|
ليس بالحكمة وحدها !!!!
نشر بتاريخ: 04/02/2016 ( آخر تحديث: 04/02/2016 الساعة: 13:17 )
الكاتب: عوني المشني
تعوزني الجرأة اكثر من الحكمة للكتابة عن الانقسام والمصالحة ، فالحكماء وأدعياء الحكمة كثر وقد شكلوا الوفود تلو الوفود وطرحو المبادرات واجتمعو هنا وهناك وقالو في مضار الانقسام وفوائد الوحدة ما جعل اي قول بعدهم لا يضيف شيئا ، ودعاة وأدعياء الحكمة صالو وجالو بحثا عن إنهاء الانقسام ولم يتركو مكانا الا ذهبو اليه عسى ان يحققو المعجزة .
السؤال : ايجاد معادلة تحقق الوحدة ، هل هي صعبة الى هذا الحد ؟؟؟؟ هل نحتاج الى من يفك شيفرة الانقسام ليعيد ترتيب الحالة الفلسطينية ؟؟؟ ولماذا هي صعبة ؟؟؟؟ الى هنا لا يحتاج الكلام الى جرأة ، والى هنا لم أضف للموضوع جديدا يستحق القراءة ، والى هنا يكون الحد الفاصل بين الكلام الإنشائي غير ذي معنى والكلام السياسي الحقيقي . لفك شيفرة الانقسام من المفيد قراءة اسبابه او مسببات استمراره قراءة سياسية استراتجية : الانقسام الفلسطيني جاء واستمر بفعل ثلاث عوامل العامل الاسرائيلي : حيث لم يعد خافيا ان الانقسام مصلحة إسرائيلية ، ويكون منتهى الغباء لو اعتقدنا ان الانقسام كان سيحدث لو لم يكن لإسرائيل مصلحة فيه ، فاسرائيل قادرة على منعه ، ولعله مفيد التذكير ان اسرائيل لم تهدف في اي من حروبها على غزة إسقاط الحكم السائد في غزة وانما ارادت تدجين الحكم في غزة وتقليل مخاطره . العامل الإقليمي والدولي : الانقسام شكل ورقة في ايدي البعض الإقليمي لاستخدامها لتحقيق مصالحه ، وبات معروفا ان دولا إقليمية عززت حالة الانقسام بوضع شروطها عبر بعض أطراف الانقسام ، كما ان المراهنة على دولا لتعزيز موقف هذا الطرف او ذاك ساهم في تعزيز الانقسام ، لهذا فان العامل الإقليمي كان له دورا ان لم يكن في احداث الانقسام إنما كان في تعزيزه وترسيخه وافشال محاولات المصالحة . العامل الذاتي المتعلق بالنخب السياسية وهنا يجب ان نعترف ان هناك من ترتبط مصلحته ببقاء الانقسام بل وبتعميقه ، فهناك قيادات لم تكن لتكون لولا الانقسام ، ونهاية الانقسام يعني نهاية مواقعها القيادية ، وهناك أساطين مال حققت ثروتها من خلال الانقسام ، وهناك مقربون من هذا الطرف او ذاك ومبعث قربهم هو تحيزهم وولاءهم لأحد أطراف الانقسام ، بمعنى او باخر فان للبعض - والبعض كثير - مصلحة في بقاء حالة الانقسام . هذه العوامل لو بقيت متفرقة لن تصنع انقسام ولا تستطيع حتى لو ارادت ، لكن ان تجتمع هذه العوامل هو ما صنع الانقسام ، عندما تقاطع العامل الاسرائيلي مع العامل الذاتي - الطموح الذاتي - واجتمعا في شخصيات ونخب قابلة للبيع والشراء عند اي قوة إقليمية حدث الانقسام ، نعم وكلاء الطرف الاسرائيلي ذو الطموح الشخصي المجنون هم من صنعو الانقسام وبمباركة من بعض القوى الإقليمية ، وهذا لم يكن عفويا وانما كان بتخطيط وترصد وعن سبق اصرار . هذا توصيف ، والجرأة في التوصيف ليست نهاية المعضلة ، فالجرأة في الحلول هي الحكاية ، ان اغلب الجهود المخلصة لإنهاء الانقسام تذهب في الاتجاه الخاطئ تماما ، نقاش الأطراف ذاتها لا ينهي الانقسام ، هناك عجز حقيقي عن أخذ قرار بالوحدة والعجز هنا نابع من عدم مقدرة او عدم رغبة في التجاوب مع تلك الجهود ، عدم مقدرة لانه لا يستطاع تحدي العامل الاسرائيلي او الإقليمي الدولي ، وعدم رغبته لان إنهاء الانقسام يتعارض مع مصالحه البعض الذاتية . وهنا يصبح النقاش ومحاولات الاقناع هدرا للوقت او الجهد او كلاهما . السؤال الاهم : هل يستطيع دعاة وأدعياء الوحدة ان يشيروا باصبعهم ولو من بعيد على وكلاء صناعة الانقسام ؟!!! بدون هذا ما قيمة اي جهد ،؟؟!! بدون ذلك هل ينجح اي جهد ؟؟؟ !!!! يسأل سائل : لمن والى أين نوجه الجهود إذن ؟؟؟ اكيد ليس للطرف الاسرائيلي لان اسرائيل تنطلق من مصالحها في مواقفها وطالما الانقسام يخدمها - وهو كذلك - فلا جدوى من التوجه اليها ، اما الأطراف الإقليمية والدولية فهي ايضا منحازة لمصالحها والتي تنفذها عبر احد أطراف الانقسام وليس عبر وسطاء . اذا لم يحاصر وكلاء الانقسام لن تنجح المصالحة ، هذه الحقيقة التي يغفلها دعاة الوحدة ، يغفلونها لأسباب جدية ، مشروعة ، وأحيانا مرعبة . قد يكون ذلك مفهوما ، خاصة ان قسما من هؤلاء الوكلاء لا زال يمتلك اوراقا للتفجير ، ويمتلك إمكانية ، ويمتلك استعداد ، لهذا فان غض الطرف احيانا يفيد لكسب الهدوء ، ولكسب الوقت ، ولكسب السلامة الشخصية . هناك تبرز أهمية ابداع أشكال اخرى غير الاقناع والنقاش والمبادرات لإنهاء الانقسام ، اذا ما شكل تجمع فلسطيني غير حزبي تحت شعار " الانتخابات في موعدها حق مقدس لشعبنا " وتم الضغط شعبيا وبكل الاشكال من المظاهرة الى الاعتصام والى الإضراب لتحقيق هذا الشعار فان ذلك سينهي الانقسام ، لن نكون رهينة لمصالح النخب الذاتية ، والانتخابات تنهي الاحتكار للقيادة وبالتالي ستصبح مصالح القيادات كسب ود الجمهور وليس ابقاء الانقسام ، ان المدخل لإنهاء الانقسام هو انتخابات دورية وليس لمرة واحدة ، وهو الضمانة الحقيقية لوحدة شعبنا ، ان الديمقراطية ليست اداة حكم فحسب بل هي ضمانة الوحدة ، وهي اكثر من ذلك اختبار للبرامج والشعارات المفروضة على شعبنا . المشكلة الحقيقية ان كلا الطرفين ارتكب حماقة : طرف نجح في الانتخابات ولم يجيد الحكم وطرف فشل في الانتخابات ولَم يسمح لمن نجح ان يمارس الحكم ، حماقة نتاج غياب الوعي بالديمقراطية أدت لهذا الحال ، اذا أصبحت الانتخابات دورية وتحت كل الظروف وفي مواعيدها فان من لا يجيد الحكم سيتعلم إجادته او سيفشل في الانتخابات القادمة وان من فشل في الانتخابات سيسلم الحكم لمن نجح وسيحاول الكرة ثانية في الانتخابات القادمة ، وحتى الانتخابات وبدون ربطها بجهود إنهاء الانقسام هل هي مضمونة الحدوث ؟؟؟ لماذا لا يعطل الاسرائيلي الانتخابات طالما تتعارض مع مصالحه ؟؟؟ ولو افترضنا جدلا ان الجهود المبذولة الان قد نجحت فان الأسئلة الكبيرة تطل برأسها : هل سيكون اتفاق على برنامج سياسي " الحد الأدنى " ام ان المطلوب تهيئة الجو لانتخابات ولتختار الجماهير البرنامج والطرف الذي تقتنع به ؟!!! ان إمكانية الوصول لبرنامج حد أدنى شبه معدومة لا لان هناك فريق وطني اكثر من الثاني او هناك اختلاف في البعد السياسي ، ببساطة ان البرامج هنا وسيلة للتميز عن الاخر الذي يؤخذ كمبرر للاستحواذ ، مثلا شعار المقاومة مبرر للاحتفاظ بميليشيا مسلحة في ظل السلطة اي سلطة ، وشعار لا سلاح الا سلاح السلطة مبرر للإبقاء على سيطرة السلطة وانهاء سيطرة الطرف الاخر ؟ ان سلاح المقاومة وسلاح السلطة معا قتلا في الاختلاف من الفلسطينيين اكثر مما قتلا عبر عشرة سنوات من الإسرائيليين ، كيف سيتفق هنا ، ان المصالح أقوى من المنطق ، ان الوحدة الوطنية هنا لا تفتح افقا جديدا للشعب الفلسطيني في ظل الافاق المغلقة وربما تساعد على إغلاق آفاق قد تتاح في وقت ما ، لهذا لا اعتقد انه يوجد أهمية للموضوع بحجم الأصوات التي تخرج . ما الذي سيضيفه إنهاء الانقسام ؟؟ اذا لم ينهي الانقسام حصار غزة ماذا سيضيف ؟؟؟ اذا لم يساعد إنهاء الانقسام في فتح افق سياسية جديدة لشعبنا ما الذي سيفيد ؟!! اذا لم يساعد إنهاء الانقسام في تقدم البرنامج الوطني ماذا سيفيد ؟؟؟؟ المشكل الحقيقي ان برامج الوحدة المطروحة هي برامج اعادة توزيع للمصالح اكثر منها برامج وحدوية حقيقية ، إنهاء الانقسام بالنسبة لحماس هو مدخل لإعادة توزيع الحصص في منظمة التحرير اولا ، وحصان طروادة الذي سيرفع حصار حماس في غزة ، ويعطي فرصة للتمدد في الضفة ، بالنسبة للسلطة إنهاء الانقسام فرصة لإنهاء تفرد حماس بغزة . لا يلوح في الأفق اي برنامج وحدوي حقيقي حتى اللحظة ، كل ما يحصل ذَر للرماد في العيون ، مباراة مكشوفة ليحمل كل طرف الطرف الاخر مسئولية بقاء الانقسام . ان ما يوحد الفلسطينيين اكبر مما تقسمه الفصائل المتنافسة ، لكن ما يصنعه الانقسام السياسي انه يشكل حاضنة لانقسام جغرافي ، الاخطر في الانقسام ليس الاختلاف او الاقتتال بين فتح وحماس وانما ان هذا الانقسام السياسي اوجد تعبيرا له في وضع جغرافي ، حماس في غزة ، فتح في الضفة ، هذا يؤسس للتعاطي مع القضية الفلسطينية كقضية مناطق جغرافية وليست قضية وطنية ، معالجة هذا الموضوع اهم الف مرة من معالجة إنهاء الانقسام بين فتح وحماس ، ايجاد صيغة وطنية جامعة الضفة وغزة والشتات هي الحكاية ، منظمة التحرير الفلسطينية كانت هي الصيغة الجامعة ، وهي تعبير عن وحدة القضية الوطنية في ظل التشتت الجغرافي ، هي الوطن المعنوي ، هل لا زالت هكذا ؟؟؟؟ نظريا نعم ونظريا هنا تنسجم مع تفسير صديقنا الصدوق ابو نائل للفرق بين نظري وعملي ، ولكن عمليا وباعتراف الجميع تحتاج الى جهد كبير ونوعي وسريع لتبقى هكذا ، والجهد هنا اهم من الجهود الضائعة لتحقيق مصالحة وهمية ، هنا بيت القصيد وهنا التحدي وهنا نعطل قطار الانفصال ، وإذا كان شمعون بيرس قد اعترف بان افضل إنجازات اسرائيل في السنوات الاخيرة هي حالة الانقسام الفلسطينية فيجب ان نحول هذا الإنجاز الاسرائيلي الى تحدي ، ان اعادة ترتيب منظمة التحرير الفلسطينية وعلى أسس مختلفة جذريا عما تم ترتيبها عليه قبل حوالي ثماني سنوات هو الأساس ، يجب ان نعترف انه تم ترتيب منظمة التحرير حينذاك كما تم ترتيب السلطة وفتح والأمن والحكومة للاستجابة ليس لمتطلبات المرحلة بل لاشتراطات المرحلة ، هذا كان واضحا ، الان وبعد انقشاع الوهم ، وتبدد فرص تحقيق نتائج ذات مغزى من تطبيق اشتراطات المرحلة السابقة يفترض اعادة ترتيب منظمة التحرير الفلسطينية على أسس مختلفة ، ترتيبها وتفعيلها ، ودون الخوض في التفاصيل فان اعادة تركيب المعادلة لتصبح منظمة التحرير قائدة للمرحلة بدل الوضع الحالي والذي هي فيه مجرد تابع هامشي للسلطة ، اعادة تركيب المعادلة هكذا هو الخطوة الاولى والمهمة ، وبعدها ستكون الخطوات الاخرى والتي لن تكون صعبة اذا ما اجترحنا الخطوة الاولى نحن إذن هنا ، ما زلنا ندور حول الموضوع ونبتعد في ذات اللحظة عن الغوص فيه ، المصالحة التي لا نرغب او لا نستطيع او كلاهما ، والانقسام الذي لا لم نستفد من فرصه القليلة رغم مخاطره الكبيرة ، ماذا بعد ؟؟؟؟ سنبقى نراوح مكاننا ما بين انقسام ووحدة حتى تأتي متغيرات نوعية تفرض اقليميا ودوليا إنهاء الانقسام ، فالزمن الذي كان فيه الفلسطينيين يصنعوا الحدث ويفرضونه على الاجندات الإقليمية والدولية لم يعد موجود ، ونستعين بالله على وكلاء الإسرائيليين من - وتحت كلمة " من " خطين - كلا الفريقين والذين كانوا بعلم وسبق اصرار أدوات تحقيق الانقسام ، وليس لدي الجرأة اكثر مع ان هناك ما يقال ولكن الى هذا الحد فقط امتلك الجرأة . |