|
هل ستفلت ( إسرائيل ) من النهاية المأساوية لــمرضى ( عُصاب المصير )
نشر بتاريخ: 26/11/2015 ( آخر تحديث: 26/11/2015 الساعة: 10:18 )
الكاتب: د. وليد القططي
عُصاب المصير أو عُصاب القدر كما يعرّفه علماء النفس في مدرسة التحليل النفسي هو نوع من أنواع العُصاب ( المرض النفسي ) يتميز بأن المريض يضع نفسه أو يعرّضها لمواقف متكررة تؤدي إلى نهايات واحدة مأساوية دون أن يستفيد منها , بل بالعكس من ذلك يبدو أنه يسعى إليها ويوجدها , وكأنه يرتب الأمور لا شعورياً بدون قصد بحيث تؤدي إلى ضرره . وهو حالة عُصابية ( مرضية ) يدل على شكل من الوجود المتصف بالعودة الدورية لتسلسل متطابق من الأحداث البائسة , يبدو فيه الشخص خاضعاً لهذا التسلسل كخضوعه لقدر خارجي محتوم يشعر الشخص عن حق أنه ضحية له .
وهذا المرض – عُصاب المصير أو القدر – يُصيب بالدرجة الأولى الأفراد , ولكنه قد يُصيب الجماعات والشعوب والأمم , فتكرر أخطائها الفادحة وتُعيد تجاربها الفاشلة وتعاود إنتاج مآزقها الوجودية , ودون أن تستخلص العبر الحقيقية وتستنبط الدروس الجادة من هذه الأخطاء والتجارب والمآزق لتحول بينها وبين مصيرها المحتوم الذي يأخذها إلى مربع التدمير الذاتي بعد أن تتراكم عليها نقاط الضعف وعوامل الفناء الذاتية والموضوعية وكأنها تسير بدون إرادتها نحو نهايتها المأساوية بفعل دوافع لا شعورية مدّمرة أو غريزة الموت القاتلة النابعة بدورها من عٌقد نفسية وتاريخية محفورة في عقلها الجمعي ووجدانها الشعبي . واليهود كجماعة بشرية تجمعهم صفات متشابهة وخصائص مشتركة وتاريخ متقارب يمتد منذ وجودهم في مصر وخروجهم منها وحتى تجمعهم في فلسطين ككيان سياسي مروراً بما يسمونه الشتات فقد تكررت نهاياتهم المأساوية مرات عديدة تراوحت بين الإبادة الجماعية والهجرة القسرية الجماعية والاستعباد والإذلال ... هذه النهايات المأساوية لم تكن بفعل ظلم الآخرين لهم بقدر ما كانت بفعل ظلمهم لأنفسهم وما حصدته أيديهم وما جنته عليهم أفعالهم , وبمعنى آخر نتيجة لما أصابهم من غرور وكبر وعلو وإفساد , ولما اعتقدوه في أنفسهم من الشعور الكاذب بالتفوّق والاستعلاء العرقي والأخلاقي على شعوب الأرض الأخرى واحتقارهم لهم باعتبارهم شعب الله المختار وأبناء الله وأحبائه الذين يحق لهم أن يعاملوا غيرهم بدون ضوابط أخلاقية أو معايير إنسانية . وهم قد ترجموا هذه المعتقدات العنصرية والأوهام المريضة سلوكياً انعزالية وانتهازية وعلواً وإفساداً في تعاملهم مع غير اليهود ( الجوييم ) , فأدى ذلك إلى تراكم الكراهية والضغينة والحقد عليهم حتى إذا ما أتت القشة التي تقسم ظهر البعير في كل مرة انفجر هذا المخزون المتراكم من الحقد والضغينة والكراهية تجاههم على شكل موجة جديدة من الإبادة والتهجير والإذلال تدمر علوهم وإفسادهم إلى حين عودتهم للعلو والإفساد فتعود عملية التدمير والتتبير مرة أخرى وفق القانون الذي وضعه الله تعالى في القرآن الكريم ( وإن عدتم عُدنا ) , وهذا المصير المأساوي المتكرر الذين يصنعوه بأيديهم هو بالضبط عُصاب المصير أو القدر . ولن تفلت دولة الشعب اليهودي ( اسرائيل ) من هذا المصير الأسود المحتوم وتلك النهاية المظلمة المأساوية التي يصنعها بنفسه كل مريض بُعصاب المصير , وهو التدمير الذاتي الذي يجلبونه على أنفسهم ويصنعوه بأيديهم وكيف يفلتون منه وهم قد ورثوا كل صفات أسلافهم السيئة , ورضعوا مع الحليب كل خصائص أجدادهم الذميمة , واستنشقوا الهواء الملوّث بأخلاق آبائهم الفاسدة ... فساروا على خطى أسلافهم حذو القذة بالقذة , وورثوا المكر والخديعة والعلو والإفساد كابراً عن كابر , فاستحقوا بذلك أن ينالوا نفس المصير الذي ناله أجدادهم , وهم لا محالة سائرون إليه بعد أن تكتمل سنن التدمير والتتبير التي تأتي بعد العلو والإفساد ولات حين مناص . والكيان الصهيوني الذي يجمع ما يُقرب من نصف يهود الأرض في دولة ( إسرائيل ) يعيش منذ نشأته مأزقه الأمني الوجودي وعُصابه المزمن المصيري الذي ازداد وطأةً منذ الانتفاضة الأولى عام 1987 التي نقلت الصراع إلى داخل فلسطين المحتلة والانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000 بدون شروط أو مفاوضات ثم تكرار ذلك في قطاع غزة مُضافاً إليه تدمير المستوطنات عام 2005, والهزيمة الإسرائيلية المدّوية في لبنان عام 2006 , ثم عجز ( اسرائيل ) عن تحقيق أهدافها في الحروب المتكررة على غزة , وأخيراً انتفاضة القدس التي أظهرت بوضوح المأزق الوجودي الصهيوني وعُصاب المصير الذي تعاني منه وأهم أعراضه هو تكرار أخطائها الاستراتيجية وتجاربها الفاشلة في مواجهة الانتفاضة دون أن تدرك أن ما تقوم به من ممارسات قمعية واستخدام العنف والمزيد من العنف كلما استفحلت أزماتها هو بالضبط ما يؤدي بها نحو الهاوية والنهاية المأساوية ... ولا يمنع تحقيق ذلك سوى اكتمال حلقات سنن التدمير الذاتي للكيان الصهيوني مع حلقات سنن الشرط الذاتي للنصر لدينا فيتكون منهما الشرط الموضوعي للهزيمة ونهاية المشروع الصهيوني . |