|
نحو وقفة فلسطينية مع الذات أمام تحدّي العدوانية الإسرائيلية
نشر بتاريخ: 03/12/2015 ( آخر تحديث: 03/12/2015 الساعة: 15:51 )
الكاتب: د.محمود محارب
أظهرت الهبة الجماهيرية الفلسطينية الحالية التي جاءت في ظل انسداد الأفق لأي حل سياسي، وتعاظم المشروع الاستيطاني الكولونيالي في الضفة الفلسطينية والقدس الشرقية المحتلة، وتغوّل المستوطنين في الاعتداءات على الفلسطينيين؛ أنه لا يمكن الحفاظ على الأمر الواقع، وأن سياسة إدارة الصراع التي تتبعها إسرائيل لا تستطيع الحفاظ على الهدوء، وأن جدلية التناقضات بين الشعب الفلسطيني الذي يسعى إلى إزالة الاحتلال والاستيطان الكولونيالي والاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه أقوى من سياسات التهدئة التي تتبعها إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
فرضت هذه الهبة الجماهيرية القضية الفلسطينية على الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، وأعادت الاعتبار إلى القضية الفلسطينية قضية شعب يقاوم الاحتلال والاستيطان الكولونيالي الإسرائيلي، وأظهرت استعداد الشعب الفلسطيني الكبير للتضحية في النضال، من أجل تحقيق أهدافه، بيد أنها أظهرت، في الوقت نفسه، أن إسرائيل لا زالت تراهن على قدرتها في وقف هذه الهبة الجماهيرية المصحوبة بعملياتٍ، يقوم بها، أساساً، أفراد فلسطينيون ضد جيش الاحتلال ومستوطنيه، ليس فقط بواسطة قدراتها الذاتية، وإنما أيضا من خلال التعاون مع السلطة الفلسطينية، والاستمرار، في الوقت نفسه، في تعزيز مشروعها الكولونيالي الاستيطاني في الضفة الفلسطينية والقدس الشرقية المحتلة بكل قوة. تستدعي المرحلة التي يمر الشعب الفلسطيني من الحركة الوطنية الفلسطينية، بجميع فصائلها، مراجعة تجربة النضال الوطني الفلسطيني، في العقدين الماضيين على الأقل، وتلخيصها واستخلاص العبر منها، والوقوف على الأخطار المحدقة بالقضية الفلسطينية. ويتطلب هذا الأمر إدراك ماهية استراتيجية إسرائيل وسياستها تجاه القضية الفلسطينية، ولا سيما تجاه المناطق الفلسطينية المحتلة في العام 1967، والوسائل التي تستخدمها لتحقيق أهدافها؛ ووضع استراتيجية فلسطينية موحدة وبرنامج عمل نضالي لمقاومتها. لا حاجة لإعمال العقل كثيراً لإدراك أن مصير أراضي الضفة الفلسطينية المحتلة، وفي مقدمتها القدس الشرقية المحتلة، يحتل الأهمية القصوى والأولوية العليا في استراتيجية إسرائيل تجاه الجانب الإقليمي من صراعها ضد الشعب الفلسطيني، والذي يشكل أهم جوانب الصراع في القضية الفلسطينية، وتؤثر نتيجته على جوانب الصراع المختلفة الأخرى، فلب الصراع على الأرض الفلسطينية يدور في الضفة الفلسطينية والقدس الشرقية المحتلة، ويشكل المشروع الاستيطاني الكولونيالي الإسرائيلي الأداة الأساسية لإحداث أمر واقع كولونيالي ديمغرافي – سياسي جديد في الضفة الفلسطينية المحتلة، بغرض تهويد، ومن ثم قضم أكبر مساحة ممكنة من الضفة الفلسطينية والقدس الشرقية المحتلة تزيد مساحتها عن 60% من مجمل مساحة الضفة الفلسطينية المحتلة، وضمها إلى إسرائيل، وحشر الفلسطينيين في حدود مدنهم وقراهم، وعزلهم عن أراضيهم وثرواتهم، لخنقهم وحصارهم وحرمانهم من إمكانية استثمار أراضيهم وممتلكاتهم وثرواتهم وتطوير اقتصادهم، لدفعهم إلى الهجرة إلى خارج فلسطين. يحظى المشروع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الفلسطينية المحتلة بتأييد الأحزاب الإسرائيلية الصهيونية، والنخب الإسرائيلية المختلفة، والغالبية العظمى للمجتمع الإسرائيلي الذي يعتبر أن الصهيونية، في صراعها الطويل ضد الفلسطينيين، حققت إنجازين تاريخيين مهمين، منذ بداية الهجرة اليهودية والاستيطان في فلسطين في سنة 1882. كان الأول عندما احتلت الحركة الصهيونية فلسطين، وأسست دولة إسرائيل في 1948، وطردت غالبية الفلسطينيين من ديارهم. والانجاز الثاني حدث عندما احتلت إسرائيل في 1967 الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، واستأنفت الحركة الصهيونية الاستيطان في المناطق الفلسطينية المحتلة. ومنذ أوائل سبعينيات القرن الماضي، بدأ اليمين الصهيوني، بشقيه الديني والعلماني، يقود عملية الاستيطان في المناطق الفلسطينية المحتلة سنة 1967، معتبراً هذه المناطق المحتلة جزءاً من &39;، وأنه يتوجب استكمال عملية الاستيطان في جميع أنحاء المناطق الفلسطينية المحتلة، وتهويدها، وتحقيق السيادة اليهودية عليها وضمها إلى إسرائيل. ولم يعر هذا التيار أية أهمية لحدود الرابع من يونيو/حزيران 1967، واعتبر أنها كانت حدوداً مؤقتة، ينبغي محوها بأسرع وقت، لأن حدود دولة إسرائيل يتوجب أن تشمل كل &39;، والطريقة الأجدى لتحقيق ذلك تعزيز الاستيطان وتكثيفه في جميع أنحائها. ويتنكّر هذا التيار الصهيوني الاستيطاني، الذي ازداد نفوذه، في العقدين الأخيرين، في المجتمع الإسرائيلي، بشكل كبير جداً، وبات يهيمن على الخطاب السياسي الإسرائيلي الصهيوني، لحقوق الفلسطينيين، ويعتبر جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة ملكا لليهود، وأن وجود الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية خطأ تاريخي يتوجب تصحيحه. ويجري تصحيح هذا &39; بنفي حقوق الفلسطينيين الجماعية والفردية، لتعذر إبعادهم، في الظروف الراهنة، بسبب الموقف الإقليمي والدولي. ويحتم المنطق الداخلي الأيديولوجي الصهيوني لهذا التيار عليه ليس فقط التمسك في تعزيز المشروع الاستيطاني وزيادته، والاستمرار بكل قوة في تهويد أراضي الضفة الفلسطينية والقدس الشرقية المحتلة، وإنما أيضاً الاعتداء المنهجي والمنظم على الفلسطينيين، وعلى أراضيهم وممتلكاتهم وحقوقهم، والبطش بهم يومياً ودائماً. وهذا بالضبط ما يفعله جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون الكولونياليون الإسرائيليون اليهود وعصابات تنظيم &39; الإرهابية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إذ ينتزعون، على مدار السنة، الأراضي الفلسطينية الخاصة والعامة، بالقوة من أصحابها الفلسطينيين، وينشئون بؤراً استيطانية عليها، ويعتدون عليهم وعلى ممتلكاتهم وحقولهم، تحت سمع العالم وبصره. المشروع الاستيطاني أولاً بعد وصول بنيامين نتنياهو إلى الحكم في سنة 2009، أولت الحكومة الإسرائيلية الأولوية القصوى للمشروع الاستيطاني الإسرائيلي، وكثفت الاستيطان ومصادرة الأراضي العربية بشكل غير مسبوق، وبات الاستيطان في الضفة الفلسطينية والقدس الشرقية المحتلة مشروع حكومة نتنياهو الوحيد في صراعها مع الفلسطينيين. فعلى خلاف الحكومات الإسرائيلية السابقة التي كانت تناور وتطرح أفكاراً وتصورات، أو مشاريع عامة فضفاضة، للحل مع الفلسطينيين، فإن حكومة نتنياهو لا تقوم حتى بذلك، فهي تهدف إلى كسر إرادة الشعب الفلسطيني، وفرض الاستسلام عليه، وعلى حركته الوطنية، مستندة، في عملها، إلى تحقيق ذلك إلى قوتها، وإلى ضعف الحركة الوطنية الفلسطينية، وانقسامها وفشلها في حشد وتفعيل عوامل القوة الكامنة في الشعب الفلسطيني، وقضيته الوطنية، وإلى عدم وجود استراتيجية فلسطينية موحدة لمواجهة الاحتلال والاستيطان، وإلى ضعف الدول العربية، واحتدام الصراعات بينها، وخضوعها بشكل عام للأجندة الإسرائيلية والأميركية في المنطقة، وإلى تسامح المجتمع الدولي مع استمرار إسرائيل في الاستيطان والاحتلال، وعدم اتخاذه خطوات جدية من شأنها التأثير على إسرائيل، لوقف الاستيطان وإزالته وإنهاء الاحتلال. وفي عملها على تحقيق أغراضها، تستند حكومة نتنياهو إلى عوامل قوة إسرائيل المختلفة، فهي تتفوق على جميع الدول العربية في الأسلحة التقليدية، وتحتكر السلاح النووي، وتمتلك القدرة على القيام بالضربة النووية الثانية، وتتمتع بإرادة سياسية موحدة، تساهم المؤسسة العسكرية في بلورتها، وفي حشد المجتمع الإسرائيلي خلفها، من خلال العملية الديمقراطية الإسرائيلية القائمة على مسلمات و&39; أيديولوجية وسياسية وأمنية، تتمحور حول قدسية الدولة اليهودية والجيش والأمن. إلى جانب ذلك، تتمتع إسرائيل بوضع اقتصادي متقدم ومريح، ويعتمد كثيراً على التكنولوجيا الحديثة المتطورة، ما يمكنها من تخصيص ميزانية مرتفعة للأمن. وفوق ذلك كله، تتمتع إسرائيل بعلاقات مميزة للغاية مع الولايات المتحدة الأميركية، تحصل بموجبها إسرائيل على دعم ومساعدات أميركية كثيرة وحيوية، ومهمة جداً في المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية، بهدف الحفاظ على تفوق إسرائيل على جميع الدول العربية. وتستند سياسة إسرائيل الاستيطانية التوسعية والعدوانية إلى منظومةٍ متماسكة من القيم والمعتقدات الاجتماعية الكولونيالية العنصرية العدوانية السائدة في المجتمع الإسرائيلي التي ترفض القيم الانسانية العالمية، والتي طورتها النخب الإسرائيلية الصهيونية المختلفة في عقود الصراع الطويلة الماضية ضد الفلسطينيين والعرب، والتي ما انفكت تشحنه وتعبئه لمواصلة الصراع ضد الفلسطينيين، وباتت تشكل جزءاً مهماً من نفسية المجتمع الإسرائيلي ووجدانه. ففي وقتٍ اعتدت فيه الحركة الصهيونية على فلسطين، واحتلتها من الفلسطينيين، وعملت بمنهجية على طرد الفلسطينيين منها، وإقامة دولة يهودية استيطانية كولونيالية عنصرية على حسابهم، طورت الحركة الصهيونية وإسرائيل منظومة متماسكة من القيم والمعتقدات الاجتماعية العنصرية الكولونيالية، النافية للآخر، والتي تقمصت دور الضحية، وتبنت رواية تاريخية كاذبة عن تاريخ اليهود وتاريخ الفلسطينيين، وادعت أن فلسطين ملك تاريخي لليهود، وشددت على أهمية يهودية الدولة، ويهودية &39;، والاستيطان اليهودي في فلسطين، وعلى أمن الدولة اليهودية، وأمن اليهود الإسرائيليين الجماعي والفردي، وعزّزت من عقلية الحصار، ومن الشعور القومي والوحدة الوطنية، ووضعت ذلك كله فوق أي اعتبار. ونزعت هذه القيم والمعتقدات الاجتماعية الكولونيالية العنصرية شرعية وجود العرب الفلسطينيين في فلسطين، ونفت حقوقهم القومية في وطنهم فلسطين، وجرّدتهم من إنسانيتهم، وحطت من مكانتهم، وأخرجتهم من المجتمع الإنساني. وتستمر هذه القيم والمعتقدات الاجتماعية الكولونيالية العنصرية المتناقضة مع القيم الإنسانية العالمية، في إعادة إنتاج وتعبئة الشخص اليهودي الإسرائيلي العنصري، من المهد إلى اللحد، عبر الأجيال المتتالية. فمنذ نعومة أظفاره، يجري شحن اليهودي الإسرائيلي بهذه القيم والمعتقدات الاجتماعية الكولونيالية العنصرية، في المنزل وفي رياض الأطفال ومقاعد الدراسة الابتدائية والثانوية، وفي أثناء خدمته الإلزامية في الجيش الإسرائيلي. وبعد إنتهاء خدمته في الجيش، وانغماسه في المجتمع، تستمر عملية الشحن والتعبئة بهذه المعتقدات والقيم العنصرية، من خلال خطاب قادة إسرائيل وأحزابها ومختلف نخبها ووسائل الإعلام والثقافة والأدب والمسرح والأفلام الإسرائيلية. ومما يحافظ على استمرار فعل هذه القيم، والمعتقدات الاجتماعية الكولونيالية العنصرية في المجتمع الإسرائيلي، واستمرار هيمنتها عليه، عدم وجود معارضة أيديولوجية وسياسية ذات شأن لها، فاليسار الصهيوني الإسرائيلي والقوى الليبرالية الصهيونية الإسرائيلية تتبنى هذه القيم والمعتقدات العنصرية، تماماً كما يتبناها اليمين واليمين الفاشي الإسرائيلي الصهيوني. ليس هذا فحسب، فاليسار الصهيوني هو نفسه الذي ساهم، مساهمة أساسية وحاسمة، في وضع هذه القيم والمعتقدات الكولونيالية العنصرية وبلورتها، سواء في أثناء تأسيس مجتمع المهاجرين والمستوطنين اليهود في فلسطين، أو بعد تأسيس إسرائيل. فالشعارات الكولونيالية العنصرية: &39; العربية الفلسطينية، وطرد العرب منها، و&39; (العمل العبري) والإنتاج العبري (مقاطعة المنتوجات العربية)، ويهودية &39; ويهودية الدولة، طرحها ودأب على تحقيقها آباء اليسار الصهيوني ومنظّروه. فهو يسار من دون أن تكون له قيم اليسار في العالم. فقيم المساواة والعدالة والحرية والإنصاف ومقاومة الظلم وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وعدم احتلال أرض الغير، غريبة عنه، وتتناقض مع قيمه ووجدانه. وتتمحور قيم اليسار الصهيوني، كما اليمين الصهيوني، حول الدولة اليهودية، وكيفية الحفاظ على يهوديتها، وتحقيق ما هو أفضل للدولة اليهودية، وحول الجيش والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية. إلى ذلك، حدثت، في العقدين ونيف الماضيين، تغييرات مهمة في المجتمع الإسرائيلي، زادت من عدوانيته وتطرفه وتفشي الفاشية في أوساط واسعة داخله، ومن تنكرّه لحقوق الفلسطينيين، أهمها: 1 – تغيرت تركيبة المجتمع الإسرائيلي، جرّاء هجرة ما يزيد عن مليون يهودي من دول الاتحاد السوفييتي سابقا، يستوطن نحو 14% منهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967. وتحمل غالبية هؤلاء أفكاراً وقيما عنصرية، وآراء سياسية يمينية متطرفة، معادية للفلسطينيين والعرب، وتترجم مواقفها هذه في سلوكها الانتخابي، بتصويتها في انتخابات الكنيست لأحزاب اليمين واليمين الفاشي. 2 – فَقَدَ اليسار الصهيوني، مؤسس وباني الدولة اليهودية، سيطرته وهيمنته على الاقتصاد والجيش والمجتمع وجهاز الدولة، وحلت مكانه أو همّشته، نخب يمينية ودينية جديدة، أكثر عدوانية منه تجاه الفلسطينيين والعرب. 3 – تغيّرت تركيبة الجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وازداد دور ونفوذ الفئات التي كانت تعد سابقاً في أطراف المجتمع الإسرائيلي، وخصوصاً اليهود المتدينين المتطرفين، وفي مقدمتهم المستوطنين منهم، إلى جانب اليهود الروس والشرقيين. وقد أصبحت المستوطنات في المناطق المحتلة تقوم بالدور الذي كانت تقوم به الكيبوتسات في العقود الأربعة الأولى لقيام إسرائيل لجهة إمداد الجيش والأجهزة الأمنية بالضباط والجنود، للخدمة في الجيش الدائم والأجهزة الأمنية. 4 - ازدادت قوة الدين اليهودي في المجتمع الإسرائيلي، وازدادت قوة التيار الديني الصهيوني اليميني المتطرف، والتيار الصهيوني القومي، وأخذ هذان التياران، اللذان يشكلان ما يطلق عليه &39;، يتبنيان مواقف وبرامج أشد عنصرية، وأكثر توسعية وعدوانيةً تجاه الشعب الفلسطيني. تغيرت تركيبة الخارطة الحزبية الإسرائيلية، في العقد ونصف العقد الأخير، بشكل واضح، وازدادت قوة الأحزاب اليمينية واليمينية المتطرفة، والأحزاب الدينية اليهودية المتطرفة، وتهمشت قوة أحزاب اليسار الصهيوني. ورافق ذلك انزياح مواقف المجتمع الإسرائيلي، ومواقف الأحزاب الإسرائيلية الصهيونية، ومنظومة قيمها نحو مزيد من العنصرية المتعصبة في عدائها الفلسطينيين وحقوقهم، ونحو تهميش القضية الفلسطينية والاحتلال. وقد تغيرت تركيبة حزب الليكود، في العقد الأخير، وهيمن عليه غلاة التيار اليميني الفاشي، بشقيه الديني و&39;، وأخذ يتبنى مواقف يمينية فاشية، تنافس وتبزّ، في غلوها وتطرّفها، حزبي &39; وإسرائيل بيتنا' اللذيْن ما انفكا يموضعان نفسيهما، منذ تأسيسهما إلى اليمين من حزب الليكود. أما حزبا شاس ويهدوت هاتوراه، الدينيان المتزمتان، فإنهما ينافسان بشدة في عنصريتهما وعدائهما الفلسطينيين وحقوقهم حزب الليكود وأحزاب اليمين الإسرائيلي الفاشي. وتتبنى هذه الأحزاب الخمسة التي تشكل صلب &39; في إسرائيل خطاباً شعبوياً عنصرياً استقوائياً، يعادي القيم الإنسانية العالمية، ويستخف بها، وبالعملية الديمقراطية، وبحقوق الفلسطينيين، ويدعو إلى استخدام القوة العسكرية لتحقيق الأهداف السياسية، ويعمل، بكل طاقاته، من أجل تكثيف الاستيطان في المناطق الفلسطينية المحتلة، بغرض تهويدها، والبطش بالفلسطينيين لكسر إرادتهم، وفرض الاستسلام عليهم. ازدادت العنصرية العدوانية المعادية للعرب باطراد في المجتمع الإسرائيلي في العقد الأخير. وانعكس ذلك، ليس فقط في سن الكنيست الإسرائيلي عشرات القوانين العنصرية المعادية للعرب، وإنما أيضا في مختلف مرافق الحياة والحيز العام في إسرائيل. وقد ساهم التحريض المنهجي والمنظم ضد العرب الفلسطينيين الذي قام به الوزراء، وقادة الأحزاب الإسرائيلية اليمينية والفاشية والنخب الإسرائيلية وكبار الحاخامات ووسائل الإعلام، والذي استند إلى منظومة القيم والمعتقدات العنصرية السائدة، أصلاً، في المجتمع الإسرائيلي، وإلى قوة بطش الدولة الإسرائيلية، وإلى ميزان القوى السائد في المنطقة؛ في استشراء الفاشية في صفوف قطاعات واسعة في المجتمع الإسرائيلي، لا سيما في صفوف القطاع اليهودي الديني الصهيوني، والقطاع الديني الحريدي، وفي صفوف أجزاء واسعة من القطاع 'القومي العلماني&39;الموت للعرب'، منذ فترة ليست قصيرة، يردد ويكتب ويرفع في المدن والبلدات الإسرائيلية، وفي المظاهرات العنصرية، وفي ملاعب كرة القدم. ويكاد لا يمر يوم من دون أن تقوم الجماعات الفاشية الإسرائيلية، ولا سيما عصابات تنظيم&39;، من دون الاعتداء على العرب الفلسطينيين وممتلكاتهم. مسألة الدولة الواحدة بعد وصول حزب الليكود إلى سدة الحكم في إسرائيل في 1977، وشروع إسرائيل، في أعقاب ذلك، في الاستيطان في مختلف أنحاء الضفة الفلسطينية المحتلة، ادعى إسرائيليون، في الثمانينيات والتسعينيات، لا سيما ميرون بنفنستي، أن الاستيطان الإسرائيلي أوجد واقعاً استيطانياً لا يمكن إزالته والتراجع عنه، وبالتالي، لا يمكن إقامة دولة فلسطينية في المناطق الفلسطينية المحتلة. وبعد التوصل إلى اتفاق أوسلو في 1993، واستمرار إصرار إسرائيل في رفض الانسحاب من المناطق الفلسطينية المحتلة، وتعزيز المشروع الاستيطاني في الضفة الفلسطينية المحتلة، ونشوء واقع استيطاني كولونيالي فيها، يتسم بسمات نظام الأبارتهايد البائد في جنوب إفريقيا، ولكن أسوأ منه في الواقع، ظهرت أصوات عديدة من خلفيات مختلفة، ادعت، استناداً إلى الواقع الاستيطاني الكولونيالي في الضفة الفلسطينية المحتلة، أن 'حل الدولتين&39;الدولة الواحدة&39;الدولة الواحدة&39;الدولة الواحدة&39;ثورياً&39;العمل&39;الكتل الاستيطانية&39;الكتل الاستيطانية' فضفاض، وغير واضح المعالم، وعدد الكتل الاستيطانية وحدودها غير معروفة، وهي دائمة التوسع في الأراضي الفلسطينية، على حساب الأراضي الفلسطينية التي تصادرها سلطات الاحتلال لصالح هذه الكتل الاستيطانية. وقد تمادى المستوطنون والحكومة الإسرائيلية أكثر وأكثر، وأخذوا، في العقد الأخير، في تعزيز الاستيطان في البؤر الاستيطانية والمستوطنات المنعزلة التي كانت حكومة شارون قد التزمت للإدارة الأميركية بإزالتها، لتعزيزها ومنحها وضعاً قانونياً، وإقامة كتل استيطانية جديدة. وكذلك قدمت قيادة السلطة الفلسطينية، في المفاوضات الثنائية المباشرة، تنازلات جوهرية بشأن حقوق اللاجئين الفلسطينيين، وتبنت صيغة المبادرة العربية للسلام في هذا الأمر التي اشترطت تحقيق حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم في داخل الخط الأخضر في إسرائيل، بموافقة إسرائيل. وإلى جانب تخليها عن الكفاح المسلح، تنازلت السلطة عن النضال الفلسطيني الجماهيري المنظم والمدروس لمقاومة الاحتلال والاستيطان، وتنازلت عن تفعيل محكمة لاهاي بشأن جدار الضم العنصري، وكذلك عن تفعيل تقرير غولدستون بشأن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 2008 و2009، وتنازلت عن المطالبة بفرض عقوبات دولية على إسرائيل، ووقفت علناً مراراً ضد هذا المطلب، واكتفت، عوضا عن ذلك، بالمطالبة بفرض عقوبات دولية على المستوطنات ومنتوجاتها، من دون أن تخصص جهداً كافياً لهذا الأمر. علاوة على ذلك، تمسكت قيادة السلطة الفلسطينية بالتنسيق الأمني مع إسرائيل، على الرغم من استمرار إسرائيل في الاستيطان ومصادرة الأراضي والبطش بالشعب الفلسطيني. وساهم هذا التنسيق مساهمة أساسية في طعن الحصانة الوطنية الفلسطيني، وكبح النضال الوطني الفلسطيني ضد الاحتلال، وفي استتباب الهدوء في الضفة الفلسطينية، في وقت يجري فيه استمرار الاستيطان، ومصادرة الأرضي الفلسطينية، بوتيرة عالية وغير مسبوقة؛ علما أن هذا الهدوء أدى إلى نقيض النتائج التي تسعى إليها السلطة، فما دام الهدوء مستتبا في الضفة الفلسطينية المحتلة، فإن إسرائيل لا تغير سياستها العدوانية الاستيطانية والرافضة للحقوق الفلسطينية، وأيضاً لا يحدث ضغط دولي عليها لتغيير سياستها. خلاصة القول، قدمت قيادة السلطة الفلسطينية تنازلات كثيرة جداً لإسرائيل، لا تضاهيها تنازلات قيادة أي شعب في أي صراع في الكون في العصر الحديث، كما رأينا أعلاه. وعلى الرغم من ذلك، لم تستجب إسرائيل لأي مطلب وطني فلسطيني، واستمرت في تكثيف الاستيطان، وتعميق الاحتلال والبطش بالشعب الفلسطيني، والاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية (حرق، منذ العام 2008، تنظيم &39; 43 مسجدا وكنيسة في الأراضي المحتلة وفي داخل الخط الأخضر)، وفي مقدمتها تغييرها 'الوضع القائم&39;روابط مدن وقرى ومخيمات'، تدير الشؤون المدنية لهذه المدن والقرى والمخيمات، فقط في أقل من 40% من مساحة الضفة الفلسطينية المحتلة، وتمنعها من الدخول إلى 60% من مناطق الضفة الفلسطينية المخصصة للاستيطان اليهودي. ولو كانت إسرائيل تريد تحقيق السلام مع الفلسطينيين والدول العربية، لاستجابت لمبادرة جامعة الدول العربية التي طرحتها سنة 2002، وتبنتها جميع الدول العربية، ودعت فيها إلى عقد اتفاقية سلام شاملة مع كل الدول العربية وإسرائيل، وتطبيع العلاقات معها تطبيعاً كاملاً في مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة سنة 1967، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، فقد رفضت إسرائيل هذه المبادرة، وتجاهلتها كلياً، ورفضت مجرد فكرة التفاوض بشأنها مع الدول العربية، لأن إسرائيل متمسكة بقوة بالاحتلال، وبمشروعها الاستيطاني الكولونيالي في الضفة الفلسطينية والقدس الشرقية المحتلة، وتعمل على تعزيز مشروعها الاستيطاني وتكثيفه وتوسيعه، لفرضه على الفلسطينيين والعرب، ولتحدّد إسرائيل، وفق هذا المشروع الاستيطاني المتوسع، دوماً حدودها السياسية، بعد عقود. والطريقة الأجدى التي وجدتها إسرائيل للمضي في التمسك بمشروعها الاستيطاني الكولونيالي وتعميق الاحتلال وعدم التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين في الزمن المنظور، هي تمسكها بالمفاوضات الثنائية المباشرة مع السلطة الفلسطينية تحت الرعاية الأميركية، فهي بالنسبة لإسرائيل الدرع الواقي لها من إمكانية تحمل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاه القضية الفلسطينية، وهي الوسيلة الأنجح للاستفراد بالفلسطينيين، والاستقواء عليهم، ولتجريدهم من مختلف عوامل قوتهم، ولإحداث تآكل مستمر في مواقفهم، وهي الغطاء الأفضل لاستمرار الاستيطان، وتعميق الاحتلال، وتجنب المقاطعة والعقوبات الدولية. استراتيجية فلسطينية موحدة حان الوقت أن تستخلص الحركة الوطنية الفلسطينية، بفصائلها المختلفة، الدروس من تجربة العقود الماضية، وفي مقدمتها: 1 – إن تقديم التنازلات لإسرائيل، والخضوع لها، وعدم مواجهتها، أو مقاومتها، لم يقد إلا إلى ازدياد عدوانيتها وتوسعها. 2 – جاء وقف المفاوضات المباشرة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية متأخراً، وكان ينبغي وقفها في عام 1999 عند انتهاء الفترة الانتقالية التي حددها اتفاق أوسلو، والخروج حينها من أسرها نهائياً. 3- تحقيق المصالحة بين حركتي فتح وحماس، وإنهاء الانقسام بينهما ضرورة لا غنى عنها، لأن ذلك شرط لا بد منه، من أجل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، ووضع استراتيجية فلسطينية موحدة لمقاومة الاحتلال والاستيطان. 4 – ضرورة وضع استراتيجية فلسطينية موحدة، تعتمد على الوحدة الوطنية الفلسطينية، ذات القيادة الوطنية الموحدة، والتي تتفق ليس فقط على إزالة الاحتلال والاستيطان وإقامة الدولة الفلسطينية، وفق حدود الرابع من يونيو/حزيران، والتمسك بالحقوق الفلسطينية الثابتة، وفي مقدمتها حق العودة، وإنما أيضا على وسائل النضال ووتيرته. 5 – ضرورة تفعيل كل عوامل القوة لدى الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها النضال الجماهيري المنظم والمدروس في المناطق المحتلة، للتصدي للاستيطان والاحتلال، وضرورة حشد الدول العربية والمجتمع الدولي لفرض العقوبات على إسرائيل، لعزلها ومقاطعتها، هي والمستوطنات ومنتوجاتها، وسحب الاستثمارات منها، وضرورة ملاحقتها دولياً، والعمل بجدية لطردها، أو على الأقل، تجميد عضويتها فيها، بما في ذلك العمل على استصدار قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة لتجميد عضوية إسرائيل من الأمم المتحدة أو طردها، ما دامت ترفض تنفيذ القرارات الدولية الخاصة بفلسطين، وتصر على استمرار الاحتلال والاستيطان، والتنكر لحقوق الشعب الفلسطيني، والبطش به . |