وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الرجل الشجري في بستان الكاتب حسن عبد الله

نشر بتاريخ: 02/01/2016 ( آخر تحديث: 02/01/2016 الساعة: 17:44 )
الرجل الشجري في بستان الكاتب حسن عبد الله
الكاتب: عيسى قراقع
في قراءتي للاصدار الجديد للكاتب الدكتور حسن عبد الله والذي جاء بعنوان ( البستان يكتب بالندى) والواقع في 270 صفحة من القطع المتوسط ، وجدت نفسي امام رجل شجري، يعشق ويزرع الاشجار في بستانه في قرية رافات، حيث يمضي الكاتب ساعات وساعات هناك، وقد تحولت اشجاره الى بشر، او لها ملامح بشرية، تكبر وتنمو مع جاذبية المكان، لهذا وجدت ان كل نصوص الكاتب حسن عبد الله ظللها بالاشجار خاصة شجرة الزيتون.

الرجل الشجري يصاب بحالات شجرية ايضا، حالة عصافيريه مع الطيور والموسيقى والغناء، وحالة حمائمية مع حمامة نخلة سجن عسقلان، وحالة طينية في تراب وارض قريته التي احتضنت ذكرياته وطفولته واشجاره واطلقت فيه صوت الابداع.

الرجل الشجري في بستانه النديّ، ُينطق الاشجارلتتحدث عن سيرة جماعية مفعمة بالحكايات، هي سيرة الشعب الفلسطيني في نضاله المتواصل ضد الاحتلال، فالشمس تقول والزيتون يرد بكلام من زيت، وأشجار الزيتون كما يقول الكاتب تظل يقظة لا تنام، الزيتون يتحدث، البشر يتحدثون، يقومون من الماضي الى الحاضر، ينجذبون الى الارض، ويسقون التاريخ بماء الذاكرة الشجرية، رغم جفاف المكان.

الكاتب الشجري يسقي اشجاره، يطفيء ظمأها، وينعش فؤادها، وحينها يشعر ان الماء يروي ابنته فتزداد نضارة وحيوية، وهو يوجه النصح للجميع بالتعايش مع قوة جذب الارض حتى يتسنى لها في المستقبل طرح ثمارها... وهو اشد ما يكره قتل الاشجار واقامة علب اسمنتية مكانها.

الرجل الشجري في حواراته اليومية مع اشجار البستان، يفتح نوافذ السجون ويكسر زمن النسيان، فافضت له الاشجار البشرية، اصدقاؤه الشهداء والاحياء الذين عايشهم في الزنازين والمعسكرات، في حالات القهر والقمع وفي حالات الانتصارات ، افضت له اسرارها وغيومها وسالت كالماء على ارض البستان.

الرجل الشجري يزرع اشجاره على ارض السجون ، صار السجن بستانا كبيرا للابداع والمقاومة وصون الكرامة، تغلب الاسرى على اليباس وصدمة اغتيال واعدام نخلة سجن عسقلان.

الرجل الشجري يستدعي الى بستانه كل الاشجار الاسيرة ، اسما اسما، ثقافة وفكرا وألما وبطولات، ليقول انه هناك في تلك السجون، الارداة امطرت على الاشجار واصبحت عصيّة على الخضوع والركوع.

الرجل الشجري اطلق الحمام والفراخ على اشجار السجون، هناك حياة، هناك صوت ونار في العيون، ورفرفت حماماته في باحات السجن وعانقت الهواء فوق السياج والاسلاك، وكان الدرس الانساني الاول في الحرية، والترابط العضوي بين الشجر والفضاء والاحلام البشرية.

الرجل الشجري يعرّف المكان وهوية المكان برائحة الشجر، ولكل إنسان شجرته وقصته، يفتح تراب الارض، يقشر صخورها، ويعلن بيانه الثقافي في وجه السجان وسياسة الابعاد والاعتقال الاداري والطرد وتجفيف الحياة.

الرجل الشجري خطره الثقافي يسبق بكثير حظره السياسي ، هكذا قال له الاسرائيليون وهو يتصدى لسياسة الابعاد التعسفية بحقه وبحق زملائه، فاللسان يحيي ويميت ، ولسان اشجار البستان احيت المكان والذاكرة وانتفضت.

الرجل الشجري الخارج من صحراء السجن، يمتد عميقا في بستانه ويتسع، هناك ثلج في ليلة اعتقال، هناك صوت ريح فوق الاشجار، هناك شمس وهواء وبذار و زيت، هناك في ساحة الميلاد انوار مشعة فوق الاشجار وأمام البيوت، لتشرب بيت لحم من ينابيع السماء.

الرجل الشجري يحمل فأسه ويدق جدار السجن، يدق العتمة والصمت، هناك برق ورعد، يزرع ويزرع ليتحد الشهيد مع الحيّ، الثقافي مع السياسي في ملحمة الصمود التي ارتوت بالدم والجوع.

الرجل الشجري يقول: هناك تشابه كبير بين الشجرة المعطاءة والانسان الذي يختار طريق العطاء، وقد مرّ على بستانه الكثيرين، كبروا وابدعوا وتمايزوا في التحدي والفروسية، وطرحوا ثمارهم في كل الاتجاهات، وكان لهم مطرهم الخاص.

الرجل الشجري يتطلع الى حمام الحرية فوق اشجاره، ويسأل الجميع : متى سينطلق حمام الحرية من دواخلنا ويطير في الوطن بمعزل عن سجان حاقد.

الرجل الشجري يقول:
زيتي نور للعيون
زيتي وقود للعظام
زيتي غذاء للجذور
_____________________________
رئيس هيئة شؤون الاسرى والمحررين