|
قنّاص الخليل
نشر بتاريخ: 08/01/2016 ( آخر تحديث: 09/01/2016 الساعة: 06:16 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
منذ البداية كانت إسرائيل تحسد الخليل، وتخشى من الخليل، وتقلّد الخليل، وتتمنى لو أنها بنصف ثبات وقوة وذكاء الخليل، وحتى باص الخليل كان يتفوق على مواصلات الاحتلال، وكان يملأ الدنيا ويشغل الناس كان اهم من باصات "ايجد" التي حاولت أن تقلّده وتتغلب عليه دون جدوى. وطالما كانت الخليل أكبر من تل ابيب وأكثر عمقاً وانتماءً، وحين كان "بن غوريون" و"موشيه دايان" يخططان لترسيخ الاحتلال كانت الخليل شوكة في حنجرتهما، وبعد يوم واحد من احتلال عام 1967 وقعت أول عملية في شوارع الخليل، واطلق الرصاص من مسافة صفر باتجاه جندي محتل فأرداه وانسحب.
أكثر من عشرين قرية وكل قرية لا يقل عدد سكانها عن 20 الف نسمة، إلى جانب مخيمين عنيدين يحرسان نار المحافظة، واحد في شمالها وواحد في جنوبها، اما مدينة دورا فان فيها 99 خربة وهي التي انجبت ماجد أبو شرار وباجس أبو عطوان وعبد العزيز الاطرش. في حين تتولى مدينة يطا المعركة الديموغرافية الاصعب فهي ثاني أكبر تجمع سكاني وفيها لوحدها اكثر من 110 شعبة أول ابتدائي. ومن اذنا التي قهرت شارون وحتى سعير التي جوّلت حياة الاحتلال إلى سعير. لا تزال الخليل برهاناً كبيراً على انتصار الشعب الفلسطيني على أرضه. في بداية انتفاضة القدس، نشر الاحتلال خطة لاعادة احتلال الضفة الغربية للمرة الثالثة في أقل من 60 عاماً، وجاء في الخطة أن اعادة احتلال الخليل لن يستغرق أكثر من ساعة واحدة فقط، فكانت سلسلة عمليات الطعن واطلاق النار والتظاهرات في الخليل تهز القدس والعفولة ورعنانا وبات يام وتل ابيب، لتصل الرسالة بسرعة إلى حكومة نتانياهو ومفادها: إذا فقدت الخليل الامن فإن تل أبيب ستفقد الامان. وظلت الخليل خط انتاج الشهداء والشهيدات، وخرج 350 الف يشيعون جثامين الشهداء في ذروة المنخفض الجوي. وقارنت بين جنازة الشهداء في الخليل وبين جنازة شارون التي لم يحضرها في مزرعته سوى 42 من المنافقين وابناء العائلة. ولا مجال للمقارنة اصلا. وقبل لغز المتهم بتنفيذ عملية تل أبيب نشأت ملحم، ظهر قناص الخليل حتى صارت قصته رواية، وصارت كل اسرة في فلسطين تتخيّله البطل المنقذ الذي يقهر الاحتلال الذي قهر الناس، ويقتل القاتل، وينصر المظلوم ويذل الظالم. قناص الخليل ليس فدائي ينفذ عملية في ظل المنخفض الجوي وينسحب بنجاح، وانما هو البطل الخارق الذي كان يحتاجه الناس، كانوا ينتظرونه، كانوا بحاجة له، كانوا ينتظرون ولادته، وقناص الخليل ممنوع من الصرف، ممنوع أن يعتقل أو أن يموت أو أن يقهر. لفت انتباهي إلى أن دولة مثل لبنان تعيش دون رئيس منذ سنتين دون أن يختل النظام العام، مما دفعني لاسأل نفسي: لو استقال جميع الرؤساء العرب لاستمرت الحياة دون مشاكل. ولو أن جميع الحكومات العربية استقالت لما ظهر أي نقص أو خلل. بل أن الناس ربما تعيش بشكل افضل وأكثر سعادة. لكن الحياة في الأرض المحتلة لا تنفع من دون قنّاص الخليل. |