|
داعش لا تمثل الإسلام ... ولا فرنسا ...
نشر بتاريخ: 18/11/2015 ( آخر تحديث: 18/11/2015 الساعة: 13:07 )
الكاتب: حسن صافي المسالمة
بعد الذي حدث في فرنسا والذي لا شك ننكره ولا نقره ، ظهرت معالم الهزيمة الداخلية والنفسية لكثير من العرب والمسلمين ، وأخذ الكثير منهم يُحاول التنصل من ذلك ، بالتلفظ والحديث عن الإسلام بما لا يليق ، وكأن الإسلام هو مَنْ قام بالتفجيرات وارتكاب تلك المجزرة ، ووصل الأمر بالكثيرين إلى رفع علم فرنسا على بيته أو مركبته ، أو وضعه على مكتبه ، أو على موقعه في مواقع التواصل الاجتماعي ، وليت أولئك تريثوا وستروا عوراتهم ولم يفضحوا ولاءاتهم للغرب الظالم المستعمر ، الذي لم يردعه دينه الذي من تعاليمه : مَنْ ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر ، حيثً لم يُمهلهم ذلك الغرب الفاجر ، فقام بحرق كتاب الله تعالى : القرآن الكريم ، أمام وسائل الإعلام ، وعلى مرآى ومَسمع من العالم بأجمعه ، تعبيراً عما تسره نفوسهم من الحقد الدفين على الإسلام وأهله ، وعلى كتاب الله تعالى .
كم كنا نود أن يكون التعايُش بين الشعوب المختلفة ، تعايُشاً حقيقياً ، يقوم على احترام إنسانية الإنسان ، ومكانته التي وضعه الله سبحانه فيها ، كم كنا نود أن تكون الحرية والديمقراطية حقيقة ثابتة في تعامل الشعوب بعضها مع بعض ، إننا نبكي ونحزن لكل نفس تُزهق وفي كل مكان ، وكم سرني ما قرأته عن الفيلسوف الفرنسي ميشيل أُونفري مخاطباً حكومته : ( تقصفون بلادهم وتُشردون أبناءهم ، وترسمون نبيهم في أبشع الرسومات ، وتُساندون المسيحيين الأفارقة وتُسلحونهم لقتل المسلمين في مالي وإفريقيا الوُسطى ، ثم تظهرون في مظهر الضحية ، لا تًضحكوا على أنفسكم ، فلن يُصدقكم إلا الأغبياء ، والمنافقون فقط ) . ما حصل في باريس مجزرة مستنكرة ، لا يُقرها ديننا الحنيف ، ولا يقبل بها عقلنا السليم ، ولا تستسيغُها إنسانيتُنا ولا فطرتنا البشرية ، وإننا نتعاطفُ مع كل عائلة فقدت عزيزها ، ونُعربُ عن أحر تعازينا لكل أُسرةٍ مُصابةٍ ، كما نرجو لكل الشعب الفرنسي السلامة من كل سوء ، ولكل الشعوب من أبناء آدم عليه السلام ، ومن ضمنهم أبناء العرب والمسلمين المُجنسين والمقيمين في باريس وضواحيها ، ممن لم تصلهم الحرية والديمقراطية بعد ، والذين يتعرضون لمُلاحقة الأجهزة الأمنية الفرنسية ، بسبب وبغير سبب ، فكيف بهذا السبب ؟! وأرجع إلى الفيلسوف الفرنسي ميشيل أُونفري ، والذي يستحق كل الاحترام والتقدير ، حيثُ لم تُذهب المجزرةُ عقله ، ونطق بما يستحق الوقوف عنده والتدبر ، ولكن من قِبَلِ الحكومة الفرنسية وأخواتها ، فما يجري في بلاد العرب والمسلمين ، وبتدبيرهم وبأسلحتهم وعلى أيدي عملائهم ووكلائهم ، وربيبتهم التي زُرعت في أعمق أحشائنا ، يستحق المراجعة والتدبر وإعادة الحسابات . وعلى ذلك يحقُّ لنا أنْ نسأل الرئيس الفرنسي ، وكل الرؤساء الأوروبيين ، والرئيس الأمريكي ، وكل رؤساء دول العالم في الشرق والغرب : إذا كان ما حدث في فرنسا جريمة ومجزرة منكرة ، فماذا نسمي تدمير غزة وقتل شعبها وحصاره ؟ وماذا نسمي قتلنا في أنحاء فلسطيننا الحبيبة ، لمجرد الاشتباه بالحركة أو الالتفات ؟! ثُمَّ ماذا نسمي انتهاك الحرمات في بيوتنا ، ومشافينا ، وجامعاتنا ، ومدارسنا ؟ والسؤال الأهم : وإلى متى ؟ أإلى قيام الساعة ؟! وما يَحدث في سوريا والعراق وليبيا وأفغانستان وميانمار (بورما) من قتل ودمار وتعذيب وتنكيل ، أليس بإرادة غربية وشرقية ؟! فإنْ لم يكن بإرادتكم ، فسكوتكم ماذا يعني غير الرضا والموافقة ؟!! لقد جيَّشْتُم الجيوش وأعددتم للحرب ، وأوقدتم نارها ، فدمرتم أفغانستان ، وأحرقتم بغداد بنارٍ ما زالت موقدة ، وتدخلتم في ما لا يعنيكم في ليبيا ، واليمن ومصر وغيرها من بلادنا ، وما زلنا نكتوي بالنار ونتلقى البراميل المتفجرة ، والغازات والمواد الكيماوية ، دمار فوقه دمار ، وبلاد ومباني تحولت إلى أطلال ، والجنائز بالملايين ، يُدفن بعضها وكثيرُها تحت الركام . ما سمعنا عن جيوشٍ عربيةٍ أو إسلامية قد غزت بلادكم ، وما سمعنا عن دمارٍ قد حل بدياركم ، وما تناقلت وسائل الإعلام صور الطائرات العربية والإسلامية تقصف مدنكم وقُراكم ، وما رأينا أطفالكم قد غطى الركام رؤوسهم وجباههم ، أو تحت الردم قد دُفنت أجسادهم ، وما تداولت الأخبار بحث زعمائنا وقادتنا قدَّسَ الله سرهم في وجود قنابلكم النووية والهيدروجينية ، ومُفاعلاتكم النووية وصواريخكم العابرة للقارات ، وأسلحة الدمار الشامل التي تغص بها مخازنكم ، وما تدخل أحدٌ من بلادنا في انتخاباتكم ومَنْ فاز منكم أو مَنْ قد خسر ، فنحن أشد حرصاً على عدم التدخل في شؤون غيرنا . علماً بأنكم وللتذكير فقط قد استعمرتم بلادنا وأهلكتم الحرث والنسل فيها ، ونهبتم خيراتنا وما زلتم تسيطرون على منابع الثروات عندنا من بترول ومعادن وغيرها ، ولم تسمحوا لنا لا بتصنيع ولا بتعمير ولا بزراعة ، حتى نبقى تبعاً لكم في كل شيء ، مستهلكون لا منتجون ، وتمنون علينا بما تسمونه مساعدات أو قروض ، يعني كما قيل ( من دهنه قليلو) ، حتى وصلت بنا الحال إلى مستوياتٍ غير معقولة ، من الفقر والجوع والعوز والحاجة ، في ظل مَنْ تسلطوا علينا ونهبوا ما أبقيتم من فتاتٍ لنا . ولم يقف الأمر عند هذا الحد ، فقد استدرجتم عقولنا ومفكرينا لتسخيرهم في خدمتكم وبناء بلادكم وإعمارها ، وبذلك ما تركتم لنا فرصة للنمو الصحيح ، ولا التقدم والتحضر ، وسلطتم علينا مَنْ استعبدنا وصادر حريتنا ، ثم تريدون محاسبتنا على تخلفنا وجهلنا وفقرنا وجوعنا . وليس ذلك فقط ، بل تريدون معاقبتنا على ما ابتليتمونا به ، من طالبان والقاعدة وداعش وأخواتها ، أليس ذلك كله من إبداعكم وإنتاجكم وإخراجكم ؟! لقد اكتوينا بناركم وما زلنا نعاني ، لقد أهلكت داعش من أبناء أمتنا أكثر مما أهلكت من غيرنا ، أفتريدون أنْ نصدق بأن داعش وأخواتها تمثلنا وتمثل ديننا ؟! |