|
في نقد العصبوية الفلسطينية!
نشر بتاريخ: 27/01/2016 ( آخر تحديث: 27/01/2016 الساعة: 11:13 )
الكاتب: حيدر عيد
إن سيطرة ثنائية فتح - حماس المزيفة على الساحة النضالية الفلسطينية و تحولها, في نظر الطرفين, الى تناقضٍ رئيسيٍ واقعي تتم تعبئة كوادرهما و أنصارهما عليه, و ما يصاحب هذه الثنائية العجيبة من قائمةِ صفاتٍ يسقطها كل طرفٍ على الأخر, بل محاولة تعبئة الجماهير في كل من الضفة الغربية و قطاع غزة لصالح الطرف "الحاكم" فيهما, قد وصلت مرحلة لم يعد فيها المواطن الفلسطيني العادي الذي يعاني ويلات الاحتلال و الاستيطان و الأبارتهيد و الحصار قادرا على استيعاب هذا المنطق الفئوي العصبوي السائد. و تلعب سلبية وتبعية الفصائل الوطنية والإسلامية الأخرى دوراً داعماً لصالح هذه الثنائية الغريبة.
و جدير بالذكر في هذا السياق أن عملية الأسلوة التي مرت بها القضية الفلسطينية على يد الجناح اليميني المهيمن و المحتكر للقرار الفلسطيني, وما صاحبها من تلاعبٍ بالمكتسبات النضالية الهائلة التي أنجزها و ضحى من أجلها الشعب الفلسطيني على مدى عقودٍ من الكفاح, كانت نقطة تحول في مفهوم و إعادة تعريف النضال الفلسطيني و أهدافه من حيث تصغيره إلى مقاومةٍ ضد الاحتلال العسكري المباشر للضفة و القطاع فقط, مع تجنب الحديث عن الأشكال الأخرى للاضطهاد الصهيوني, و تم الخلط بين التكتيك و الاستراتيجية بطريقةٍ "فهلوية" صغّرت الهّم الفلسطيني إلى معاناة سكان الضفة الغربية (المتنازع عليها حسب نص اتفاقيات أوسلو) و قطاع غزة الذين أصبحوا يشكلون الشعب الفلسطيني برمته, تبعاَ للإتفاقيات المذكورة. و لكن فيروس أوسلو, و كما كل الجراثيم المعدية, إستطاع أن ينقل العدوى الى العمل الوطني الفلسطيني بشكلٍ عام, حيث تمت أسلوة "اليسار الستاليني" من خلال عملية أنجزة قامت بتحييد التراث الثوري الهائل الذي ميز عقود الستينيات و السبعينيات و جزء كبير من الثمانينيات. و هكذا أصبح "اليسار" أيضا يناضل من أجل اقامة بانتوستان على نمط المعازل العرقية سيئة الصيت في جنوب أفريقيا, مما يتناقض جذرياَ مع الخلفية الأيديولوجية التي ينطلق منها اليسار نفسه . كما انتقلت العدوى الأوسلوية أيضاَ الى الفصائلِ الاسلاميةِ الكبرى التي تبنت برامج أكثر "واقعية" تضمن كسب ما تعتقد هي أنه"المجتمع الدولي"لصالحنا, و قامت بارسال رسائل تطمينية الى الادارة الأمريكية تعبر عن مدى "براغماتيتها" من خلال قبولها بنفس الحل العنصري الذي يتعامل فقط مع ثلث الشعب الفلسطيني, و لكن, و بشكل يتميز عن اليمين العلماني, بدون الاعتراف باسرائيل! أي القبول بدويلة فلسطينية مستقلة على حدود 67, بدون القبول بحل الدولتين. و على الرغم من شبه الإجماع الفصائلي الرسمي على هكذا حلٍ عنصري, الا أن "التناقض" الفتحاوي-الحمساوي وصل مرحلة صغرت و استخفت بالمعاناة و النضال الفلسطيني بشكلٍ غير مسبوق, و أصبح منطق (اذا لم تكن معي, فأنت ضدي) سائداَمما أدى لقمعٍ أمنيٍ على أيدي الأجهزة الأمنية. ووصلت الخلافات الى مستوى كافكاوي من حيث تعبيرها عن ترسبات نفسية خلفها الاحتلال من خلال ترسيخ عقدة الاضطهاد و الاسقاط النفسي اللذيكتب عنه المفكر الثوري الراحل فرانتز فانون. و قد لعبت الإدارة الأمريكية و الأنظمة الرجعية العربية دوراً كبيرا في تعزيز هذه الخلافات من خلال رفض قبول نتائج الانتخابات الفلسطينية عام 2006 بسبب خسارة التيار الذي كانت تؤيده, و من خلال دعم الفوضى الدموية التي تلت الإنتخابات. وعلى الرغم منصمود غزة الهائل عام 2014 لمدة 51 يومًا, وسقوط 2200 وردة ,منها580 زهرة صغيرة, و 12000 جريح و تدمير 100.000 مبنى, و شطب أكثر من 60 عائلة بالكامل من السجل المدني, فشل من يقودنا حتى في فتح معبر واحد. و لا زالت بوابات السجن موصدة, مع تطورٍ ملحوظٍ في القدرة على التبرير السفسطائي واللجوء لنظرية المؤامرة جاهزة التعليب. كل ما سبق فشل في إقناع الفصيلين الكبيرين الارتقاء إلى مستوى التضحيات الكبيرة و اللحظة التاريخية الفارقة في تاريخ القضية الفلسطينية. وكان قد برز بصيصٌ من الأمل خلقته المقاومة الباسلة المدعومة بحاضنةٍ شعبيةٍ لم تتوفر في السابق و الوحدة الميدانية بين الكوادر المقاومة, أمل مبني على أساس أنه لن تتمكن أي قيادة كانت من غض الطرف عن هذه التضحيات والأداء المقاوم المثير للإعجاب, وبالتالي فإن إمكانية أن تستمر سياسة المناكفات الفصائلية البغيضة وتفضيل مصلحة الفصيل على القضايا الوطنية الكبرى ضئيلة. و لكن الحقائق على الأرض تشير إلى أن الطامة الكبرى تكمن في عدم قدرة الفصيلين الكبيرين, في ظل غياب كامل لبديل ديمقراطي خارج عباءة اوسلو, على الاعتراف بفشلهما الكبير في قيادة حركة تحرر وطني و حقوق مدنية في مواجهة استعمار استيطاني يمارس أشكال مركبة من الاضطهاد من احتلالٍ عسكريٍ مباشرٍ و تطهيرٍ عرقي ممنهج ذو نزعة إبادية و سياسة أبارتهيد ممأسس. فبعد قيام الاتفاقيات المذكورة بتصغير الشعب الفلسطيني الى سكان معازل الضفة الغربية و قطاع غزة (ثم تحويل الأخير إلى معسكر إعتقال ب 7بوابات مغلقة)، تم تحويل الوعي الوطني الذي كان يشكل تياراً سائداً إبان الانتفاضة الأولى إلى وعيٍ زائفٍ نتاج عملية انزياحات طبقية و انتشار ثقافة استهلاكية أدت الى تصنيم فكرة الاستقلال حتى لو كان ذلك في معزلٍ عرقي/بانتوستان, أو معسكر إعتقال شبيه بأوشفيتس, و بروز ثقافة فصائلية غير مسبوقة ترى أن تعريف الوطنية و/أو التدين يكمن في الدفاع عن الفصيل المهلهل أيديولوجياً أحيانا و المتزمت أحيانا أخرى. وأصبحت الألقاب الاجتماعية - و "أرقاها" لقب وزير- و الحصول عليها الهّم السائد للنخب الطبقية التي أجمعت على برنامج حل الدولتين الإقصائي، على الرغم من تخليه عن حقي العودة والمساواة، والادعاء أن الدفاع عن "المشروع الوطني" و/أو "الحكومة الربانية" يتطلب التضحيات من الطبقات المحكومة، و المسحوقة في كلا الحالتين. في غزة أصبح المفهوم السائد للمقاومة محصوراً بالقبول بوظيفة كبير المساجين الذي يحافظ على النظام ويضمن أن للمقاومة مفهوم واحد لا يخرج الا من تحت عباءته، ويتم المحافظة عليه من خلال إما تهدئة، أحياناً، أووقف اطلاق نار ، أحياناً أخرى، وكأن هناك جيشين متساويين على خط إطلاق النار. وأصبح الهدف هوالحصول على اعتراف بكينونته من قبل ما يسميه “بالعالم”، أو”المجتمع الدولي” الذي يُعًّرِفَه على أنه البيت الأبيض والاتحاد الاوروبي.ولكن ، عكس التوقعات، صاحب ذلك تشدداً وغلواً أيديولوجياً داخلياً من خلال تطبيق قوانين تحد من الحريات الإجتماعية الفردية والعامة، ولكن دون سنِّها . إن وهم الدولة الفلسطينية المستقلة الذي خلق حالة غير مسبوقة لأي حركة تحرر وطني في الدول التي عانت من الاستعمار, الاستيطاني منه بالذات, من حيث التخلي عن حقوق ثلثي الشعب، و ما ولّده هذا الوهم من رموز عملت على تعزيزه كأيديولوجيا عقائدية غير قابلة للنقاش من نشيد وطني ووزارات بغير سيادة و محطة تلفزيونية تحمل اسم الوطن - و لكنها لا تتوارى عن استضافة من يعادي هذا الوطن و يدعو لابادة سكان جزء منه مثل المهرج توفيق عكاشة, و تقوم ببث برامج الطبخ خلال الحرب الضروس على غزة - و بساط أحمر و أجهزة امنية فيما سمي "شطري" الوطن/ البانتوستان، أجهزة تعمل على إما التنسيق الأمني مع "الطرف الاسرائيلي" أو أجهزة تعمل على حماية الفصيل الحاكم و الحكومة الربانية للمعتقل الكبير . كل ذلك, ومن منظارٍ نقديٍ بحت، لم يهيئ الوفد المفاوض الموحد الذي توجه الى القاهرة للوصول الى وقف إطلاق النار لتحقيق الحد الأدنى من حقوق سكان غزة بحرية الحركة و التخلص من الحصار. و قد كان الإجماع الشعبي الفلسطيني, في مناطق ال67 و ال48 و الشتات، أن ما بعد الحرب الإبادية يجب أن يرتقي إلى مستوى التضحيات. و لكن أداء الوفد المفاوض الذي غرق في سياسة المجاملات و عجزه عن الوصول الى حتى ما يكفله القانون الدولي كان يجب أن يدق ناقوس الخطر بقوة. فبدلا من مغادرة القاهرة بعد الاعلان عن فتح كل المعابر و البدء بتعويض فوري و مباشر لكل من تضرر في العدوان الاسرائيلي, تم الاحتفال "بنصر" تم اجهاضه بالكامل من خلال آلة إعلامية أيديولوجية تناست الدور التعبوي الذي قامت به خلال الحرب. و تم الموافقة على خطة إعمار تكافئ الاقتصاد الاسرائيلي و تعطي الاحتلال حق الفيتو على اعادة بناء أي منزل في غزة مع المحافظة على أجهزة رصد تكنولوجي "جي بي أس" على المعدات الثقيلة اللتي لم يتم ادخالها حتى اليوم. و لم يتم بناء أي منزل بعد سنتين من نهاية الحرب على غزةّ . و لا شك أن الأداء السيئ للوفد الفلسطيني, الذي كان موحدًا , قد أوصلنا إلى وضع لا نحسد عليه. فها هي إسرائيل تخرق وقف اطلاق النار يوميا, و تقوم بقتل و اعتقال العديد من أهل غزة, و اقتحام المسجد الأفصى و تهويد القدس, مع صعوبة إعادة بناء الحاضنة الشعبية للمقاومة في غزة لأن ما طالبت به المقاومة خلال الحرب و أبدى الشعب استعداده للتضحية من أجله تم اجهاضه بأداء سياسي أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه هزيل. و قد حاول الطرفان_ أي فتح و حماس_ زحزحة الأمور و لكن بلا أي جدية و تباشر البعض خيراَ من وجود امكانية للتغلب على النمطية الفصائلية التي جعلت التنظيم قبل الوطن, وكثيرا ما أطلقت التصريحات المطمئنة عن المصالحة, وأحياناَ تم تشكيل لجان تجتمع في كل من الضفة و غزة لاتخاذ خطوات عملية في هذا الاتجاه, و على أساس أن طريق المفاوضات العبثية قد فشل و بامتياز، و أن المجتمع الدولي, اي الادارة الأمريكية، قد قبل بالتيارات الاسلامية, بالذات بعد أدائها الانتخابي المتميز في دول الربيع العربي. و لكن كان هناك من تساءل بعيداَ عن البهرجة الاعلامية الفجة و سياسة وضع الرأس في الرمل: هل فعلا تم تخطي هذه الثنائية البغيضة، و ما تحتويه من منطقِ إقصائيِ يقوم على أساس التخوين و التكفير و رفض الاخر الوطني...الخ ؟ و كان الجواب من قبل الفصائل, المتناحرة منها بالذات، أننا قد وصلنا مرحلةَ متقدمةَ جداَ و لم يتبق الا التنفيذ من خلال تشكيل "حكومة توافق وطني . و لكنفي ذات الوقت استمرت الاعتقالات السياسية، مع نفي دائم من قبل الطرفين, و استمر التنسيق الأمني في الضفة الغربية, بل تم اعتباره "مقدساً"و ازدادت التعديات الفجّة على الحريات العامة في قطاع غزة . و هنا يتساءل البعض: هل نحن أمام لعبة ندفع ثمنها بالدم و المعاناة؟ هل حقيقةً أن القيادة/ات الفلسطينية تعي أن الغالبية الساحقة من سكان القطاع تعيش على المعونات الدولية؟ أم أن طرفاً قد انتقل لادانة كل سكان القطاع بسبب نتائج الانتخابات (2006) و بالتالي التشفي لما يحصل لهم ؟ و الطرف الآخر انتقل من مرحلة مقاومة الحصار، الى التعايش معه، ثم الاستفادة منه. أصبح جلياً الآن أن ماحصل من لقاءات و اتفاقيات و تشكيل لحكومة توافق لم يكن مصالحة بالمعنى الحقيقي للكلمة بقدر ما هو ادارة للانقسام و التعايش معه.ما وصلنا إليه يمكن تلخيصه كالتالي, صراع على كعكة السلطة بين جناحي اليمين، ووقوف "اليسار الستاليني" متفرجاً في بعض الأحيان، ومؤيداً لليمين العلماني في أحيانِ أخرى بسبب المصالح المتشابكة. أصبح الفلسطيني يُعرَّف على الهوية الفصائلية ومن خلال ثنائيات جديدة بغيضة! و انتقل الفصيلان من برنامج تحرير شامل إلى برنامجين متناقضين شكلياً إدارة يانتوستان تحت احتلال من خلال اتباع سياسة نيوليبرالية, و إدارة شئون 2 مليون سجين في معسكر اعتقال بعباءة دينية. ان عدم قدرة القيادات على فهم الواقع العربي الجديد, و الاصرار على تبني سياسة رد الفعل التي أبدعنا فيها بشكل تحسدنا عليه كل حركات التحرر الوطني, و عدم رغبتها فهم الإنجازات المشهود لها التي حققتها حملة عزل اسرائيل من خلال حملة المقاطعة و فرض عقوبات و عدم استثمار (بي دي اس), و يبدو ذلك جلياً من خلال عدم تقديرإنجازاتها و النظرإليها بطريقة فوقية بسبب اختلافها عن الاسلوب النضالي الوحيد الذي تفهمه بعض الفصائل، أو عدم فهم آليات عمل الحملة كأسلوب مقاومة مدنية نجح بشكل واضح في اسقاط نظام الأبارتهيد الجنوب أفريقي. و مما يثير الاستغراب في هذا السياق عدم ذكر حملة المقاطعة في أي تصريح أو خطاب لقائد حمساوي و كأن الملايين التي تؤيد هذا الفصيل لا يوجد دور لها في النضال إلا من خلال ما تقوم به نخبة مقاومة. و هنا تبرز علامة استفهام كبيرة، مصحوبة بعلامة تعجب، عن الفهم السائد للمقاومة الشعبية و تعريفها و آلياتها النضالية...الخ و من الغريب أيضا, و على الرغم من الإجماع الفلسطيني حول أهمية حملة المقاطعة, خلو الخطابات الرسمية الفلسطينية من الدعوة لفرض عقوبات على اسرائيل و عدم الاستثمار فيها. بل على العكس من ذلك, فان التسونامي التطبيعي في مدينة القدس و بعض مدن الضفة، و الذي يواجهه نشطاء المقاطعة بنجاح مثير للاعجاب، و الراحة التي تشعر بها بعض المنظمات التطبيعية الأمريكية في غزة، و السماح باستيراد مشروبات تبوزينا الاسرائيلية التي تمتلكها شركة صهيونية تقوم بتوفير دعم مادي لوحدات قتالية في جيش الاحتلال، تثير المزيد من علامات الاستفهام. و من اللافت للنظر إعتراف عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عباس زكي بأن السلطة لا تستطيع ملاحقة مجرمي الحرب الاسرائيليين امام المحاكم الدولية بسبب تهديد امريكا بوضع الحركة على قائمة الارهاب . و هذا بدوره يعني أن المناضل الكبير نيلسون مانديلا و مناضلي حزب المؤتمر الوطني الأفريقي كانوا على خطأ في إصرارهم على النضال حيث أنهم كانوا على قائمة الارهاب الأمريكية لدرجة أن اسم مانديلا لم يُرفع من القائمة إلا عام2008. إن الإستفادة و التعلم من تجارب الشعوب التي ناضلت ضد الأضطهاد ليس عيباً, بل هو واجبٌ وطني. فجنوب أفريقيا تعلمت من الجنوب الأمريكي و نضال الأفارقة الأمريكان ضد قوانين جيم كرو, و من ايرلندا الشمالية التي بدورها استفادت من النضال الهندي و الجزائري...الخ مع الاحتفاظ بالخصوصيات النضالية المحلية. و من المعروف أن أقرب التجارب النضالية شبهاً بالكفاح الفلسطيني هي تجربة الحركة المناهضة للتفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا و بالذات في مرحلة الثمانينيات من القرن الماضي حيث تكثف النضال المدني و المقاومة الشعبية المصحوبين بحملة مقاطعة دولية هائلة أدت في المحصلة النهائية ,و بعد تراكمات عديدة للقضاء و بشكل كامل على نظام التفرقة العنصرية. و كان التناقض الرئيس، و برؤيةٍ سياسيةٍ واضحة، مع نظام الأبارتهيد على الرغم من محاولات ذلك النظام جعله تناقضاً ثنائياً أقل أهمية من التناحر بين حزب المؤتمر الوطني الأفريقي و حزب الحرية إنكاتا. و تعددت أشكال النضال و لكن تم التركيز على ما يصيب النظام العنصري في الصميم حيث أن المرحلة التاريخية في ذلك الوقت تطلبت تعبئة الرأي العام الدولي و دعوة المجتمع مؤسسات المجتمع المدني, التدخل لصالح المضطهَد و مقاطعة المضطهِد. لم يكن هناك أي تعال نخبوي أو احتكار للأساليب النضالية و النظر للقضية من منظارٍ أيديولوجيٍ ضيق ينفي أي رؤيةِ أخرى. إن الهم الفلسطيني الآن, و في هذه اللحظة, لا يمكن أن يقتصر على إما أن تكون فتحاوياً أو حمساوياً، و لا يجب أن تستخدم الطاقات الشعبية الهائلة في تعزيز هكذا ثنائية. إن رؤية العالم من خلال منظورٍ أيديولوجيٍ ضيقٍ و اقصائي, أو من خلال أن الطريق الوحيد لحل "الصراع" هو مفاوضات ثم مفاوضات ثم مفاوضات, هي ثنائية نقيضة للديمقراطية و الحرية التي تسيل لها الدماء في شوارع القدس و الخليل و نابلس و عرعرة، دماء جيل تخطى قيود هذه الثنائية اليغيضة و انتفض عليها من خلال مواجهته للإحتلال. و بالتالي فإن الحد الأدنى من إعادة الاعتبار لمن رحلوا تتطلب عملية مراجعة نقدية جذرية تأخذ بعين الاعتبار عدم قدرة الفصيلين الحاكمين على تحقيق الوحدة الوطنية الحقيقية و عدم قدرتهما على القيادة منفردين، و الفشل الهائل الذي خلفته اتفاقيات أوسلو من انتخابات تحت حراب الاحتلال، و الاعلان عن بانتوستان مستقل لا يمثل الغالبية الساحقة من الشعب الفلسطيني, و موت حل الدولتين العنصري، و العمل على إيجاد البدائل المقاومة الخلاقة التي, و للأسف, يتم اخنزالها بشكل واحد لا يأخذ بالاعتبار قوى الشعب المتعددة و قدراتها الابداعية في النضال التحرري. |