|
البروفيسور هالبر يعرض كتابه "حرب على الشعوب"
نشر بتاريخ: 21/12/2015 ( آخر تحديث: 22/12/2015 الساعة: 10:21 )
رام الله- معا- دعت مجموعة من السياسيين والأكاديميين والناشطين إلى تبني سياسة فلسطينية فعالة تقوم على وجوب تحمل دول العالم مسؤولياتها في التعامل مع إسرائيل، كدولة احتلال واستيطان و"عنصرية"، وفق الالتزامات التي يرتبها القانون الدولي على هذه الدول، بما يتطلبه ذلك من اتخاذ إجراءات عملية رادعة ضد إسرائيل في إطار العلاقات الثنائية معها، وكذلك ضمن منظومة الهيئات الدولية المختلفة.
وأكد هؤلاء أهمية انطلاق هذه السياسة الفلسطينية من دراسة الأسباب التي تتيح لإسرائيل مواصلة احتلالها وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني والإفلات في الوقت ذاته من المحاسبة وفق ما تقتضيه أحكام وقواعد القانون الدولي، وبخاصة من حيث العوامل التي تدفع عددا كبيرا من دول العالم إلى ممارسة سياسات مزدوجة في التعامل مع إسرائيل، إذ تعتبر الاحتلال غير شرعي وينبغي إنهاؤه من جهة، وتواصل من جهة أخرى توثيق وتعميق علاقاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية مع إسرائيل. ونوهوا إلى أن إسرائيل ترفض بشكل قاطع إقامة دولة فلسطينية على أساس "حل الدولتين"، وتواصل تعميق الاحتلال والاستيطان مستندة إلى قوتها وتفوقها العسكري، إضافة إلى شبكة من المصالح التي تقيمها، ليس مع أميركا وأوروبا فحسب، بل مع دول أخرى تعتبر صديقة للشعب الفلسطيني مثل الصين والهند وروسيا ونيجيريا، حيث تحكم هذه الدول مصالح مشتركة مع إسرائيل، لا سيما في المجال الأمني والعسكري، الأمر الذي حوّل إسرائيل إلى "سمسار عسكري"، ما يجعل هذه الدول تحجم عن ممارسة الضغط المطلوب على إسرائيل لكي تنهي احتلالها كمقدمة لإقامة الدولة الفلسطينية. جاء ذلك خلال ندوة نظّمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) في مقريه بمدينتي البيرة وغزة عبر تقنية "الفيديو كونفرنس"، لمناقشة كتاب "حرب على الشعوب ... إسرائيل، الفلسطينيون، والتهدئة العالمية" للبروفيسور جيف هالبر، رئيس الحركة الإسرائيلية ضد هدم البيوت، والناشط في مجال حقوق الإنسان منذ مطلع الستينيات، ومن المناهضين للاحتلال الإسرائيلي والاستيطان. وأدار الندوة معين رباني، عضو مجلس إدارة مركز مسارات، وأحد الباحثين الذين قاموا بمراجعة الكتاب قبل صدوره، مؤكدًا على أهمية ما تضمنه كتاب هالبر الجديد من حيث إبراز كيفية توظيف إسرائيل لتفوقها العسكري والتكنولوجي، لصالح تعزيز علاقاتها مع دول العالم، والإفلات من المساءلة والمحاسبة على جرائمها، وتأثير ذلك على القضية الفلسطينية، بينما أدار الحوار في غزة صلاح عبد العاطي، مدير مكتب مسارات في القطاع. وقدم هالبر عرضا ملخصا لكتابه الذي ركز فيه على دراسة الكيفية التي استطاعت إسرائيل من خلالها البقاء بعيدة عن المساءلة رغم كل العنف والاضطهاد والاعتداءات المتكررة على الشعب الفلسطيني، وكذلك كيف استطاعت إبقاء احتلالها لهذا الشعب الذي طردته من أرضه قسرا واستولت على مقدراته وأرضه ما يقارب نصف قرن من الزمن رغم معارضة العالم كله تقريبا، وكيف كان باستطاعة العالم غض الطرف عما تقوم به هذه الدولة المحتلة والعنصرية من أهوال ضد الفلسطينيين. وتناول التبريرات التقليدية بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا مثلا، من قبيل أن إسرائيل "أمة من البيض" تخوض حربا ضد "الإرهاب الإسلامي" وتقاسم الغرب (الولايات المتحدة وأوروبا) الأخلاقيات والقيم، ومنها أيضا أن إسرائيل تمثل مصلحة إستراتيجية للولايات المتحدة في المنطقة، وأطماعها في السيطرة على منابع البترول، وحرصها على وجود "شرطي" في منطقة الشرق الأوسط يساعد على استقرار الديكتاتوريات الحاكمة واستمرار سيطرتها على شعوبها. وأشار إلى زيادة الدعم الإسرائيل بعد أحداث 11 أيلول على أساس أنها لعبت دورا مهما في مساندة الحرب الأميركية على "الإرهاب"، إلا أن الولايات المتحدة بدأت تلاحظ مدى تأثير دعمها المستمر لإسرائيل على حساب الفلسطينيين على علاقاتها مع دول المنطقة، وحلفائها العرب، ولذلك فإنها تنتقد بعض السياسات الإسرائيلية دون اتخاذ إجراءات لوقفها، بل وتحافظ على تقديم دعم يضمن استمرار تفوق إسرائيل على دول المنطقة مجتمعة. ونوه هالبر إلى مكانة إسرائيل في مجال التكنولوجيا المتقدمة والذكية (الهاي-تيك) وتفوقها العسكري بالأسلحة التي تقوم بإنتاجها وتصديرها لنخبة الدول في العالم المتقدم، فإسرائيل هي ثاني أكبر مصدري الأسلحة الذكية لدول مثل الصين والهند والباكستان وحتى نيجيريا، وهي تسوق لهذه الأسلحة باعتبارها أسلحة مجربة في الميدان، أي أن إسرائيل تصدر ليس فقط أسلحتها، بل تصدر من خلال هذه الأسلحة تجربتها في قمع الشعب الفلسطيني إلى هذه الدول لتمكينها من قمع شعوبها، مثل قيام الصين بقمع شعب التبت والأقلية المسلمة في بعض المحافظات. وتطرق إلى الكيفية التي تستطيع فيها إسرائيل إقناع العالم بما تقوم به من أهوال ضد الشعب الفلسطيني، وذلك عن طريق خطة تواصل مع العالم يقوم بها الجيش الإسرائيلي، بإقناع الحكومات بأن ما تقوم به ضد الشعب الفلسطيني يشبه ما تقوم به هذه الحكومات في محاولة قمع تمرد مواطنيها وشعوبها، واستدل على ذلك بزيارة الناطق باسم الجيش الصيني لنظيره الإسرائيلي ليطلع على الطريقة التي استطاعت فيها إسرائيل الترويج على المستوى العالمي لحربها الإجرامية وغير المتوازنة ضد المدنيين في قطاع غزة نهاية العام 2008. وبيّن أنّ السلطة الفلسطينية متجهة نحو الانهيار، وسيفتح غيابها عن المشهد السياسي المجال أمام آفاق وسيناريوهات جديدة، يجب أن يكون الفلسطينيون جاهزين لها، وبخاصة من حيث سيناريوهات الحل التي قد تطرح. ونصح الفلسطينيين بتحديد إلى أين يتجهون، وبلورة إستراتيجية للحل تأخذ بعين الاعتبار أن "حل الدولتين" انتهى بفعل السياسات الإسرائيلية، وأن نظام السيطرة الإسرائيلي القائم لم يعد احتلالا بل نظام عنصري (أبارتهايد)، وكيف يريدون إقناع العالم بعدالة قضيتهم. وأوضح أن ما يجري هو محاولة "فلسطنة" صراعات الدول مع شعوبها، أي تعميم نموذج قمع إسرائيل للشعب الفلسطيني ومحاولة تدجينه لاستنساخه في أساليب قمع وتدجين الشعوب في العديد من البلدان، وهو أمر ينبغي مواجهته بتحويل مقاومة الشعب الفلسطيني إلى نموذج كوني أو عالمي تستلهمه الشعوب المضطهدة في كفاحها ضد الاستبداد، منوها إلى أن القضية الفلسطينية ليست مجرد قضية محلية تخص الفلسطينيين وحدهم، بل قضية كونية تخص مختلف شعوب العالم، كما يشير إلى ذلك اتساع حركة المقاطعة في العالم، التي اعتبرها تجربة بالغة الأهمية، رغم عيبها الوحيد المتمثل في غياب رؤية لاتجاه الحل النهائي. وأضاف هالبر: أن اليسار المؤيد للحقوق الفلسطينية في إسرائيل، لاسيما المناهض "للصهيونية"، بات ضعيفا جدا، وليس بإمكانه إحداث التغيير في المجتمع الإسرائيلي، ولذلك فإن هذا اليسار يعتمد على رؤيا الشعب الفلسطيني للاتجاه الذي يريده انطلاقا من تعاطف العالم مع عدالة القضية الفلسطينية، وإن أفضل ما يمكن للفلسطينيين فعله الآن، هو استخدام نفس أسلوب إسرائيل مع حكومات في العالم، ولكن بالعمل مع شعوب العالم وليس انتظار تغيير في مواقف الحكومات. وهو ما يتطلب تبني خطاب لإقناع الشعوب بأن نضالنا ضد الاحتلال، هو نضالكم ضد أنظمتكم وحكوماتكم، وأن نضالنا مشروع ضد التمييز العنصري الإسرائيلي، وذلك لخلق ضغوط شعبية على الحكومات. وقال إن هدف الكتاب هو توفير المعلومات حول أسباب حفاظ إسرائيل على احتلالها لفلسطين من خلال ترويجها لمنظومات السيطرة التي تعتمدها والأسلحة والتكنولوجيا العسكرية والأمنية على المستوى العالمي، لكي تكون في متناول الحريصين على تحرر الشعب الفلسطيني وإنهاء الاحتلال، لأنه ليس من السهل محاربة ما لا نعرف أسبابه، إضافة إلى تحليل منظومة التركيبة الأمنية العالمية، وحروب الحكومات ضد الشعوب، وقيام إسرائيل باستغلال هذا التوجه على الصعيد العالمي وفي المنطقة لدعم الحكومات في حروبها لقمع تمرد شعوبها عبر تزويدها بما يلزم من وسائل قمع وتعزيز هذا التوجه العالمي، بما يخدم إدامة سيطرتها على الفلسطينيين. ودعا إلى تشكيل حركات ضغط من الأسفل إلى الأعلى، أي من القاعدة الشعبية للضغط على الحكومات، وذلك لتقويض النظام العالمي الساعي لتغييب الشعوب والقضاء على تمردها ضد الظلم والطغيان، تحت شعار استعادة التهدئة والسلام العالمي، إلا أنه في نهاية المطاف لا يوجد شعب يرضى بأن يتم تغييبه وقمع حرياته وحكمه بالحديد والنار باسم السلام أو باسم استعادة التهدئة. واختتمت الورشة بكلمة أشاد فيها هاني المصري، مدير عام مركز مسارات، بالجهد الذي بذله هالبر في كتابه، لاسيما أنه يتناول جانبًا مهمًا يوضح علاقة إسرائيل العسكرية بدول العالم، ويفضح السياسات المزدوجة في تعميق علاقات العديد من الدول مع إسرائيل، رغم استنكارها اللفظي للاحتلال والسياسات الإسرائيلية، وبالتالي يقدم تفسيرا لبعض الأسباب التي تحول دون مساءلة ومحاسبة إسرائيل على المستوى الدولي، بما يمكن الفلسطينيين من بلورة سياسات فعالة للتحرك على المستوى الدولي، والاستفادة من تضامن ودعم الرأي العام العالمي لعدالة القضية الفلسطينية، بالتزامن مع تطوير مقاومتهم وكفاحهم التحرري اليومي في مواجهة الاحتلال والاستيطان والعنصرية. |