وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

"مساوة" تطالب بالغاء مشروع قرار زيادة رسوم المحاكم النظامية

نشر بتاريخ: 17/11/2015 ( آخر تحديث: 17/11/2015 الساعة: 17:23 )
رام الله- معا - طالب المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة" رئيس الوزراء ومجلس الوزراء بإلغاء مشروع قراره الخاص بزيادة رسوم المحاكم النظامية وتركه جانباً وعدم اعتماده أو إصداره بالنظر للنتائج الوخيمة التي قد تترتب على إنفاذه، من اشاعة الفوضى وأخذ القانون باليد والفلتان الامني والمجتمعي والأخلاقي، و لمسها المباشر بالمبادئ الدستورية والحقوق الاصيلة للإنسان، جاء ذلك في مذكرة خطية وجهها المركز الى دولة رئيس الوزراء الدكتور رامي الحمد الله جاء فيها:-
دولة رئيس الوزراء
الدكتور رامي الحمدالله المحترم
تحية طيبة وبعد،،،

الموضوع: قرار مجلس الوزراء بلا رقم لسنة 2015 بشأن تعديل رسوم المحاكم النظامية
يهديكم المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة" أطيب التحيات، ويبدي لدولتكم ولمجلس وزرائكم الموقر أنه اطلع على ما تداولته وسائل التواصل الاجتماعي وبخاصة الفيس بوك، بشأن صدور القرار المشار إليه أعلاه عن مجلس الوزراء الموقر، سنداً لتنسيب واقتراح رئيس مجلس القضاء الأعلى.
وبتواصلنا الفوري مع الأمانة العامة لمجلس الوزراء الموقر علمنا بإرجاء اصدار القرار إلى حين وصول معالي وزير العدل إلى توافق مع معالي رئيس مجلس القضاء الأعلى بشأن نسب الزيادات الواردة في القرار المذكور، وبمراجعتنا لديوان الفتوى والتشريع أفاد بأن الديوان لم يستلم القرار بصيغته النهائية لأغراض النشر، ما يؤكد بأن تعديل رسوم المحاكم النظامية باتجاه زيادتها ينال موافقتكم ومجلس الوزراء الموقر، وسيوضع موضع التطبيق قريباً.

دولة رئيس الوزراء المحترم ،،،
لا شك لدينا بأنكم توافقوننا الرأي بأن الوظيفة القضائية تنفرد عن سائر الوظائف الأخرى بخاصية تمثلها لحق المواطن، لذا وصفت بأنها وظيفة مجتمعية، وحقاً أصيلاً من حقوق الإنسان، وعلى هذا أورد قانوننا الأساسي في مادته التاسعة "أن الفلسطينيين أمام القانون والقضاء سواء لا تمييز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة"، وأورد في الفقرة الأولى من المادة 30 منه "أن التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة ولكل فلسطيني حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي وينظم القانون اجراءات التقاضي بما يضمن سرعة الفصل في القضايا".

ولا شك لدينا أنكم توافقوننا الرأي بأن دولة القانون عمادها مبدأ الفصل بين السلطات التي عليها أن تحفظ وتصون وتحمي حقوق الإنسان، وتحترم وتلتزم بالمبادئ الدستورية الناظمة لتلك الحقوق، ولا يجوز لأي سلطة من السلطات وفي معرض ممارستها لصلاحياتها وسلطاتها تجاوز المبادئ والقواعد الدستورية، أو التعدي أو المس بالحقوق الأساسية لمواطنيها، والتي من بينها ما نصت عليه المادة 88 من القانون الأساسي من أن: "فرض الضرائب العامة والرسوم وتعديلها وإلغائها لا يكون إلا بقانون ..."، الأمر الذي يوصد الأبواب ويغلق المنافذ أمام فرض الرسوم أو تعديلها بقرار يصدر عن السلطة التنفيذية أو السلطة القضائية، بل لا يجوز إعمال نص المادة 43 من القانون الاساسي فيما يتصل بفرض الرسوم وتعديلها بقرار بقانون يصدر عن السيد الرئيس، وأي تشريع أو قرار أو عمل يصدر عن السلطة التنفيذية والسلطة القضائية ينتقص أو يعتدي أو يتجاوز السلطة التشريعية بفرض للرسوم أو تعديلها باتجاه زيادتها يوسم بوسم عدم الدستورية ويقع منعدماً وواجب الالغاء.
والمبادئ الدستورية الواردة في القانون الأساسي تؤكد على أن حق التقاضي، أو التوجه إلى المحاكم المختصة بطلب الحصول على حق عبر الترضية القضائية، حقاً دستورياً من صميم حقوق الإنسان الأساسية، والتي لا يجوز تقييدها أو الحيلولة دونها أو إعاقتها أو تعقيدها، أو جعلها مكلفة، أو بعيدة المنال، أو رهنها لآجال طويلة، وكافة السلطات ملزمة بالعمل على حماية حق التقاضي بكل مكوناته ومتطلباته، بدءا من توفير حق التقاضي، وتيسير الوصول إلى العدالة بأقل قدر ممكن من التكاليف، بوصف الوظيفة القضائية حق مجتمعي وليست خدمة تندرج تحت مظلة الخدمات العامة، ما يجعل من قرار مجلس الوزراء الموقر بزيادة رسوم التقاضي قراراً منتهكاً للمبادئ الدستورية وحقوق الإنسان وواجب الإلغاء.
دولة رئيس الوزراء المحترم،
إن إغلاق أبواب المحاكم أمام المتقاضين، أو تقييد اللجوء إليها عبر زيادة تكلفته، يشكل في واقع الأمر تصريحاً رسمياً ودعوة مفتوحة لجمهور المتقاضين باللجوء إلى وسائل بديلة لحل النزاعات، تنبئ بإشاعة مناخ الفلتان الأمني والمجتمعي، وسواد شريعة الغاب، وأخذ الحقوق باليد، واتساعاً لنظاق "القضاء الموازي" من شاكلة قضاء الفرق، والقضاء القبلي والعشائري، وقضاء الفُتُوات، هذا من جهة، ومن جهة أخرى تحويل المحاكم إلى قضاء خاص بالأغنياء، أو قضاء "سبع نجوم" كما قد يقال، أو قضاء السلاطين كما كان سائداً في عصور الظلام. إلى جانب إشاعة ثقافة التفرقة والتمييز بين أبناء الوطن الواحد، عبر وضع واعتماد معايير تستخف بإدعاءات وطلبات البعض، وترحب بإدعاءات وطلبات البعض الآخر، وتحول اللجوء إلى المحاكم إلى ما يشبه اللجوء الى السوق التجاري، والذي في ظله من لا يملك المال لا يملك الحق في الوصول إلى العدالة.

دولة رئيس الوزراء المحترم،
اللافت أن توقيت التداول بشأن نية الحكومة الموقرة زيادة رسوم التقاضي، يأتي في وقت إعلان جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني عن ارتفاع نسبة البطالة في فلسطين إلى 27.4%، واللافت أيضاً صدور مبررات للزيادة تشير إلى نسب الرسوم القضائية في الولايات المتحدة الأمريكية أو الدول الأوروبية، متناسية الاختلاف النوعي والجوهري بين دولة فلسطين المحتلة، المعتمدة على التمويل الخارجي، وذات النسب العالية من البطالة، والذي لا يتجاوز الحد الأدنى للأجر فيها عن 1450 شيكل نظرياً، وتعيش فئات عديدة من مواطنيها عند خط الفقر، ولا تتمتع باقتصاد مستقل، أو نمو مضطرد في مستوى دخل الفرد، وتتصف بالكثير من خصائص المعاناة، التي لا تجيز بل تلفظ المقارنة بين واقع مواطنيها المعاش، والواقع الذي يعيشه مواطني الولايات المتحدة الأمريكية أو الدول الأوروبية.
كما أن الإدعاء بأن رفع الرسوم من شأنه أن يحد من ظاهرة التراكم القضائي، فهو استناد إلى سبب لا يمكن إعادة التراكم القضائي إليه، بل أكثر من ذلك، فإن القيم الإنسانية والعهود والمواثيق الدولية تقتضي احترام الحق بما يمثله في نظر صاحبه وليس بما يمثله ذلك الحق في نظر الغير.
دولة رئيس الوزراء المحترم،
ومع تأكيدنا مجدداً على اقتصار الحق في اقتراح التشريعات وفقاً لأحكام القانون الأساسي، والنظام الداخلي للمجلس التشريعي، والمبادئ الدستورية المتعارف عليها دولياً، على أعضاء البرلمان أو الحكومة، وإخراج صلاحية اقتراح القوانين من تخوم صلاحيات السلطة القضائية، خشية عدم الوقوع في شرك مقولة وحدة الخصم والحكم، ودون الحاجة لمزيد من التفاصيل بشأنها لخروجها عن خاصية موضوع هذه المذكرة، ومع تمسكنا بعدم جواز فرض الرسوم إلا بقانون يصدر عن السلطة التشريعية، بوصفها السلطة المناط بها دستورياً إصدار القوانين، ودون الدخول في تفاصيل المعيقات التي تحول دون انتظام الحكم الدستوري في فلسطين، لأسباب عديدة أبرزها الانقسام البغيض، والاحتلال، والحالة السياسية بتفاصيلها وعناوينها، التي لا شك لدينا أن دولتكم ومجلس الوزراء الموقر على دراية بها.
وحرصاً على سلامة وحدة شعبنا المجتمعية، وصوناً لحقوق المواطنين الأساسية، والتزاماً بالاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها دولة فلسطين مؤخراً، ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والذي أصبح نافذاً وملزماً لدولة فلسطين، والذي يندرج حق التقاضي تحت مظلته وتخومه، فإننا نتوجه إلى دولتكم ومجلس الوزراء الموقر بطلب الرجوع عن اعتماد واصدار القرار موضوع هذه المذكرة، وتركه جانباً وعدم الالتفات إليه، مشيرين إلى أن تطوير أداء القضاء وإصلاحه وتمكينه من القيام بمقتضيات وظيفته المجتمعية بوصفها حق للناس وليس حقاً للسادة القضاة، لا يتم بالمطلق عبر زيادة الرسوم والأعباء على طالبي العدالة.