وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الآن حتى يكون غدا

نشر بتاريخ: 16/12/2015 ( آخر تحديث: 16/12/2015 الساعة: 10:52 )
الآن حتى يكون غدا
الكاتب: تحسين يقين
- لماذا؟
- حتى نضمن وصولنا الآمن للغد.
من الحدث الانتفاضي-الهبة، إلى محاولات الحفاظ على الوضع القائم، إلى تحركات فلسطين الأممية، فمبادرة د. سلام فياض الوطنية لرأب الصدع، إلى تصريحات الإدارة الأمريكية عن الدولة الواحدة ثنائية القومية، إلى أدبيات فكرية لنعوم تشومسكي وايلان بابي في الموضوع نفسه، إلى انتظار ما سوف يكون، ونكون.
للرومانسية ما لها، وللواقعية ما عليها!
فهل سنكون صادقين في كليهما؟
الآن مهم، من أجل أهمية الحديث عن المستقبل السياسي حول آفاق الكيانين السياسيين الفلسطيني والإسرائيلي، وربما غيرهما.
لم يكن حديث وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الصريح عن حل الدولة الواحدة نابعا من فراغ، بعد تسريبات "الإيجازات الصحفية الأمريكية عن الموضوع نفسه.
وليس هذا بعيدا عما تحدث به نعوم تشومسكي وإيلان بابي عن مستقبل الكيانين.

حديثنا عن الآن لا من قبيل "اليوم خمر وغدا أمر"، بل لعلنا أكثر حاجة إلى "اليوم أمر وغدا أمور"، إذا امتلكنا نية الفعل باتجاه الخلاص الجمعي.
كان امرؤ القيس في مجلس الشراب، حيث بعض غياب العقل، فأكمل ليله الأخير في اللهو، وحين قال غدا أمر، كان صادقا، لسبب بسيط هو احتياجه للتخطيط لحرب الثأر لمقتل أبيه. كان لديه الوقت الكافي والأرادة.
نحن في صحونا، حيث أن من المفروض فكريا وسياسيا وأخلاقيا أننا في مجلس الحل والعقد، لذلك فإن اليوم أمر، وأمره ببساطة أن نقود السفينة إلى أول البرّ، أو بداية النهاية.

"بداية النهاية" مصطلح واقعي قيل في سياق البدء الفعلي للحلول، لبلوغ الهدف، بعد التخفيف من العقبات، إن لم نستطع بإزالتها، كما يمكن ربطه بمصطلح "خارطة الطريق" التي سمعنا عنها بعد مؤتمر أنابوليس. وليس ذلك بعيدا عن مصطلح "إدارة الأزمة" التي ابتكرها الإسرائيليون في التعاطي مع المفاوضات.
واقعيا، لم تستدع الأحداث الدامية فعلا سياسيا، فهل مردّ ذلك هو انتظار انطفاء جذوتها للعودة إلى الطريق التقليدي في متابعة أمورنا السياسية؟ أم هو التخفيف من أهميتها؟ أو هو الزهد في الانفعال بها؟
ربما ليس المهم الآن البحث عن الأسباب، بل البحث عن فعل، فليس من المعقول أن تكون أفعالنا إعلامية، أو كيدية، أو تصفية حسابات، ومناكفات سياسية.
من المهم أيضا الانتباه إلى أن الآن ليس بعيدا عن الوضع السائد قبل الانتفاضة-الهبة؛ فما يحدث الآن هو تجليات ردود فعل الشباب بشكل خاص تجاه الأزمة. أي إنها موجودة أمس واليوم وغدا.
لذلك، فإننا الآن نحن محتاجون للتأكيد على بقائنا بدون خسائر انتظارا للمشاركة الفاعلة بصنع المستقبل.

ليس للأدب والفن، بل للحياة، خصوصا أن معظم من تحدثت لهم مؤخرا، حتى من الفئة الشابة، أجمعوا على أهمية حفاظ الأرواح والممتلكات، فإدراكهم/ن لمعنى التضحية هو إدراك واقعي، فيه تنظر الأعين للثمار السياسية.
كانت حرب امرئ القيس مع قتلة أبيه، فمضى يحارب، فرغم كراهة الحروب إلا أن حاله كان واضحا، فلم تتعقد تلك الأمور بعد.
لكن من يستعرض تاريخنا العربي فيما بعد، خصوصا في ظل الاعتداءات الخارجية علينا، يجد أنها تمت في ظروف التشظي والتشتت والاقتتال، ونحن هنا إنما حلقة من تلك الحلقات، حيث أعدنا إنتاج الانقسام، بسبب التأثير العميق للثقافة المؤسسة لهذا السلوك.
إذن، فإنه علينا اليوم على الأقل وقف هذا العبث السياسي، والبدء الفعلي بإنهاء الانقسام، لا لحل مسألة معبر رفح فقط من خلال إعادة الأمور لأصولها، بل لحل قضيتنا القديمة.

لذلك يمكن النظر موضوعيا ووطنيا لزيارة رئيس الوزراء السابق د. سلام فياض لغزة من هذا المدخل العملي للبدء الفعلي بإنهاء الانقسام وفق خارطة طريق "إطار منظمة التحرير المؤقت" تضمن كرامة الجميع، نستطيع من خلالها تطوير مناوراتنا السياسية من جهة، والحفاظ على منجزاتنا على الأرض بل وتطويرها باتجاه منطق دعم الشعب في طريق تحرره، ليكون أكثر قوة وعافية.
من غير المعقول أن نكون محايدين تجاه ما يتم اقتراحه من حلول، وحتى نمتلك إرادة الفعل فإن علينا أولا أن نكون معا، في ظل وحدة وطنية واعية، تراعي حال المجتمع الفلسطيني الذي يعاني من مشاكل اقتصادية معيقة لأي مدّ وطني وسياسي:

هذه بعض نتائج استطلاع للرأي لمركز أرواد عبر الإنترنت بين الشباب الفلسطيني حول الهبة الجماهرية:
84%يرون بأن مستقبل الشباب الفلسطيني محفوف بالمخاطر، مقابل 11% يرون بأنه آمن.
86% يعتقدون بأن الفرص المتاحة أمام الشباب الفلسطيني غير مرضية.
ومعروفة نسبة الشباب التي تزيد عن نصف المجتمع، أي أننا نتحدث عن المجتمع، خصوصا أن من هم خارج هذه الفئة يعانون اقتصاديا أيضا، ليس فقط من العاطلين عن العمل، بل من العاملين والموظفين أصحاب دخول محدودة في ظل الغلاء، وفي ظل استمرار الاقتناع بالسوق المفتوح في وضعنا تحت الاحتلال الكولينيالي.

وستكون الانتخابات ضرورية أيضا ليس فقط للأحزاب والفصائل، بل أيضا للشباب أنفسهم/ن من داخل الأحزاب وخارجها أكثر.
80% يرون بأن مستويات مشاركة الشباب في صنع القرار الوطني الفلسطيني غير مرضية.(استطرع أرواد).
ضمان تماسك المجتمع اقتصاديا، هو من سيساهم في ضمان السلم الأهلي، وصولا لحالة جمعية وطنية تكون أكثر قوة في مخاطبة العالم، ومناقشة مستقبل المنطقة، حيث لا ينقصنا -كأصحاب قضية مركزية عربيا وإسلاميا- أن نكون لاعبين رئيسيين.
نقرأ في ردود فعلنا السياسي، فنراه ينظر بضع خطوات، ننتظر من يعلّق على الأقل.

هناك وقت للرومانسية ووقت آخر للواقعية!
خلص تشومسكي وبابي إلى صعوبة حل الدولة الواحدة وحل الدولتين، ودعيا إلى وجود دولتين هنا، لكن في ظل حلول عادلة للمشاكل القديمة للصراع.
ربما تكون هناك مثلا إدارة للموارد!
نعوم تشومسكي عالم اللغة الامريكي الشهير المناصر لقضيتنا العادلة والمناهض للكولينيالية، وإيلان باب من المؤرخين الاسرائليين المنصفين والمنحاز إلى العدل والسلام الحقيقي.
ما بين اللغة والتاريخ الكثير، وتشومسكي هو من فسّر مستويات اللغة من خلال البنية السطحية(المنطوق) والبنية العميقة (الفكر). هل من رمزية ما تحضر؟
لعل البنية العميقة هي العقل الواعي الذي يحلل المجتمعين، اقتصاديا وحضاريا وثقافيا وسياسيا ودينيا، حيث يصبح من الضروري الاعتراف بخصوصيات الشعبين، وفي الوقت نفسه الاعتراف بضرورة العدالة في التوزيع، حتى لا تسيطر فئة (الإسرائيليون) على الأرض وما فوقها وما تحتها دون الأخرى (الفلسطينيين).

لذلك ليس المهم الآن فقط وجود حكومة ملتزمة "أمام الغرب"، بل أمام شعبها وأمام العالم في سياق تلبية متطلباتنا الوطنية.
حكومة بمرجعيات قيادية تبحث عن أدوات تأثير لا تقف عند طلب "الحماية الدولية" أو "محكمة الجنايات الدولية" أو "وقف التنسيق الأمني"، بل ما هو أكثر استراتيجيا في تثبيت حقوق الشعب الفلسطيني في أرض فلسطين التاريخية، وما فيها من خيرات وواردات، في ظل وجود كيانين سياسيين.
- نحن بحاجة لتخفيف وإنهاء الفجوات ما بيننا، وقتها من الممكن أن نخفف الفجوات الأخرى.
- حتى الفجوات مع الاحتلال؟
- صعب أن يطول الاحتلال، سينتهي لكن المهم هو ما بعد الاحتلال.

- الأرض، هكذا صاح مكتشفوها من البحر، ومن الجو، من سفينة نوح عليه السلام، إلى آخر سفينة فضائية.
- ها قد عدت رومانسيا!؟
- تلك حقوقنا وطموحاتنا.
واقعيا ورومانسيا، بكثير من الأمل والمحبة، وبإرادة واعية لاختبار بعض القيم، يمكننا العبور.
هل قلت المحبة؟ إن لم تكن فعلى الأقل نزيل الكراهية ونشيع التسامح، ففلسطين تستحق حبنا لبعضنا بعضا.