وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

حماس ...والموازنة بين المحاور

نشر بتاريخ: 26/01/2016 ( آخر تحديث: 26/01/2016 الساعة: 10:25 )
حماس ...والموازنة بين المحاور
الكاتب: عماد توفيق عفانة
طالعتنا وسائل الإعلام مؤخرا عن عرض وصف بالسخي من إيران موجه لحركة حماس، هو في الحقيقة أقرب إلى عرض تخيير منه لعرض سياسي، وكأنه صورة من عرض بوش الابن للعالم بعد هجمات القاعدة على أمريكا من ليس معنا فهو ضدنا.

يأتي هذا العرض الذي لم تؤكده حركة حماس، بعد الصدام السياسي بين طهران والرياض على خلفية اعدام الرياض لنمر النمر الذي رسخ إعدامه البعد الطائفي لهذا الصدام.
في إطار هذا الصدام العلني يسعى كل طرف لحشد مزيد من الاصطفافات إلى جانبه، حيث أعلنت السعودية عن الحلف الإسلامي والذي في إطاره أعلنت كثير من الدول عن سحب السفراء وعن قطع العلاقات مع طهران، على خلفية الهجوم على السفارة السعودية في طهران.

من جانبها تسعى إيران إلى تعظيم فريقها في مواجهة المحور السعودي، حيث يضم محور طهران العراق بكل ما يحوي من قوى وأحزاب ومليشيات شيعية، وسوريا التي باتت ميدان مصارعة بينهما، وحزب الله الذي يحتوي لبنان، والحوثيون في اليمن، والمعارضة الشيعية في البحرين، وكل ما ذكرناه إما قوى شيعية أو تتماهى معها، ما يبرز حاجة إيران إلى قوى سنية ذات شعبية طاغية على المستوى الإسلامي مثل حركة حماس التي تعتبر محل تأييد مختلف الشعوب العربية والإسلامية، لوضوح ونصاعة الراية ونبل وقداسة الغاية التي تقاتل لأجلها نيابة عن الأمة.

من هنا ربما جاء هذا العرض الإيراني لحركة حماس بتقديم دعم مالي كبير، وتطبيع علاقات واسع يتوج بالاعتراف بتمثيل حماس للشعب الفلسطيني، وذلك كما قيل مقابل دعم الحركة للموقف الإيراني في مواجهة المملكة السعودية.

رفض حماس لهذا العرض الإيراني يأتي في سياقه الطبيعي، وذلك لعدد من الأسباب منها:

- المكان الطبيعي لحركة حماس وسط بيئتها العربية ذات البعد والامتداد الإسلامي.

- سياسة حماس تقوم على عدم التورط في أي تحالف أو محاور إقليمية، مع إيران أو مع غيرها لما قد يسببه ذلك من خسارة كبيرة عليها وعلى علاقتها السابقة مع مختلف الدول.

- علاقات حماس مع إيران منذ البداية ليس موجها ضد أحد، إنما هو بوابة لدعم المقاومة الفلسطينية، ولو فتحت السعودية بوابة مشابهة لدعم المقاومة الفلسطينية فستجد حماس جاهزة لاستقباله لكن دون أي شروط.

- تلقي حماس للدعم من أي بلد كان حول العالم دون شروط، لا يعني أن تمنح حماس الثقة المطلقة لهذا البلد بحيث تتبنى جميع مواقفه السياسية، وخير شاهد على ذلك موقف حماس من الثورة السورية، وقطع إيران للدعم عن حماس على إثر ذلك.

- المملكة السعودية تمثل ثقلا عربيا ذات بعد إسلامي عريق نظرا لكونها بلاد الحرمين الشريفين، ما يجعلها مهوى القلوب ومحط دفاع كل المسلمين بغض النظر عن هوية العدو، أما إيران فتمثل دولة إسلامية ذات بعد طائفي، ومن الطبيعي أن تختار حماس البقاء في الإطار الأوسع دون معادة إيران بالضرورة.

- العرض الإيراني بالاعتراف بحماس ممثلا للشعب الفلسطيني في مختلف المحافل من شأنه أن يعمق من حدة الانقسام الفلسطيني الداخلي، وهو عكس استراتيجية حماس المبنية على إنهاء الانقسام، وإعادة اللحمة الداخلية لمواجهة العدو الصهيوني بصف موحد، إضافة إلى أن ذلك قد يفقدها اعتراف وعلاقات كثير من الدول العربية والإسلامية.

- حماس باتت تراهن على السعودية لاستثمار شرعيتها وعلى فتح قنوات للدعم المالي، وفي تحسين علاقتها المتوترة بمصر التي باتت هي الأخرى تعتمد إلى حد كبير على الدعم المالي السعودي، فضلا عن لعب دور فعال في تحقيق المصالحة الفلسطينية.

- محافظة حماس على علاقات متينة بالسعودية دون خسارة إيران بالضرورة قد يفتح لها أبواب دول كثيرة وعلى رأسها دول خليجية.

- إيران مصنفة دوليا أنها من الدول الداعمة والممولة للحركات الإرهابية، واصطفاف حماس في المحور الإيراني، سيثبت تصنيفها على لوائح الحركات الإرهابية، وهو ما لا تريده حماس.

- في فقه الموازنة بين جلب المصالح ودرء المفاسد، يمكن أن نعتبر أن بقاء حماس أقرب إلى التحالف السني دون الدخول فيه، أولى من الاقتراب من المحور الإيراني، الذي يواجه معاداة أكثر من طرف تسعى حماس لعلاقات وثيقة معه مثل السعودية ومن خلفها الدول العربية، وتركيا التي تحاول لعب دور الوسيط، وعباس الذي تسعى للمصالحة معه.

- غني عن القول إن معاداة إيران لحماس لا يجلب الخسارة لحماس بقدر ما يجلب الخسارة لإيران التي هي بحاجة لموطئ قدم في فلسطين، الأمر الذي لا يستطيعه لا حركة الجهاد الإسلامي ولا حركة الصابرين التي أنشأتها إيران مؤخرا في غزة.

الأطفال في فلسطين كما يقولون باتوا يلعبون سياسة، حيث يعلم الجميع أن إيران بدعمها لحماس أو لغيرها في الساحة الفلسطينية لا تستهدف دعم المقاومة، بقدر ما تستهدف دعم مصالحها وتحقيق مآربها والتي على رأسها تحسين صورتها بوصفها من الداعمين للمقاومة الفلسطينية من جانب، ومن جانب آخر تحقيق استراتيجيتها بالتمدد الشيعي.

كما بات من البديهيات حرص حركة حماس على علاقات متوازنة مع جميع الدول العربية والإسلامية، بهدف تحقيق دعم للقضية الفلسطينية على كافة المستويات، وأثبت -رغم كل ما قيل-الدعم الإيران للمقاومة أنه كان مؤثرًا عسكريا في مواجهة العدو الصهيوني، وفي إسناد ظهر المقاومة، من هنا نلمس حرص حماس على الإبقاء على هذه العلاقات، كحرصها على العلاقات مع السعودية لكسب مزيد من الدعم للحقوق الفلسطينية، وهنا تكمن عبقرية الموازنة بين المتناقضات، كالسير بين الألغام.