|
تأملات نهاية العام من فلسطين المحتلة!
نشر بتاريخ: 29/12/2015 ( آخر تحديث: 29/12/2015 الساعة: 10:32 )
الكاتب: حيدر عيد
لا نرغب بالاعتراف بما آلت إليه أوضاعنا، فقد عشقنا سياسة النعامة حتى الإدمان. لا نريد أن ننظر في المرآة بشكل دقيق لأن التفاصيل سترينا ما لا نريد أن نراه! أكثر من عشرين عام من السراب و الوهم الكاذب, من الوعود الخاوية, من حلم "الدولة المستقلة" من الاقتراب،دون الوصول، من تحقيق "المشروع الوطني الفلسطيني," و "القدس على مرمى حجر," فقط إذا "صبرنا" قليلا و رضينا بما يقدم لنا. و لم يُقدم لنا شيئ على الاطلاق. على العكس من ذلك, ما أُخذ منا لا يقبله أي شعب يتحلى بقليل من الوضوح في الرؤية السياسية يتم التعبير عنها من خلال قيادات تتميز بالعطاء, التواضع, التضحية, المواقف المبدئية, و تصدر النضال. عشرون عاما كانت كفيلة ببناء بيوت من الرمال أسميناها "مؤسسات," و أصبحنا نفرح لرؤية علمنا يرفرف مع أعلام دول أخرى, و نغني سلاما وطنيا, فدائي فدائي, و الدموع تترقرق في أعيننا, و أصبح لدينا حكومتين ووزراء و مستشارين و مجتمعات مدنية و قوى أمنية,و جيوش من الطلاب الجامعيين, ولم يتبق إلا موافقة "الطرف الاسرائيلي" على إطلاق كلمة فلسطين على تلك البقعة من الأرض التي أحتلها عام 1967, أو على جزء منها.
و تتوالى الصفعات! فنحن نعلم كل ما قيل, و لكن لا نريد أن نصدق. و ما قيل, و سيقال, لا يمكن فصله بأي شكل من الأشكال عن كل التراكمات الأوسلوية المغرقة في قبحها لمدة تزيد عن 20 سنة, تلك التراكمات التي أوصلتنا الى هذا الشعور الغريب الذي نشعر به الآن, شعور بالاغتراب الجماعي و الرغبة العارمة بالتقيؤ. و لكن كيف وصلنا الى هذه اللحظة؟ عندما يصبح الطالب الجامعي عاجزا عن كتابة جملة واحدة بلغة عربية سليمة, عندما لا يميز بين حرفي الطاء و التاء, و الضاد و الدال, ويصبح الجهل مستشريا في المجال الأكاديمي و العلمي, فإن ذلك كله محصلة عقدين من التردي في شتى المناحي السياسية والثقافية و العلمية، حيث التركيز على أعداد الخريجين من دون أي التفاتٍ لمستوى التعليم وجودته، حيث تمنح المؤهلات العلمية مع أمل أن يتم توظيف الخريج إما في مؤسسة أهلية مدعومة من الغرب, او في مؤسسة أمنية, مدعومة من الغرب أيضا!. عشرون عاما من الخداع والأكاذيب, بالاضافة للاحتلال و الأبارتهيد, قادت الىسلطة, أو اثنتين, تملكما يشبه المؤسسات و الوزارات, مع قناعة تامة للمسئول أنه حصل على منصبه عن جدارة و استحقاق! نحن ابناء الهزيمة (أوسلو)!نرغب في تحقيق أي شكل من أشكال الانتصارات خاوية المضمون. ألا نملك عددا هائلا من حملة الدكتوراة, و حتى أولئك الذين لا يحملون تلك الدرجة, يصرون على حمل اللقب فارغ المضمون! أي إنجازٍ شكلي يشعرنا بأننا نستطيع أن ننافس العالم, و بالذات الغرب,وأننا, كالغرب أيضا, اذكياء وأصحاب علم.بل أننا أكثر شعب متعلم في العالم وييننا من يحمل شهادات عليا أكثر من اي دولة غربية! هي حالة مستعصية من الانكار الجماعي و تعبير عن هزيمة داخلية جملت صورتنا المعكوسة في المرآة بطريقة مبالغ بها. إن تحرير العقل مقدمة ضرورية لتحرير الأرض! و عليه فإن المهام المنوطة بنا هي العمل على تغيير الوعي (الأوسلوي) الذي أدى الى سيطرة ثنائية "وطنية" إقصائية عملت على خلق, بل فرض, منطق موحد لدى المجموعتين السكانيتين في الضفة و غزة, منطق عمل على محاصرة المقاومة الابداعية من خلال إما احتوائها و السيطرة عليها لتعكس توجه انهزامي تطبيعي, أو نفيها من خلال التعالي عليها و إقصائها بالكامل. في كلا الحالتين يتم فرض أنماط تفكير غير ديمقراطية مبنية على فصل الوعي الفلسطيني المستعمَر عن الواقع (السياسي) المعاش: في الحالة الأولى يتم التركيز على رموز الاستقلال بشكل ديماغوجي مكرر يعتبر أن خلق مؤسسات "الدولة" بتمويل غربي هو الإنجاز الوطني الأكبر. و في الحالة الثانية تصبح المقاومة الموسمية الدفاعية, أو المؤجلة, محصورة في شكل اقصائي واحد لا يمكن أن يؤدي الى انهاء أشكال الاضطهاد الصهيوني المركب, مع اختلاق أنتصارات وهمية لدرجة اعتبار سجن غزة منطقة "محررة!" في كلا الحالتين يصبح الواقع المعاش إنعكاسا ميكانيكيا لأفكار يمينية إقصائية, و هذا بدوره يؤدي الى منطق "انهزامي" جديد ما هو الا عبادة عمياء لفكرة خيالية لا علاقة لها بالواقع النابع عن استعمار استيطاني عنصري. و هنا تكمن أهمية الهبات المتلاحقة, الانتفاضة الثالثة, من حيث كونها تعبر عن نقيض هذا المنطق الأوسلوي الاستسلامي. هي إنتفاضة مصحوبة بحملة مقاطعة و سحب استثمار و فرض عقوبات على إسرائيل, أي انتفاضة أممية, بقيادة فلسطينية, تسعى الى تخطي الوضع الاضطهادي الراهن وصولا الحرية و العدالة و المساواة. |