وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

بخصوص المقاطعة و التطبيع!

نشر بتاريخ: 21/12/2015 ( آخر تحديث: 21/12/2015 الساعة: 12:46 )
بخصوص المقاطعة و التطبيع!
الكاتب: حيدر عيد
إن الحديث السائد هذه الأيام عن "تحدي" إسرائيل من خلال زيارات تطبيعية ذات طابع ديني أحيانا, و فني أحيانا أخرى, أو حوارات سياسية أو رياضية, و تصويت دولة عربية لصالح انضمام اسرائيل لمنظمة أممية, دون احتجاج رسمي فلسطيني, يشوبه الكثير من الأخطاء التي قد تكون عن وعي , أو عدم وعي! و لكن كون الطرح يأتي في هذا التوقيت بالذات, وبتأييد من قيادات محسوبة على تيارات سياسية كبيرة, و أحيانا نشطاء مجتمع مدني يخشون من فقدان التمويل الغربي لمؤسساتهم أو التصاريح التي يمن بها الاحتلال عليهم, يحتم علينا أن نفند المغالطات الكثيرة الواردة في هذا الطرح و العودة لأبجديات المقاطعة و تعريف التطبيع على الرغم من أننا, وأحياناً بسذاجة نعترف بها, كنا نتوقع أننا قد تخطينا هذه المرحلة!

بدايةً, إن الإدعاء الذي يروج له بعض موظفي منظمات الأنجزة ذات التمويل الغربي المشروط, و بعض مروجي وهم "السلام" القائم على الحوار بيم المضطهِد الصهيوني النووي و المضطهَد الفلسطيني الأعزل أن "هناك خلاف حول تعريف المقصود بكلمة تطبيع و ما هي النشاطات التي تندرج تحت هذا العنوان وبالتالي يجب ان تكون مرفوضة و ما هي النشاطات المسموح ممارستها و التي تندرج تحت عنوان الجهد الفلسطيني الوطني في محاصرة الاحتلال"هو طرح ينقصه الكثير الكثير من الدقة! و ضغطة صغيرة على كيبورد أي حاسوب تقود الباحث الى تعريف التطبيع الذي يتمحور حوله إجماع فلسطيني من قبل التنظيمات الوطنية و الإسلامية بالإضافة للأغلبية الساحقة من مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني7يوليو2007)! و من المعروف أن هناك مرجعية وطنية تقف خلف هذا التعريف,و لا يوجد خلاف حوله من قبل أي فصيل او مؤسسة مجتمع مدني وقعت على نداء المقاطعة الشهير الصادر عام 2005. و كانت الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية و الثقافية لإسرائيل قد صاغت هذا التعريف بطريقة أخذت في عين الإعتبار التجربة الجنوب أفريقية الناجحة تاريخياً:
التطبيع هو المشاركة في أي مشروع أو مبادرة أو نشاط، محلي أو دولي، مصمم خصيصا للجمع (سواء بشكل مباشر أو غير مباشر) بين فلسطينيين (و/أو عرب) وإسرائيليين (أفرادا كانوا أم مؤسسات) ولا يهدف صراحة إلى مقاومة أو فضح الاحتلال وكل أشكال التمييز والاضطهاد الممارس على الشعب الفلسطيني.

أما بالنسبة ل"النشاطات المسموح ممارستها و التي تندرج تحت عنوان الجهد الفلسطيني الوطني في محاصرة الاحتلال" و الإدعاء بانه لا يوجد معايير لها, فإن تعريف التطبيع نفسه يوضح أنه "يستثنى من ذلك المنتديات والمحافل الدولية التي تعقد خارج الوطن العربي، كالمؤتمرات أو المهرجانات أو المعارض التي يشترك فيها إسرائيليون إلى جانب مشاركين دوليين، ولا تهدف إلى جمع الفلسطينيين أو العرب بالإسرائيليين، بالإضافة إلى المناظرات العامة. كما تستثنى من ذلك حالات الطوارئ القصوى المتعلقة بالحفاظ على الحياة البشرية، كانتشار وباء أو حدوث كارثة طبيعية أو بيئية تستوجب التعاون الفلسطيني-الإسرائيلي." و بالتالي عندما صدرت معايير للمقاطعة تم دراستها من كل المشاركين في سكرتاريا اللجنة الوطنية للمقاطعة, و أهمها أن التطبيع ينطبق بشكل واضح على "أي نشاط أو مشروع يهدف لتحقيق "السلام" من دون الاتفاق على الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف حسب القانون الدولي وشروط العدالة" و "إقامة أي نشاط أو مشروع، يدعو له طرف ثالث أو يفرضه على الطرف الفلسطيني/العربي، يساوي بين "الطرفين"، الإسرائيلي والفلسطيني (أو العربي)، في المسؤولية عن الصراع، أو يدعي أن السلام بينهما يتحقق عبر التفاهم والحوار وزيادة أشكال التعاون بينهما، بمعزل عن تحقيق العدالة"

أما للإجابة عن سؤال"من هم الاسرائيليون المسموح الحديث معهم و في اي الأحوال" فإن الأجابة و اضحة :" أي مؤسسة إسرائيلية تقر علنا بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ولا تتلقى دعماً أو تمويلاً (جزئيا أو كلياً) من الحكومة الإسرائيلية!" و على هذه المؤسسة أن تقر بالحقوق الفلسطينية كما تعرف في الشرعية الدولية و هي " الحق في تقرير المصير، بما فيه حق اللاجئين في العودة والتعويض طبقا لقرار الأمم المتحدة 194، وكافة القرارات المتعلقة بعروبة القدس، وعدم شرعية الاستيطان ومصادرة الأراضي، وتهجير السكان بالقوة وتغيير الجغرافيا والديموغرافيا" و في هذا السياق لابد من التذكير بأنه يوجد الإن في اسرائيل حملة تدعو لمقاطعة الدولة و العمل على عزلها من خلال دعم النداء الفلسطيني للمقاطعة, و تطلق هذا الحملة على نفسها اسم )أي(المقاطعة من الداخل.)Boycott From Within)
و كان نداء المقاطعة الصادر عام 2005 قد ناشد منظمات المجتمع المدني في العالم بفرض مقاطعة واسعة لإسرائيل، وتطبيق سحب الاستثمارات منها، في خطوات مشابهة لتلك المطبقة ضد جنوب أفريقيا خلال حقبة الأبارثهايد حتى تنصاع اسرائيل للشرعية الدوليةالتي تنص صراحة على:
• إنهاء احتلالها واستعمارها لكل الأراضي العربية وتفكيك الجدار
• الإعتراف بالحق الأساسي بالمساواة الكاملة لمواطنيها العرب الفلسطينيين
• إحترام وحماية ودعم حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم واستعادة ممتلكاتهم كما هو منصوص عليه في قرار اﻷمم المتحدة رقم 194.

و أهم ما يميز هذه المطالب الثلاث أنه لا يمكن تجزأتها. إن الخطر الكبير يأتي من التعامل مع كل مطلب بمعزل عن المطالب الأخرى كما يحاول بعض المرتبطين بوهم حل الدولتين العنصري أن يفعلوا. و الأخطر من ذلك عدم التطرق بالمطلق للطبيعة العنصرية لإسرائيل ومحاولة التوصل لصيغة تنص على إيجاد"حل عادل لقضية اللاجئين!" بدلاً من المطالبة بتطبيق قرار الأمم المتحدة 194 و التأكيد على حق اللاجئين في العودة بدلاً من جعله موضعاً للمساومة على طاولة مفاوضات لا تمثل بأي شكل من الأشكال توازناً للقوى بين المضطهِد المستعمِر و المضطهَد المستعمَر. و الأدهى من ذلك عدم القدرة (الفكرية)على فهم الدعوة للمساواة لفلسطينيي ال48. النضال الجنوب أفريقي ضد نظام الأالبرتهيد العنصري إعتمد أساساً على تفكيك البنية العنصرية لذلك النظام من خلال طرح نقيضه الجذري, اي المساواة. و بالتالي تهاوى النظام بمجرد توجه كل سكان جنوب أفريقيا لصناديق الاقتراع عام 1994.

هذا هو السبب الرئيسي من خوف اسرائيل الوجودي من الربيع العربي بشعاراته المرفوعه من ديمقراطية حقه و عدالة اجتماعية. بل أن كل التقارير الاسرائيلية, السرية و المعلنة, عما تسميه "الخطر الوجودي" الذي تشكله حملة المقاطعة العالمية ذات القيادة الفلسطينية تركز على مطلبي العودة و المساواة الذين سيؤديان اإلى تهاوي منظومة الاضطهاد المركب. و هناك من يختلف مع هذا الطرح بسبب البنية الفكرية الضيقة التي صغرت القضية الفلسطينية الى مواجهة في مناطق ال67, و بالتحديد في غزة, و بالتالي انحسار المقاومة بشكل واحد دفاعي عمل على صد العدوان الاسرائيلي الهمجي ثلاث مرات دون التحرك قيد أنملة نحو بعد تحريري يفرض على اسرائيل إعادة الحسابات, فما أسمته "بالخطر الاستراتيجي" أو "الوجودي" يأتي إما ممن يملك قدرات نووية أو حملة تعمل على تحشيد كل الطاقات التضامنية العالمية وصولا إلى عزلها بالكامل.

ومن المغالطة الطرح أن الجدل "هوحول جدوى العمل على الساحة الاسرائيلية من عدمها مع القوى و الشخصيات السياسية التي تقبل بحل الدولتين"—و ليس هنا مجال الحديث عن القوى الصهيونية المؤيدة لحل الدولتين و المعارضة لحقي العودة و المساواة. على العكس من ذلك فإن العمل يجب أن يكون بالنضال لاصلاح الخلل الهائل في توازن القوى مع مجتمع يتجه نحو الفاشية بخطى سريعة, إن لم يكن قد وصلها. لم تحاول الحركة المناهضة للتفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا "إقناع الشارع الأبيض" بضرورة إنهاء نظام الأبارتهيد, بل دعت للمقاطعة بكل أشكالها. و لم تتباكَ تلك الحركة على " ترك هذا المجتمع المفتوح للدعاية اليمينية المتطرفة و لأكاذيب الساسة البيض الذين يقولون ان السود يريدون ان يلقوهم في البحر و انه لا يوجد شريك أفريقي و ان المشكلة ليست في الأبارتهيد بل المشكلة في ثقافة الأفارقة القائمة على القتل و الارهاب و كره البيض"! كذلك لم تعتبر تلك الحركة ما يحدث في البلاد "صراعاً", بل تفرقة عنصرية فجة معادية لحقوق الإنسان!

إن رواية المضطهَد المستَعمَر لا يمكن إيصالها للمضطهِد المستعمِر من خلال مفاوضات عبثية تخلق الإنطباع الزائف أن هناك حوار بناء بين"طرفين متساويين في القوة."بل أن المقاطعة هي البديل لأنها "شكل نضالي مشروع أقرته المواثيق و الأعراف الدولية".
إن البديل النضالي لمفاوضات ثبت عقمها هي المقاطعة لأنهاإستراتيجية نضالية أثبتت فعاليتها الهائلة , بل أنها تتصدر حاليا الأدوات النضالية ضد سياسات الإحتلال و الأبارتهيد و الإستيطان مجتمعة! إن تقديم الرواية الفلسطينية عن طريق مفاوضات عبثية تطبيعية يصب في مصلحة الحملة التي تقوم بها إسرائيل من "تسويق"لصورتها و "تجميل" وجهها في مواجهة المد المتنامي لحملة المقاطعة الدولية التي تعمل, و بوضوح, على عزل الدولة العبريّة! نعم, عزل اسرائيل كما عُزل النظام العنصري بشكل كامل في نهايات الثمانينيات! نعم, حملة المقاطعة تدعو لخلق "أعداء لاسرائيل"! نعم, هي تدعو لمقاطعة إسارئيل بالكامل أقتصاديا و أكاديميا و ثقافيا و رياضيا, و ليس فقط مقاطعة بضائع المستوطنات أو وسمها, أو السماح بدخول مشروبات تبوزين إلى القطاع المحاصر و التباهي بفرض ضريب مرتفعة عليه!

إن معظم من تم اللقاءو الحوار معهم من إسرائيليين خلال مفاوضات العشرين سنة الماضية هم مجرمو حرب يجب تقديمهم لمحكمة الجنايات الدولية و لا يمكن مقارنتهم بأي شكل من الأشكال مع من يجب أن يمثل آلام و نضالات الشعب الفلسطيني. فالمقارنة التي تنشأ عن هكذا "لقاءات و حوارات و مفاوضات" تعطي ذلك الانطباع الخاطئ, بل أنها ترتكب جريمة تطبيع الإضطهاد و العبودية و جعلهما أمرا "طبيعيا"! فنحن شعب يعاني ويلات الإحتلال و الأبارتهيد و الإستيطان و التطهير العرقي الممنهج! و"الطرف الثاني" يمثل الذراع الضاربة لمن يمارس هذه الجرائم!
و من الملاحظ أن اسرائيل حاولت تجميل صورتها من خلال حملة الهاسبراة (البروباجندا) الإسرائيلية التي أشرفتعليها وزارة الخارحية و التي انطلقت أساسا كرد فعل على نمو حملة المقاطعة الدولية يتوجيهات فلسطينية, و كانت تعمل, حسب موقع وزارة الخارجية , على تسويقإسرائيل و تجميل وجهها الملطخ بدماء الضحايا. و لكن هذه الحملة فشلت فشلا ذريعاً مما اضطر رئيس الوزراء نتانياهو لتحويل "ملف محاربة المقاطعة" الى وزارة الشئون الاستراتيجية المعنية بالملف النووي الإيراني! و الآن تم تكليف وزارة متخصصة بمواجهة الحملة.

و كان تقرير مؤسسة ريوت (رؤيا) الاسرائيلية, الذي تم اعتماده في مؤتمر هرتسيليا قبل بض3 سنوات بعنوان "نزع شرعية إسرائيل", قد أقرَّ أن حملة المقاطعة (بي دي أس) تنجح في مسعاها لعزل إسرائيل من خلال إبرازها كدولة مارقة, خارجة عن القانون, و دولة أبارتهيد حسب تعريف القانون الدولي, وبالتالي يجب معاملتها كنظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا. و نصح التقرير المذكور بالتعامل مع حملة المقاطعة من خلال حملات مضادة تقوم بها وزارة الخارجية و تعمل على تجنيد سياسيين و مثقفين و فنانين (و من الأفضل لو كانوا فلسطينيين!) لتغيير هذه الصورة القبيحة و "تسويق" إسرائيل على أنها دولة "تقدمية, ديمقراطية, حرة!"

ما حصل في غزة 2009 و 2102 و 2014 من جرائم هائلة تقشعر لها الأبدان, و وقوف المجتمع الاسرائيلي خلفها بقوة , أنما يدل على أنه مجتمع, بشكل عام, يتميز بصفات فاشية عنصرية, مع بروز بعض الأصوات الخافتة المعارضة. و لكن أي قراءة لنسبة من أيدوا الحروب على غزة, و اكتساح اليمين العنصري للانتخابات السابقة, و لا شك القادمة, انما يحب أن تؤدي لنتيجة واضحة ألا وهي أن تكرار الحديث عن العودة للمفاوضات على نفس الأسس, و أن هناك من نستطيع أن نحاورهم لأننا يجب أن نوصل روايتنا, أو من ينظر نظرة تعالي للمقاطعة و تلفت نظره فقط عندما يقول الاعلام الصهيوني, أو الغربي, أنها تحرز إنجازات هائلة, إنما يعبر عن أصوات هامشية تعاني من قصور فكري و غير قادرة على استيعاب دروس التاريخ!
إن تقديم الرواية الفلسطينية للاسرائيليين يجب أن يكون من خلال العمل على عزلهم بالكامل و الإصرار على دعوة المجتمع الدولي لمقاطعة المؤسسات الإسرائيلية التي لا تعترف بالحق الفلسطيني المقر من قبل الشرعية الدولية. إن الرواية الفلسطينية هي رواية مقاومة لا تساهم بأي شكل من الأشكال في "تجميل" الوجه القبيح للاحتلال و الأبارتهيد, هي رواية حقوق في مواجهة استعمار استيطاني. و بالتالي فإنها رواية تستلهم الأساليب النضالية الخلاقة من تجارب شبيهة نجحت في التخلص من إضطهاد الاستعمار الاستيطاني العنصري!




.