|
التغييرات السياسية
نشر بتاريخ: 27/12/2015 ( آخر تحديث: 27/12/2015 الساعة: 11:33 )
الكاتب: أيمن هشام عزريل
من المعلوم أن النظام الإقليمي العربي أرتبط منذ نشأته بمنطق الدعوة القومية التي أفرزت قواعد عامة حاكمة للسلوك السياسي العربي الحكومي ولا سيما إزاء جملة من القضايا الكلية العامة مثل قضية الصراع العربي – الإسرائيلي وبناء الوحدة العربية، بحيث أن هذه القواعد العامة الحاكمة استمدت أحكامها من ميثاق الجامعة العربية الذي يركز على التضامن والدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي وهو ما تم التعبير عنه إجرائياً من خلال سلسلة من الاتفاقيات والمعاهدات الجماعية مثل معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي (1950) واتفاقية الوحدة الاقتصادية (1957) وغيرها من الاتفاقيات والقرارات التي مثلت، من الناحية النظرية، مرجعية للتعاون العربي المشترك.
لم يتوقف الاختلال في النظام الإقليمي العربي عند حد التعرض للاختراق الأميركي فحسب، بل شهد هذا النظام أيضاً تصاعد الأدوار الاستراتيجية لقوة إقليمية مثل (تركيا وإيران) ممن وجدوا في التغييرات التي أعقبت حرب الخليج الثانية عام (1991) فرصة لبناء توازنات قوة جديدة مع العالم العربي، ومما لا شك فيه أن كلتا الدولتين تمتلكان قدرات وإمكانات كبيرة للتأثير في النظام الإقليمي العربي، فتركيا الساعية للعب دور القوة الإقليمية منذ بداية التسعينيات كانت تواجه بعض العقبات والكوابح أثناء توجهها صوب جمهوريات آسيا الوسطى إذ تصطدم بالمصالح الروسية هناك، أما بخصوص حركتها على الصعيد الأوروبي فلم تثمر التوجهات التركية عن مرونة كافية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما جعل تركيا تبدي تقبل شديد للنظام الشرقي أوسطي الذي ينطوي على مصالح وفرص استراتيجية تمكنها من لعب دور إقليمي وهو ما أسهم في إغناء العلاقات التركية – الإسرائيلية وإحداث نوع من التلاقي والتطابق في المصلحة في بعض الأحيان أريد به تحييد وعزل تأثير قوى مثل (سوريا ومصر) فضلاً عن الإفادة من الفرص التي توفرها سياسة الاحتواء المزدوج التي بدأت إدارة الرئيس كلنتون بتطبيقها تجاه العراق وإيران لإبعاد هذه القوى عن لعب أي دور إقليمي وبالتالي أصبح هذا النظام يتعرض للكثير من الضغوط الخارجية للقوى الإقليمية الصاعدة. وكمحصلة نهائية استمر النظام الإقليمي العربي يعاني من الانكفائية والسلبية، ولم تظهر فيه ملامح الصحوة للواقع العربي ولمقتضيات استمراره أو احتمالات ارتقائه الممكنة بحيث صرنا نجده يراوح على صعيد سلوكه الجماعي، فعلاقاته تتسم بقدر من الفوضوية واللا انتظام: نزاعات حدودية وصراعات سياسية، اختلافات أيديولوجية، عدم الاتفاق على جدوى القيام بالتعاون الاقتصادي. بيد أنه في أواخر عام (2010) ومع انطلاق حركات الاحتجاج العربي التي تحولت لاحقاً إلى ثورات لتغيير واقع الأنظمة القائمة، نجد أن هذه التركيبة للنظام الإقليمي العربي بدأت تتعرض للتغيير إذ زالت أهم دول الاعتدال وهي مصر كما أن أهم دول الممانعة المتحالفة مع إيران وهي سوريا بدأت تتعرض لضغوط داخلية وخارجية شديدة من الممكن أن تطيح بالرئيس الأسد، وبالمقابل بدأت حركة خارجية إقليمية ودولية لإعادة هندسة الشرق الأوسط والنظام الإقليمي مستغلة في ذلك فراغ القوة وفوضى الانتقال. وبشكل عام، بدا أن التغييرات التي تجتاح النظام الإقليمي العربي والتي لعبت فيها الحركات الإسلامية دوراً كبيراً أخذت تصب في صالح القوى الإقليمية بشكل أكبر من السابق، فلم يحدث أن توفرت فرص للقوى الإقليمية للنفاذ إلى قلب العالم العربي والإسهام في إعادة تشكيل سياساته مثلما وفرتها هذه التغييرات، ولعل القراءة المتأنية للمراحل التاريخية التي مرت بها تجارب الدول الإقليمية (إيران وتركيا) للتحكم أو التأثير في تفاعلات المنطقة العربية تقدم رؤية واضحة على أن المرحلة الراهنة تعد لحظة استراتيجية قد لا تتكرر من الممكن أن تحدد مستقبل القوة الأكبر على الصعيد الإقليمي. في إطار هذا العرض لحقيقة العلاقات الإقليمية ولطبيعة التنافس القائم ما بين الدور التركي والدور الإيراني، من المؤكد والحال هذه أن الثورات العربية عملت على تحطيم الكثير من موازين القوى الهشة التي كانت تحكم العلاقات العربية مع القوى الإقليمية بحيث أن انهيار النظام في (مصر) وتصدع النظام في (سوريا) بفعل الضغوط الخارجية والداخلية قد مثل فرصة سانحة للقوى الخارجية لتقوية أدوارها في الإقليم العربي. إن كل ما تقدم يؤشر أن الصراع ما بين القوى الإقليمية قد اشتد وظهر إلى العلن بشكل واضح من السابق، بيد إن سقوط العديد من الأنظمة العربية جعل من هذا الصراع يمتد وبدأت محاولات متعددة من هذه القوى لمد تأثيرها إلى هذه المناطق الرخوة التي لم تزل تمر بمرحلة انتقالية أو بالأصح لم تزل تعيش في حالة من عدم الاستقرار السياسي. بقلم: أيمن هشام عزريل صالح أحمد أبوليلى |