وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

حول ابعاد الاعترافات المتتالية بدولة فلسطين!

نشر بتاريخ: 27/12/2015 ( آخر تحديث: 27/12/2015 الساعة: 11:36 )
حول ابعاد الاعترافات المتتالية بدولة فلسطين!
الكاتب: عقل أبو قرع
قبل ايام اعترف "البرلمان اليوناني" بدولة فلسطين، ومن المتوقع ان تتبع الحكومة اليونانية توصية البرلمان وتعترف رسميا بدولة فلسطين، وقبلها اعترفت السويد وغيرها من الدول، وكذلك فعلت العديد من البرلمانات، ومن المتوقع ان تسير المزيد من الدول او من البرلمانات في هذا الاتجاة، وبالاخص الاوروبية منها، والتي كانت متحفظة او ممتنعة عن التصويت بشكل رسمي، للاعتراف بفلسطين كدولة، ومع توالي الاعترافات، او الاعلانات عن النية للاعتراف، ب " فلسطين"، كدولة، على اساس حدود 1967، والقدس عاصمة لها، والاثار المعنوية والاعلامية والدبوماسية المترتبة على ذلك، والضجة الدبلوماسية التي رافقت وارافق ذلك، الا ان الناس يتساءلون حول اهمية مثل هكذا اعترافات في تغيير الواقع او في تغيير الوضع الحالي؟

ونحن نعرف ان الجمعية العامة للامم المتحدة، وباغلبية كبيرة، قد اعترفت ب فلسطين كدولة قبل عدة سنوات، ورغم هذه الاعترافات، الا ان هذا لم يغيرمن واقع الاحتلال ومن مواصلة الاستيطان ومن استمرار الجدار، ومن التحكم في المعابر والحدود، ولم يغير من القيود المختلفة الاخرى المفروضة على الناس، ورغم استمرار هذا الواقع، الا ان هذه الاعترافات تشكل نوعا من الانتصار المعنوي للجانب الفلسطيني، والتي وان لم تظهر اثارها الان، الا ان ذلك يشكل تجذر وتصلب وتوسع القاعدة التي مع الزمن سوف تغير من هذا الواقع، وهذا ما حدث ويحدث في الكثير من القرارات ومن الوعود، والتي لم يتم تطبيقها الا بعد سنوات او عشرات السنوات من صدورها، والتي وحين صدرت، لم يتوقع احد امكانية تطبيقها، او لم يعي احد احتمالات تغييرها من الواقع؟

والدولة الفلسطينية، سواء تلك التي تم الاعتراف بها من اليونان او من السويد ومن غيرهما من الدول الاوروبية، او تلك التي تم الاعتراف بها كدولة غير عضو من قبل الجمعية العامة للامم المتحدة، والتي من المفترض ان تشمل الضفة وغزة وبالطبع القدس، هي دولة مشتتة، او مجزأة، او غير قابلة للحياة وللتواصل وللسيادة، اسوة ببقية الدول، وهي ما زالت تحت الاحتلال، وما زال الاستيطان يبعثرها ويمزقها اكثر واكثر، وما زالت الاوضاع والاولويات في المنطقة وفي العالم تتغير بشكل يهدد اولوية قيامها، وما زال توفير القرار الدولي الملزم لقيامها، اي القرار من مجلس الامن هو صعب وبعيد المنال وحتى من المستحيل في الوقت الحالي، في ظل مصالح الدول الكبرى التي لا تراعي الحقوق او العدالة؟

وفي ظل الواقع الحالي، فأن تلك الدولة الفلسطينية التي يتوالى اعتراف دول العالم بها، والتي من المفترض ان تأتي من خلال حل " الدولتين"، ليس من المتوقع ان ترى النور في المدى القريب على الاقل، وليس ذلك فقط ولكن حتى ان حل " الدولتين لشعبين"، الذي في ظلة استمرت المفاوضات والمسيرة السلمية لاكثر من عشرين عاما، هذا الحل قد اصبح حل غير واقعي او غير عملي، وحتى ان هناك اصوات، وتصريحات، ومن الجانبين تطالب بأن يتم اعادة النظر في هذه الاستراتيجية، وبالاخص في ظل وقائع وحقائق على الارض لا يمكن تجاهلها او محاولة تخطيها او التغاضي عنها، والتي تتمثل بالاستيطان وبالتالي تقطيع اوصال الارض التي من المفترض ان تقوم عليها الدولة الفلسطينية، وكذلك الخنق الاقتصادي المتواصل، من خلال السيطرة او من خلال الاصرار في السيطرة على المعابر والحدود والموارد والمياة، بشكل يجعل قيام دولة فلسطينية في ظل هكذا وضع غير قابلة للحياة؟

ومعروف ان الدولة الفلسطينية المقبولة دوليا، ضمن حدود عام 1967 ، من المفترض ان تكون دولة متواصلة جغرافيا، ولكن وحتى ان هذا التواصل الذي لم يكن موجودا بالاصل بين الضفة وغزة، اصبح الان غير موجود بين مدينة او قرية واخرى، وان مقومات وجود او ديمومة مثل هذه دولة تتداعى بشكل منهجي، من خلال الاستغلال المتواصل لمواردها ولمصادرها الطبيعية من مياة وارض، ومن خلال الاصرار على التحكم في الاجواء وفي الحدود وفي التنقل ومن خلال التقسيمات والتي اصبحت جزء من الواقع.
ورغم اعتراف اليونان بالدولة الفلسطينية قبل عدة ايام، ورغم الاعتراف بالاهمية الرمزية والمعنوية والاعلامية والدبلوماسية، وحتى الاخلاقية لهذا الاعتراف، ورغم الموقف الدولي الواسع ، بقبول دولة فلسطينية على حدود عام 1967، الا انة وفي ظل الواقع الحالي، وفي ظل اوضاع واولويات متغيرة وتتغير بسرعة، سواء اكانت عندنا او من حولنا في المنطقة العربية وفي العالم، فأن انعكاس هذه الاعترافات على الارض لن يكون سهلا او حتى ممكنا.

وبالاخص اننا نرى كيف اصبح معرفة حدود هذه الدولة التي يعترف بها العالم، او حتى معرفة تداخلاتها وامتدادتها، صعبا، حتى على المختصين والخبراء في هذا المجال، وبالاضافة الى قطع الاوصال والتواصل بين المناطق الفلسطينية المختلفة، احدثت الوقائع على الارض، من استيطان ومن جدار ومن عزل، تغييرات ثقافية وبيئية وترتيبات لوجيستية، تجعل الحديث عن سيادة على دولة متواصلة مثل تلك التي تعترف بها دول العالم، امرا من الصعب تصورة حاليا، ورغم الاثار المعنوية والايجابية والرمزية لاعترافات برلمانات او دول العالم بفلسطين، الا ان التركيز على ذلك كاستراتيجية بحد ذاتها، او تسخير الكثير من المصادر والطاقات والاعلام والوقت من اجل ذلك، سوف يرفع الكثير من التوقعات او الامال عند الناس، مع ان الواقع لا يوحي بذلك على الاقل في الوقت الحاضر ؟