا نذهب في الهروب من واقعنا المزري إلى محاولة التباكي على وطنيتنا في ظل عجزنا الرهيب؟!! لا ينبغي للعاطفة أن تقتلنا، ولا يتوجب علينا أن نواصل جلد ذواتنا بكل هذه القسوة، فلا مكان في عالم اليوم لمن يلبسون أقنعة، هؤلاء لا أمل لهم في أن يحققوا شيئاً على حساب وعي الناس، وأولئك الذين يرفعون شعار "أعطني مالك ولا تتركني فريسة لألسن الناس تطبيعاً"، هؤلاء مكشوفون ومفضوحون ولكنهم يتصرفون طيلة الوقت بمنطق "النعامة" التي تدفن رأسها في التراب وجسدها عارٍ كله في مواجهة شمس الحقيقة. لا يتوجب علينا أن نرهن سلوكنا تجاه الناس برؤية مزاجية، ولدينا مثال سياسي حي، عندما خرجنا نناشد حركة حماس ألا تحاكم الناس بتهمة "التخابر مع رام الله"، لم يلتفت لنا أحد، يومها قلنا لهم هكذا نفتح أبواباً لا يمكن أن تُغلق، وبعدها قامت مصر بمحاكمة رئيسها الأسبق محمد مرسي بتهمة "التخابر مع حماس"، لنكتوي اليوم بنفس النيران التي كوينا بها بني جلدتنا قبل حين، فمتى تتوقف عاطفتنا عن تحريكنا، نحن نعيش في زمن الواقعية حيث لا مثالية ولا نبوّة ولا قداسة لأحد، ولا ينبغي لنا أن نحاكم الناس بأهوائنا وإنما بالبينة والحقيقة الدامغة والدليل الذي لا يقبل الشك. قياساً على كل ما سبق، هل يجوز لأحد أن ينصب مشانقه، ويصدر قراراً بإدانة 19 صحفياً من قطاع غزة استجابوا لدعوة القنصلية الأميركية في القدس؟، وهل ذهاب صحفي من غزة للصلاة في الأقصى نوع من الجرائم التي تمس أمن الوطن والمواطن؟، صحيح أنه يمكن أن تكون لنا تحفظات على اختيار بعض الأسماء، لكن الحقيقة الراسخة هي أنه لو وُجهت هذه الدعوة لمئات غيرهم، بمن فيهم كاتب هذه السطور، فلن يترددوا في قبولها، فالصحفي الفلسطيني الذي كان قبل عام في الميدان يواجه الموت ويتفاعل مع الأحداث وينقل الصورة أولاً بأول لقرائه ومستمعيه ومشاهديه، هو ذاته الذي استجاب للدعوة اليوم وذهب إلى القدس، فلا يجوز أن نكون ملكيين أكثر من الملك، ولا يجوز أن ننصب أنفسنا حماة للحقيقة ونجهّل الناس، فلا أحد يحتكر المعرفة ولا احد يحتكر الوطنية، وكل مزايدة على هذا الصعيد هي نوع من الاسفاف الفكري الذي لا ينطلي على عقول تعي وتفهم وتتدبر أمر الحقيقة قبل التشكيك فيها. |