|
فتح في ذكرى انطلاقتها
نشر بتاريخ: 30/12/2015 ( آخر تحديث: 30/12/2015 الساعة: 10:09 )
الكاتب: صادق الخضور
تعاود فتح الإطلالة علينا في ذكرى انطلاقتها لتعيد لنا كثيرا مما فاضت به مسيرتها من حضور بارز في دائرة الفعل الفلسطيني، ففتح لمّا تزل تتسيد المشهد نضاليا وفكريا وسياسيا واجتماعيا وفي غيرها من المجالات، وللأسف يتناسى البعض أن تقييم فتح يجب ألا يقتصر على المعطى السياسي أو على اللحظة الراهنة، لأن فتح زاوجت بين عديد المجالات ونجحت في تجاوز الكثير من التحديّات عبر عقود من العمل والعطاء.
في الذكرى الحادية والخمسين لانطلاقتها وإذ ندرك إن فتح مطالبة بالتقييم والمراجعة، لندرك أن كثيرا مما يرتبط بفتح هو شأن " فتحاوي" صرف"، وهناك الكثير مما يمكن عمله لمنح عمل الحركة مزيدا من الزخم. فتح وحين نقف على ماضيها فإنما نقف على إرث نضالي كبير تجاوز في مداه كل الحدود، فعطاء الراحلين من أبنائها يؤسس لمواصلة الباقين على العهد دورهم الفاعل في قيادة المشهد، أما حاضرها فمقترن دوما بقيادة المشروع الوطني وبما يؤسس لرؤية استشرافية للمستقبل المنشود. في ذكرى انطلاقتها نقف مع مواقف شهدائها الراحلين من أعضاء لجنتها المركزية، وكلها مما يتقاطع وطموحنا في أن نكون، وهذا الإرث حافل بمخزون ثقافي ووعي نضالي ورؤية تجاوزت في حينها حدود اللحظة، وظلت ماثلة في دائرة الزمكان، فأقوال شهدائها من أعضاء اللجنة المركزية رحمهم الله جميعا اقترنت بمواقف لا زالت خالدة في الذاكرة الإبداعية للحركة: فقد قال الشهيد ياسر عرفات ( أبو عمار): " اللهم يا رب هذا الكون أطعمني بأن أكون شهيدا من شهداء القدس". وقال الشهيد خليل الوزير ( أبو جهاد): لنستمر في الهجوم حتى النصر أو الشهادة. وقال الشهيد صلاح خلف: لا صوت إلا الصوت الفلسطيني المستقل الذي ينادي بوحدة منظمة التحرير وشرعيتها. في حين قال الشهيد سعد صايل: قررت الالتحاق بصفوف الثوار لأدافع عن الحق كل ما أستطيع. ومن أقوال الراحل الشهيد أبو علي إياد: نموت واقفين ولن نركع. أما الشهيد عبد الفتاح حمود فقال: إن الأمل سيظل لا معنى له دون أن يسعى الإنسان بنفسه لتحقيق آماله. ومن أقوال الشهيد أبو يوسف النجار: البندقية وحدها تستطيع أن تحمي مكاسب الجماهير السياسية. وقال الشهيد كمال عدوان: نعيش بأملنا أن نحوله إلى حقائق .. ويعيشون بيأسهم فيستسلمون. أما الشهيد خالد الحسن فقال: السياسة هي الصدق مع الشعب , وفن المناورة مع العدو وفن تحقيق الممكن في إطار العدالة. وقال الشهيد هايل عبد الحميد: إن الحيز الذي نتركه فارغا من غير أن نملأه بجدارة يأتي غيرك ويملأه. ومن أقوال الشهيد ممدوح صيدم: من المهم أن نبدأ بالثورة ولكن من الأهم أن نستمر في الثورة حتى النصر. وقال الشهيد ماجد أبو شرار: علينا أن نفرز بوعي معسكر الأعداء عن معسكر الأصدقاء. ومن أقوال الشهيد فيصل الحسيني: فتح ديمومة الثورة وشعلة الكفاح المسلح. وقال الشهيد صبحي أبو كرش: إن الحل الديمقراطي هو بالأساس خيار ثوري وحضاري وهو قيمة معيارية نحتكم إليها. لقد بلور الراحلون- رحمهم الله جميعا - بأفعالهم قبل أقوالهم طريقا واضحا للنضال الثوري وللتكوين الفريد لملحمة العطاء الفتحاوي المستحضر دوما آفاق التحرّر، فمضت فتح وقد أعلت راية البناء والانتصار. فتح في عيدها الحادي والخمسين تكبر لكنها لا تشيب، فقد ولدت يانعة وكان قدرها أن تبقى في ريعان شبابها، وأن تجعل من الصمود الأسطوري لأسراها والرحيل بكبرياء لأبنائها معلما من معالم بناء الذات. في عيدها الحادي والخمسين تؤكد فتح أنها لا زالت في طليعة المشهد، وهي تواصل حمل أمانة قيادة المشروع الوطني باقتدار، ومن وحي عطائها عبر خمسة عقود توالت من عمر الزمن لا زالت تخط أبجديّة وجودها بكبرياء لا يعتريه انكسار، بثبات رغم التحولات، بوضوح رغم ضبابية المشهد الدولي. فتح الرائدة صنعت لنفسها حضورا لا يدانيه حضور في سفر العطاء، وملحمة الصمود، وهي قادرة على مواصلة النفس التحرري بحنكة تزاوج بين النضال والسياسة، وهي لم تتخل يوما عن دورها الطليعي. لفتح في ذكرى انطلاقتها تحية، فهي كانت وستبقى بارقة، علامة فارقة، وحين نتحدث عن فتح فإننا نتحدث عن وطن لمّا تزل مواقف أبنائه ترسم تضاريس المواقف وفسيفساء الحريّة، وإن طال زمن الانتظار، فلا زلنا ولا زال التاريخ يحفظ في ذاكرته فيضا من ملامح ملاحمها. مسيرة فتح بحاجة إلى توثيق، وكل ما جرى حتى الآن من توثيق لم يرق لمستوى الطموح، صحيح أن توثيق ما أنجزته الحركة يتطلب جهدا مؤسساتيا خارقا إلا أن الفرصة سانحة للبدء فورا في القيام بجهد نوعي يتناسب والحضور النوعي لحركة رائدة، وهي دعوة للمبادرة في لململة ما تناثر من أوراق عطائها في ظل تتابع السنوات. لفتح في ذكرى انطلاقتها كل التحية، وستبقى فتح قويّة قوّة منطقها الذي لطالما تجاوز في مداه كل مدى، وكل عام والوطن بخير. |