|
حينما لا يشعرُ بألمٍ مِنَ الأسماكِ كألمِ يأتيه مِنْ أبناءِ وطنه
نشر بتاريخ: 14/12/2015 ( آخر تحديث: 14/12/2015 الساعة: 14:46 )
الكاتب: عطا الله شاهين
تذكَّر ذاك الرُّجل الفارّ من حربٍ مجنونة ما زالتْ تطحنُ وطنه لحظة وصوله إلى مكانِ التّهريب بأنه عبارة عن بضاعةٍ يتم تهريبه كأية بضاعة مُهربة، وشعرَ لحظتها بمهانةٍ من المهرِّب الجشع الذي كان يصرخُ في الفارّين من موتِهم ويبصق عليهم ويأخذ أموالهم بكل وقاحة، وتذكرَ حينها بأنَّ له صديقة تعيشُ في هذه المدينة القذرة، فاتصلَ بها لكيْ تأتي ليراها قبل موْته ..
ومن حسن حظّ ذاك الرجل الفارّ بأن المهرِّبَ أرجأ الإبحار لساعاتٍ أُخرى كاحتياطات أمنية، ففرح ذاك الرجل لأنه سيرى بعد قليل صديقة طفولته، فهما كان يدرسان سوية قبل عقودٍ من الزمن في وطنه المدمر الآن من حربٍ دمرّت هناك كل شيء، ولكن صديقته هاجرت مع أهلها قبل عقدين، وأتت إلى هذه المدينة وانقطعت الاتصالات بينهما .. كان الرجل ينتظرها بكل شغفٍ على ذاك الميناء القذر، وحين وصلتْ تفاجأتْ منْ مجيئه، وقالت له: أتريدُ الهروب، فرّد عليها ليس أمامي سوى الهروب .. فسارا سوية باتجاه مكان هادئ ودردشا عن أُمورِ حياتهما، وقبل الإبحار حاولتْ صديقته أنْ تمنعه منِ ركوبِ المركب المتهالكِ، لكنها فشلتْ رغم كل الهمسات التي همستها له ذكرته بصخبهما أيام الدراسة .. وقالت له: ربما ستموت بعد ساعات من الآن، فرّد عليها فليس أمامي سوى الموْت، فأنا هربتُ من وطني لكيْ لا يمثلّوا في جثتي هناك، ففي البحرِ ستنهشني الأسماك دون أنْ أشعرَ بأيّ ألمٍ، أمَّا أنْ ينهشني أبناء وطني فلحظتها أشعرُ بالألمِ .. فقالتْ له : فعلا أنتَ صادقٌ فيما تقول، فما أصعب أنْ يقتلكَ ابن جلدتكَ، فحين تموتّ في البحر لنْ تشعرَ بأيِّ ألمٍ، ولن تتعذّب كما في وطنِكِ .. |