|
تحديات الإنتفاضة الراهنة
نشر بتاريخ: 02/11/2015 ( آخر تحديث: 02/11/2015 الساعة: 10:30 )
الكاتب: جمال زقوت
فيما تستمر مواجهات الشبان مع قوات الاحتلال وإستراتيجيته الهادفة إلى إخضاع الشعب الفلسطيني للرواية والرؤية الإسرائيلية، يستمر انشغال بعض النخب الفلسطينية في بحث أسباب وماهية ما يجري. ولم ينتقل هذا البحث حتى اللحظة إلى سبل إستنهاض وتوسيع المشاركة والمساندة الشعبية الملموسة لهذة الإنتفاضة، بما يوفر لها عناصر الصمود ويفتح أمامها آفاقاً سياسية.
بداية لا بد من الاقرار بحقيقة مؤسفة ، وهي أن واقع فصائل وقوى العمل الوطني ومدى انخراطها في الحركة الجماهيرية، بل ومدى ثقة الحركة الشعبية بهذه الفصائل، سيما في أواسط الشباب، تختلف بصورة كبيرة وجوهرية عما كانت عليه عشية إندلاع الإنتفاضة الأولى، الأمر الذي يجعل من قدرة هذه القوى على الإندماج في حالة الإنتفاضة، تمهيداً لتشكيل قيادة موحدة لتنظيمها و تطوير أدواتها وتوجيه فعالياتها ليس بالامر اليسير، ناهيك عن جاهزية هذه القوى للتوافق الفعلي على الأهداف المباشرة وبعيدة المدى لهذه الأنتفاضة، بفعل حالة الانقسام والاستقطاب الحاد بينها. وإن كان ليس من المطلوب الإستعجال في بلورة حالة قيادية لهذه الإنتفاضة سواء على الصعيد المركزي أو الميداني، إلا أن استمرار التردد وغياب الإرادة للسير نحو هذا الأمر يطرح أمام الإنتفاضة العديد من الأسئلة والتحديات، وربما أولها حول مدى جدارة هذه القوى في الإستمرار بادعاء الدور القيادي للشعب أو تمثيل تطلعاته. ولكن هذه الأسئلة لا تستثني أيضا سؤال الإنتفاضة نفسه، سواء من حيث قدرتها الذاتية على فرض حالة وحدوية تُمهد لإنهاء الإنقسام، أو على بلورة أدواتها الميدانية والقيادية . إن المحرك الرئيسي لهذه الإنتفاضة الذي يبدو بارزاً حتى اللحظة ، يتمثل في الجرأة الناتجة عن مخزون القهر والغضب والرفض لسياسات الإحتلال وإستهتاره بحياة الفلسطينين وحقهم في الوجود والعيش بكرامة على أرضهم، ويتغذى هذا الأمر من عقلية المحتل و سياساته التي أباحت الإعدامات الميدانية بإعتماد قواعد إطلاق النار باستخدام الذخائر القاتلة على أدنى شبهة، ولكنه لا يستثنى أيضا عوامل فشل أطراف الحركة الوطنية من تقديم اجابات مقنعة و مجدية على كيفية مواجهة المخططات الإسرائيلية ، أو إيجاد حلول جدية للقضايا المتفاقمة على الصعيدين الوطني والاجتماعي ، وخاصة لهذا القطاع الحيوي في المجتمع. ما يؤكد هذا الأمر أن احتدام المواجهات تزداد ويتسع نطاقها كلما سقط المزيد من الشهداء. والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل مخزون الغضب والجرأة الكامنة لدى قطاع واسع من الشبان سيكون لوحده كفيلا باستمرار هذه الإنتفاضة؟ وحتى لو إفترضنا صحة ذلك من منطلق حجم مخزون القهر والظلم ، وحدة حالة الإستقطاب بين إستراتيجية الإحتلال وبين اصرار الشبان على مواجهتها، فهل يمكن اقتصار الإنتفاضة الشعبية على هذا الشكل الوحيد الذي يقدمه الشبان في المواجهات مع قوات الاحتلال. يبدو أن تطور بعض مجريات الإنتفاضة بدأت تضع الإجابة الأولية على ذلك، كما تشير بدايات اتساع المشاركة الشعبية في مدينة الخليل التي تتميز مع مدينة القدس عن غيرها من المدن بالوجود المباشر للإحتلال بداخلها. هنا يبرز السؤال الأهم ، وهو كيف لباقي المدن والبلدات والتجمعات الفلسطينية أن تنخرط في فعاليات الإنتفاضة الأخرى؟ وما هي الرؤية السياسية والأهداف التكتيكية القادرة على توسيع قاعدة المشاركة الشعبية؟ ما تميزت به الإنتفاضة الأولى ، تمثل بصورة جوهرية ليس فقط في بلورة قيادة موحدة فحسب، بل و في نجاح هذه القيادة في تحديد مهمات تجذب و تُمكنّ كافة القطاعات الشعبية ومن كل الأجيال من المشاركة، بل إن المطالب والأهداف التكتيكية التي طرحتها القيادة الموحدة في حينه كمهمات أساسية مهدت لتوسيع وتنوع الانخراط الشعبي في فعالياتها، والتي بدورها إستدعت ضرورة بلورة الوسائل والأدوات التي تنظم أشكال هذه المشاركة. إن النجاح في توسيع المشاركة الشعبية في الإنتفاضة الراهنة يستدعي تحديد أهدافها المباشرة والمحددة، سيما في مدينة القدس بكل تفاصيل الانتهاكات الخطيرة التي تستهدف الوجود الفلسطيني فيها، وعدم حصرها في قضية الأقصى فقط والتي هي بجوهرها " سيادة و ليس عبادة ". كما في الأرياف " المناطق المسماة ج" وهي الأكثر، ليس فقط تماساً مع الإحتلال ومستوطنيه، بل والأكثر تضرراً من سياساته وإرهاب مستوطنيه ونظامه للتحكم والسيطرة وإستراتيجيته الهادفة إلى حسم مصير هذه المناطق ومواردها ومقدراتها لصالح مشروعه الإستعماري الإستيطاني بضمها، و هذا هو الهدف الإسرائيلي الجوهري . ان تحويل الحديث عن الصمود من مجرد شعارات جوفاء إلى برنامج عمل ملموس على جدول أعمال كافة المؤسسات الرسمية والأهلية والشعبية ، وتنفيذ مبادرات ملموسة تتحدى الاحتلال و تصنيفاته لهذه المناطق ، وبما يوفر عناصر القدرة على الصمود في مواجهة المخططات الإسرائيلية ، تشكل الحاضنة الأهم للانتفاضة و توسيع المشاركة فيها ، وهي أيضاً تشكل المدخل العملي لتفكيك قيود وتصنيفات أوسلو والانعتاق التام منها ، وبما يشمل توفير الحماية الرسمية للتجمعات السكانية في هذه المناطق ، الأمر الذي أشار اليه سلام فياض في مقاله " وداعاً للبكائيات " ، والذي قدم من خلاله أفكاراً و اقتراحات ملموسة تستدعي برنامج عمل وطني متكامل لإسناد الانتفاضة ، و تعزيز ما اسماه البقاء المقاوم، حيث دعا بهذا الخصوص إلى نشر قوات الأمن الوطني في هذه التجمعات للقيام بواجبها في حماية المواطنين و مصادر رزقهم فيها من اعتداءات المستوطنين وإرهابهم . إن هذه المقترحات والأفكار وغيرها تستدعي نقاشاً وطنياً جاداً يصل الى إنهاء الانقسام و بلورة برنامج عمل يشكل حاضنة سياسية للانتفاضة . تطور واقع المواجهة، في حالة إستمراره، يفرض نفسه على كل قطاعات و تجمعات الشعب الفلسطيني ، وهذا يتطلب الإعداد المنظم لأشكال المشاركة الشعبية بما يستجيب لتطورات هذا الواقع ، و يتوافق مع قدرات الناس والتي هي بالتأكيد ليست متساوية. مرة أخرى من الذي سيقوم بهذا التنظيم والإعداد؟ هل قطاع الشباب وخاصة المنخرطين في المواجهة وحدهم؟ وما هو دور القوى السياسية والإتحادات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني بما في ذلك المؤسسات الشبابية في ذلك؟ ويبقى السؤال الأهم وفق أي رؤية سياسية ستنظم هذه العملية؟ هل بتحسين شروط المفاوضات وفق مسارها الراهن، والتي لم يعد القطاع الأوسع من شعبنا يثق بها، والإصرار على ادارة الظهر لضرورة إنهاء الانقسام الذي يهدر طاقات الشعب و وسائل استنهاضها ؟ أم بالتوافق على رؤية موحدة وبرنامج قادر على وضع حد لتداعيات فشل هذا المسار وما أحدثه من تآكل في المرجعيات والحقوق ، وهدر الطاقات الوطنية الناجمة عن تداعيات حالة الإنقسام و مخاطرها على هذه الحقوق والمصير الوطني برمته ، ومن هي القوى الحية التي ستأخذ على عاتقها تحشيد حالة شعبية ضاغطة والتصدي لهذه العملية وإنضاجها ، والتقدم نحو بناء جبهة وطنية عريضة تحتضن الإنتفاضة بأدواتها وآفاقها السياسية ؟ وتحمي طابعها الشعبي و تمنع انزلاقها بأي حال نحو العسكرة . وتقدم خطاباً موحداً يمكنه توسيع وتعميق حملات التضامن الدولي مع شعبنا و حقوقه الوطنية وفي مقدمتها الانعتاق من الاحتلال . هنا التحدي... وعليه يتوقف مدى قدرة شعبنا على الإستمرار بالإنتفاضة وصولاً الى إرغام حكومة إسرائيل على إنهاء الاحتلال والإعتراف بحقوق شعبنا في الكرامة والحرية وممارسة حقه المشروع في تقرير المصير. وأخيراً ، فهي لحظة الحقيقة التي تفرض على القوى السياسية جميعها أن تدقق و تدرك بأن ما يجري هو بداية مرحلة جديدة لا يمكن التعامل معها بذات البرامج والأدوات التي أوصلت القوى نفسها إلى ما هي عليه من تراجع في مكانتها الشعبية ، و وضعت مصيرنا الوطني أمام تحديات حقيقة ، فانتفاضة الشباب ليست مجرد صرخة في واد ، بل هي فرصة و استحقاق يستدعي المراجعة الشاملة ، وإلا فإن القطار قد لا ينتظر طويلاً . Nasser Laham(2015-11-02 09:27:42): مقالة |