وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

حالة الإنكار الإسرائيلية هل من نهاية لها ؟!!!

نشر بتاريخ: 22/10/2015 ( آخر تحديث: 22/10/2015 الساعة: 11:12 )
حالة الإنكار الإسرائيلية هل من نهاية لها ؟!!!
الكاتب: عوني المشني
الميل الجارف نحو اليمن المتطرف في اسرائيل هو الموضوع الاهم والذي يفترض ان يخضع لنقاش جاد ومسئول وعميق ، ففي ظل هذا التوجه اليميني المتعاظم فان الوصول الى حل للصراع الفلسطيني الاسرائيلي يبدو شبه مستحيل ، وهذا ما يجعل البحث في هذا الموضوع اولوية قبل نقاش السلام وشروطه واستحقاقاته .

اولا يفترض ان نقر ان الميل نحو اليمين لم يعد توجه جماهيري إسرائيلي وانما اليسار الصهيوني بقضه وقضيضه يجنح نحو اليمين وان كان بخطى خجولة ، وسواء كان هذا الجنوح لارضاء الجمهور المتعاظم في توجهاته اليمينية او كون اليسار قد فقد البرنامج وأصبح يلهث خلف اليمين فان اسرائيل بأغلبيتها أصبحت في دائرة اليمين المتطرف .

اذا المعالجة هنا ليست لجمهور فحسب بل للبنى الحزبية والاجتماعية والعسكرية ، واليمين الذي لم يكتفي بالحكم ذهب الى مؤسسات الدولة العميقة ليعيد بناءها على أساس ايدلوجية اليمين ، مجموعة القوانين التي تمرر بالجملة ، التغيير في بنية الجهاز القضائي ، تغيير جذري في الجيش ، اضافة لهيمنة اليمين على مختلف مجالات الاعلام للدرجة التي اصبح فيها الاعلام اقل حرية وأقل إستقلالية وأقل مهنية .

إذن نحن امام دولة يمينية وليس نظام حكم يميني ، اهذا يجعل الامر اكثر صعوبة ؟؟ نعم ، ولكن الى حين .

ان مجرد التفكير بالتغيير التدريجي في المجتمع الاسرائيلي وفي سياقات ثقافية إعلامية امر مثير للسخرية ، فعندما تصبح دولة بكل ما فيها يمينية فان التغيير في البنى الثقافية تدريجيا يصبح كمن يغرف من البحر بملعقة وينتظر انتهاء مياه البحر !!!

اذا لم يكن التغيير في البنى الفوقية هو الذي يغير المجتمع الاسرائيلي فما الذي سوف يغيره ؟؟؟ او ان التغيير اصبح محالا ؟؟؟

عندما تصل المجتمعات الى هذه الدرجة من العنصرية والتطرف والكراهية فان صدمة كبيرة فقط هي القادرة على إعادتها للتفكير المنطقي ، صدمه تضرب القناعات والمفاهيم والايدلوجيات بشكل قوي ، بشكل صادم ، بشكل كامل ، بشكل مباشر

السؤال : هل مثل تلك الصدمة ممكنة ؟؟؟
لو كان هناك ذكاء كافي لتجنب الإسرائيليين تلك المرحلة ، فتجربة الانتفاضة الاولى ، والثانية ، وحروب اسرائيل مع حزب الله ، كذلك الحال في غزة كانت كلها تعطي ومضات تشير الى ضرورة مراجعة النهج الاسرائيلي ، لكن اليسار الاسرائيلي افتقد الجرأة للتقدم بنهج موضوعي ، وتساوق بشكل مثير للشفقة مع مفاهيم اليمين الذي يبادر ويتنامى ويفرض أيدلوجيته على الارض .

اكثر من هذا حالة التشرذم والتدمير الذاتي العربي والانقسام الفلسطيني شجع اليمين على المضي قدما في مشروعة التوسعي وتنكر حتى لمواقفه السابقة ، لهذا تراجع نتنياهو عن دعم حل الدولتين ، واتسعت حركة الاستيطان والتهويد وأصبح شعار الحفاظ على الوضع الراهن هو سيد المرحلة ، وذهب نتنياهو لما هو ابعد عندما أراد ان يحدد اجندة المجتمع الدولي وبالتحديد الولايات المتحدة الامريكية عندما حاول اعتراض الاتفاق الإيراني والدولي حول المشروع النووي الإيراني ، وهكذا ذهب اليمين بعيدا متسلحا بوهم ان القوة الإسرائيلية قادرة على فرض استسلام بأثر رجعي على الفلسطينيين وهذا ما جعل نتنياهو يتجرأ على طرح مفهوم الاعتراف بإسرائيل دولة " للشعب اليهودي " وتغيير جوهري في الرواية التاريخية لهذة الارض !!

لكن الصدمة جاءت ، انها صدمة تبدو خفيفة في مظهرها ، بضعة عمليات طعن ، وعشرات من التظاهرات ، وفعاليات شعبية هنا وهناك ، وعلى مدار اقل من ثلاث أسابيع ليس بالأمر الكبير في تاريخ الصراع ، وعدد القتلى الإسرائيليين او الفلسطينيين في تلك الفترة كان اقل بكثير من عددهم في يوم واحد من الانتفاضة الثانية !!!! إذن أين الصدمة ؟؟؟

الصدمة في انهيار كامل ومروع لكل المفاهيم الإسرائيلية الاستراتجية والتي حكمت الصراع لسبعين عاما .

انهيار في مفهوم وحدة القدس .

انهيار في مفهوم الجدران .

انهيار في مفهوم استيعاب فلسطينيي الداخل .

انهيار في مفهوم الحفاظ على الوضع الراهن .

انهيار في مفهوم السيطرة التدريجية على الأقصى

انهيار في مفهوم " نحن هنا وأنتم هناك "

انهيار في مفهوم الأمن الذي يتحقق بالقوة

انهيار في مفهوم تدجين الشعب الفلسطيني

انهيار في مفهوم الاختراق الأمني للتنظيمات كضمانة للسيطرة الأمنية

وانهيار في بنية الدولة الديمقراطية عبر قرارات وممارسات هستيرية إسرائيلية

كل المفاهيم انهارت دفعة واحدة وبلا مقدمات .

اليست تلك صدمة أقوى من كل الحروب التي سبقت ؟!!!

انها الصدمة التي كان يحتاجها المجتمع الاسرائيلي

صدمة ربما دفعت المجتمع اكثر نحو اليمين والعنصرية والتطرف والكراهية ، هذا صحيح ، لكن هذا نوعا من المكابرة والإنكار

نعم مكابرة اذ من الصعب ان يعترف الإسرائيليين بان منظوماتهم الاستراتيجية قد انهارت دفعة واحدة ، هذه المكابرة هي ما يحكم العقل الأمني والسياسي الاسرائيلي فتبدو ردات الفعل نوعا من استمرار مفاهيم ما قبل هذه الصدمة وربما بتطرف واصرار اكبر مما قبل الاحداث .

لكن هذه الحالة لن تستمر طويلا فالمكابرة هي تعبير سيكولوجي عن حالة إنكار طبيعية في ظل مثل تلك الصدمة .

ان حقيقة ان الوصول الى قناعة إسرائيلية شبه كاملة ان هناك استحالة لأمرين : الاول استحالة استمرار الوضع الراهن ، والثاني استحالة فرض استسلام على الفلسطينيين حتى لو استخدمت كل أشكال القوة . ان تلك القناعات التي احدثتها الاحداث الاخيرة تدفع عددا غير قليل من الإسرائيليين للذهاب بعيدا حتى انهم يؤيدون الترانسفير الطوعي وربما الإجباري للفلسطينيين ، ورغم ادراك الإسرائيليين استحالة هذا فإنهم يؤيدونه كمحاولة يائسة للاستجابة لقناعة ان استمرار الوضع الحالي محال .

وعندما : ينعدم الحل الأمني ، تنعدم فرصة الترانسفير ، تنعدم فرصة استسلام الفلسطينيين ، فان الإسرائيليين سيرتدون قسرا الى السؤال : ما الحل ؟؟؟؟

ما الحل ، عندما تسقط الحلول الأيدلوجية اليمينية المتطرفة ؟؟؟ ما الحل عندما تفشل الحلول الأمنية القائمة على استخدام القوة العمياء ؟؟؟ ما الحل عندما تسقط مفاهيم الاستسلام الفلسطيني ؟؟؟؟ ما الحل عندما يصبح الأمن الاسرائيلي والحق الفلسطيني متلازمتان لا انفصام بينهما ؟؟؟؟

مواجهة هذا السؤال بعد تلك الصدمة هو بداية لليقظة الإسرائيلية ، ربما يحتاج المجتمع الاسرائيلي الى زعيم بكريزما كبيرة يستطيع وضع هذه الحقائق وبشكل مباشر وواضح امام الجمهور ، كما فعلها رابين بعد الانتفاضة الاولى ، وربما يحتاج الجمهور الاسرائيلي الى حزب سياسي جديد يحمل اجابات على هذا السؤال ، حزب يتصف بشجاعة عالية وجرأة كبيرة وفهم عميق ، والمجتمع الاسرائيلي الذي يتصف بالمرونة الحزبية يستطيع انتاج مثل هذا الحزب

ربما هذا مبكرا ، لكنه ليس مبكرا كثيرا ، يحتاج المجتمع الاسرائيلي لبضعة شهور ، وليس لبضعة سنوات لاستيعاب الدرس ، وربما يحتاج القادة الاغبياء لاستمرار ما يحدث لفترة أطول نسبيا لاستيعاب الدرس ، فليس هؤلاء بذكاء رابين ولا بكرزميته ، ربما الطريق لارتداد الإسرائيليين الى حالة الوعي هي مزيد من العنصرية والتطرف وربما عمليات تطهير عرقي وجرائم ، هذا متوقع وهذا امر طبيعي ، فالهروب للأمام ربما هو المسار الاسهل للاسرائيليين ، لكنه مسار يضعهم اكثر فاكثر امام استحالة استمرار هذا الحال ، انه مسار سيقودهم عاجلا وليس اجلا الى التسليم بمعطيات العنيد ، تلك المعطيات التي أهمها ان حقوق الفلسطينيين لا يمكن تجاوزها حتى ولو امتلك الاسرائيلين كل أسباب التفوق العسكري ، انها ممر اجبار للخروج من حالة الإنكار

ومن يعش يرى