وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الانتفاضة تعانق السماء بتضحياتها وعنفوان الشباب

نشر بتاريخ: 09/12/2015 ( آخر تحديث: 09/12/2015 الساعة: 11:12 )
الانتفاضة تعانق السماء بتضحياتها وعنفوان الشباب
الكاتب: عباس الجمعة
جيل كامل من الشباب الفلسطيني الذي قاد انتفاضة الحجارة، وأشعل نارها لتحرق الاحتلال، جيل حمل مشاعل النضال ، ليخرج منه ذلك الجيل من المناضلين ، حيث تشكلت صورة انتصار المناضل الفلسطيني على القيد والقهر والحرمان، جيل رسم حلم كل المحرومين بلون ورائحة فلسطين، ليبدأ مشوار النضال الآخر في بناء ذاته وإثبات صورة الفلسطيني الذي يعشق الحرية ولا يتخذ الكفاح إلا وسيلة للتحرر والعيش بدولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة بعاصمتها القدس .

بعد ثمانية وعشرون عاما على الانتفاضة الاولى ، نهض جيل الشابات والشباب بعد اوسلو ليكتب واقع جديد على درب النضال، وصولاً إلى الجلجلة حيث يواصل تقديم قوافل الشهداء والأسرى والجرحى في معركة الحرية والاستقلال والعودة (أيقونة النضال وثالوث الحقوق المقدس) من اجل تحرير الارض والانسان، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس، وعودة اللاجئين إلى ديارهم التي هجّروا منها عام 1948.
نعم الشعب الفلسطيني يخوض الانتفاضة تلو الاخر حتى تعانق السماء بتضحياتها وعنفوان الشباب الذين يتقدمون الصفوف، وباتساعها ووصول شرارتها وأعمالها الكفاحية الى كل ارجاء فلسطين، وبإسناد مواقع اللجوء والشتات ، وهو يرسم بدماء الشهداء حدود الوطن تعبيرًا عن وحدة الأرض والشعب والمصير والحقوق.

لهذا تشير البوصلة الفلسطينية أن تسارع الأحداث والمواجهات اليومية تحتاج إلى إسناد عربي، لتكون قابلة للديمومة والاستمرار، ومن البديهي أن يكون دعم الاقتصاد الفلسطيني على سلم أولويات العرب، صحيح أن العرب هم طرف أساسي في هذا الاشتباك ضد الصهاينة، لكن بوصلتهم تتجه إلى إحناء الجباه لأفكار أمريكا.

امام كل ذلك فان الانتفاضة تستمر ومعها كل الشعوب العربية واحزابها التقدمية والقومية واحرار العالم ، حيث توجه الرسائل للجميع أن خيار أوسلو انتهى ، وان المفاوضات ولت الى غير رجعة لانها خيار مدمر، وان المقاومة هي الجزء الأكثر عافية في الجسم الفلسطيني ، لأن الفلسطيني قد عرف على أي كتف يسند رأسه، وعلى أي منبر يعلن خطابه النضالي سلماً أو مقاومة، لأن الطقس العربي اليوم يمر بالمجهول، مادام العرب قد أخرجوا من رؤوسهم الاشتباك المسلح مع العدو الصهيوني، فإن هناك خياراً لتحقيق المسار الفلسطيني نحو العودة والتحرير، هو فك الروابط الاقتصادية مع العدو الصهيوني وأن يخلو محلها بروابط متكافئة وقائمة على العدل مع الدول العربية وغيرها من دول العالم.

في ضوء ماتقدم، يمكن القول إنه لم يعد أحد يجهل مدى التزام الإدارة الأمريكية بالانحياز التام للكيان الاسرائيلي ودعم التنظيمات الإرهابية بصورة مباشرة أو غير مباشرة، عبر وكلائها في المنطقة ، وبطبيعة الحال فإن الواقع يثبت هذه الحقائق، وكعادتها في عدم الالتزام بقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وتجاهلها لحقوق الشعب الفلسطيني .
لهذا نقول ان مراوغة الإدارة الأمريكية واتخاذها المواقف المتناقضة ، وتوزيع الأدوار على مسؤوليها وإطلاق التصريحات المتباينة في محاولة بالغة الغباء لاستغباء الدول والحكومات والشعوب التي باتت متيقنة من أبعاد ومرامي السياسة العامة للولايات المتحدة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني وشعوب العالم كافة.

في ظل كل ذلك فأن الانتفاضة الشعبية اليوم تشكل فرصةً ذهبيةً للقطع مع رهان المفاوضات والانقسام اللذان ألحقا ضررًا بصورةِ ونضالاتِ شعبنا وحقوقه، وتضع الجميع أمام مسؤولياتهم الوطنية للخروج من الواقع المرير الذي عشناه منذُ أكثرّ من عقدين من الزمن، وهذا يستدعي انهاء الانقسام الجغرافي وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية ضمن اطار منظمة التحرير الفلسطينية وحماية المشروع الوطني ورسم استراتيجية وطنية وكفاحية تبدأ بتطبيق قرارات المجلس المركزي الأخير في آذار 2015 وسائر الاتفاقات الوطنية السابقة، دون تردد ،وتتويج ذلك بعقد المجلس الوطني الفلسطيني بمشاركة مكونات وأطياف شعبنا الوطنية والسياسية والاجتماعية والنقابية، والكفاءات الوطنية، وضخّ الدماء في عروق المجتمع الفلسطيني وحماية الانتفاضة وتطويرها وتعميق طابعها الشعبي وفاعلياتها الكفاحية وديمومتها، بما يؤلم الاحتلال على كافة المستويات.

ان الجيل الفلسطيني الذي كان ولازال عنوان العطاء، وهو الذي يواجه الإحتلال الصهيوني في انتفاضة القدس، حيث يقف بكل شموخ وشجاعة مع أطياف الشعب الفلسطيني برغم كل الألوان والرايات، إلا أن الفلسطينية والإنتماء هو الحافز الوحيد لوقفة شابات وشباب فلسطين، حيث يسجلون صفحات من نار ونور، وهم يستكملون المسيرة رغم كل التحديات والصعوبات.
الانتفاضة الأولى التي حركت الشعب الفلسطيني من أطفال وشباب ورجال ونساء ، كانت انتفاضة شعبية بامتياز نادرا ما عرف التاريخ البشري شبيها لها، كان من الممكن لهذه الانتفاضة الشعبية أن تتطور لكي تصبح عصيانا مدنيا شاملا ومن ثم لثورة شعبية قادرة على تغيير الواقع السياسي في المنطقة.
لقد غزت الانتفاضة الراهنة لغات العالم وقواميسها وأصبحت تستعمل بلفظها العربي في جميع أرجاء العالم، أصبحت الكلمة السحرية التي تعبر عن صرخة جميع المضطهدين بغض النظر عن انتماءاتهم. ومن ناحية أخرى أصبحت تهمة تدمغها الأنظمة ، لمحو الذاكرة الجماعية للشعب الفلسطيني.

ونحن اليوم نقف في الذكرى الثامنة والعشرون للانتفاضة الشعبية الفلسطينية الأولى، وبعد تقديم أسمى آيات الوفاء والإخلاص للشهداء ، حيث كنا نرى أن هذه الانتفاضة ستبقى متصاعدة إلى ثورة شاملة ، ولكن للاسف شكل اتفاق أوسلو العائق الكبير الذي ادى وقف الانتفاضة ، ورغم اندلاع انتفاضة الاقصى الثانية في أيلول 2000، تلك الانتفاضة التي استباح فيها الارهابي شارون كل الأرض الفلسطينية وداست دباباته اتفاق أوسلو وأزالت المسافات والفروق بين مناطق ( الف وباء وجيم) وحوصر الرئيس الشهيد الرمز ابو عمار في المقاطعة برام الله حتى تمت تصفيته بالسم،وهو االرئيس الذي حرض عليه شارون والمحافظين الجدد في واشنطن بأنه لا يريد السلام وداعم "للإرهاب" أي المقاومة،كما ادعى الارهابي شارون على جبهة التحرير الفلسطينية وامينها العام الشهيد القائد ابو العباس وحاولوا تسطيح الأمور وتشويها بأنه بمغادرة الرئيس الشهيد ابو عمار والقادة الشهداء العظام ابو العباس وابو علي مصطفى والشيخ احمد ياسين سيعم السلام وينتهي الارهاب، وهذا ما لعبته حكومة الاحتلال بمختلف ألوان طيفها السياسي من يمين ويسار والعازفة على نفس الوتر واللحن، لتدهش من كان متمسك بالسلام بأن هذا العدو لا يريد السلام ويجيد المماطلة والتسويف،وهو مستمر بسياسته القائمة على الاستيطان ويرفع لاءاتها لا عودة لحدود الرابع من حزيران والقدس عاصمة أبدية "لإسرائيل" ولا عودة لللاجئين.

ومن هنا ادرك الشباب الفلسطيني الذي يعاني ويلات الاحتلال الذي يزداد توغلاً وتوحشاً،ويشن حرباً شاملة على الشعب الفلسطيني على امتداد جغرافيا فلسطين ،لم يسلم منها لا شعبنا في فلسطين التاريخية عام 1948 ولا في الضفة الفلسطينية ولا في القدس ولا في قطاع غزة، ورغم
ما يجري في المنطقة والظروف الإقليمية والدولية المحيطة بفلسطين، وانسداد الأفق أمام التسويات والحلول، الا النزول الى الشارع بعد جريمة حرق محمد ابوخضير وعائلة دوابشة وتصفية واعتقال الشباب على الحواجز للإمساك بزمام المقاومة والكفاح والانتفاضة الشعبية، رغم حالةالانقسام الفلسطيني، فهو توحد تحت راية وعلم فلسطين في هبه وانتفاضة ثورية جديدة " ثورة الدهس والسكين والحجر والمقلاع، حيث يواجه بصدوره العارية رصاص جنود الاحتلال وغازهم السام ، ويتصدى للاحتلال متسلحا بحجارته التي لم يعهدها العالم أجمع، ولم تشهده ثوراته على مدى التاريخ الطويل واضعين نصب أعينهم هدفا واحدا يتلخص في دحر الاحتلال والاستيطان واستعادة كل فلسطين وعودة الحقوق المشروعه التي سلبها الاحتلال منهم وفي مقدمتها حق العودة ، وها هم شباب وفتيات فلسطين يقدمون أرواحهم قربانا على مذبح الحرية والفداء والدفاع عن المقدسات الاسلامية والمسيحية في مقدمتها المسجد الاقصى.
من هنا تبدأ الحكاية ولكن فصولها لم تنتهي بعد ، لأنها حلقة من مسلسلٍ طويل حافل بالثورات والانتفاضات التي لقنت الاحتلال درسا في فنون التضحية والفداء ، شعب يخضع للاحتلال من حقه ممارسة كافة أشكال المقاومة والمواجهة ، فالمقاومة الشعبيه بكافة اشكالها خيار لا يمكن ولا يجوز التفريط به طالما بقي الاحتلال جاثما على صدور الشعب الفلبسطيني الذي نال الاعتراف بدولته الفلسطينية المستقلة كعضو مراقب في الامم المتحدة، ومن هنا تصبح المقاومة والمواجهة حق له وهي أنجع وسيلة في دحر الاحتلال كما أثبتت التجربة التي خاضتها المقاومة في لبنان والثورات على امتداد العالم ، وهذه المقاومة حق لشعب خاضع للاحتلال كفلتها المواثيق والاعراف الدولية حتى الاقرار بحقوق الشعب الفلسطيني وثوابته المشروعة .

لهذا نرى ان من حق الشعب الفلسطيني مواصلة انتفاضه ثالثه التي حملت معها أساليب وابداعات جديدة، بدءاً مما يمكن تسميته ب"حرب السكاكين" وحتى عمليات الطعن والصدم والدهس، التي وجدت قبولا وتشجيعا فلسطينيا عارما ، وهي مرشحة لأن تحمل المزيد من هذه الإبداعات التي أسقطت كل إجراءات الاحتلال القمعية وقوانينه الإرهابية المشددة، ما دفع قادة الاحتلال الى حالة من الارتباك والتخبط ادت الى انهيار حكومة الاحتلال ، نتيجة هذا الصمود الاسطوري للشعب الفلسطيني الصامد في غزة والقدس والضفة الفلسطينيه والأراضي المحتلة عام 1948.
من هنا نقول على الجميع ان يتوحد خلف النهج الثوري حيث يسكن الوطن وتتجلى الثورة في روح شباب فلسطين الذي طالما قال العدو عنهم أنهم الصغار الذين سينسون وها قد كبر هؤلاء الصغار ،وما زالت فلسطين نبضا لا يتوقف بين ثنايا القلوب العامرة بالايمان نهو التحرير والانتصار.

ختاما : إنّ انتفاضة الشعب الفلسطيني تسطر أروع ملاحم المواجهة وببسالة قل نظيرها فهي تؤشر أن النازية والسادية والعنصرية لا مكان لهم في فلسطين، وسينتهي نظام الأبارتايد والتمييز العنصري، وآلة القتل الصهيونية وأيدولوجية المستوطنين وحاخاماتهم، كما انتهى النازيون والعنصريون إلى مزبلة التاريخ، لهذا نرفع الصوت من اجل دعم الانتفاضة من كافة القوى والاحزاب العربية ودعم صمود الشعب الفلسطيني وهذه خطوة مهمة على طريق تحرير الارض والانسان وإنجاز الحقوق المشروعه للشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس .