وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

دراسة تطالب بضرورة الاهتمام بالفئات المهمشة

نشر بتاريخ: 23/10/2007 ( آخر تحديث: 23/10/2007 الساعة: 15:45 )
رام الله- معا- أشارت دراسة علمية إلى أن للفساد آثار سلبية مدمرة على واقع ومستقبل المجتمعات،وأنه يجب اتخاذ التدابير الفاعلة والسريعة للحد من هذه الظاهرة التي تمثل آفة خطيرة في نتائجها،خصوصاً فيما يتعلق باتساع مساحة الظلم الواقع على الفئات المهمشة.

وجاء في الدراسة المعنونة بـ" آثار الفساد على الفئات المهمشة في المجتمع الفلسطيني(النساء،والأطفال والمعاقين):قراءة نقدية في التشريعات والسياسات الرسمية،أعدها المحاضر في الجامعة العربية الأمريكية بجنين د. أيمن يوسف لصالح الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة"أمان"،وأعلن عن نتائجها أمس في ورشة عمل،أن الفساد في حالة تفشيه فإنه يحدث تفككاً اجتماعيا واسعاً في مكونات ومسار المجتمع،ويعرض مصير الدول إلى التهديد الذي يصل أحيانا إلى حد وجودها وقيمها وحضارتها.

أشكال الفساد

وأكدت هذه الدراسة،التي تعتبر الأولى من نوعها فلسطينياً،أن المختصين بظاهرة الفساد صنفوا أشكالاً محددة تندرج ضمن حالات الفساد،تتمثل في:المحاباة والتمييز بين المواطنين بسبب الدين أو القرابة أو الصداقة أو العرق،سوء الإدارة والفوضى والإهمال في إدارة والتصرف بالمال العام،التأثير على القضاء وأجهزة الرقابة والمساس سلباً باستقلالية القضاء والمحاكم،التأثير على الرأي العام عن طريق استخدام الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى لتمييع الحقائق وتزويرها أمام الرأي العام أو العمل لصالح جماعات المصالح والضغط والنفوذ على حساب المصلحة العامة،إلى جانب إجهاض التجارب الديمقراطية من خلال تزييف الانتخابات وتزوير نتائجها .

وأوضحت هذه الدراسة الوصفية في منهجها أن منظمة الشفافية العالمية نظرت إلى الفساد وتأثيره وتداعياته على الدول والمجتمعات نظرة شاملة ومتكاملة لأنها ربطت بين الفساد والانعكاسات الخطيرة له على الفئات المهمشة والمستضعفة مثل الأطفال والنساء والمعاقين المحرومين من الاحتياجات الأساسية في التعليم والصحة والغذاء.

الأسباب
وتعدد الدراسة الأسباب الكامنة وراء بروز ظاهرة الفساد،سواء في المشهد الدولي،أو الحالة الفلسطينية،بحيث ذكرتها في جملة أسباب،أهمها:الفقر،الاستبداد السياسي،الهوة بين الأغنياء والفقراء،انعدام أو ضعف الأخلاقيات الوظيفية للعمل الحكومي وغياب مفهوم المساءلة العامة والمسؤولية،ازدياد حجم القطاع العام،فكلما اتسعت مجالاته ازداد الميل نحو الفساد،وأدى ذلك إلى بيروقراطية ذات توجهات تعنى بالتوزيع لا الإنتاج،التحيز العنصري،صراع ثقافتين أو قوتين في مجتمع واحد،محدودية قنوات التأثير الرسمية على قرارات أجهزة الدولة الحكومية،وجود هياكل قديمة لأجهزة الدولة،عدم العدالة في توزيع الثروة ،ضعف التفتيش والرقابة والمتابعة،إلى جانب هشاشة العقوبات المفروضة على الفاسدين،إن تم محاسبتهم في الأصل.

هذه الأسباب وغيرها تؤدي إلى أن يعاني الفقراء والمهمشين من النساء والأطفال والمعاقين وغيرهم من عدم القدرة على الوصول للخدمات جراء الواسطة والمحسوبية والتي تعمل لصالح الأغنياء والأقوياء،مما يعني أن هؤلاء المهمشين يدورون في حلقة مفرغة من الحرمان ،ويصعب عليهم الخروج من حالة الفقر والبطالة والمعاناة ،إلى جانب أن هذه الحالة تخلق روح الحقد والكراهية والسلبية لدى هذه الفئات
النتائج
وبما أن الموضوع المحدد للدراسة يكمن في آثار الفساد المترتبة على واقع الفئات المهمشة الثلاث، فإن الدراسة أسهبت في الحديث عن ذلك،حيث تبين أن الفساد يساهم في حالات الإفقار وتراجع العدالة الاجتماعية وانعدام ظاهرة التكافؤ الاجتماعي والاقتصادي وتدني المستوى المعيشي لطبقات كثيرة في المجتمع نتيجة تركز الثروات والسلطات في أيدي فئة الأقلية التي تملك المال والسلطة على حساب فئة الأكثرية وهم عامة الشعب الفقراء من خلال سوء توزيع الدخول بشكل غير مشروع وما قد ينجم عن ذلك الإفقار من ملابسات كثيرة قد تؤدي بهذه الفئات المسحوقة إلى ارتكاب سلوكيات خاطئة وخطيرة من شانها تعطيل قوة فاعلة في المجتمع،من الممكن الاستفادة منها لو أحُسن التعامل معها.

ومن النتائج للفساد التي تظهرها الدراسة،كذلك، ضياع أموال الدولة التي يمكن استغلالها في إقامة المشاريع التي تخدم المواطنين بسبب سرقتها أو تبذيرها على مصالح شخصية، وما لذلك من آثار سلبية جداً على الفئات المهمشة،خاصة الأطفال والمعاقين والنساء،إلى جانب عدم تقديم الدول الأجنبية مساعدات للدولة بسبب انتشار الفساد فيها، الأمر الذي يحرم المواطنين من هذه المساعدات،لا سيما هذه الفئات.وإضافة إلى ذلك،فان الفساد يؤثر على حقوق الأطفال والمعاقين لا سيما فيما يتعلق بالخدمات الأساسية مثل التعليم الابتدائي والخدمات الصحية،ناهيك عن التأثير الأخطر من ذلك ،وهو مساهمة الفساد بشكل مباشر في تشويه التجارب الديمقراطية وعمليات السوق الحر والاقتصاد الليبرالي عن طريق التلاعب بآليات السوق وسلب البشر من منافعه.
وأثر الواسطة والمحسوبية على المهمشين انتشار الفقر والظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي تمر بها بعض الدول العربية والتي تؤدي إلى شح المصادر اللازمة لخلق فرص عمل،أو لأداء الخدمات الموكلة للدولة,كذلك فقدان الثقة في النظام الاجتماعي السياسي ،وبالتالي فقدان شعور المواطنة والانتماء القائم على علاقة تعاقدية بين الفرد والدولة ،إلى جانب هجرة العقول والكفاءات والتي تفقد الأمل في الحصول على موقع يتلاءم مع قدراتها ،مما يدفعها للبحث عن فرص عمل ونجاح في الخارج،وبالتالي يفقد شعور المواطنة والانتماء القائم على علاقة تعاقدية بين الفرد والدولة ،إلى جانب هجرة العقول والكفاءات التي تفقد الأمل في الحصول على موقع يتلاءم مع قدراتها ،مما يدفعها للبحث عن فرص عمل ونجاح في الخارج،وهذا له تأثير على اقتصاد وتنمية المجتمع عموماً.

المرأة والفساد

إلى ذلك،فإن الدراسة تخصص تأثيرات الفساد على تلك الفئات المهمشة الثلاث،منطلقة من التأثير على واقع النساء،حيث تشير إلى أنه عندما يمتد الفساد ليشمل المؤسسات السياسية والانتخابات فان ذلك قد يؤدى إلى العزل الذكورى للنساء إذ يسعى الرجال لنيل المناصب السياسية بالطرق الفاسدة وإقصاء النساء منها أو جر النساء إلى بؤر الفساد المختلفة ليصرن أداة للذكور في الفساد،موضحة انه في حال استشراء الفساد ليصل إلى الأجهزة العدلية فان النساء سيتضررن بسبب شح مواردهن فيخسرن قضايا الطلاق ورعايتهن للأطفال.إلى جانب ذلك، فان النساء يتأثرن سلباً كشريحة من شرائح صغار المنتجين الذين يحرمون من القروض أو أي تسهيلات استثمارية،إذ تذهب هذه التسهيلات لكبار المستثمرين بسبب الفساد فيزيد ذلك من إهمال وتهميش صغار المنتجين وخاصة النساء.

المعوقين والفساد

أما تأثير الفساد على المعاقين ،فتتمثل في جزء منها بعدم وجود نظام ضمان اجتماعي ينتفع به المعوقون ويوفر لهم الأمان الاقتصادي والاجتماعي، والخدمات الأساسية، إلى جانب عجز القطاع الأهلي عن توفير الحلول المناسبة للمشكلات التي يعاني منها المعوقون داخل مؤسسات الرعاية، وعن تطوير سياسات ومعايير مهنية لتقديم الخدمات،و سوء توزيع مصادر وموارد الخدمات من الناحية الجغرافية،و تزايد أعداد المحتاجين إلى خدمات التأهيل،إلى جانب انخفاض حجم الخدمات التعليمية المقدمة للطلبة الصم وارتفاع نسبة الأمية بينهم،فضلاً عن ضعف مشاركة المعوقين في صنع القرارات على مستوى مؤسسات التأهيل حيث الغالبية الساحقة من إداراتها وطواقمها من غير المعوقين.

الأطفال والفساد

أما الأطفال فان للفساد بواعث وأبعاد خطيرة جدا على واقعهم المعيشي والصحي والتعليمي والاجتماعي،وكذلك على مستقبلهم.فالفساد كما ترى الدراسة،يمثل أداة تفكيك لكثير من حياة الأطفال الذين يتعرضون بسبب الفساد إلى ظلم وتهميش وحرمان من ابسط الحقوق المكفولة لهم قانونياً ودينياً،لا سيما فيما يتعلق بالخدمات الأساسية في حياتهم كالمأكل والمشرب والسكن والصحة والتعليم وغير ذلك.

توصيات ونقاش
وخرجت الدراسة بجملة من التوصيات والمقترحات التي وضعها الباحث وأضاف بعضاً منها المشاركين في ورشة النقاش،ومن أهم هذه التوصيات:التأكيد على ضرورة وجود نموذج وطني يؤسس لمعايير يتم وفقها دراسة ومعالجة قضايا الفساد ومظاهره وصوره، إلى جانب التأكيد على وضع خطط إستراتيجية واضحة ومحددة في الإصلاح الشامل،والعمل على تقوية سلطة القضاء والمجلس التشريعي في المراقبة والمساءلة،وتخصيص نسبة معقولة من الموازنة لتطوير وتحسين واقع الفئات المهمشة.


إلى ذلك،فقد تطرق عدد من المشاركين في ورشة النقاش إلى العديد من الملاحظات،حيث قدمت المديرة التنفيذية لامان غادة الزغير مداخلة حول نشاط وعمل الائتلاف وأهمية وجوده في الساحة الفلسطينية،كما تطرقت إلى أهمية الدراسة،لا سيما وأنها تعتبر الأولى من نوعها،ومنوهة إلى أن أمان ستواصل عملها في إعداد الدراسات المتميزة والنوعية المتعلقة بقضايا النزاهة والشفافية.

كما قدم كلاً من النائب د. أيمن ضراغمة، والنائبة السابقة دلال سلامه،والباحثين صلاح عبد العاطي ومحمود الفطافطة وغيرهم مداخلات أثرت موضوع الدراسة.يشار إلى أن الورشة عقدت في مدينتي رام الله وغزة بواسطة نظام "الفيديو كونفرانس".