وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

"كواكب لا تغيب" تتتبع سيرة اول شهداء مخيم الفارعة

نشر بتاريخ: 17/01/2016 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:03 )
"كواكب لا تغيب" تتتبع سيرة اول شهداء مخيم الفارعة
طوباس- معا- تتبعت الحلقة (32) من سلسلة "كواكب لا تغيب" التي تنفذها وزارة الإعلام في محافظة طوباس والأغوار الشمالية بالتعاون مع الاتحاد العام للمرأة، سيرة أحمد محمد أيوب، الذي كان من أوائل شهداء مخيم الفارعة خلال انتفاضة الحجارة عام 1987.

تشق كلمات والده الثمانيني محمد عبد أيوب طريقها من قلب محترق وكبد يقطر حزناً، فيقول: كان في عز شبابه حين سرقوه منا، ولا أستطيع أن أنساه إلى أن يأخذ الله أمانته، وإذا سألت أي واحد من المخيم عنه، فسيبكي حين يتذكر ولدي المحبوب والخلوق.
ابتسامة وتطوع

ووفق الراوي، فقد كان الابن الأشقر وطويل القامة والمبتسم غالبًا يقدم المساعدة للأسرى الذي يطلق الاحتلال سراحهم ليلاً من المعتقل الملاصق للمخيم (مركز الشهيد صلاح خلف اليوم)، وعرف بتشجيعه للشبان على التبرع بالدم لصالح جرحى مواجهات الفارعة.

يكمل الأب المولود في بلدة الفالوجة عام 1927 قبل أن تدمرها العصابات الصهيونية سنة النكبة: حرص أحمد على ارتداء ثلاثة بناطيل في وقت واحد، فيخرج من المنزل ليعود بواحد فقط، حين يقدم البقية للمحتاجين وللأصدقاء. وقد أمتهن الكهرباء ودرسها، ولم يُكمل تعليمه، وكان يرفض الزواج أو بناء بيت، وقد خسرناه بلمح البصر.


تحقيق كروي!

وتسكن في ذاكرة والد أحمد وأخوته وأبناء جيله ولع أيوب بكرة السلة، وبراعته فيها، لدرجة أن (ديفيد) أحد ضباط المخابرات في معتقل الفارعة استدعاه للتحقيق في الطريقة التي يستطيع تسديد الرمية داخل الهدف بسهولة، وسر قفزاته العالية على المرمى المُعلق في الهواء. ومما قاله الضابط: إن أحمد يتفوق على لاعبي ما يسمى "مكابي تل أبيب" بتسجيله السريع للنقاط ولرشاقته.

يتابع والدي: في يوم الثلاثاء 15 آب 1989 كنا نتناول الغداء، ولم يكمل أحمد صحن العدس، حين هرب من المنزل بعد انتشار خبر اقتحام جنود الاحتلال لأزقة المخيم، ووصل بيارة البرتقال القريبة، وبعد وقت قصير خرج إلى التلة المقابلة لها، لكن جنود وحدة ( جولاني) أطلقوا عليه الرصاص، وأصابوه بأربعة منها، وشاهد أهالي من الفارعة طريقة إعدامه بدم بارد.

تعرض أحمد للملاحقة من جنود الاحتلال، ونشط في تشكيل لجان حراسة ليلية للمخيم، واستطاع الفرار من كمائن اعتقال وتصفية عديدة نُصبت له، لكن الأب وشهود عيان لا ينسون إصرار الجنود على تصفيته، وعدم الاكتفاء باعتقاله.

وحدة ووجع

يحتفظ الأب بشريط صور عتيق لولده الشهيد، وصار يتكفل لوحده بحمل الأحزان في قلبه، بعد رحيل زوجته عائشة قبل ثلاث سنوات، التي اعتادت البكاء وزيارة قبر ابنها، الذي ولد في نيسان 1965، وكان في الرابعة والعشرين حين ارتقى. ومما تبثه الصور المرسومة باليد، أو الملتقطة لوثبات لاعب كرة السلة أن أحمد لا شبيه له بين أخوته، ولم يستطع الأحمدان الجديدان في العائلة سد فراغه، أو لعب دور الهجوم في الفريق السلوي.

ولا تقفز من ذاكرة الأب مساعدة أحمد له في مهنة محل بيع اللحوم، فقد أتقن منذ الصغر مهنة (القصّاب)، وكان يصر على توفير الأيدي العاملة المتطوعة من الشبان في مواسم الخيار والبندورة لوالده، وقبل أن يكمل الراوي شريط حكاياته القديم تعود الدموع لحجز مكانها في عيني رجل تتنازع عليه أوجاع الشيخوخة والحنين لبلدته المدمرة وحقولها: الرسوم وأبو القوص والجلس وأبو القلاع، التي كان يزرعها عندما كان في جيل شهيده.

يتابع الأب العائد قبل يومين من زيارة قبر أحمد: يوم استشهد خرج كل المخيم عن بكرة أبيه، وسمع أهالي الفارعة ما ردده جنود الاحتلال بالعربية أن هذه الجنازة الكبيرة لرجل مهم ومعروف بين الناس.

أسطورة وقصص

وأحمد هو الابن الثالث لعائلة ذات خمس بنات، أعاد الأخوة محمود وعبد الكريم إطلاق اسم شقيقهم، فيقول أحمد محمود (14 عامًا): كان عمي أسطور كرة سلة، ومحبوبا بين الناس، وساعد جدي في العمل، وأحبه كل من عرفه، وسجل اسمه مبكرًا في قائمة شهداء المخيم، بعد أن فاز بكل مباريات الكرة.

بدوره أشار منسق وزارة الإعلام في محافظة طوباس عبد الباسط خلف إلى أن سلسلة "كواكب لا تغيب" أعادت منذ انطلاقتها قبل 3 سنوات كتابة 45 من القصص الإنسانية لشهداء انتفاضة الحجارة من طوباس ومخيمها وبلداتها: عقابا، وطمون، وتياسير.