وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

في ذكرى انطلاقة الثورة كدنا نحرق سيارة من نوع لانتسيا لنحتفل

نشر بتاريخ: 31/12/2015 ( آخر تحديث: 31/12/2015 الساعة: 16:12 )
في ذكرى انطلاقة الثورة كدنا نحرق سيارة من نوع لانتسيا لنحتفل
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
ذكرى انطلاقة الثورة ايام الاحتلال وقبل اقامة السلطة كان لها طرائق مختلفة واشكال عدة، تتواءم مع العمل السري ومع الانتماء والتضحية والمخاطرة وخرق حظر التجوال، ورفع علم فلسطين واعلام فتح والفصائل الثورية وتحدي الاحتلال الذي كان يطارد الشبان ويقتلهم لمجرد انهم رفعوا علم فلسطين على عامود الكهرباء.

وقد كان الاحتلال يشن حملة اعتقالات واسعة ضد النشطاء قبل موعد الانطلاقة ويرميهم في الزنازين في محاولة يائسة منه لمنع الاحتفالات في كل محافظة، وبالمقابل يكون نشطاء الثورة اعدوا خطة بديلة قبل أشهر، وكان المكان الوحيد الذي لا يدخله جنود الاحتلال هو الحرم الجامعي. ولذلك اعتمدت الجامعات كمكان ثابت للاحتفالات في كل عام، فتتعمد قوات الاحتلال الى نصب حواجز عسكرية على مداخل الجامعات يوم الانطلاقة لمنع الاحتفال ويبدأ التحدي بشكل يجب توثيقه.

نشطاء الثورة كانوا ينامون احيانا في صفوف الجامعات حتى يضمنوا تواجدهم في ذلك اليوم، وكانت الكوفيات والاعلام يجري تهريبها مع الاخوات الطالبات بطرق لا تخطر ببال الاحتلال، او يجري تصنيعها داخل الجامعة- ولا داعي للقول ان عقوبة مثل هذه النشاطات كانت تصل الى 3 سنوات سجن- ولكن هذا لا يزيد الطلبة والنشطاء الا حماسا ورغبة في التضحية. فالمهم ان يرتفع علم فلسطين في هذا اليوم والمهم ان نقهر الاحتلال وان يخسر الجنود التحدي.

انطلاقة الثورة في الثمانينيات والسبعينيات كانت أشبه بعملية عسكرية قد تؤدي الى الموت فعلا، ولكنها كانت عظيمة لدرجة الفخر والاعتزاز، وقد سقط شهداء اكثر من مرة وهم يحاولون رفع العلم فوق عامود الكهرباء او قرب دشمة عسكرية للجيش او فوق مركز للادارة المدنية، ومن الاخوة من كان يذهب الى ابعد من ذلك فيقوم بتنفيذ عملية في ذلك اليوم.

في بيت لحم مثلا كان التحدي كبيرا، وقد لجأ الاحتلال الى فرض حظر التجوال على مخيم الدهيشة واعتقال نشطاء الثورة مثل يوسف ابو لبن وعوني المشني وغيرهما، وحظر التجوال امتد على مناطق عدة في المحافظة لمنع الاحتفال واحباط رفع علم فلسطين، وانهالت على رؤوسنا المفاجآت والموانع، فقد استشهدت الاخت امل العطابي في عملية لفتح في القدس الغربية وطارد الاحتلال الاسير المحرر خالد الازرق قبل ان يحكم عليه بالسجن المؤبد/ وجرى مطاردة واعتقال الاخ ماجد فرج، وبقينا عدة شبان خرجنا للتو من السجن ونخشى ان يحكم علينا القاضي الاسرائيلي بوقف التنفيذ.

وبين مراعاة العمل السري، والانفعال الثوري واد سحيق، الصديق المناضل المرحوم عاطف ابو عكر كان أكثرنا حماسا، وبحث عنا في جبال الدوحة لنرفع علم فلسطين ، وكان نسيبه الشهيد احمد البلبول يتولى منطقة اخرى، والاسير المحرر ابو خليل اللحام- الان عضو برلمان- يأخذنا معه بسيارة من نوع لانتسيا، وتم اعتقال خلية الاخ رزق صلاح بعد قتلها جنديين بعملية جريئة وصاعقة امام مقر الحكم العسكري ببيت لحم ، والاخ اياد حمد - الان مصور صحفي في اسوشيتد برس - يبحث عن الاخ ابراهيم رمضان - الان محافظ جنين- ليجمع باقي الاخوة وتنظيم احتفالا لانطلاقة الثورة. 

وبينما يحتفل الناس في القاعات ويسهروا حتى الصباح، كنا نحن نبحث عن بعضنا، ونسير الطرقات الفرعية ونطلق عليها اسماء اخرى تجنبا للحواجز العسكرية والاعتقال ، أما مكان اللقاء فكان قرب مصنع الباطون، ولكن ماجد فرج لم يحضر وانشغل بتهريب الاخوة مع حركة فتح في رام الله، وعوني المشني ليس هنا وحذر جدا بعد ان امضى عشر سنوات في سجون الاحتلال، واياد حمد يطمئن علينا بسيارته من منطقة لاخرى، وابو خليل اللحام عصبي المزاج وقد اقترب منتصف الليل ولم نفعل شيئا، والقادة في تونس ينتظرون سماع الاخبار، ماذا سيقول الاخوة لابو جهاد وابو اياد والعالول وزهير مناصرة وباقي القادة في القطاع الغربي؟

وفجأة يوقف ابو خليل اللحام سيارته من نوع لانتسيا بين منطقة الدوحة قبالة معسكر الجيش في بيت جالا، ويطلب مني ومن ناصر عطية وفؤاد اللحام النزول من السيارة ويطلب "ولاعة".

سألناه بدهشة: ما الذي تفكر به؟
فقال: لا يوجد وقت لنبحث عن باقي الاخوة، ونحضر الاعلام واطارات السيارات. تعالوا نحرق السيارة ونبدأ الانطلاقة من هنا، الان احرقوا سيارتي قبل منتصف الليل.

توسلنا اليه الا يفعل لانها وسيلة النقل الوحيدة والتي ننام فيها ايضا، وبالفعل وقبل منتصف الليل وحين كانت فتح في الدهيشة تتعرض للمطاردة، وفتح مخيم عايدة قد خسرت شهيدة ومخابرات الاحتلال تبحث عن باقي الاخوة مثل عيسى قراقع وخالد الازرق، وفتح بيت جالا نفذت عملية قتل شرطي على يد البطل الشهيد شادي درويش، وابو خليل اللحام يلح علينا ان نحرق سيارته ليسمع قادة الثورة في تونس الاخبار المفرحة، وان الثورة لا تموت ولا يمكن أن تنهزم.

فجأة سمعنا اصوات الاحتفالات ورفع الاعلام وانطلاق الشرارة، فقد كان الاخ كامل حميد- محافظ الخليل الان- والاخوة في تنظيم التعامرة قاموا بالواجب وهبّوا لمساعدة اخوتهم في المخيمات ضد الاحتلال.

ورفرفت الاعلام في شارع الجبل- الان شارع ابو جهاد- ووادي معالي وباقي المناطق. وانتصف الليل فهمس الاخوة لبعضهم:
عاشت الذكرى، ويرد الاخرون دامت الثورة.