|
صديقُها ماتَ في البحرِ، لكنَّ حُبَّه ينبضُ في قلبها
نشر بتاريخ: 06/01/2016 ( آخر تحديث: 06/01/2016 الساعة: 12:56 )
الكاتب: عطا الله شاهين
أرغمتْ الحربُ ذاك الصَّديق على الهربِ مِنْ وطنِه، ووصلَ ذات مساءٍ إلى ميناءٍ تكثرُ فيه عمليات نقل المُهاجرين الفارّين مِنْ أوطانِهم المُدمرة، وحينما علِمتْ صديقته بأنَّه فرَّ سرّاً، حزنتْ، لكنّها لحقته في اليوم التالي لكيْ تقنعه بالبقاء في وطنِه، ولحسنِ حظها لمْ يصل المركبُ الذي سيصعدُ عليه صديقُها في ذاك المساء، وتأخّرَ لعدّة أيام، بسببِ مشاكلٍ فنيّة لدى المُهرِّب، وبقي صديقُها عالقاً في مدينةٍ رائعةٍ بسواحلِها وأسواقِها.. فصديقته بعد يومين كانتْ قد وصلتْ إلى تلك المدينة المعروفة بتهريبِ المهاجرين وبدأتْ في البحثِ عنه.
وذات مساءٍ رآها مِنْ بعيدٍ حينما كانتْ تدنو صوب الميناء، واقتربَ منها، وقال لها أتبحثين عني فالتفتتْ نحو صوته وعندما رأته فرحتْ، وقالتْ له : أبحثُ عنكَ أيها الصديق الرائع، لأنَّني لا أُريدكَ أنْ تغرقَ وتموتَ، فهزَّ رأسَه وعلِمَ بأنّها تُحِبُّه، وقالَ لها: لربّما سأغرقُ أو لربّما سأنجو، لكنَّني مللتُ العيشَ تحت القصفِ، فقالتْ له: معك حقّ، ولكنْ لو نبقى هُنا سويةً ونعيشُ باقي أيام عُمرنا في هذه المدينة الرَّائعة .. فردَّ عليها : أريدُ الهروبَ مِنْ هنا، مع أنها مدينة جميلة، فهُنا تكثرُ الجرائم وعمليات التَّهريب والنَّصب، فلذلك أُريدُ بلداً آمناً.. كانتْ تدنو مِنه، لكنّه ترجّاها بأنْ تتمنى له فقطْ حياة أُخرى بلا عذابٍ، وعندها حاولتْ إقناعه دون جدوى، والمركبُ كان على وشك الإبحار في العتمة. فاقتربتْ منه لحظة ما كانتْ واقفةً على الرَّصيفِ لتودّعه، فرأتْ الحُزْنَ في عينيه، ونطقتْ بصوتِها النّاعم لنْ استطيعَ العيش بدونكَ، أرجوكَ ابق هُنا، فأنا لدي إحساس بأنَّ هذا المركبَ سيغرقُ، لأنّه متهالكٌ، فهزَّ رأسَه، وقالَ: أقبلُ القدَرَ مهما كان، وودّعته بحرارة، وأبحرَ المركبُ وتمتمتْ قي ذاتها أُريدُ العودةَ لوطنِي رغم الحرب الدّائرة فيها، فأنا حاولتُ إقناعه لكي يبقى ، لكنَّه رفضَ فما مِنْ طريقٍ أمامي سوى طريق العودة إلى بلدٍ تطحنُه الحرب بلا هوادة فأنا أحِبُّه رغم الدَّمار، فأنا حزينة لأنَّني لا أستطيعُ الابتعادَ عنْ وطنٍ أعشقُه، ولكنَّني كُنتُ أريدُ ذاك الصَّديق لأنْ يبقي معي، ولو في بلدٍ دمّرته الحرب.. كانَ صديقُها ينظرُ إليها مِنْ على ظهرِ المركب، ولوَّح لها بيده، وبعدما تحرّك المركبُ عادتْ إلى شقةٍ كانت استأجرتها قبل يومين، وظلّتْ فيها تبكي على فراقِ صديقٍ عزيزٍ عليها.. وفي عتمةٍ مخيفة هاجَ البحرُ وعلت أمواجه وقلبتْ المركب، وغرقَ الجميع، وعند غرقِه طلبَ أنْ تُسامحه تلك الصّديقة الرائعة، وقالَ : هذا قَدَري، فأنا فررتُ من الموْت، لكنَّني ها أنا أموتُ هنا.. وفي الصّباح علمتْ من القنوات الإخبارية بأنَّ المركبَ غرق، وغرق كل من كان على متنه.. فعلمتْ بأنَّ صديقها ماتَ، وقالت : هذا قدَرُ صديقي.. فهو فرّ من الموتِ، لكنه ماتَ في بحرٍ ساحرٍ يموتُ فيه الفارّون من الموت وقالتْ وهي تبكي لقدْ رحلَ جسداً، ولكنَّ حُبَّه ما زال ينبضُ في قلبي، وأنا لا أستطيع العيشَ الآن بلا مشاغاباته اللطيفة، وأسظلُّ أتذكر كلماته الرائعة حينما كنّا نسهر سويةً على التّلِّ المصادر ونهمس لبعضينا عن ثوران قلبينا، الدائم.. لقد رحلَ من سحرني بهمسه، سأظل أنصتُ للسماء في كل ليلة فهمساته سأسمعها وسأبقى في حالة عشقٍ لأن قلبي ما زال يُحبُّه.. |