|
نكدٌ صباحيٌّ يغسله حُبّ الوطن
نشر بتاريخ: 29/10/2015 ( آخر تحديث: 29/10/2015 الساعة: 12:00 )
الكاتب: عطا الله شاهين
ذات صباحٍ ماطرٍ استقل رجل وسيم حافلة بعدما تعطلتْ سيارته ، وعندما صعدً لم يكنْ هناك أية مقاعدٍ خالية فهي مليئة بالوجوه العابسة .. فوقفَ في ممر الحافلة المزدحمة كعادتها ، فرأى امرأة تضعُ نظارةً سوداء على وجهها، ولكنها كانتْ تبتسمُ وتقول ما أصعب الحياة بلا سيارة فيبدو أنها تعرفه فنظر إليها وقال أنتِ على حق .. فأنا تعطلتْ سيارتي قبل قليل وها أنا أتنكّد وأتعذب كباقي المواطنين في هذه الحافلة التي تسير ببطء شديد ..
فاقترب منها وقال الحياة بلا سيارة في هذه البلد مشكلة .. فردّت عليه أنا موظفةٌ وراتبي قليل فلا أستطيع شراء سيارة .. فأنا سأظل اتمرمط في هذه الحياة عسى أن يطرق بابي الحظ .. كانَ الرجل يستمع لها وينظرُ صوب تلك السِّحنات العابسة .. ويتمتمُ ما أقسى الحياة ، ولكن بالـتأكيد هي حلوة على الرغم من قساوتها ، فها أنا أول مرة أركبُ حافلةً وعلمتُ للتو أنَّ الحياةَ صعبة .. فعلى الإنسان أن يكيّفُ نفسه لكافة الظروف المفاجئة .. وبعد برهة من صمتٍ مريب في حافلة بالكادِ تسير على طُرقٍ سيئة ، وفجأة قطعَ الصّمتُ صوتَ السّائق حينما قال لقدْ تعطّلتْ الحافلة .. فبدأ النّاسُ بالتّذمّر ونزلوا وصاروا يسيرون تَحْتَ المطر .. فالرجل الوسيم تبلّل والمرأة خلعتْ نظارتها منْ على سحنتِها المُبتسمة ، والرُّكاب بوجوهِهم الواجمة بللها المطر ، ولكنّهم رفعوا رؤوسهم إلى السَّماء وشكروا الله على هذه النعمة .. فاقتربت منه وهمستْ هذه هي حياة المواطن الفقير ، فكلها عذاب في عذاب ، ولكنْ نحنُ مبسوطون .. فابتسمَ الرجل الوسيم وقال لها : رغم كل هذا النَّكد الصباحي فأنا أدركتُ الآن لماذا كانتْ تلك الوجوه مكفهرة ، وعلمتُ ما مدى معاناة المواطنين في كُلَّ صباحٍ حينما يذهبون إلى أعمالِهم .. ها نحن نسيرُ تحت المطر ولا حافلة أُخرى تلوح .. فكانت تتنهد المرأةُ وتقول رغم كل هذه المعاناة والنكد اليومي إلا أنني أُحِبُّ وطني .. |