|
عندما يصحو الضمير وتنعدل السياسات:السويد والقضية الفلسطينية
نشر بتاريخ: 16/12/2015 ( آخر تحديث: 16/12/2015 الساعة: 11:00 )
الكاتب: د.احمد يوسف
تاريخياً، كانت السويد واحدة من بين الدول الأوروبية القليلة التي أعطت للقيم مكانتها، وجعلت للأخلاق اعتباراً في سياساتها، ولم تعمل بمبدأ المصالح أولاً وآخراً، بل مزجت في مواقفها بين المصالح والمبادئ فاستحقت الاحترام والتقدير والمكانة بين دول العالم.
ففي الثمانينيات، كانت السويد هي من أطلق الشرارة الأولى في إجراءات التظاهر والمقاطعة لنظام الأبارتهايد في الدول الغربية، والتي سرعان ما لحقت بها أوروبا مجتمعة بعد ذلك، ثم جاء الدور على أمريكا، والتي لم تستطع البقاء منفردة، تغض الطرف عن سياسات التفرقة العنصرية التي نبذها كل أحرار العالم، وتتلقى اللعنات والاتهامات وحدها، الأمر الذي جعلها في النهاية ترضخ، وتنخرط في جهود المقاطعة الاقتصادية، والتي عجلت بانهيار النظام العنصري في جنوب أفريقيا مع مطلع التسعينيات. ما أشبه الليلة بالبارحة، ها هي السويد - مرة أخرى - هي المبادرة في حملة الاعترافات الأوروبية بالدولة الفلسطينية، والتي شاهدنا على إثرها حراكاً أوروبياً واسعاً؛ رسمياً وشعبياً، قد يتمخض عن مواقف قريبة مشابهة لما حدث قبل ثلاثة عقود بانهيار دولة الأبارتهايد المارقة في جنوب أفريقيا، والذي تمثلها - اليوم - الاتجاهات اليمينية والدينية المتطرفة في إسرائيل. العلاقات الفلسطينية السويدية: تاريخ ومواقف منذ فوز حركة حماس في الانتخابات وتشكيلها الحكومة، اتيح لي الكثير من اللقاءات غير الرسمية مع شخصيات سويدية في قطاع غزة وأوروبا، حيث لمست تفهماً أفضل في مواقفها تجاه شعبنا وقضيتنا، وقد استمرت تلك العلاقة بعد تقاعدي من الحكومة، وعملي في مؤسسة بيت الحكمة؛ وهي مركز مستقل للدراسات وحل النزاعات، حيث لم تتوقف جلسات الحوار بحثاً عن مخارج وحلول لتعقيدات الأزمة الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي من ناحية، والخلاف القائم بين حركتي فتح وحماس من ناحية أخرى. في الحقيقة، حاول نشطاء في الحزب الاشتراكي الديمقراطي التحرك لعمل شيء، عندما كانوا في المعارضة أو في الحكم، وقد بذلوا الكثير من الجهود لتحقيق المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام، حيث قامت مؤسسة "أولف بالمى"، الذراع الإنساني الأممي لهذا الحزب، برعاية بعضاً من هذه الأنشطة والفعاليات ودعمها، كما عملت على فتح خطوط التواصل مع كل أطراف النزاع، وأظهرت حرصاً عالياً على جمع كلمة الفلسطينيين، إلا أن القيود التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على العلاقة بحركة حماس، حالت دون أن تأخذ مسارات هذه الجهود والتحركات بعداً رسمياً. لعقود طويلة كان القضية الفلسطينية مهمشة في الدول الغربية، ورواياتها مجيرة لماكينة الدعاية الإسرائيلية، فكانت المواقف والسياسات تأتي دائماً مؤيدة لصالح الدولة المارقة وهذا الكيان الصهيوني. كانت السويد واحدة من تلك الدول الأوروبية التي غشت أعينها رؤية حقيقة ما كان يجري من اغتصاب ونهب على أرض فلسطين، والذي كانت تقوم به العصابات الصهيونية وميلشياتها المسلحة ضد السكان الأصليين. ونظراً لغياب أية جاليات عربية أو وإسلامية خلال العشريات الأولى من القرن العشرين في السويد، مقابل جالية يهودية متمرسة في الثقافة الأوروبية، وفاعلة إعلامياً ومالياً هناك، ويبلغ تعدادها حوالي عشرين ألف نسمة، حيث نجحت في تشكيل الرأي العام، وكسب التأييد للفكرة الصهيونية في استيطان فلسطين على خلفيات لها أبعاد دينية وسياسية استمرت إلى يوم قيام إسرائيل، وحتى لما بعد احتلالها للكثير من الأراضي العربية في عام 1967م. ومن خلال مطالعة ما كتبه الباحث الفلسطيني رشيد الحجَّة في موسوعة "السويد والقضية الفلسطينية"، نجد أن الاحتلال وممارساته القمعية ضد الفلسطينيين شكلت منعطفاً هاماً في تحول الرأي العام السويدي، حيث بدأت إسرائيل تخسر شعبيتها شيئاً فشيئاً. في الحقيقة، يمكننا التحدث – كما يقول الباحث - عن مرحلتين رئيستين في تشكل الرأي العام السويدي تجاه فلسطين وقضيتها، بدأت فيها الأولى من الحيادية التامة، قبل بروز الفكرة الصهيونية باستيطان فلسطين، إلى التأييد الكلي للمشروع الصهيوني، وبلغت ذروتها في احتلال إسرائيل لكثير من الأراضي العربية، حيث هلل الكثير من الغربيين لقدرة إسرائيل؛ الكيان الصغير والديمقراطي، على التصدي لعدد من الدول العربية واحتلال أراضيها. والثانية بدأت عندما أدرك السويديون بأن إسرائيل هي دولة مغتصبة، ووصلت ذروة الرأي العام المستنكر لإسرائيل والمؤيد لحقوق الفلسطينيين في الأيام التي أعقبت الحروب العدوانية الثلاثة الأخيرة على قطاع غزة. ومن الجدير ذكره، أن الذي ألهب مشاعر السويديين في دعم اليهود في مشروعهم في فلسطين هو صعود النازية في أوروبا، واضطهاد اليهود وغيرهم من الأقليات الأخرى. فهيئوا لهم معسكرات الاستقبال والتدريب، ومن ثم الانتقال إلى فلسطين. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، نشأ في السويد وفي العالم أجمع ما يسمى بـ"عقدة الذنب"، وذلك لسكوتهم عما جري لليهود من اضطهاد ومجازر فيما يعرف بالمحرقة. وهذا ما جعل الأوربيون يشتغلون ليل نهار في غسل هذا العار على مدى سنوات طويلة، الأمر الذي استغلته الحركة الصهيونية حتى يومنا هذا. مما سهل فهم قبول نشوء دولة لليهود على أرض فلسطين في العام 1948م. لقد شكل مقتل مبعوث الأمم المتحدة الأمير السويدي؛ فولك برنادوت، على يد العصابات الإرهابية اليهودية تعقيدات كبيرة في الرأي العام السويدي، وأدى هذا إلى تأخير الاعتراف السويدي الرسمي بإسرائيل. خاصة، وأن هذا الوسيط السويدي اشتهر بعمله الإنساني في إنقاذ آلاف اليهود من براثن النازية قبل سنوات قليلة من مقتله على يد اليهود أنفسهم. ومن المعروف - حتى يومنا هذا - بأن الصهاينة ما فتئوا يستغلون عقدة الذنب هذه لكسب التعاطف والتأييد لدولتهم. في الواقع، ولم يكن هناك – آنذاك - جالية فلسطينية في السويد لتشرح ما يجري من انتهاكات واغتصاب للأراضي الفلسطينية، وأن الهجرة اليهودية إلى فلسطين تتم بطريقة غير مشروعة، وتحصل على حساب السكان الأصليين، كما لم يتمكن الفلسطينيون من إيصال ما جرى لهم من مذابح على يد العصابات اليهودية، الأمر الذي دفع بحوالي 700 ألف منهم لترك أرضهم وديارهم للنجاة بأنفسهم، وطلباً للأمان في دول الجوار. إن عجز الفلسطينيين إعلامياً، ترك الساحة السويدية فارغة أمام الفعل والتأثير للتنظيمات الصهيونية ومؤيديها في تشكيل الرأي العام بالرواية الإسرائيلية سواء ما يخص حرب 48، أو عام 67م، والتي نجحت فيها ماكينة الدعاية الصهيونية في تسويق مقولتها بأن العرب بجيوشهم الستة هم المعتدون على الدولة اليهودية الصغيرة والحضارية بمجرد إعلانها!! وبقي هذا التفسير سائداً في الثقافة السويدية – للأسف - إلى سنوات متأخرة. وقد جاءت كتابات المؤرخين الإسرائيليين الجدد، مثل إيلان بابيه في كتابه "التطهير العرقي لفلسطين" بفضح ما قامت به العصابات اليهودية من مذابح ضد المدن والقرى الفلسطينية قبل دخول الجيوش العربية بأشهر طويلة. لقد أثار نجاح الحركة الصهيونية في بناء دولة لها على أرض فلسطين إعجاب وفرح كبير لدى الساسة ورجال الدين والإعلاميين في جميع أنحاء السويد. وقد جرى في تلك الفترة تغييب القضية الفلسطينية في أروقة الأمم المتحدة وتحويلها إلى قضية لاجئين، حيث نادى الأمين العام للأمم المتحدة السويدي "داج همرشولد" بالتوطين كحل لهم. استمر الحال كذلك حتى بعد العدوان الثلاثي، الذي شاركت فيه إسرائيل مع بريطانيا وفرنسا، على مصر عام 1956م، وبعدها حرب يونيو لعام 1967م، التي احتلت بها إسرائيل ما تبقى من فلسطين وأراض عربية أخرى. النجاح الذي هللت له الحكومة والشعب في السويد. لقد كان نصر إسرائيل في حرب 67 على الجيوش العربية يحمل في ثناياه بذور الهبوط من القمة، كما يشير الباحث رشيد الحجَّة المقيم في السويد، وخاصة بعد إعلانها ضم القدس، ومن بعدها ضم الجولان، وتصريحات ساستها بعدم الانسحاب من تلك الأراضي. في تلك المرحلة من التحول، كان ظهور منظمة التحرير الفلسطينية كعامل جديد، حيث سطع نجمها، وتنامى بعد انتصارها في حرب الكرامة عام 1968م على الجيش الإسرائيلي. لم يحصل التغيير في الرأي العام السويدي بشكل فجائي، ولم يكن يعني هذا التغيير بأن من يغير رأيه يتحول فوراً ليصبح مؤيداً. فقد أجريت في السويد عدة استطلاعات للرأي العام في الأعوام 1973م، 1986م، 1988م، وكانت نسبة التأييد لإسرائيل - كلياً أو جزئياً - تتناقص من 49% إلى 20% ومن ثم إلى 9%، في حين كان التأييد لمؤيدي منظمة التحرير يتزايد باطراد. وقد انقلبت الموازين مع الزمن، ليصبح الرأي العام السويدي بمعظمه - حالياً - مؤيداً للشعب الفلسطيني في مطالبه بقيام دولته المستقلة على كامل الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967م، وعودة اللاجئين منهم، استناداً لقرار الأمم المتحدة 194 من جهة، ومستنكراً لما تقوم به إسرائيل من أعمال وإجراءات تعرقل عملية السلام مع الفلسطينيين. ولاختصار المشهد، فإن الدراسة التي أعدها الباحث رشيد الحجَّة، بعنوان: "تطور الرأي العام السويدي تجاه القضية الفلسطينية" في فبراير 2012م، تقدم عدداً من العوامل التي لعبت دوراً هاماً في تغيير الرأي العام السويدي من مؤيد لإسرائيل بشكل كامل إلى أغلبية عظمى مؤيدة للحق الفلسطيني، وهي بحسب التسلسل الزمني، كما يلي: 1- ظهور منظمة التحرير الفلسطينية وتوسعها، وبروز آثار أعمالها في المنطقة، إضافة لما تمَّ ذكره من احتلال إسرائيل لأراض العرب، وإظهار عدم نيتها بالانسحاب بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 242 . 2- حرب عام 1973م، واستخدام العرب سلاح البترول، الذي أدى بدوره للحوار البرلماني العربي - الأوروبي. وكانت الحرب وهذا السلاح هو العمل العربي المشترك الوحيد المؤثر على السويد وغيرها من الدول الغربية التي يعتبر البترول العربي شريان حياة لها. 3- موجات اللجوء والهجرة للفلسطينيين مع أطفالهم وعائلاتهم إلى السويد بعد حرب عام 1967م، ومذابح أيلول في الأردن عام 1970م، ومذابح تل الزعتر عام 1976م، وصبرا وشاتيلا عام 1982م، والمخيمات 1985م في لبنان، وما تلاها من مذابح وحروب ضد الشعب الفلسطيني. ما أدى لاختلاط السويديين مع حوالي عشرين ألفاً من الفلسطينيين المهاجرين إلى بلادهم، والتعامل معهم كبشر عاديين، وليسوا إرهابيين كما كانت تروج الدعاية الصهيونية في أوروبا. 4- تشكيل التنظيمات الشعبية السويدية وحركات التضامن السويدية مع الشعب الفلسطيني في نهاية الستينيات من القرن الفائت، مثل "مجموعات أنصار فلسطين"، التي لازالت فاعلة في مجال المساعدات الطبية وكتابة المقالات وتأليف الكتب وترتيب المحاضرات والسفر إلى فلسطين بكاملها ومناطق المخيمات وإنتاج الأفلام التلفزيونية وغيرها من نشاطات في تشكيل الرأي العام. 5- بدأ عدد من رجال العلم والقانون والإعلام السويديين بفهم القضية الفلسطينية، وكتابة المقالات، وتأليف الكتب وإنتاج الأفلام السينمائية والتلفزيونية التي تفيد بشرح مظلومية الفلسطينيين، وتفند أكاذيب الدعاية الإسرائيلية. 6ـ بعد الاعتراف الدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية، كانت السويد من بين من صوت للقرار، كممثل شرعي للشعب الفلسطيني في عام 1974م، افتتحت السويد مكتباً رسمياً للمنظمة في العاصمة ستوكهولم. وقد حصل ذلك في النصف الثاني من العام 1975م، الأمر الذي سهل التواصل بين المنظمة والجهات الرسمية والسياسية والنقابية في السويد من جهة، وساعد أبناء الجالية الفلسطينية في تنظيم أنفسهم، والاستفادة من إقامتهم هناك. 7- بعد الاعتراف وافتتاح مكتب لـمنظمة التحرير في السويد وقبله بقليل، اقتربت الأحزاب اليسارية من المنظمة، وأدخلت في برامجها قضية فلسطين، ويظهر هذا في نشاطاتها, ومن خلال البرامج السياسية التي تطرحها تلك الأحزاب في فترات الانتخابات العامة. وقد دعا الحزب الاشتراكي الديمقراطي الرئيس الراحل ياسر عرفات لزيارة السويد في عام 1984م، الزيارة التي يعتقد بأنها أدت إلى مقتل رئيس الوزراء السويدي، ورئيس الحزب المذكور "أولف بالمى" بعد عامين من الزيارة. 8- مشاهدات من رجال الطوارئ الدولية التي عملت في فلسطين وعلى الحدود المحيطة لها. فمنهم من دون مشاهداته في كتب ومقالات صحفية منذ العدوان الثلاثي على مصر في عام 1956م وما بعده. فعلى سبيل المثال كتب الجنرال كارل فورن هورن، الذي كان قائداً للقوات الدولية في كتابه الذي صدر في عام 1966"جنود السلام"، يقول: عندما سافرنا إلى إسرائيل، لم نكن نعرف إلا القليل عن العرب، والكثير الكثير عن اليهود وعذاباتهم في الحرب العالمية الثانية... إن أغلب الذين قدموا إلى هنا قد جاءوا بهدف مساعدة الطرفين ولتطبيق اتفاقية الهدنة، مع إدراك وتعاطف كبير للطرف الإسرائيلي. وعلى الرغم من ذلك، فقد تغيرت وبوضوح مواقفنا بعد سنتين أو ثلاث من الاحتكاك اليومي مع الموظفين والجنود والمواطنين العاديين على طرفي الحدود... وعندما تسأل جنود القوات الدولية اليوم عن خبراتهم السلبية التي عاشوها خلال خدمتهم في فلسطين، يجيبون دائماً: كانت هناك دائماً محاولات إسرائيلية لخداعنا. 9- كان لسلوك إسرائيل العدواني والتوسعي في المنطقة أثره الكبير في خلق حالة من الاستياء عند أهل السويد. عندما زادت احتلالها لأراض عربية جديدة في جنوب لبنان عام 1978م، وما تلاها من حروب على لبنان في عام 1981م، وغزوها للبنان واشتراكها في مذابح صبرا وشاتيلا، وضربها لحمام الشاطئ في تونس عام 1985م، وقيامها باغتيال شخصيات فلسطينية عديدة. ومن جهة أخرى، كانت علاقات إسرائيل الحميمة مع الدول العنصرية، مثل جنوب أفريقيا التي كانت معاقبة من قبل السويد، تفضح نوعية الفكر الصهيوني العنصري. وحربها المجنونة ضد الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية، ومن ثم مذابح جنين، وحربها العدوانية المتكررة على قطاع غزة، والبث الحي والمباشر للأحداث على شاشات التلفزة العالمية ووسائل التواصل الاجتماعي، والتقارير الأممية بارتكابها جرائم حرب وجرائم بحق الانسانية، ومن أشهرها تقرير جولد ستون، كانت كل هذه المشاهد هي الدليل على أن إسرائيل دولة مارقة تمارس الظلم والعدوان. أما بناء جدار الفصل العنصري، ووضع مئات الحواجز في قلب الضفة الغربية وحصار غزة، وقتل المتضامنين على أسطول الحرية في عملية قرصنة بحرية في المياه الدولية عام 2010م. كل ذلك أدى إلى فضح إسرائيل أكثر فأكثر، وأساء لسمعتها أمام الرأي العام السويدي، والعالم أجمع بطبيعة الحال. 10- الدعم الأمريكي والغربي اللامحدود والمفضوح لإسرائيل في كل شرورها، واستخدامات حق الفيتو في مجلس الأمن لعدم إدانتها لما تفعله، وتصرفها بعنجهية كدولة فوق القانون . وتأسيساً على ما سبق، فإن التطور المطرد للموقف الرسمي السويدي في فهم ما يريده الفلسطينيون، خاصة بعد الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل بعد توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993م، ثم ما طرحته المبادرة العربية عام 2002م، والذي دلل على جدية العرب في السلام، مقابل انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها عام 1967م، بما فيها القدس الشرقية، وحل مسألة اللاجئين الفلسطينيين، استناداً لقرار الأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948م، وأنه ليس في نيَّتهم إلقاء اليهود في البحر، كما أشاعت أبواق الدعاية المؤيدة لإسرائيل. السويد: توتر العلاقة مع إسرائيل في إطار مشهد التضليل والخداع الصهيوني، اعتادت إسرائيل أن يقف العالم الغربي إلى جانبها؛ مؤيداً ومدافعاً عن سياساتها العدوانية، وأن يتبنى روايتها في كل ما يجري من أحداث ذات صلة بها. وفي الآونة الأخيرة، بدأت دولٌ تخرج عن هذا الطوق والاستلاب، الذي درجت على التحكم فيه ماكينة الدعاية الإعلامية الإسرائيلية، والتي يتم من خلالها تسويق الأكاذيب بدون تدقيق أو تمحيص. اليوم، لم تعد إسرائيل قادرة على فرض روايتها؛ لأن ضمير العالم لم يعد قادراً على تجرع ما تبثه من أكاذيب تفضحها مشاهد الجريمة وصور القتل بحق الفلسطينيين، والتي تنقلها الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل لا تخطئه العين. إن واحدة من تلك الدول الأوروبية التي استيقظ ضميرها على المستوى الرسمي والشعبي هي السويد، والتي أثارت تصريحات قادتها حفيظة إسرائيل، ودفعتهم باتهام السويد بأنها الدولة الأكثر معاداة للسامية في أوروبا!! وقد نشرت صحيفة "يديعوت احرنوت" بتاريخ 20 أكتوبر 2015م، تقريراً ذكرت فيه بأن المسؤولين الاسرائيليين أشاروا إلى أن الدليل على معادة السويد لإسرائيل هو عدم اصدار اي ادانة لما اسموه "العمليات الارهابية"، والاكتفاء بدعوة القادة إلى التحلي بالمسؤولية ووقف قتل الابرياء من الطرفين. واشارت يديعوت الى ان العداء لإسرائيل أصبح امراً علنياً في السويد، من خلال مواقف السياسيين ووسائل الإعلام التي تنتقد اسرائيل بشكل كبير، موضحة أن السويد لم تخفِ مخالفتها وعداءها لإسرائيل منذ فترة طويلة، الأمر الذي دفع السفير الإسرائيلي للخروج بشكل علني وادانة موقف السويد. وبحسب الصحيفة، فإن هناك عدة عوامل أخرى هي التي دفعت إسرائيل لإدانة الموقف السويدي، وهي: أولا؛ اعتراف مملكة السويد بالدولة الفلسطينية، حيث كانت أول الدول في العالم وفي أوروبا التي تعترف بالدولة الفلسطينية، وقادت تحركاً دبلوماسياً من أجل تشجيع الدول الاوروبية على اللحاق بها والاعتراف بفلسطين. وأما بالنسبة للعامل الآخر، الذي اغضب إسرائيل من السويد، فهو أنها ساوت بين الضحايا الفلسطينيين والاسرائيليين، الذين سقطوا خلال موجة التصعيد الأخيرة، حيث اعتبر المسؤولون الاسرائيليون بأن السويد تكيل بمكيالين، كما أنهم اشاروا بأن تغطية وسائل الاعلام السويدية الرسمية أصبحت غير منحازة لإسرائيل في تغطياتها لما يجري في القدس من أحداث. كما عبرت سفارة اسرائيل عن غضبها من قرار وارة التربية والتعليم السويدية تعليم الفيلم الوثائقي السويدي الذي يتناول الحياة في غزة وسفن كسر الحصار، لطلاب المدارس السويدية، حيث يقارن الفيلم جرائم اسرائيل في غزة بالمحرقة النازية بحق اليهود في الحرب العالمية الثانية. بالطبع، كانت التصريحات التي أطلقتها وزيرة الخارجية "مار غوت وولستروم" هي الأبلغ دالة في مواقف الحكومة السويدية تجاه ما يجري من تجاوزت ضد الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية، حيث أشارت إلى أن إسرائيل تنفذ عمليات إعدام لفلسطينيين دون محاكمة، كما أنها ذكرت بأن العنف الذي يجري حول العالم له علاقة بحالة اليأس والاحباط والمظلومية التي لحقت بالفلسطينيين، وهو حديث أعقبته بعد ذلك تصريحات رئيس وزراء السويد ستيفان لوفين، بالقول: "إنه وفقاً للقانون الدولي فإن الطعن بالسكاكين لا يعتبر ارهاباً"، وهو الأمر الذي أخرج نتانياهو وأركان حكومته من عقالهم، ودفعهم للتهجم بوقاحة على السويد. ختاماً: على مدار أكثر من ثمان سنوات من التعامل مع الأوروبيين، من خلال موقعي الرسمي أو الحركي والأكاديمي، كنت أشعر دائماً بأن مملكة السويد ومعها أيضاً سويسرا والنرويج ، هم من أكثر الدول الغربية التي أظهرت تعاطفاً إنسانياً، وبذلت جهوداً سياسة صادقة من أجل التسريع بإيجاد حلٍّ للقضية الفلسطينية. ومما لا شك فيه، أن مواقف مملكة السويد عامة، والحكومة التي يشكل أغلبيتها الحزب الاشتراكي الديمقراطي، تتقدم - حالياً - سياسياً وأخلاقياً وإنسانياً على كل مواقف دول الاتحاد الأوروبي، وهي تستحق بجدارة - مع سويسرا والنرويج - كل الاحترام والتقدير فلسطينياً وعربياً وإسلامياً. |