|
مواطن مع وقف التنفيذ- خاطرة مع بداية العام الجديد
نشر بتاريخ: 02/01/2016 ( آخر تحديث: 02/01/2016 الساعة: 17:31 )
الكاتب: حسن صافي المسالمة
منذ مئة عام أو يزيد والوطن العربي يرزح تحت نير الاستبداد، والمواطن العربي يُمارس عليه قوانين الاستحمار، فاقدٌ للأمن والأمان، يَصْعُبُ عليه الحصول على لقمة العيش ، أو شَرْبة الماء ، أو ثمن الملابس التي تستر عورته ، ولا يجدُ المنزل الذي يُؤويه وأهله ، وإنْ وجده قضى معظم عمره وهو يُسددُ ثمنه، يعملُ إنْ وجد عملاً بأُجرةٍ بخسةٍ ، ويقضي معظم وقته أسيراً لمصنع أو معمل أو شركةِ سيده ، ولا يكادُ ما يتقاضاهُ من أجْرٍ يفي بمُتطلبات الحياةِ من أُجْرةِ المنزل، وأثمان الكهرباء والمياه والمواصلات إنْ وُجدت ، أضف إليها مصاريف المدارس والجامعات ، إنْ كان في الوطن مدارس وجامعات ، وأُجرة العلاج في المشافي والعيادات الطبية إنْ وُجدت أيضاً .
يكدُّ المواطنُ العربي ليل نهار بحْثاً عن سترة الحال ، وغالباً ما يغرق في الديون ، فيتعرض للاستغلال والاستعباد سنين عديدة من عمره ، إنْ بقي في العمر سنواتٌ ، إما لأصحاب رؤوس الأموال من المُرابين الذين يستغلون حاجة الناس ، وإما من مؤسسات الإقراض على مختلف تسمياتها ، وفي حالات يتنازل المواطن العربي عن شرفه وعِرْضه ، أو يبيع فلذة كبده لجشعٍ طمع بالزواج من إحدى بناته اللواتي لم يصلن إلى سن الزواج ، وهكذا تدور به الدوائر حتى يصل في بعض الحالات إلى قرار إنهاء الحياة ، قبل أنْ يأذن الخالق بذلك ، والخالق سبحانه أعلم بالأعمار من أصحابها ، فيتجرعُ كأساً من السُّمَّ ، أو يتردى من عَلٍ ، أو يُطلقُ رصاصةً على رأسه ، أو يتناول ُ كميةً من الدواء تتسببُ بوفاته ، فيُنهي كما ظنَّ مآسيه ، ويترك ثقلَ ديونه للورثة من بعده . لقد تعلم المواطنُ العربي في المدرسة ، بأنَّ بلادَ العُرْبِ أوطاني ، من الشام لبغدان ، ومن نجدٍ إلى يمنٍ ، إلى بُصرى فتطوان ، وأنَّ الوطن العربي من المحيط الهادر ، إلى الخليج الثائر ، ورغم ذلك لا يستطيعُ المواطنُ العربي الانتقال من مكانٍ إلى آخر في هذا الوطن إلا بموافقة أمنية ، أو تأشيرة انتقال ودخولٍ وخروج . وتعلم المواطنُ العربي أيضاً بأنَّ الوطن العربي يملكُ كنوزاً لا يملكها أي وطن آخر ، من البترول عصب الصناعة والمواصلات في العالم ، حيثُ تسبح مساحات كبيرة من هذا الوطن ، فوق محيطات من النفط ، إلى الغاز مصدر الدفء والطاقة ، والذي يستخدمه الإنسان في مجالاتٍ عديدةٍ كالطبخ . والوطن العربي أيضاً غنيٌّ بالمعادن المختلفة كالذهب والفضة ، والأراضي الزراعية ، والتي تعلم عنها بأن السودان سلة غذاء الوطن العربي بكامله ، وأنَّ الجزائر كانت تُصدر القمح لأوروبا ، وأن مصر كانت تُصدرُ القمح والقُطْن لها أيضاً ، وأنَّ الوطن العربي كان يستقبلُ عُمّالاً من ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها ، ورغم ذلك يُعاني المواطنُ العربي من الفقر المدقع ، والجوع وفقدان الأمن الغذائي ، ولا يجدُ سلعةً واحدةً مكتوبٌ على مصدرها : صُنعَ في الوطن العربي . لقد ابتُلي هذا الوطن بالاستعمار الغربي الذي مزَّق أركانه ، وشتت سكانه ، ونهب خيراته وثرواته ، فلم تبق دولةً غربيةً إلا واستباحت رُكناً من أركان هذا الوطن ، ونهبت منه ما استطاعت وما زالت ، واستعبدت مواطنيه وصادرت حرياتهم، واستغلت الويلات التي أحاطوهم بها ، لتشغيلهم في المصانع والمزارع ، بما يقيمون به أودهم فقط ، وعندما يثور المواطن لكرامته ، يُعدمُ شنقاً أو رمياً بالرصاص ، أو على الخازوق ، دون النظر إلى إنسانية إنسان أو حقوق إنسان. لقد قُسِّم الوطن العربي الواحد (سايكس بيكو) إلى دويلات ، وافترق المواطن العربي الواحد ، وأصبح الوطن ما بين مُحْتَلٍّ ، أو تحت الانتداب ، بحجة أنَّ المواطن العربي لا يملك القُدْرة على حكم بلده ، لأنه لم يبلغ سن الرشد الإنساني بعد ، واستمر الحال على ذلك ، حتى ابتدع المستعمرُ فكرة الاستقلال الظاهر ، والاستعمار الباطن ، فقسم الوطن الواحد إلى ممالك وسَلْطَنات وإمارات وجمهوريات ، وأصبح لكل قطعة من الوطن الواحد قطعة قماش علماً ، ولكل قطعة من الوطن الواحد ملكاً أو رئيساً أو سلطاناً أو أميراً ، ويوماً عيداً للاستقلال ، وسلاماً وطنياً لكل قطعة ، يقوم له المواطن ويُؤدي التحية . ولكن ما زال وإلى اليوم في نفس المواطن ما يقول له ، إنَّ ما حدثَ كذبٌ وضحكٌ على الذقون ، فأيُّ استقلال هذا وما زلنا تبعٌ كلٌّ إلى مركز قوى استعماري ، كان هو المستعمر المباشر للوطن ؟ ثم يقولُ في نفسه : لقد كنا في عصر الاستعمار المباشر أحراراً نثورُ فنُعتقلُ ونُسجنُ ونُعدمُ أبطالاً ، فيُخلدُ الوطنُ أسماءنا وذكرانا ، وكُنا نتظاهر ونرفع أصواتنا مطالبين بحريتنا واستقلالنا ، ونموتُ شهداء في سبيل ذلك ، وكُنا يداً واحدة ضد المستعمر ، نأكلُ ونجوعُ معاً ، ولا يُرْهبنا بطشُ عدونا . فأصبحنا في ظل الاستقلال نعيش هاجس : لا تتكلم فالجدرانُ لها آذان ، وإياك والقدح في المقامات العُليا ، فإنك إنْ فعلت غبت وراء الشمس ، وإياك والتظاهر فهذا محرمٌ تحت حكم حالة الطوارئ ، فالبلد تتهيأ ليوم المواجهة ، ولا يوجد وقتٌ للنقاش أو الانتقاد ، أو المطالبة بالحقوق من التعليم إلى لقمة العيش إلى العلاج ، واجبك الصبر والتحمل حتى التحرير الكامل للأراضي العربية . أما الديمقراطية وحقوق الإنسان ، وحق اختيار النظام والزعيم إنْ كان رئيساً ، أو ملكاً ، أو أميراً ، أو سلطاناً ، فلا يحق ذلك للمواطن العربي ، فهو قاصرٌ حتى الآن ، لا يعرفُ مصلحته ، والزعيمُ أطال الله عمره ، وقدَّسَ الله سرَّهُ ، هو مَنْ يعرفُ المصلحة ، ويُقدرُ العواقبَ ، فالأمرُ أوَّلاً وآخراً يعود له ، حتى لو كان لا يعرفُ الألفَ من كوز الذرة كما يقول المثل العربي ، لذلك فالوطن والمواطنون مسجلون في سجلات الطابو باسمه حفظه الله ، ولا يُسْأَلُ عما يفعل ، وهم يُسْأَلون . فبُنيت السجون وفُتحت المعتقلات ، وغصت مراكز الحجز والتحقيق بالمعتقلين من المارقين ، ووُجهت التهم بالخيانة العظمى لمكتسبات الشعب من الحرية والاستقلال ، وأُعدم الناسُ بالمئات ، وحُكم على الآلاف بالمؤبدات ، حتى قيل عن السجون في الوطن العربي : الداخلٌ فيها مفقود ، والخارجُ منها مولود . وهذا صحيحُ مئة بالمئة ، فقد سمعنا عمن تبخروا في الزنازين بالسيانيد ، وسمعنا عمن قُطعت أجسادهم بأنياب الكلاب المسعورة ، أو بوضع أجسادهم على شوك الحديد ، أو بمن دُفنوا أحياء في مقابر جماعية ، حتى تمنى المواطن العربي لو بقي تحت حكم الاستعمار ، فهو أرحم به من أبناء الجلدة , حتى فرَّ الكثيرُ وبالملايين إلى بلاد المستعمرين التاريخيين ، طلباً للحرية والعدالة ، والحياة الإنسانية الكريمة . لقد سطَّرَ محمد بو عزيزي ملحمة المواطن العربي المقهور المستعبد المستحمر ، الذي لم يجد في وطنٍ يحكمهُ الزعماءُ المعصومون لقمة عيش ، أو مُسحةَ كرامة ، فأشعل النار في نفسه ، ليغسلها من أدران الذل والهوان ، لقد ملك الجُرْأةَ على ذلك هروباً من العيش بلا أمل ، ولو كان غيرهُ يملكُ مثل جُرْأته لصنعوا مثله ، مع عدم تأييدي لذلك ، فلماذا يحرقُ المواطنُ نفسه ؟! ليحرق مَنْ اغتصب حقه ، وصادر حريته ، واستهان بإنسانيته وعقله . وما زالت الملحمة تتفاعلُ ، وما زال الوطن مستعمراً ولكن بأسماءٍ عربية ، وما زالت الثرواتُ منهوبةً للمتنفذين في حكم الوطن ، الذي لا يملك المواطن فيه طعامه وشرابه ولباسه وسكنه إلا بشق الأنفس ، وربما لا يملك ، وما زالت حالة الطوارئ أكذوبة العصر والنصر ، حتى اتضح وبان ما كان مستوراً بالخُطب النارية ، فإذا بالجيوش العربية التي كانت تستعد لتحرير الأوطان ، من المستعمرين والغُزاة والصهاينة ، وبعد هزيمتها بالجُمْلة عام 1967م ، تنقلبُ على الشعوب المقهورة المغلوبة على أمرها ، والتي صودرت كرامتها وإنسانيتها ، فيُقْصَفُ الوطن بطائراتهم ، ويُرْجَمُ بدباباتهم ، ويُعذبُ المواطنُ بسياطهم ، ويُقتلُ برصاصهم ، ويُهدمُ الوطن العربي بأيدي جيوشٍ نهبت ثرواته ، وتسلحت بأمواله ، للدفاع عنه ومواجهة أعدائه ، وإذا بالأنظمة وجيوشها جميعاً حُراسٌ أمناء ، ولكن ليس للوطن ولا للمواطن بل ... . وما زالت القصة تتكرر فصولها ، ويُعيدُ التاريخ نفسه ، ليظهر شرقُ أوسطٍ جديد وبمساحات جديدة ، وسكان مستقلين ، وبقومياتٍ مختلفة يتمزق الوطن بها إلى قطع أصغرَ بينها ، كما خطط (سايكس وبيكو الجدد) أوباما وبوتين ، أو كامرون وأولاند ، لذلك فلتُدمَّر سوريا ، والعراق ، واليمن ، وليبيا ، ومصر ، والحبل على الجرار ، حتى تستقر الأمور في أيدي زعما القبائل الجُدُد ، الذي يقبل كل واحد منهم ولو بمدينة أو قرية ، فيُعلنُ فيها مملكته العُظمى ، كما كان الأمر سابقاً ، أيام مملكة حمص ، أو حماة أو حلب ، أو الموصل أو القاهرة ، أو النوبة ، أو ... ولْيَهْنَأ بنو صهيون بالأرض المقدسة ، وليهدموا المسجد الأقصى وقبة الصخرة ، ولتقم مملكة يهود ، على أنقاض وأشلاء الوطن الممزق ، والأمة المشتتة ، وليبق المواطن العربي رقيقاً يباعُ ويُشترى في أسواق النخاسة العالمية . أيها المواطن العربي : ثُرْ لنفسك ، لإنسانيتك ، لكرامتك ، لحريتك ، لشرفك ، للقمة عيشك ، لوطنك ، لدينك ، من أجل مستقبل أبنائك وحريتهم ، من أجل بقائهم واستمراريتهم ، من أجل تاريخك وقبور أجدادك وآبائك . ثُرْ ، وإلا فما فائدة وطن لا تملكُ فيه الحرية ؟ ولا تملك حقك في العيش فيه عزيزاً كريماً ، ولا تملكُ فيه لقمة عيشك ، وشربة مائك ، ولباسك ، ومنزلك . ثُرْ ولا تخش أحداً ، ولا تخش شيئاً . ثُرْ لاتُطَأطئ رأساً ، ولا تحني ظَهْراً ، ولا تُقبل يداً . ثُرْ ، فأنت مَنْ شعارُ قومه : متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ، ثُرْ فأنت مَنْ قال ثُوارُهُ : عجبتُ لمن لم يجد قوت يومه ، كيف لا يخرجُ على الناس بسيفه . أيها المواطن العربي : هذا العمر واحد لا يتكرر ، والحياة واحدة وهي قصيرةٌ مهما طالت ، وزمان العمر والحياة هذا ، لا يحتملُ الصبر على العبودية والاستحمار ، فتحرر ليتحرر الوطن العربي ، وإلا فأنت مواطنٌ ، ولكن مع وقف التنفيذ . |