وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الإدارة الأمريكية و العداء للشعب الفلسطيني!

نشر بتاريخ: 21/10/2015 ( آخر تحديث: 21/10/2015 الساعة: 11:33 )
الإدارة الأمريكية و العداء للشعب الفلسطيني!
الكاتب: حيدر عيد
الموقف الذي عبر عنه الرئيس الأمريكي باراك اوباما مما أسماه "العنف" الفلسطيني و انحيازه الكامل للاحتلال و الأبارتهيد و الاستعمار الاسرائيلي ، و الزيارة السريعة التي ينوي جون كيري القيام بها لمساعدة اسرائيل في مواجهة الهبة الجماهيرية في فلسطين, و قبله بان كي مون, الموظف في وزارة الخارجية الأمريكية, يبرز سؤال محير لدى الكثير من النخب السياسية والثقافية، وعامة الشعب: لماذا تتخذ الولايات المتحدة مواقف غاية في العداء من الشعب الفلسطيني؟

إن الفلسطينيين وببساطة لا صلة لهم "Irrelevant" في السياسة الخارجية الامريكية إلا من خلال بعض المشاكل التي يساهمون في خلقها! إن الولايات المتحدة الامريكية لا تبالي على الاطلاق بايجاد حل عادل للقضية الفلسطينية وبالتالي فهمّ السياسة الامريكية ليس حل القضية الفلسطينية بل ازاحتها من الطريق من خلال شراء ولاءات القيادة الفلسطينية باغداق الاموال والصلاحيات المحدودة، كما فعلت في العراق وافغانستان وشمال فيتنام. ولكن هذه السياسة أثبتت فشلها حتى الان.

إن أحد أهم المشاكل لدى القيادات الفلسطينية هي عدم قدرتها على استيعاب أن كل الدول المعاصرة، الغربية وغيرها، تبني سياساتها الخارجية على مصالحها الاقتصادية والامنية. من المحتمل أنه يبدو واضحا لدى الفلسطينيين ومؤيديهم أن حل القضية الفلسطينية حلا عادلا قد يكون في مصلحة الولايات المتحدة لان الشرق الاوسط، بشكل عام، سيبقى مركزا للمشاكل المستعصية حتى حل هذه القضية , ولكن "الحل العادل" في هذه الحالة يتم النظر إليه بطريقة مختلفة كليا في واشطن. بمعنى أن الفلسطينيين يريدون العدل ولكن امريكا ترى أن العدل الذي يسعى إليه الفلسطينيون هو أمر "مستحيل" لأنه يعني ببساطة نزع الهوية اليهودية عن اسرائيل. إن التضحية بالتحالف الاستراتيجي بين أمريكا والدولة النووية الوحيدة في المنطقة لم يكن أبدا، ولن يكون لفترة قادمة، على أجندة السياسة الخارجية الامريكية، وبالذات في موضوع حقوق الانسان للشعب الفلسطيني بمكوناته الثلاث.

وبناء عليه فإنه على الرغم من أن واشطن تعلم ان القضية الفلسطينية تسبب أزمات رئيسية في المنطقة، فإن النخب الحاكمة في واشطن تعتقد أن السبب هو أن الفلسطينيين لا يقبلون بما يطرح عليهم، كما حصل في كامب ديفيد على سبيل المثال، أو لانهم لا يقبلون بواقعهم كما فعل سكان أمريكا الاصليون. إن الفلسطينيين من وجهة نظر النخبة الامريكية الحاكمة هم سكان الارض الذين لا يقبلون "بالواقع" الكولونيالي بهدوء حتى يتمكن التحالف الامريكي الاسرائيلي من السيطرة على باقي الشرق الاوسط. وبالتالي فان السياسة الامريكية تقوم على اساس اخراس السكان الاصليين من خلال بعض الرشاوي الخالية من أي معنى. وبما أن هذه السياسة نجحت مع بعض السكان الاصليين في دول أخرى فلماذا لا تنجح هنا في فلسطين؟ علم، نشيد وطني، قطعة أرض غير متواصلة، مطار صغير، قوات أمنية على نمط نظيراتها في دول العالم الثالث، رئاسة، رئاسة وزراء، مجلس وزراء! ماذا يريد الفلسطينيون أكثر من ذلك؟!
وبدلا من ادراك أن السياسة الخارجية الامريكية تتميز ببراغماتية عالية جدا، وانها تعمل تبعا للمصلحة الامريكية البحتة وباي شكل يخدمها، فإن القيادات الفلسطينية، وبشكل متواصل منذ فترة ليست بالقصيرة، تعاملت مع الرئيس الامريكي بالضبط كما تتعامل مع ملك السعودية أو أي أمير خليجي. بمعنى أن القضية الفلسطينية كانت، ولا زالت، تُقدم على أساس استعطاف واستجداءPetition” وطلب من سيادته أن ينظر للقضية بعين الرحمة, أو بعطف, على أمل أن يقتنع مقابل تعاوننا وابدائنا حسن السلوك والصداقة المخلصة والمطيعة، وعلى امل أن يؤدي ذلك أن يتفضل الرئيس الامريكي ويبدي كرمه بمساعدتنا.
إن هذا المنطق يتميز بقصر النظر الذي يؤدي للفشل الذريع. إن ابداء الاستغراب من"تحول" الموقف الامريكي الاخير من الهبة الجاهيرية إن دل على شئ فهو أن السياسة الفلسطينية تتميز بعجز هائل في فهم طبيعة السياسة الخارجية الامريكية. إن هذا المنطق لم ولن ينجح لأن أمريكا ليست بامارة خليجية وقيادتها لا يهمها على الاطلاق الوعود الفلسطينية بأن يكون الفلسطينيين "أصدقاء" مطيعين لأن هذا المنطق وبكل بساطة لا يأخذ بعين الاعتبار أن العلاقة الاستراتيجية مع اسرائيل أهم بكثير من الفلسطينيين الفقراء، الضعفاء، والذين يحلمون بكيان مايكروسكوبي على الخريطة.

إلا اذا أجبرت أمريكا على النظر للقضية بطريقة مختلفة، فإنها لن تغير موقفها وستستمر اسرائيل بقضم الارض، وبناء المستعمرات، وطرد المقدسيين، وحصار غزة، ومحاولة التخلص من سكان الارض الاصليين 1948، وممارسة السياسة العنصرية، وبناء جدار الفصل العنصري .....
على الفلسطييين أن يحولو أنفسهم من أناس "Irrelevant” ليسو ذوي شأن إلى شعب يفرض أهميته "relevance” بالضبط كما فعل سكان جنوب أفريقيا السود في أواخر الثمانينات. بالطبع بعد فشل النظام الرسمي العربي فشلا ذريعا في تهديد أمن اسرائيل والمصالح الامريكية في الشرق الاوسط، والانبطاح غير المسبوق لهذا النظام، فإنه من الصعب تصور تغيير في السياسة الخارجية الامريكية في الشرق الاوسط حتى تحت قيادة "صديقنا" الرئيس الاسود، وبالذات فيما يتعلق بالقضية الفلسطيينة.

و الخيار الثاني يقوم على أساس الطلب من المجتمع الدولي التدخل. ولكن هذا المجتمع الدولي لا يختلف كثيرا عن أمريكا من حيث عدم قدرته على اتخاذ مواقف تتميز "بالمجازفة" في حل القضية الفلسطينية حلا عادلا. إن اسرائيل من وجهة نظر المجتمع الدولي كبير، قوية، غنية، ديمقراطية، وفي المقابل فإن الفلسطينيين فقراء، ضعفاء، وصغار. قد تقوم بعض الدول بابداء بعض التعاطف والاحتجاج اللفظي على سياسة اسرائيل ولكن ذلك لا يتعدى الكلام المعسول الذي لا يتحول إلى فعل ايجابي على الاطلاق.

وبالتالي لم يتبق لدينا في هذه اللحظة التاريخية إلا أن نعمل نحن الفلسطينيون على احداث تغيير. من الطبيعي أن ذلك صعب عسكريا لاسباب كثيرة ومعروفة. ولكنه ممكن أخلاقيا من خلال تحويل نضالنا من كفاح محلي ضيق لا يصل صداه إلى المواطن العادي دوليا، إلى حركة شعبية دولية انسانية تصل إلى شتى بقاع الارض على أساس أرضية أخلاقية عليا تؤدي معارضتها إلى خسارة كبيرة، وبالتالي تجعل أمريكا تعيد حساباتها بمقياس الخسارة والربح. إن ما يستطيع النضال الفلسطيني أن يطرحه من أهداف يجب أن يتمحور حول ما يدعي النظام الدولي الحالي أنه يقوم على أساسه: المساواة وعدم العنصرية في اطار حقوق الانسان و الديمقراطية اعتمادا على الاعلان العالمي لحقوق الانسان. وهذا بالضبط ما فعلته حركة النضال ضد الابارتهيد في جنوب أفريقيا.
بالطبع من المتوقع أن الولايات المتحدة لن تقبل هذه القيم بسهولة لأن المؤسسات الحاكمة لا تفعل ذلك ببساطة. ولكنها ستضطر للتعامل مع هذه القيم فقط إذا تحولت إلى حوافز تؤثر تأثيرا واضحا ومباشرا على المصلحة الامريكية وبالتالي السياسة الخارجية. هذا أيضا ما حصل في أواخر الثمانينات من خلال النضال ضد التفرقة العنصرية.

وهنا تبرز أهمية الضغط الداخلي في امريكا. من الواضح أن القيادة الفلسطينية، ولفترة طويلة من الزمن، وبأجنحتها المختلفة وطنية واسلامية، وبطرق مختلفة, لم تستطع أن تستوعب جيدا حقيقة موضوعية في غاية الوضوح ألا وهي أن الديمقراطيات، العريقة منها بالذات، لديها مسئولية واضحة تجاه مواطنيها، ويتم محاسبتها من خلال صندوق الاقتراع. ولكن هذا المنطق لا ينطبق على السياسة الخارجية لهذه الديمقراطيات بنفس القدر لان المواطنين العاديين غير مهتمين بشكل كبير بسياسة بلدانهم الخارجية بنفس قدر الاهتمام الذي يولونه للسياسة الداخلية. وبالتالي فإن ذلك يتطلب منا أن نعمل على جعل جزءا مهما من الناخبين أن يهتم بجزء من السياسة الخارجية كموضوع له اهتمام شخصي من قبل هذه الفئة. هذا بالضبط ما فشلت به وعجزت عن فهمه الحركة الوطنية الفلسطينية وذلك على الرغم من أن اسرائيل قدمت نموذجا واضحا في التعامل مع هذه الاشكالية!

فعلى صعيد المثال أهملت حركة التحرر الوطني الفلسطيني ما يسمى بالتكتل السياسي الاسود "”Black Caucus على الرغم من أن هذا التكتل هو الذي أجبر الرئيس الامريكي الراحل رونالد ريغن على التوقيع على المقاطعة الدولية لنظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا. ونتيجة لخيبة السياسة الفلسطينية في هذا المجال استطاعت اسرائيل أن تستغل التكتل الاسود في دعاياتها من خلال تنظيم رحلات وحملات دعاية، بالاضافة لكسب اسرائيل لما يسمى اليمين المسيحي والذي يضم أيضا كنائس سوداء. من المؤلم جدا أنه حتى في أوج أيام منظمة التحرير والدعم المالي الهائل الذي كانت تتلقاه، فإنها وبحد علمي المتواضع، لم تعمل على استئجار شركة واحدة خبيرة في مجال الدعايةوالاعلام "”Lobbying firm في واشنطن مثلا للعمل على ايجاد حلفاء كما تفعل اسرائيل، ولم تقم ايضا بالاستفادة بشكل مباشر من الخبراء الفلسطينيين ذوي الجنسية الامريكية إلا في اطار "الوساطة" مع الادارة الامريكية. بل على العكس قامت المنظمة باستثمار تلك الاموال في حفلات واساليب تعتبر جزءا من المحسوبية الشخصية والتي لم تنفع على الاطلاق لانها لم تكن مدعومة من قبل قوة حقيقية في امريكا.

ان تغيير السياسة الأمريكية الان يتطلب أولا العمل على المساهمة في تغيير المناخ الدولي الذي يؤثر في السياسة الأمريكية الخارجية و مصلحتها. و ثانيا العمل على خلق ضغوطات على السياسة الامريكية الخارجية من الداخل من خلال العمل على حشد و التنسيق مع المجموعات الضاغطة, كالتكتل الأسود, و التي لديها وجود حقيقي حتى داخل الحزبين الرئيسين.
و في هذا الاطار تنبع أهمية المقاومة المدنية المتصاعدة, و بالذات حملة المقاطعة و عدم استثمار و فرض عقوبات على اسرائيل BDS,. و لا شك أن استثمار ما حصل في غزة غزة لم يتم بالشكل المطلوب لأسباب عديدة لا مجال لذكرها في هذا السياق, و ان كان هذا في حقيقة الأمر يعبرعن فشل قيادي تاريخي بامتياز, و يثبت أن التاريخ يعيد نفسه كمأساة و ملهاة أيضا! و لكن هذا يتطلب رؤية استراتيجية واضحة, تعد بها حملة المقاطعة كتعبير عن حركة تضامن دولية تأخذ رؤيتها من المجتمع المدني و الحركات الشعبية الفلسطينية, بالذات من اللجنة الوطنية للمقاطعة. هذا ما حصل في الثمانينيات من القرن الماضي ضد نظام الأبارتهيد البغيض. فلم تقم حركة النضال الجنوب أفريقية بالتوسل للإدارة الأمريكية و لا بالطلب منها بالاعتراف الشكلي باهمية السود, و لا كتابة رسائل تسلم لبعض أعضاء الكونغرس و يتم فيها الدفاع عن حلول بانتوستانية!

علينا, بالاضافة لإبراز المعاناة الهائلة التي يعانيها الشعب الفلسطيني بمكوناته الثلاث, التركيز على كوننا ضحايا لنظام التفرقة العنصرية الصهيوني للتأثير مباشرة في التكتل الأسود, و أن أهل غزة هم سجناء في أكبر سجن على سطح الكرة الأرضية بسبب أننا لم نولد لأمهات من أصل يهودي, و أن نضالنا هو نضال من أجل الحرية و العدالة و المساواة الكاملة لكل سكان فلسطين التاريخية. ان نضالاتنا و تضحياتنا تتطلب اعادة قولبة بدون التنكر للتضحيات السابقة و التنديد بها سعيا لرضا البيت الأبيض. بل على البيت الأبيض أن يسعى لرضانا و ذلك من خلال ضغوط حلفائنا في التكتل الأسود, كما يتضح من البيان الذي أصدرته مجموعة من ألمع و أهم الشخصيات الأمريكية من أصول أفريقية قبل شهر تضامنا مع الشعب الفلسطيني و التحالف بين مجموعة "حياة السود أيضا مهمة" و نشطاء فلسطينيين والزخم الذي تكتسبه حملات التضامن و المقاطعة. و هنا فقط نستطيع ان نجذب انتباه النخب الليبرالية الحاكمة, عندما ننقل فلسطين الى قلب العواصم الدولية. فلم تعد كلمة المقاطعة تابو في لندن, و لا حتى نيو يورك. ان هذا ليس انجاز المفاوضات العبثية لمدة 22 عاما,و لا الرسائل الودية, لا بل هي دماء غزة و القدس و الخليل و كل فلسطين. و هذا بدوره سيؤدي الى تحول القضية الفلسطينية الى قضية أممية من حيث كونها قضية انسانية تهم سود جنوب أفريقيا و الفرنسيين و الانجليز و الهنود...الخ

و نحن بدورنا سنواصل الدعوة لموجات التضامن مع النضال الفلسطيني, و نعمل على عزل اسرائيل من خلال الضغط على الحكومات التي تدعم نظام الاضطهاد المركب من احتلال و أبارتهيد و استعمار استيطاني! و هذا ما يتضح من خلال شعارات الهبة الجماهيرية الهائلة, شعارات ترفع سقف مطالبنا بطريقة لا تتناقض مع القانون الدولي: الحرية و حق تقرير المصير.
و عليه فإن رسالتنا للسيد أوباما و إدارته هي أننا أننا لا نريد المزيد من الوعود لأننا أصلا, و على النقيض من قياداتنا ,التاريخية منها و اللاتاريخية, لا نتوقع تغييرا حقيقيا في سياسة الولايات المتحدة على المدى القريب, و لكننا سنكسب معركتنا في الجامعات و الكنائس و الجمعيات الأمريكية. نحن بدورنا علينا أن نعد السيد الرئيس أوباما بتطبيق الشعار الذي رفعه خلال حملته الانتخابية الا و هو (نعم سيكون هناك تغيير), بالنضال المشترك مع حركة التضامن الدولي في حركة نضالية أممية أدت في الأمس القريب للتخلص من نظام التفرقة العنصرية و الالقاء به في مزابل التاريخ.