وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

عن الهستيريا العنصرية في اسرائيل

نشر بتاريخ: 18/10/2015 ( آخر تحديث: 18/10/2015 الساعة: 11:12 )
عن الهستيريا العنصرية في اسرائيل
الكاتب: حيدر عيد
أصبح من الواضح أن القضية الفلسطينية تمر بأدق مراحلها من حيث كم التضحيات التي قدمت، و بالذات العام المنصرف في غزة و الآن في الضفة الصامدة، من حيث كون هذه التضحيات نتاج لتغول آلة الحرب الإسرائيلية في تطبيق أيديولوجيا تقوم على أساس نزع إنسانية الفلسطيني في ظل
مؤامرة صمت دولية لعبت السياسة الرسمية الفلسطينية دورا غير ايجابيٍا في ترسيخها.

ويأتي تصاعد الهستيريا الجمعية في اسرائيل ضد كل ما هو فلسطيني كانعكاس لتطبيقات عنصرية مستمرة منذ عام 48 للأيدلوجية الصهيونية على الأرض. إن كون إسرائيل دولة استعمار استيطاني إحلالي يعني في الأساس أنها تقوم كأي دولة استعمار استيطاني على أساس إما الإبادة الكاملة للسكان الأصليين أو التطهير العرقي . كان قيام دولة إسرائيل عام 48 يعني بالضرورة إلغاء الآخر ، سكان الأرض الأصليين ،و تم ذلك من خلال عملية خلق وعي زائف لدى قطاع عريض من اليهود واستغلال معاناتهم بشكلٍ أدى في المحصلة النهائية إلى إلغاء الوجود الفلسطيني من الوعي الجمعي الصهيوني, أو بأقل الأشكال ، نزع إنسانيته بشكلٍ لا يثقل كثيراً على " الضمير" الليبرالي و"الاشتراكي" السائد لدى الجيل المؤسس . حاولت إسرائيل ، وبسبب العناد الفلسطيني بعدم قبول "الواقع" ، تطويع الوعي الجمعي الفلسطيني وبطريقةٍ كلاسيكية استعمارية ، إما من خلال القمع المبالغ فيه وإقناع الفلسطينيين أنهم "في أعمق أعماق وعيهم شعب مهزوم" وأن عليهم أن يقبلوا بالواقع الذي "يستحيل تغييره "، فإسرائيل لديها رابع أقوى جيش في العالم ، لديها المئات من الرؤوس النووية ، احدث الأسلحة الأمريكية ، وتحالف استراتيجي مع القوة العظمى الوحيدة في العالم ، إن لم تكن تسيطر على سياستها الخارجية أساساً, وبالتالي كل ما تقوم به إسرائيل من جرائم حرب ضد الإنسانية لا يمكن أن يثير إدانة عملية تؤثر على السياسات الإسرائيلية .

بمعنى آخر ، الفلسطيني غير مرغوب به ، غير محبوب ، ضعيف ، ميكروسكوبي ، غير مهم للإدارة الأمريكية ، غير أبيض ، irrelevant .......إلخ وبالتالي لا يستطيع أن يرقى إلى مستوى المنافس الحقيقي لدولة إسرائيل الاشكنازية ، البيضاء ،الغربية ، واحة الديمقراطية المدعومة من إمبراطورية لم ير لها التاريخ مثيلا ، المحبوبة من قبل الأنظمة الغربية ، وحتى بعض الأنظمة العربية . المعادلة التي تطرحها إسرائيل واضحة: عليكم أن تقبلوا بأي فتات نرميه لكم لأنه ليس لديكم أي خيار . وهذا الفتات أكثر مما يمكن أن نحلم به, دولة فلسطينية مستقلة تعيش بسلام بجوار دولة إسرائيل اليهودية ! لماذا لم يرض إذاً سكان جنوب أفريقيا السود بالكرم الأبيض الذي قدم لهم أكثر من أربع اوطان مستقلة (Independent Homelands) تميزت بأعلام وسلام وطني ورؤساء وحكومات ؟

المقاربة ضرورية في هذا السياق لأن الأبارتهيد ، وتبعاً للقانون الدولي هو جريمة ضد الإنسانية، وما يطرح علينا الآن هو تكريس لنظام نيو- أبارتهيد. والمطلوب هو موافقة السكان الأصليين . فإقامة نظام البانتستونات في جنوب أفريقيا تطلبت عملية مصغرة للتطهير العرقي تحت ما يسمى الإزاحة القسرية للسكان الأصليين (Forced Removal) .

الخيارات اذا واضحة إما أن تتعاون وتترك لنا القدس وأجزاء كبيرة من الضفة الغربية بعد تقطيعها إلى ثلاثة بانتستونات رئيسية تشكل ما يعادل (V-54) من أرض الضفة الغربية وتقيم عليها إمبراطورية فلسطينية ، أو تحاصر في معسكر اعتقال على اقل من 2% من أرض فلسطين وتتعرض لعزل كامل و حصار يتخلله مجازر إبادية بموافقة دولية وحتى عربية . إما أن تساهم في تسويق الوهم وبيع العنصرية على أنها إنسانية بالضبط كما فعل رؤساء "الأوطان المستقلة " في جنوب أفريقيا والذين تم الترحيب بهم في تل أبيب ، أو أن تعرض أطفالك ل(Shoah) او هولوكوست كما حصل في أعوام 2009, 2012, و 2014 .

ان أشلاء 551 طفل غزي لم تفلح إلا في خلق بكائية عربية إسلامية لم تترجم إلى موقف عملي ضاغط يجعل إسرائيل تدفع الثمن . فلا زالت الكثير من الأعلام تخفق في سماء تل أبيب ولا زال السفراء الإسرائيليون يصولون ويجولون في عواصم العالم ، ولا زال أوقح رئيس وزراء في تاريخ إسرائيل ، والذي جعلنا نترحم على شارون ، يستقبل في أوروبا وأمريكا . فما العمل ؟

هذا هو " الواقع " كما تصوره القوى المهيمنة والذي يتطلب "واقعية" في السياسة الفلسطينية ، براغماتية تعمل على فهم هذا الواقع والتعامل معه واعتبار أن ما طرحته اتفاقيات أوسلو والكرم الهائل الذي تكرم به كل من الرئيس الأمريكي بيل كلينتون وايهود باراك في كامب ديفيد عام 2000أقصى ما يمكن أن نحصل عليه الآن وبالتالي فإن المطالبة بعودة اللاجئين الذين شردوا عام 48 الى مدنهم وقراهم وتبعاً لقرارات الشرعية الدولية ، هو ضرب من الخيال ، وأن أقصى ما يجب أن نناضل من أجله هو عودة جزء كبير منهم إلى بانتوستان ، ً دويلة" ، فلسطين المستقلة والتي ستقام ، وأيضاً تبعا لفهمنا للشرعية الدولية ، على أجزاء كبيرة من الضفة الغربية وغزة ، وعاصمتها القدس الشريف "التي هودت ونزعت هويتها الفلسطينية " !

وماذا عن 1.4 مليون فلسطيني يعيشون في دولة إسرائيل ؟ الواقعية السياسية تقول أنهم ليسو جزئاً من الشعب الفلسطيني البطل, أي سكان الضفة وغزة !

لاشك أن هذا السيناريو الكافكاوي يتخطى الهزلية التراجيدية والكوميديا السوداء حينما يتم الدفاع عنه من قبل من يفترض به العلم والثقافة والانفتاح على الثقافات الأخرى . لا شك أن موت اليسار الفلسطيني-- من خلال عملية الاسلوة والأنجزة التي مر بها وتصويره أن المعارضة "الثورية" تأتي من خلال صوت أو صوتين في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ، والاحتفال بذكرى الإنطلاقة و أعتبار هذا هو أرقى أشكال النضال !--قد ساهم بشكل كبير في خلق هذا الواقع وانحياز قاعدة عريضة لصالح تيارات تتسم بعدم وجود رؤية سياسية خلاقة واضحة . إن خطاب, بل أيدولوجيا ، حل الدولتين - السجنين قد تم ترسيخه في الوعي السياسي المعاصر بطريقة تجعل مؤسسي نظام الابارتهيد الجنوب أفريقي يصفق فرحا في قبورهم! وما ساعد في بروز الهستيريا الإسرائيلية الحالية في الضفة المحتلة في هذا السياق هو غياب قيادة ثورية ترتقي الى مستوى التضحيات و التحديات , وغياب البدائل الخلاقة التي من الضروري أن تتحدى لا أن تنصاع للواقع الاستعماري الاستيطاني .

لا شك أن براغماتية نيلسون مانديلا في أواخر الثمانينات ومن خلال المفاوضات مع الحزب الوطني الجنوب أفريقيا الأبيض ، لم تؤد إلى انصياعه لرغبات الحكومة البيضاء بإدانة الكفاح المسلح والعمل على تهدئة الشارع الجنوب أفريقي وتطويع مفهوم المقاومة الشعبية وحملة المقاطعة الدولية . على العكس من ذلك ، فقد تم تشكيل تحالف يضم القوى الشعبية المناضلة على الأرض سميت بالحركة الديمقراطية المتحدة (UDM) والتي عملت على التعبئة الجماهيرية وقيادة حملة المقاطعة الدولية تحت شعارات لم يتم التنازل عنها مطلقاً : المساواة الكاملة وإنهاء نظام الأبارتهيد .