|
آليات النهوض بالإعلام الفلسطيني
نشر بتاريخ: 28/01/2016 ( آخر تحديث: 28/01/2016 الساعة: 09:20 )
بقلم: د. بسّام عويضة
لكي يكون لديك إعلام حقيقي بالمعنى الحرفي للكلمة ينبغي ان يكون عندك دولة حقيقية بالمعنى الحرفي للكلمة، فكيف ستكتب خبراً عن الأمير أو الرئيس وهو الذي يدفع للوسيلة الإعلامية التي ستجري تحقيقا صحفيا حول قصوره واعماله. لا بد من دولة تجمع ضريبة على كل جهاز تلفاز أو إذاعة ( حاليا في أوروبا على كل بيت ) وتذهب هذه الاموال لصندوق يطلق عليه هيئة الإذاعة والتلفزيون ومن هذا الصندوق يتقاضى الصحفي الذي يعمل في المؤسسات الإعلامية شبة الرسمية راتبه الشهري لكي يستطيع ان يكتب عن قضايا المواطن ويحقق فيها ، لان المواطن هو الذي دفع من امواله الراتب الشهري للصحفي وليس من ميزانية الدولة العامة. والآن ندخل في صلب الموضوع ،لكي ننهض بالإعلام الفلسطيني يتطلب الآتي: 1 . التركيز على وسائل الإعلام الجديد في مخاطبة الرأي العام العربي والغربي لم يكن أحد يتوقع من ذي قبل ان يكون للإعلام الجديد تأثيراً مدويا على افراد المجتمع كما يحدث الآن، فقد وصل عدد مستخدمو الانترنت حوالي ملياري شخص حول العالم كما وصل عدد مستخدمي الهواتف النقالة إلى خمسة مليارات، في حين بلغ عدد مستخدمي " الفيسبوك " 800 مليون مستخدم يقومون جميعا بنشر ملايين المدونات والتغريدات والصور والمعلومات، بحسب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو). الصحافة المكتوبة تحتضر لصالح الانترنت، فعلى سبيل المثال، في الولايات المتحدة الأمريكية، كان عدد الصحف المطبوعة 2300 صحيفة في حين بلغ عددها اﻵن 1150 صحيفة فقط ، فقد اغلقت صحيفة شيكاغو 14 مكتبا لها وصحيفة نيويورك تايمز اغلقت 35 مكتبا لها خارج أمريكا فيما بقي لصحيفة " لوس انجلس تايمز" 15 مكتبا فقط ، وهذا ينطبق أيضا على مشاهدة القنوات التلفزيونية العملاقة، فقد خسرت قناة "سي ان ان " اﻷخبارية 10 % من مشاهديها العام الماضي. لقد بات الجمهور يتجه نحو الشبكة العنكبوتية فهناك 62 % من اﻷمريكيين يتابعون الأخبار عبر "الفيسبوك". وعلى الرغم من الثورة الاتصالية التي احدثها الإعلام الجديد الا انه توجد العديد من السلبيات لهذا الإعلام: * يعتمد الإعلام القديم / الكلاسيكي على شبكة مراسلين ومدققين لغويين ومحررين ورئيس تحرير في حين أصبح المواطن اليوم "صحفيا" يستطيع نشر الأخبار كما يحدث في " الفيسبوك "حاليا. ففي الولايات المتحدة الأمريكية يعتمد المواطن على 60 % من انتقاء الأخبار من " الفيسبوك "، بينما يعتمد المواطن في فلسطين على متابعة الاخبار من الانترنت بنسبة 58 % ، كما ورد في المؤتمر السنوي الأول لمركز السياسات والبحوث الإعلامية ، هذا الأمر اتاح المجال للجميع، لكل مواطن، ان يكتب وينشر من النصوص والصور والفيديوهات ما يريد، لكن هذا الأمر اعطى مجالا لنشر الشائعات والأخبار الكاذبة أو الأخبار التي يوجد بها تهويل وتضخيم وتهريج. * نشر الأخبار الكاذبة والشائعات قد يؤدي إلى بلبلة المجتمع وتعطيل المؤسسات الحكومية والمدنية ،ومثال على ذلك نشر الأخبار بان هناك منخفض جوي عميق يصاحبه الثلوج سوف يصل فلسطين الأمر الذي أدى إلى تعطيل المدارس والمؤسسات وسادت حالات الارتباك في المستشفيات ومراكز الهلال الاحمر والدفاع المدني وشركات الكهرباء والمياه وبقاء المواطنيين في منازلهم ، بل وتكبد المواطن الخسائر المادية عن طريق شراء كميات هائلة ما أدى إلى انقطاع الغاز ومواد أخرى .وربما يكون وراء هذه الشائعات تنافس غير أخلاقي بين المواقع الالكترونية لاحوال الطقس أو التجار أو شركات استثمارية كبرى أو الجميع . * نشر صور مخالفة لابسط قواعد وقوانيين وأخلاقيات العمل الإعلامي مثل نشر صور لجثث اثر حادث سير أو جثث قتلى أو غير ذلك. * اعطاء معلومات مجانية لاجهزة المخابرات، فمثلا نشر صور لشبان يقذفون الحجارة أو زجاجات حارقة باتجاه قوات الإحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي يعني اعطاء هذه الأجهزة معلومات بالصور والأسماء دون أي عناء أو جهد استخباراتي للحصول عليها. * نشر أفكار لجماعات أو تنظيمات متطرفة جدا مثل تنظيم " داعش " الارهابي حيث ينشر الذعر والخوف بين الناس ما يضطرهم إلى ترك أماكن سكناهم والهجرة إلى أماكن بعيدة ما يعرضهم للخطر كما يحدث في سوريا والعراق. * أصبح بامكان جماعة معينة من الناس ان تثير قضية معينة في "الفيسبوك "، بحيث يتم الضغط باتجاه اتخاذ قرارات سياسية من قبل النظام السياسي أو اجتماعية من قبل المجتمع أو المؤسسة الدينية أو قضائية بحق فرد أو مؤسسة دون الرجوع إلى الإجراءات الطبيعية في النظام القضائي من أجل امتصاص "الغضب" الفيسبوكي. * انتشار شبكات الابتزاز واللصوصية والاسقاط والوقوع في براثن التعامل مع اجهزة المخابرات الإسرائيلية عن طريق تصوير الناس عبر الفيديوهات وتهديدهم وابتزازهم بالمال . * انهيار السلطة اللغوية في الإعلام أصبح التركيز في عالم الإعلام الجديد على الصورة أكثر من الكلمة حتى ان الصياغة اللغوية تعرضت لانهيار كبير في مواقع التواصل الاجتماعي مثل الفيسبوك. * خلق واقع متخيل استطاعت مواقع التواصل الاجتماعي كما هو حال التلفزيون أحيانا خلق واقع مزيف غير حقيقي،فاحياناً يصور لك ان الدنيا قامت ولم تقعد في منطقة جغرافية ما لتكتشف بعدها ان الامور كانت عادية وان كل ما قرأته كان كذبا وشائعات. 2 . الإعلام حرفة ومهارة وعلم أيضاً . علينا ان نتفق على مسألة واحدة وهي في غاية الاهمية وهي أن الإعلام حرفة بشكل عام تحتاج إلى دراسة نظرية ،كمخطط البيت قبل ان يباشر المهندس ببناء البيت. هناك اتجاهين في العالم لدراسة الإعلام : الإتجاه الألماني حيث لا يعترف الألمان بالإعلام كدراسة ، فلا يوجد في الجامعات الألمانية تخصصات إعلام الا في جامعات قليلة ، فانت تجد صحفي متخصص في الرياضة ولكنه يحب الإعلام فيتقدم لوظيفة في قسم الإعلام الرياضي وهكذا . الإتجاه الثاني: في الولايات المتحدة حيث يدرس الإعلام كدراسة ولكن هذا يحتاج إلى تقنيات وأجهزة واستوديوهات بالآلاف الدولارات ،وهذا متوفر في الجامعات الأمريكية بسبب الدعم الحكومي وغلاء اقساط الطلبة حيث يصل القسط الجامعي في السنة الواحدة مثلا إلى 70 ألف دولار . الإعلام هواية كالرسم والموسيقى والغناء والرقص والعزف والتمثيل وليست كدراسة التاريخ أو الجغرافيا فمن لا يحب الخروج من البيت الساعة العاشرة صباحا حتى الساعة الواحدة ليلا أو الخروج أحيانا بعد منتصف الليل أو ايام العطل الرسمية أو الاعياد اذا حدثت عملية عسكرية أو اشتباك مسلح أو وقع حادث دموي فلا ينبغي ان يدرس هذا التخصص . دراسة الإعلام تعني انخراط الطالب انخراطاً عملياً في الواقع المهني، فهو كطالب الهندسة أو كطالب العلوم، يتعلم في المختبر ،أي في استوديو التلفزيون أو الإذاعة. 3 . الغاء الواسطات والمحسوبيات من حقل الإعلام كل تخصص في العالم قد يكون فيه واسطات ومحسوبيات باستثناء تخصص الإعلام فالواسطة تنكشف في اليوم التالي، وعليه فان كل دولة أو سلطة سياسية توظف المسؤولين في الدوائر الإعلامية باوامر منها فانها سوف تفشل في النهاية . 4 . خلق تخصصات في حقل الإعلام هذا حقل ينطبق عليه ما ينطبق على الطب ، فهناك طبيب العيون أو طبيب القلب أو طبيب الاسنان أو طبيب باطني وهكذا وهذا الأمر ينعكس على حقل الإعلام ، فينبغي علينا خلق تخصصات مختلفة في مجال الإعلام مثل الإعلام الرياضي أو الاقتصادي أو الأمني أو الثقافي أو السياحي أو خلق صحفيين متخصصين في لغات أجنبية وخاصة الإنجليزية منها يكونون قادرين على تقديم وظائف كمراسلين محليين لقنوات أو صحف غربية في فلسطين وهذا الأمر أيضا يعود علينا بالنفع لانه يقلل من نسبة البطالة في فلسطين. 5 . الابتعاد عن الخبر أو الصورة الإيدولوجية بشكل مباشر أو غير مباشر وعدم إدلجة المضامين الإعلامية في النشرات والبرامج والمقابلات من أجل الهيمنة على الجمهور واخضاعه والسيطرة عليه. الخبرسواء في التلفزيون أو الإذاعة أو الصحيفة أوالإعلام الالكتروني أو في مواقع التواصل الاجتماعي ينبغي أن يكون خبرا مهنيا موضوعيا بعيدا عن التهويل أو الكذب أو الإيدولوجيا بمعنى ان تشمل المقابلة جميع اطياف اللون السياسي ولا تنحصر على فصيل دون آخر بهدف توصيل رسائل سياسية إلى الرأي العام. وهذا ينطبق على الصورة واللغة والمصطلح والديكوروالضيوف والمسمى الوظيفي للضيوف . 6 . رواتب الصحفيين وحقوقهم القانونية لا يمكن للصحفي ان يبدع بدون راتب يأخذ بعين الاعتبار المستوى الاقتصادي للبلد، فالصحفي لا يمكن ان يعمل تقريرا صحفياً أو تلفزيونيا وهو يفكر بكيفية سداد فاتورة الكهرباء أو المياه أو القسط السنوي لمدارس اطفاله. الصحفي أيضاً ينبغي ان يتقاضى اتعابه في نهاية الخدمة حتى يستطيع تأمين مستقبله. 7 . تعزيز دور الإعلام الفضائي المهني. الإعلام لا دين له. ينبغي ان يكون الخبر مهنيا وترتيب الأخبار بناء على أهميتها وليس على أهمية الشخص الذي كتب عنه الخبر. ينبغي ان لا يكون خط تحريري في غرفة التحرير . تخلط معظم القنوات التلفزيونية في فلسطين الخبر بالرأي أو تخلط الواقع بما تحب ان يكون هذا الواقع ، فهي مسيسة وحزبية وبعيدة نوعا ما عن العمل الإعلامي المهني، وهذا يظهر جلياً في انتقاء المصطلح والصورة واللغة وحتى الخبر نفسه. أحيانا تلعب الفضائيات الفلسطينية دوراَ في نشر الخلافات بين الفصائل الفلسطينية وتمارس التحريض. 8 . رفد كليات الإعلام بالتقنيات والمختبرات وغرف التحرير والكوادر إذا اردت تعليما حقيقيا عليك ان تدفع. اقساط الجامعة في بلادنا هي مجانية مقارنة باقساط الجامعة في الولايات المتحدة الأمريكية. صحيح من حق كل إنسان ان يتعلم، ولكن أيضاً التعليم مكلف، فهو بحاجة إلى كوادر مخضرمة وتقنيات عالية ولا سيما مختبرات حاسوب واستوديوهات تلفزيون وإذاعة وتصوير وغير ذلك. فعلي سبيل المثال في الولايات المتحدة الأمريكية، يكلف القسط السنوي في جامعة كولومبيا العريقة في مدينة نيويورك 60 ألف دوﻻر. أيضاً، ينبغي التركيز في كليات ودوائر الإعلام الفلسطينية على الكوادر الميدانية وضرورة تغيير وتطوير المناهج الأكاديمية المتعلقة بالإعلام باستمرار. 5 . حرية التعبير من المفروض صياغة قوانيين تشجع على حرية التعبير والحصول على المعلومات بشرط عدم الاعتداء على الناس والتشهير بهم وهذا يتم وفق قوانيين يتم الاتفاق عليها . في الولايات المتحدة الأمريكية يوجد قانون يتعلق بحرية المعلومات فقد تقدم لوزارة العدل اﻷمريكية 700 ألف طلب عام 2014 تتعلق باستفسارات حول حرية المعلومات. حرية المعلومات ينبغي ان تكون متاحة للجميع، ففي وﻻية فلوريدا الدافئة جنوب الوﻻيات المتحدة يوجد منظمومة إعلامية مختلفة عن غيرها، فهناك يطبق نظام السجل المفتوح، بمعنى كل جنائي له ملف خاص على شبكة اﻻنترنت يشمل اسمه وصورته وعنوانه وتهمته، كما تستطيع ان تعرف خلال 30 ثانية مكان سكن أي شخص ومقدار الضرائب التي دفعها ويدفعها للحكومة. ففي هذه الولاية ، ﻻ يوجد شئ مغلق امام العامة، كل المعلومات على اﻻنترنت. 6 . تدريس التربية الإعلامية ( محو الامية الإعلامية ) لكل أفراد المجتمع كل ما سبق ،يتطلب أن لا ينحصر تدريس الإعلام فقط في دوائر وكليات الإعلام في الجامعات، بل ينبغي تدريس التربية الإعلامية في الجامعات والمدارس والنوادي والمؤسسات والجمعيات، أي لجميع أفراد المجتمع. لقد حول الفيسبوك كل أفراد المجتمع إلى " صحفيين"، وعليه أصبح من الواجب تعليم أفراد المجتمع أخلاقيات وقوانيين الإعلام. تعليم التربية الإعلامية لا يتم الا بالتعاون بين كليات الإعلام في الجامعات ووزارة التربية والتعليم ومؤسسات المجتمع المدني. ينبغي التواصل مع افراد المجتمع عن المفاهيم الأساسية لعلم الإعلام، وكذلك حول أهمية اللغة المستخدمة والمصطلحات والصور وخطورة نشر الشائعات على المجتمع ،وعدم نشر أي خبر الا بعد التدقيق فيه أكثر من مرة ، وتحذير أفراد المجتمع من شبكات اللصوصية أو من الاعيب أجهزة المخابرات وخاصة الإسرائيلية منها وطرق الاسقاط وخاصة عندما يتعلق الأمر بعمليات ابتزاز عن طريق تصوير فيديوهات الجنس . وكذلك التركيز على المسؤولية في نشر الخبر وضرورة التفريق بين بعض الصور والفيديوهات المزورة وعدم اعطاء معلومات وصور مجانية لاجهزة المخابرات مثل شبان وهم يلقون الحجارة على جنود الاحتلال أو يشعلون النار في اطارات المركبات. 7 . تعزيز ثقافة التحقيق الإستقصائي في وسائل الإعلام الفلسطينية الصحافة الفلسطينية يمكن وصفها بانها وصفية وليست استقصائية،هذا النوع ما يزال حديث في بلادنا. تقوم الصحافة الإستقصائية على جمع المعلومات والبيانات وتحديد مصادرها ودراسة معطياتها، وتحليل المعلومات والبيانات المرتبطة بها وعدم خلط الخبر بالرأي،وتوثيق المعلومات والحقائق بخطوات منهجية علمية بغية كشف الحقيقة انطلاقاً من مبادئ حق الاطلاع على المعلومة التي تكفلها القوانيين الدولية الإنسانية في ميثاق جنيف . في الغرب، قطع صحافيون مخضرمون مثل بوب وود وورد شوطاً كبيراً في هذا الفن الصحافي. ففي الولايات المتحدة الأمريكية ،التي تعتبر موطن هذا النوع من أشكال الفنون الصحافية، قامت وكالات عالمية مثل وكالة"اشويتدبرس"( ا ب ) الأمريكية بانشاء قسم خاص بالتحقيقات الإستقصائية. وكان تحقيق استقصائي قامت به صحيفة " واشنطن بوست" ادى إلى استقالة الرئيس الأمريكي السابع والثلاثين ريتشارد نيكسون من منصبه عام 1973 بما اطلق عليه فضيحة ووترغيت في ألمانيا ، ادى تحقيق إستقصائي قامت به صحيفة " بيلد " الألمانية واسعة الإنتشار بالإطاحة بالرئيس كريستيان فولف الذي قدم استقالته بسبب فضيحة مالية وواجه الرئيس فولف 52 عاماً تهمة ترهيب إحدى الصحف لمنعها من نشر هذه الفضيحة. وتعرض فولف لانتقادات كبيرة بعد محاولته إجبار الصحيفة على عدم نشر التحقيق . وأرسل رسالة غاضبة إلى هاتف رئيس تحرير الصحيفة كاي ديكمان فحواها " أن هذه القصة لا يجب نشرها،وعاد فولف وقدم اعتذاراً لديكمان في وقت لاحق ، ولكن بعد ان اطاح الإعلام به، وأجبره على تقديم الاستقالة، حيث أنتهى مشواره السياسي إلى الأبد. |