|
في الظل: قدسنا.. تُقَسَّم بالسكين!
نشر بتاريخ: 20/10/2015 ( آخر تحديث: 20/10/2015 الساعة: 10:19 )
الكاتب: بثينة حمدان
في القدس حجارة كنعانية تصرخ منذ خمسة آلاف عام، وتقول إنها قدس السلام والرحمة، وقدس الديانات السماوية، في القدس المسجد الأقصى الذي يتربع على مساحة 144 ألف متر مربع يضم مئتي مبنى أبرزها المسجد القبلي ومسجد قبة الصخرة. في القدس من في القدس إلا أنت الفلسطيني الصامد رغم محاولات التركيع منذ احتلالها عام 1967 وما قبلها. مرت عليها حضارات كثيرة وحصارات وحروب وبقي مسجدها مكانًا للركوع والخشوع لله جل وعلا، لكن اقتحامات المستوطنين تصاعدت انسجامًا مع سياسة دولة الاحتلال ما فجَّر انتفاضة القدس، وبعد مرور نحو عشرين يومًا على اقتحامه بدأ الاسرائيليون ينفذون مخطط التقسيم والعزل وتفريغ القدس من سكانها المقدسيين ومنعهم من وصول المسجد الواقع على بعد كيلومترات منهم بل يصبح التنقل بين حارة السعدية وباب حطة، داخل السور مستحيلاً!
في شوارعها العريقة تستيقظ سماح أبو دياب من حي شعفاط تفتح النافذة وتنظر إلى السماء وتقول: "يا ترى رح ارجع عالبيت وإلا لأ... اسم مين رح يكون الشهيد الجاي"، تنطلق إلى عملها بين بيت حنينا والقدس وفي كل شبر تجد حاجزًا احتلاليًّا وسواتر ترابية واغلاقًا لمنافذ الأحياء عدا منفذ وحيد هو الأضيق ومغلق بحاجز. تبحث سماح في وجوه من حولها، تتلمس محيطها، لم تعد ترد على هاتفها أو تتجرأ لتدس يدها في حقيبتها لتمسك بهاتفها فالكل يتفحص محيطه ويقبض على مقود السيارة. ابنة أختها 7 أعوام قالت لها اليوم: "خالتو خدينا على المنتزه" وبعد ثوان أجابت الطفلة: "خلص خلينا بالبيت أحسن بلاش يطخونا اليهود". كتب بعض المقدسيين على حساباتهم الفيسبوكية: "صار الواحد يوصل بيته.. يتشاهد ويصلي ركعتي شكر ويرجع يتأكد عنجد وصل وإلا بتخيل!". وكتب آخر: "اسرائيل توحشت.. قتلتم الانسانية والبراءة" وأخرى كتبت: "لم يعد لأطفالنا متسع لمشاهدة برامجهم المفضلة، ولا ينامون إلا ساعات قليلة ليلاً لأن الاعتقالات تبدأ في العتمة، ولم يعد طفلي يعرف اجابة سؤال: ماذا ستصبح حين تكبر فهو لا يعرف إن كان سيكبر.. أطفالنا سيفعلون في المحتل الكثير الكثير لأنهم مغتالون ومعتقلون داخل طفولة حزينة". منع محاولة إعدام فتاة مقدسية! قبل أيام كانت الصحفية المقدسية زينة صندوقة تجري مقابلة مع خليل التفكجي الخبير في الشأن الاستيطاني قرب باب الاسباط وإذا بهما يمنعان محاولة إعدام فتاة مقدسية، روت لنا الحكاية فقالت: "كأن العالم توقف لبرهة موجعة بخوفها فارتعشنا، وربما كانت حكمة إلهية أن نكون هناك وبينما كانت الكاميرا تلتقط صورًا لقوات من وحدة اليسام الاحتلالية والمعروفة بشراستها وهي تعترض المارة بتفتيش مريب، جاءت فتاة لا تتجاوز العشرين عامًا ترتدي الحجاب وتتجه إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة الظهر، وفجأة حاصرها خمسة من الجنود بأسلحتهم مصوبة تجاهها بتوتر مستعدين لقنصها، وطلبوا منها رمي حقيبتها للبحث عن سكين، تجمدت الفتاة مصدومة مرعوبة وحثها الاستاذ خليل على تنفيذ الأوامر بسرعة قبل قتلها، وأخيرًا اجتازت الفتاة آخر بوابة إلكترونية عند باب الأسباط، مرت شاحبة صفراء بعد أن رأت شبح الموت، وفي الجهة الأخرى كان المصور سجل كل شيء ولولاه لكنا أوائل من وصلوا لتصوير مشهد الإعدام بزعم الطعن وليس تصوير الإنقاذ". وأضافت زينة : "ايقنت أننا في هذه المرحلة الحساسة في القدس وأن دوري ليس مجرد صحفية، بل مراقبة دولية، وهو أمر اقترحه الاستاذ خليل لينتشر الصحفيون عند مناطق التماس لتصوير ما يمكن أن يتحول إلى تهمة ملفقة اسرائيليًّا". هل هو حصار جديد؟ كتب مقدسي على الفيسبوك "هذه الأزمة الخانقة قبل قليل على حاجز رأس العامود ليست بسبب دوام المدارس مثل كل صباح، ولكن للنكد والتنكيل وعقاب جماعي لأهل سلوان وضواحيها، لذلك على طلبة المدارس الذهاب للمدرسة بكل نشاط شريطة التحرك بعد صلاة الفجر لضمان الوصول إلى الدوام! لفت انتباهي اكتظاظ مشهد السير بالمشهد على حاجز قلنديا وأكثر من 40 حاجزًا تعسفيًّا في ضواحي القدس". يقول خليل التفكجي مدير عام دائرة الخرائط والمساحة في بيت الشرق والذي يسكن حي وادي الجوز لـ "الحياة الجديدة": "بالنظر إلى القدس من أعلى ستجد أنها مقسمة ما بين أحياء عربية وأحياء ومستوطنات يهودية ويضيف: " وضعت الحكومة الاسرائيلية حواجز على الخط الفاصل بين القدس الشرقية والغربية، معتبراً أن هذا التقسيم ليس جديدًا بل منذ عام 1967 فكل التجمعات الفلسطينية محاصرة بشوارع فاصلة ومستوطنات". وأوضح: مثلاً قريتا بيت حنينا وشعفاط محاطتان بمستوطنات وشوارع تخدمها وهما مفصولتان عن بعضها بالمستوطنات، العيسوية ايضًا محاطة بالتلة الفرنسية وشوارع عريضة يعني إغلاقها في أية لحظة محاصرة أهل القرية، أما قرية صور باهر فأحيطت بمستوطنات تل بيوت وأرمون والجدار الذي فصلها عن وادي الحمص ودير العامود، فيما احيطت أحياء وادي الجوز والشيخ جراح بالجامعة العبرية والتلة الفرنسية وشوارع عريضة، ويضيف: "الجانب الاسرائيلي يستطيع فصل المناطق العربية بسهولة ضمن نظريته الأمنية المطبقة على الأرض في التخطيط والبناء والتفتيش والتنكيد، والقدس لم تكن أبدًا موحدة كما يقول الاسرائيليون فالمواصلات ونظام التعليم والبنية التحتية ليست مختلطة". وتؤدي عملية فصل الأحياء الفلسطينية بجدار أو حاجز وفصل احياء البلدة القديمة ببوابات إلكترونية إلى تفريغ المسجد الأقصى من المصلين حيث يصعب على المقدسي الذي يعيش على بعد امتار أو كيلومترات عنه الوصول إليه، كما فعلت حكومة الاحتلال حين عزلت قرى وأحياء مقدسية بجدار الضم والفصل العنصري وبات من الصعب عليهم التنقل والوصول إلى المسجد وهذا كله كارثة تقسيمية تهدد عروبة واسلامية المسجد. بداية الملحمة.. بداية الفبركة قد تكون حكاية القدس أول حكاية بلا مقدمات، فهي أحداث متواصلة منذ ما قبل احتلالها عام 1967، وتصعيد من قبل المستوطنين المتدينين فقد خطفوا وحرقوا الشهيد محمد أبو خضير العام الماضي وعائلة دوابشة في نابلس قبل ثلاثة شهور، وقام جنود الاحتلال بإعدام الطالبة هديل الهشلمون في الخليل في الثاني والعشرين من أيلول الماضي بحجة محاولتها طعن جندي وهو أمر نفاه شهود عيان والصحافة الاسرائيلية، لتشكل أول حادثة طعن مفبركة اسرائيليًّا، وبعد شهر قام الشهيد مهند الحلبي بعملية طعن حقيقية في مدينة القدس، وتوالت بعدها أخبار عديدة حول عمليات طعن ما بين مفبرك وصحيح. شمل التصعيد الاسرائيلي اقتحام المستوطنين بأدوات حادة والأكسجين للمسجد وتحطيم نوافذه فجر الثاني عشر من أيلول الماضي ليشتبكوا مع المصلين. وأكد تقرير الهيئة الاسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات أن أيلول شهد تصعيدًا غير مسبوق منذ بداية العام ضد الأقصى تزامنًا مع الأعياد اليهودية والاسلامية وأنه ولأول مرة منذ عام 1967 يقتحم المستوطنون المسجد في وقفة عرفة ورابع أيام عيد الفصح. وأضاف التقرير أنه فرضت قيود مشددة على المصلين ومنعت المرابطات من دخوله، كما اقتحمته قوات الاحتلال واعتلت أسطح المصلى القبلي وأطلقت قنابل الغاز والصوت وحطمت الزجاج والأبواب، وحرقت السجاد وأغلقت أبواب المسجد القبلي بالسلاسل الحديدية. وأوضح التقرير اقتحام 1575 مستوطنا أبرزهم وزير الزراعة الاسرائيلي ومجموعة من حزب الليكود، والمخابرات والشرطة وطلبة بالزي العسكري، عدا عن اعلان نتنياهو مرارًا أنه سيدخل الأقصى لكنه لم ينفذ. وشهد أيلول أشرس حملة اعتقالات حسب نادي الأسير المقدسي فاعتقل 194 مقدسيا، ونفذ 159 اعتقالا ميدانيًّا و135 اعتقالاً خلال مداهمة المنازل، منهم 121 قاصرًا. لماذا التصعيد الاسرائيلي؟ كثيرة هي اعتداءات المستوطنين على الفلسطينين وفي الأقصى تحديدًا ينظمون مسيرات يومية وأسبوعية فأنشأوا حائط مبكى صغير قرب حوش الشهابي كونه يطل على زاوية أخرى لما يسمونه "الهيكل"، الغريب أن أفكارهم الدينية كما وصفتها الصحفية المقدسية لواء أبو رميلة ومراجع أخرى تتمثل بمشروعهم الديني والسياسي ومفاده ضرورة أن يكون المكان عام 2020 مهيأ لنزول الهيكل من السماء، وهو عام ذروة قوة اسرائيل حسب الاعتقاد التوراتي- التلمودي، وعام تراجعها في معركة تسمى جورة العناب يتفوق فيها العرب، وهو اسم منطقة محاذية لسور القدس، حيث سيقتل الأعور الدجال ويأجوج ومأجوج كما يقولون. ويبدو أن الحكومة الاسرائيلية تستعد للمعركة بالتهويد واضعاف سكان القدس، وربط مستوطنات الضفة بالقدس عبر الشوارع والجسور، واغلاق الضفة بجدار الضم والفصل العنصري. لكنها سياسة منبعها ليس دينيًّا فقط. ويؤكد الشيخ عكرمة صبري خطيب المسجد الأقصى أن تحديد السنة بـ2020 هو وهمي ويبقى مرتبطاً بالخالق عز وجل، وأن جورة العناب لم ترد في القرآن الكريم. الرواية اليهودية- التلمودية لا تتوافق مع الحفريات تحت المسجد الأقصى حيث يدعون أيضًا أن بقايا الهيكل موجودة في الأسفل فهل سيهبط من السماء أم هو أسفل الأقصى، علمًا أنهم لم يجدوا حتى اليوم سوى آثار اسلامية وأموية، وهذا يعني أنها سياسة حكومة وليس فقط تعاليم دين، ولا مانع اسرائيلياً ودينياً من وجود أكثر من رواية لتحقيق هدف أكبر وهو تقسيم القدس والاستيلاء على الجزء الأكبر منها، ولا مانع من رمي السكاكين قرب جثامين الشهداء الفلسطينيين لمزيد من الذرائع للتقسيم والتقطيع. وتؤكد الهيئة الاسلامية المسيحية أن الاعتداءات على الأقصى تكرس سياسة تقسيمه زمانيًّا ومكانيًّا، لتدشين واقع جديد وتحويل الصراع القائم إلى ديني. التقسيم على الأرض! يجتمع الكابينيت الاسرائيلي يوميًّا ويصدر قراراته التي تأتي ضمن سياسته القديمة منذ احتلال القدس فقد صادق على خطة لعزل حي العيسوية عن سائر الأحياء بإحاطته بسور وعائق من مكعبات اسمنتية وأسلاك شائكة، وتنص الخطة على اقامة عائق يفصل بين حيي صور باهر وجبل المكبر وبين حي ارمون هناتسيف الاسرائيلي المجاور، ونصبت جدارًا اسمنتيًّا لتفصل بين حيي جبل المكبر وارمون. عدا عن 30-40 حاجزًا احتلاليًّا وانتشار قوات الاحتلال بشكل مكثف في القدس ووضع البوابات الإلكترونية في البلدة القديمة والمكعبات الاسمنتية لإغلاق شوارع بالكامل. واصدرت حكومة الاحتلال خمسين قراراً بالابعاد بحق مقدسيين ما بين ابعاد عن المسجد الأقصى والبلدة القديمة ومدينة القدس، وشمل الابعاد المرابطات وحراس المسجد الأقصى وشبانًا مقدسيين، واحتجزت جثامين أحد عشر من شهداء هبة القدس وأعلنت اعتزامها هدم منازل ذويهم ومصادرة هوياتهم. مش_خايفين ومع ذلك كله ما زلنا نجد شبانًا وصبايا البلدة القديمة يرسمون ابتساماتهم في شوارع القدس فأطلقوا هاشتاج #مش_خايفين ونشروا صورهم في البلدة القديمة يبتسمون ويضحكون ويجلسون أمام قوات الاحتلال المدججين، ويغنون للقدس تارة ولفلسطين عربية تارة أخرى، يرتدون الكوفية الفلسطينية ويقفز الأطفال فوق المكعبات الاسمنتية مع رقصات بهلوانية، لكن قوات الاحتلال تفتشهم وتمنع التجمعات فيعودون هم وغيرهم مرة أخرى وأخرى وأخرى... سياسة التقسيم الاحتلالية منذ احتلال القدس ارتفع عدد المستوطنين بنسبة 157% وبلغ العدد الاجمالي 800 ألف نسمة 36% منهم فلسطينيين و64 % يهود، ويعيش داخل جدار الضم والفصل العنصري مئتا الف مقدسي ومثلهم خارجه، وحسب تقرير منظمة بتسيلم الاسرائيلية فإن اسرائيل تتعامل مع سكان القدس ضمن سياسة رفع نسبة اليهود فيها وتقليص الفلسطينيين بأساليب مثل فصل القدس الشرقية عن الغربية ومصادرة الأراضي واتباع سياسة تمييزية في التخطيط والبناء وتقسيم الميزانية في المدينة، وتعتبر الفلسطينيين مجرد مهاجرين اختاروا العيش في اسرائيل رغم أن اسرائيل ضمت المدينة وسكانها وتحرم الفلسطينيين الذين لا يستوفون المعايير الضيقة التي وضعت أصلا للسكان الأجانب من مكانة الإقامة والحقوق الاجتماعية، حسب المنظمة. القدس والسكين الاسرائيلية.. وتحويل الصراع! لليوم السادس على التوالي يستمر حصار مدينة القدس وعزل أحياء بالكامل بحواجز وجدار ومكعبات اسمنتية، وانتشار مكثف لقوات الاحتلال مذكرين المقدسي أنه يعيش تحت قبضة المحتل، واسرائيل ترفع في وجهه سكينًا لسحب هويته، وسكيناً لمصادرة منزله ومنعه من الترميم، وبلطة لهدم منزله وساطورًا لقطع الطريق عليه من الوصول للصلاة في مسجده، وتزج بالمستوطن بعد أن دربته هو وأطفاله عسكريًّا ليكون ذراعها وأداة تحول الصراع ليصبح بين دولة فلسطين المحتلة والمستوطن، وتحول نظر العالم بالسكين عن دور الحكومة الاسرائيلية "المسكينة" والتي تظهر بأنها تريد حماية أمنها من هجمات السكاكين التي فبركت بعضها... والمستقبل قد يشهد أكثر من هذا! |