|
استراتيجية التكتيك .. حل تل ابيب وليس حل السلطة
نشر بتاريخ: 28/11/2015 ( آخر تحديث: 28/11/2015 الساعة: 13:53 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
في كل يوم تزداد قناعتي ان السلطة الوطنية الفلسطينية صارت مشروعا دوليا كبيرا لا يمكن للعالم أن يتراجع عنه بأي شكل من الاشكال ، وان تهديدات اسرائيل بحل السلطة مجرد فانتازيا وكلام أهوج يقوله بعض الضباط العسكريين المنفعلين عند فشلهم في مواجهة الانتفاضة ، او شعارات يطلقها وزراء منفصلون عن قرار الحكم مثل ليبرمان وزبانيته .
اما الاصوات الفلسطينية والعربية التي طالبت او تطالب بحل السلطة ، فتصدر عادة عن جهات ترغب في مداعبة مشاعر الجمهور ودغدغة الرأي العام عبر أثير الفضائيات ، ولكن السلطة ومنظمة التحرير وفصائل وتنظيمات العمل لم تبن - ولا تستطيع ان تبني - بديلا عن السلطة ، ولو أرادت اقامة بديل عن السلطة لعملت على ذلك منذ عشر سنوات لكنها رهنت كل خياراتها بمصادر وواردات السلطة سياسيا وماليا وداريا . وكم يذهلني ان يطلب مني احد القادة البحث لقريبه عن عمل في السلطة بينما هو على المسارح يطالب بحلها . خلال عمل هنري كيسنجر وزير الخارجية الامريكي في المنطقة العربية كتب ذات يوم ( ان كل شئ مؤقت هنا يصبح ثابتا ) . ما يعني ان جهات عربية وامريكية واسرائيلية راهنت ان تكون السلطة امرا مؤقتا ، ولا شك ان الزعيم عرفات راهن ذات يوم على ان السلطة لن تقوم لاكثر من خمس سنوات وستنتهي في العام 1998 ، وستقوم حينها دولة فلسطين وعاصمتها القدس . ولكن السلطة تتحول الان الى كيان اكثر ثباتا من الحكومات العربية كلها . اتفاقية اوسلو تحوّلت الى مرجع قانوني ومفصلي في المحافل الدولية ، بل ان بنود اوسلو صارت اكثر قداسة من قرارات الامم المتحدة نفسها ، وحين كانت تتعارض بنود اوسلو مع قرارات مجلس الامن ، فان الغلبة كانت لبنود اوسلو على حساب قرارات الشرعة الدولية . ان اوسلو استمدّت قوتها من القوى العظمى ، فيما تستمد القرارات الدولية قوتها من تصويت الدول الضعيفة والفقيرة ، كما ان السلطة هي الجزيرة الاصطناعية التي اخترعتها القوى العظمى في عرض البحر ، ويبدو ان هذه الجزيرة ظلت واقفة امام الامواج واضطر الجميع الى استخدامها في كل عاصفة . وقد يتغير الرئيس ، وقد تتغير القوى ، وقد تتغير التحالفات والحكومات ، لكن السلطة اصبحت محطة اجبارية ، تدعمها روسيا قبل امريكا ، وتتعامل الدول العربية معها بقداسة ،وعلى ما يبدو ان الدول الكبرى والقوية قرّرت ان السلطة هي شكل وجود الشعب الفلسطيني المؤقت الى حين ( الاتفاق ) مع اسرائيل على حل . قصة لم تحدث وربما لن يحدث في التاريخ مثلها ، ان سلطة مؤقتة وواهنة داخل الارض المحتلة صارت تصرف على الفلسطينيين والنقابات والتنظيمات والمؤسسات الفلسطينية خارج الارض المحتلة ( المفروض ان الفلسطينيين في الخارج يدعمون سكان الارض المحتلة ) ، وتتعزز مكانتها وقوتها رغم كل السخرية ، وصولا الى ما نحن عليه الان . اسرائيل لن تجرؤ على انهاء السلطة ، وربما تجرؤ منظمة التحرير على التفكير في الامر ولكنها لن تجرؤ على التنفيذ، اما الحركات الاسلامية الفلسطينية فربما تتحول الى تنظيمات مثل القاعدة وداعش لو ابتعدت اكثر عن مظلة السلطة وحمايتها الدولية ، ومع تصاعد الانتفاضة وتعقيدات الوضع الميداني ، سيأتي الحل من تل ابيب وليس من اية عاصمة عربية او اسلامية . حيث سيضطر الاسرائيليون للبحث عن حل للخروج من الازمة وربما خلال اسابيع او اشهر سيطلبون جلسات تفاوض تحت مظلة دولية للبحث عن حل للصراع . يوم الاحد مساء سأبث حلقة مترجمة اخرى من ارشيف اوسلو ، وسيظهر حينها ان سبب فشل المفاوضات هم الامريكان اولا ، وان فشل المفاوضين من الطرفين عامل هام ... لان المفاوضين ذهبوا الى طاولة المفاوضات لافشال اي حل واظهار انفسهم كنجوم او فنانين ، وقد بحثوا عن منافع شخصية للمفاوض ولم يبحثوا عن حلول ، ولا سيما المبعوث الامريكي ايليوت ابرامز ، وايهود باراك . |