نشر بتاريخ: 26/01/2016 ( آخر تحديث: 26/01/2016 الساعة: 15:49 )
للعلوم منهاجها، ولاحاديث الشارع مباهجها، أمّا الجغرافيا فهي علم من العلوم الطبيعية، ومثلها الارصاد الجوية التي يعتمد عليها البحارة وحركة النقل المائي وتتعلق بها أرواح الاف البشر كل مرة، فهي ليست من الكماليات وانما من أساسيات البقاء. ومنذ وضع العالم العربي المسلم الادريسي اول خرائط الارض وحركة الانهار صارت حميع الارصاد الجوية الاوروبية تعتمد على انجازاته..
وما الهرج والمرج والكلام الكثير الذي نسمعه مع كل زخة مطر سوى انعكاس لحالة قلق نعيشها وننزف فوقها خوفا في كل مجالات الحياة.. قلق الحياة وقلق الوجود وقلق الشائعات وقلق السياسة وقلق المواجهة مع الاحتلال، و قبل سنوات أصابنا هوس الهزات الارضية، ومن يرجع الى عناوين الصحافة الفلسطينية والاسرائيلية في تلك المرحلة يرى كم تسبب الاسرائيليون و"قلقهم" من (عقد الفناء) في انتشار مرض الهوس والمبالغة الى صحافتنا وحياتنا بقصد او من دون قصد.
في دول اخرى مثل اليابان تضرب هزة ارضية بقوة 7 ريختر ولا تذكر الا لماما في نشرات الاخبار، اما في تل ابيب فلو انها امطرت ساعة الغروب لقطع تلفزيون اسرائيل نشرة الاخبار وارسل سيارة بث مباشر لمكان سقوط المطر، وهي مسخرة تتعاظم بطريقة سخيفة.
نظام الحياة المبني على العلم يختلف عن نظام الحياة المبني على التهويل والتضخيم وتثوير الغرائز، ومن خلال متابعة الصحافة العربية في السنوات الخمس الاخيرة نرى الفلتان الاعلامي العربي قد وصل ذروته، وان فستان راقصة صار خبر رئيسي فيما مئات الاف اللاجئين في مخيم الزعتري لا يحظى باهتمام اية قناة تلفزيونية عربية وانما نقوم بترجمة تقارير المراسلين الاجانب عن الوضع هناك، وما يهم الكثير من الصحف والنشرات والمواقع هو مهر البنت السورية واذا كان زواج المسيار حلال ام حرام!!! بل ان صفحات الفيسبوك صارت أكثر اتزانا وعقلانية ومسؤولية من الاعلام الرسمي والشعبي والمستقل.
العرض والطلب، والنزعة الاستهلاكية وشراء الاحذية الشتوية والكاز والغاز والكستناء والملابس الدافئة والخبز قد تكون سببا وقد تكون نتيجة لكل هذه الفوضى، ولكن الامر ينسحب على باقي الاخبار ولا يقف عند المنخفض الجوي، وفي الربيع سنبالغ في سعر اللوز والمشمش، وفي الصيف سنبالغ في شراء الثلج والمكيفات والمراوح، وفي الخريف سوف نتسابق على اعلان التوقيت الشتوي. نأكل ولا نشبع، ننزف ولا نتالم، نبكي ولا نحزن، نموت ولا نتألم في حالة اغتراب سببها السياسيون وليس الراصد الجوي.
دراسة بريطانية جديدة أظهرت أن السلّة الغذائية في فلسطين هي الأغلى سعراً بدول الشرق الاوسط مقارنة بالدخل الشهري، حيث تصل فيها تكلفة الأطعمة الاساسية لأربعة أفراد إلى 86.9% من الراتب الشهري. اي ان المواطن الفلسطيني يصرف نحو 90% من راتبه على الغذاء !!!!!!!!!!!
وعندما فحصت الدراسة البريطانية دول الشرق الأوسط، اكتشفت أن الدولة التي كانت السلّة الغذائية فيها هي الأغلى سعرا مقارنة بالدخل الشهري هي فلسطين، وبعدها مباشرة تأتي المغرب، حيث تصل فيها تكلفة الأطعمة لأربعة أفراد إلى 86.4% من الراتب الشهري.
وكان الدراسة قد أشارت إلى انه في تونس بلغت تكلفة السلّة الغذائية 42.5% من الدخل، وفي مصر 33.5% وفي الأردن 31.7%. في الجزائر وصل المبلغ إلى 17.4% من الدخل الشهري، وفي إسرائيل بلغ سعر السلّة الغذائية للأسرة التي تتألف من 4 أفراد 12.4% من الدخل الشهري (وهو الأكثر قربا من بريطانيا، حيث بلغت التكلفة هناك 12.3%).
وبشكل غير مفاجئ، فإنّ الدول الأكثر جدارة للعيش فيها هي دول الخليج. البحرين 10.9%، عُمان 8.9%، السعودية 6.7%، والدولة التي كانت السلّة الغذائية فيها هي الأقلّ تكلفة في العالم مقارنة بالراتب الشهري هي قطر، فقد بلغت 2.6%.
القلق، الصراع مع بعضنا، الصراع مع العدو، التكاثر، الخوف من المستقبل، الشائعة، عدم الثقة بالمسؤولين وبالحكومات، الجوع الحسي وعقدة الاقتناء، والاحتلال جعل حياتنا دوائر صغيرة تصغر وتصغر حتى نختنق في فراغها وهي استجابة اللاوعي للحواجز والجدران التي تخنقنا وتشد الانشوطة على رقابنا.
وسواء أمطرت ام لم تمطر، اثلجت ام رمت سمك البحر، لماذا يقلق العاطلون عن العمل؟ والمعذبون؟ والموظفون؟ والمحاصرون؟ والمتقاعدون؟ والفيسبوكيون؟ والمنقسمون؟
انها مرحلة القلق، انها نحن، ولا دخل للراصد الجوي بها... فهو يحتاج الى من يرصده ويطمئن روحه.