وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الإضرابات تضربنا

نشر بتاريخ: 21/10/2015 ( آخر تحديث: 21/10/2015 الساعة: 14:42 )
الإضرابات تضربنا
الكاتب: الدكتور المحامي معتز قفيشة
من الأخطاء التي نقع فيها، نحن الفلسطينيون: الإضرابات؛ بإغلاق المحلات التجارية والمدارس والجامعات والمؤسسات. إذا أردنا أن نصمد ونقاوم، فعلينا أن نستمر بالعمل دون توقف. من يريد أن يتظاهر، فليتظاهر قبل أو بعد أو أثناء عمله، قبل أو بعد محاضرته أو بين المحاضرات في الجامعة. ليقاوم كل مقاوم بطريقته.ليقاوم التاجر بفتح محله أومصنعه لتقوية الاقتصاد.ليقاوم الطالب والأستاذ بالعلم والبحث.ليقاوم المحامي بالدفاع عن حقوق موكليه. ليقاوم الطبيب بعلاج مرضاه.ليقاوم السائق بنقل الناس وسد حاجاتهم. ليقاوم الطفل بلعبه ومرحه في رياض الأطفال والحضانة. تعطيل الحياةبالإضرابات يضرنا نحن، لا يضر الاحتلال.

في الحقيقة أن معظم الإضرابات تؤدي إلى النوم والكسل، بدل الجد والعمل والتظاهر والمقاومة. إذا كان شخص أو عدة أشخاص لا يستطيعون الوصول إلى العمل أو الجامعة أو المدرسة أو الوزارة بسبب الإغلاق في قرية ما أو حارة ما، فلنلتمس له عذرا. لكن إغلاق قرية أو حارة لا يبرر إغلاق جامعة فيها آلاف الطلبة، مثلا، ونفقدهم العلم والبحث والوقت والرسوم التي يدفعونها. أرجو من الأحزاب السياسية والحركات الطلابية ومجالس الطلبة والنقابات والاتحادات المهنية تجنب الإضرابات قدر الإمكان لأنها تضربنا أولا وأخيرا سياسيا واقتصاديا.

إذا كان هنالك شهداء، فنحضر إلى الجامعة ولنشارك في المحاضرات، ثم ننظم مهرجانات لدعم الشهداء وأسرهم. ولنخرج بعد الدوام لنتضامن مع أهالي الشهداء ولتعزيتهم. بالأمس ذهبت مع مجموعة من الزملاءلتعزية ثلاثة من أسر الشهداء. للأسف لم نجد أعداد كبيرة من المعزين في بيوت العزاء بعد العصر. لماذا لا يذهب الطلبة بالمئات لتقديم العزاء؟ إذا داومنا نستطيع فعل ذلك. إذا أضربنا فستظل الأغلبية نائمة في البيوت. الحداد سيكون أفضل إذا جئنا إلى محاضراتنا وقرأنا الفاتحة على أرواح الشهداء في بداية كل محاضرة. لماذا لا نكرس محاضرة مثلا للحديث عن الوضع السياسي وسبل الصمود أمام جرائم الاحتلال، قانونيا ومعنويا واقتصاديا ودينيا وثقافيا؟ حتى أو كان هناك عشرات أو مئات الشهداء، من الأفضل أن نستمر في العلم والعمل. نحن مقبلون على انتفاضة قد تستمر سنة أو عشرة سنوات، وقد يكون هنالك المزيد من الشهداء والجرحى والأسرى. إذا أوقفنا الحياة كل يومين أو ثلاثة، فبهذا يكون الاحتلال قد حقق هدفه بتعطيل حياتنا. نحن نقاوم من أجل الحياة والحرية، لا من أجل توقيف الحياة وجمودها.

في البلديات ليحضر الموظفون ويقدموا للمواطنين خدمات الماء والكهرباء والنظافة والمباني والطرق، بدل الإضراب. وإذا كان هنالك شهيد أو شهداء، فليجمع رئيس البلدية الموظفين، وليتلوا الفاتحة على أرواح الشهداء وليدعوا لهم وليذكروا مناقبهم وليكملوا عملهم ثم ليخرجوا لتقديم العزاء لأهالي الشهداء. أو ليشاركوا في المظاهرات. في ظل الإضراب، لن يكون هنالك خدمات ولن يكون دعاء ولن يكون مشاركة في المظاهرات أو تقديم العزاء بشكل جماعي. يكون فقط شيء واحد: سهر ونوم. نفس الأمر يمكن أن ينطبق على أصحاب وعمال المصانع. لنعمل ولندفع الضرائب لتذهب لدعم أسر الشهداء والأسرى والجرحى. لتفتح المحاكم وليتدارس المحامون والقضاة سبل الدفاع عن فلسطين بالطرق القانونية والقضائية بدل الإضراب وإضاعة الحقوق وتأجيل الجلسات.

الانتفاضة الثالثة تختلف عن الانتفاضتين الأولى والثانية. في الانتفاضة الأولى، مثلا، كنا نضرب ضد قرارات الاحتلال ولعصيان أوامر سلطاته بفتح المدارس أو المتاجر أو الإدارات الحكوميةأوالمحاكم. أما الآن فإنها انتفاضة جديدة وتحتاج إلى استراتيجية وتكتيكات تختلف. قد تشمل الانتفاضة الجديدة مقاومة شعبية، منها المظاهرات المليونية السلمية، قطع طرق المستوطنين الالتفافية بسلاسل بشرية، المقاطعة الاقتصادية والعصيان المدني لبضائع ومنتجات إسرائيل، الحفاظ على المكتسبات الوطنية من مؤسسات الحكومة وتقويتها بالشفافية والمحاسبة والحكم الصالح الفعال، تعميق ثقافة العمل والتعلم الجاد لبناء الإنسان الفلسطيني المثقف القادر على مواجهة الصهاينة بلغات العالم وعبر وسائل التأثير، الحياد الإيجابي للسلطة من خلال تقديم الخدمات وتوحيد البيت الداخلي ودعم صمود المتضررين من المواجهات مع الاحتلال وقيادة الدبلوماسية الفلسطينية دون زج السلطة في الأعمال العسكرية. كل هذه وسائل تتضرر، عند التدقيق بكل واحدة منها، بسبب الإضرابات. أعتقد أن ملامح الانتفاضة الثالثة بدأت تتشكل، وينبغي أن يبنى عليها استراتيجية شاملة تأخذ بعين الاعتبار طبيعة المرحلة الجديدة التي تمر بها قضيتنا. من ضمن هذه الاستراتيجيةتجنب الإضرابات كوسيلة للاحتجاج أو التقليل منها إلى الحد الأدنى وفي حالات استثنائية.

أعلم أن هذا الرأي قد لا يعجب البعض وهو مقترح غير شعبي. لكن آن الأوان لنا أن نفكر بعقولنا؛ أن نفكر ونعمل ما يحقق مصالحنا، وأن لا نقع مجددا فريسة للعواطف والقرارات الآنية.